شبكة ذي قار
عـاجـل










جرت العادة، ان تعتبر الشعوب يوم احتلال بلادها، هو يوم إسقاط الإرادة الوطنية في تحديد الخيارات السياسية، وعليه يعتبر البلد المحتل، بلداً مسلوب الأرادة الوطنية، ومفتقراً لسيادته . كما جرت العادة، ان تعتبر الشعوب، أن يوم إنهاء الاحتلال لبلادها، هو يوم وطني، تحتفل به، باعتباره يؤرخ لإنهاء حالة الاستلاب الوطني، ويعيد للشعب حريته في إدارة شؤونه وتحديد خياراته السياسية في مجال إدارة الشأن الداخلي والعلاقة مع الخارج.


هذه قاعدة عامة، لكن يبدو أن لكل قاعدة استثناء، والاستثناء نموذج ماثل للعيان في العراق.


لقد تعرض العراق للاحتلال المتعدد الجنسية بقيادة أميركا عام /2003، وبدل أن تعتبر أطراف سياسية أن يوم التاسع من نيسان /2003، هو يوم إسقاط الإرادة الوطنية، اعتبرت ذلك اليوم يوماً وطنياً، في وقت اعتبرت فيه الأمم المتحدة، أن الوجود الأميركي بكل تحالفاته هو وجود احتلالي.


بعد تسع سنوات على الاحتلال الأميركي، استطاعت المقاومة الوطنية العراقية أن تضع حداً لهذا الاحتلال وتطرده بنهاية عام /2011. وبطبيعة الحال وعملاً بأحكام القاعدة العامة التي تعتبر يوم إنهاء الاحتلال هو يوم وطني بامتياز باعتباره يضع حداً للاستلاب الوطني من قبل المحتل، فإذا بالاستثناء يطبق في العراق، إذ أن الأطراف السياسية التي اعتبرت يوم احتلال بغداد، هو يوم وطني، اعتبرت انهاءه يوماً أسوداً لإدراك منها أن من دخل الحياة السياسية على رافعة المحتل، وتولى دوراً تنفيذياً في ظل توجيهاته وإشرافه، سيكون مصيره مرتبط بمصير المحتل على قاعدة ارتباط التابع بالمتبوع.


هذا الارتباط بين التابع المحلي العراقي والمتبوع الأميركي، هو ما يفسر حالة القلق التي انتابت ما سمي بأطراف العملية السياسية بعد انسحاب القوات الأميركية، حيث وجد التابع العراقي انه بات مكشوفاً أمام حالة وطنية، استطاعت قواها المقاومة أن تلحق الهزيمة بأعتى قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في العالم ،فكيف لها ان تواجه هذه الحالة الوطنية التي فرضت نفسها، وأصبحت بما تحوز من مصداقية سياسية ،هي صاحبة الحق الشرعي في إدارة الشأن السياسي على قاعدة أن من يطرد المحتل ويضع حداً لحالة الاستلاب الوطني، هو الذي يجسد الشرعية الوطنية.


لذلك، فإنه ما أن بدأت تلوح بوادر الانسحاب الأميركي من العراق، حتى بدأت التحضيرات لمواجهة مرحلة ما بعد التحرير. فالقوى المقاومة التي حملت مشروعاً كاملاً متكاملاً للتحرير وإعادة البناء السياسي، وجهت خطاباً سياسياً تطمينياً لعموم الشعب في العراق، قوامه ان البلد يتسع لكافة أبنائه على قاعدة المساواة في المواطنة واعتماد الديموقراطية كناظم للحياة السياسية، ووضع مقدرات البلاد في خدمة الإنماء الوطني وإعادة تأهيل المرافق الحياتية والحيوية التي دمرها الاحتلال، وحماية المقومات الأساسية الوطنية انطلاقاً من ثابتة وحدة الأرض والشعب والمؤسسات.


هذا البرنامج السياسي الذي طرحته القوى المقاومة، رأت فيه قوى المشروع الاستلابي للإرادة الوطنية، خطراً على وجودها ومصالحها، وعليه بادرت إلى خطوة استباقية بعد حصول "التسلم والتسليم" بين المحتل الأميركي الظاهر، والمحتل الإيراني من الباطن، لأبقاء مفاعيل الاحتلال قائمة، مع ما يعني ذلك، من إبقاء إفرازات الاحتلال الأميركي، في واجهة ما سمي بالعملية السياسية، ووضع المحتل من الباطن نفسه في حالة جهوزية تامة للتدخل السياسي والأمني والعسكري إذا اقتضت الحاجة لإنجاز ما لم يستطع المحتل الأميركي إنجازه لجهة أضعاف عناصر المنعة الوطنية العراقية، عبر إغراقه بدوامة صراع دموي وتوظيف نتائج هذا الصراع في توسيع دائرة الشروخات السياسية وإطفاء طابع مذهبي وطائفي على هذه الصراعات، لجعل الطائفية هي القانون الذي يتحكم بإدارة الشأن السياسي، وصولاً إلى تكريس تقسيم بين المكونات الأثنية للعراق من ناحية، وتقسيم بين المكونات المجتمعية على أساس مذهبي وطائفي من ناحية ثانية. وإنجاز هذه الحالة يحقق جملة أهداف. أولها، أنه يشوه هوية العراق القومية، وثانيها، أنه يقدمه بأنه مجموعة طوائف ومذاهب وثالثها، أنه يضعف دولته، ويجعل نظامها السياسي يدور في فلك القوى التي تملي عليه التوجهات السياسية وتدير العمليات الأمنية، وتمعن في توظيف وضع العراق ومقدراته، بما يخدم أجندة ومصالح المحتل من الباطن ولو كان الأمر على حساب مصالح شعب العراق ودماء أبنائه.


هذا المشروع الذي حملته قوى الاستلاب للإرادة الوطنية خارجية كانت أن داخلية، كان مدركاً جيداً من قبل قوى المشروع الوطني، وبهذا بادرت إلى طرح مشروعها السياسي الذي ترى فيه إنقاذاً للعراق، وحملت هذا المشروع إلى القاعدة الشعبية العريضة التي نزلت إلى الميادين، اعتصاماً وتظاهراً في تعبيرات ديموقراطية راقية، مستحضرة عناصر المسألة الوطنية في خطابها السياسي، الذي لم يرح إفرازات الاحتلال ولا القوى التي تقف وراءها، وبما دفع هذه الأخيرة لأن تجند قواها لضرب هذا الحراك مستندة إلى خطاب سياسي تحريضي ينطوي على مضمون طائفي ومذهبي يحاكي أهداف المحتل من الباطن، ويصور بأن الحراك الشعبي تقف وراءه قوى الإرهاب والتكفير الديني، بغية تقديم نفسها بأنها رأس حربة في مواجهة قوى الإرهاب وبالتالي تحاكي مصالح وأهداف الدول التي ترفع شعار" مكافحة الإرهاب".


إن القوى الشعبية التي احتضنت المشروع السياسي للمقاومة، نزلت إلى الميادين في الذكرى السنوية الأولى لخروج المحتل الأميركي من العراق، وهذا لم يكن إلا انسجاماً مع القاعدة العامة التي رأت في يوم إنهاء الاحتلال يوماً وطنياً باعتباره أعاد الاعتبار للسيادة الوطنية التي انتهكها المحتل، وقد أثبتت سياقات العمل الجماهيري التي رافقت الحراك الشعبي، ان الخطاب السياسي الذي رفعته قوى الحراك، هو خطاب وطني بامتياز، بحيث رأى فيه كل عراقي، مخلص أن فيه خلاصه الوطني.


وهذا ما دفع قوى شعبية عراقية لأن تبادر لملاقاة الحراك الشعبي الذي انطلق من الأنبار وعم العديد من النواحي العراقية.


هذه الملاقاة الشعبية الواسعة للخطاب السياسي الوطني لقوى الحراك الشعبي، جعل الأرض تميد من تحت أقدام إفرازات الاحتلال وامتدادته، وبما جعلها تتصرف بانفعالية موصوفة حيال هذه الملاقاة، عبر عنها بمواقف سياسية وإجراءات أمنية.


بالنسبة للمواقف السياسية، ركز الخطاب السلطوي على الطابع الإرهابي للحراك الشعبي، وبالنسبة للإجراءات الأمنية، شنت الأجهزة الأمنية والميليشيات السلطوية حملة اعتقالات واغتيالات بحق مناضلين وطنيين، ووجهاء عشائر وفعاليات اجتماعية، كما قطعت أوصال المناطق حتى لا يتم التواصل بين مناطق الاعتصامات الشعبية وتلك التي تحركت لملاقاتها تأييداً.


هذا الأسلوب الذي اعتمدته الأجهزة السلطوية، لم يؤد إلى فرط الحراك الشعبي ولا التأثير على الخطاب السياسي بالترهيب تارة والترغيب تارة أخرى، بل على العكس من ذلك، أدى القمع السلطوي إلى جعل الحراك الشعبي أكثر تماسكاً، وأكثر أصراراً على تحقيق أهدافه، وهي إعادة البناء السياسي بما يستجيب ومضمون المشروع الوطني، وليس بما يؤدي إلى تكريس نتائج الاحتلال.


بعد عام على انطلاق الحراك الشعبي، وعجز السلطة الظاهرة، وبتحريض من المحتل من الباطن على وضع حدٍ لهذا الحراك، حصلت الاندفاعة السياسية – الأمنية التي أقدمت عليها إدارة المالكي ظناً منها أن الظرف الإقليمي والدولي هو الاكثر ملاءمة للانقضاض على الحراك الشعبي بعد اتفاق جنيف النووي مع إيران، وقرب انعقاد جنيف السوري الذي يرسم خارطة طريق للتعامل مع الأزمة السورية. واما تصوير المالكي ومن يقف وراءه ان هذا الحراك، هو واجهة شعبية لقوى إرهابية فإنما لتوفير تغطية سياسية وإعلامية، لضرب ما يعتبره بؤراً إرهابية تهدد الأمن والسلام الدوليين، وليس تحضيراً لبيئة سياسية تمكنه من الفوز بولاية سياسية ثالثة، لإكمال مشروع احتواء وضع العراق ضمن مديات استراتيجية المحتل من الباطن.


لقد ثبت من خلال التعامل الإجرائي، العسكري والأمني والخطاب السياسي السلطوي المواكب، أن إشارة العمليات كانت باتجاه صحراء الأنبار، لكن الاندفاعة والاستدارة كانت باتجاه ساحات الاعتصام. وبمعنى آخر، ان المستهدف الأساسي من العملية العسكرية الأمنية، كان احتلال الساحات العامة والميادين.


وبهذا الأسلوب الذي اعتمدته الإدارة الأمنية السياسية، أدخل العراق المرحلة الجديدة من الصراع، بحيث فرض أسلوب السلطة في التعامل مع الحراك الشعبي، رد فعل من موقع الدفاع عن النفس.


هذا الرد الذي واجهت فيه قوى الحراك الشعبي، إجراءات السلطة، أخرجته عن رد الفعل الموضعي، ووضعته في سياق الرد الشامل. حيث يجري تنفيذ آلياته تحت عنوان إسقاط العملية السياسية بكل إفرازاتها وعناوينها وشخوصها، واعتبار المحتل من الباطن بكل تعبيراته، هدف مباشر لقوى المشروع الوطني.


على هذا الأساس، اعتبرت قوى المشروع الوطني التي حملت لواء التحرير، أنها معينة بحمل لواء التوحيد الوطني وإعادة إنتاج نظام سياسي وطني متحرر من أشكال الارتهان والتبعية، وهذه المسؤولية الملقاة على عاتق قوى المشروع الوطني، رفعت شعار مواجهة كل من يقمع الشعب، سواء كان ظاهراً، أو مستتراً، وأدوات القمع هذه هي أهداف لقوى المشروع الوطني.


إن معطى هذا الصراع الجديد، يعني، ان الحراك في العراق بكافة تعبيراته، هو دخل مرحلة الثورة الشاملة، وهذه الثورة التي انطلقت تحت عنوان إسقاط العملية السياسية بدأت تترك بصماتها على مجريات الأحداث. وأن ثورة تتوفر لها الأداة القيادية، وتقدم رؤية شاملة للتحرير والتوحيد والتغيير، وتتكئ على حاضنة شعبية واسعة، وتستند إلى مخزون نضالي عظيم، هي ثورة منتصرة لا محالة وسيدرك قريباً من أراد كسر الذراع الشعبية بأن الذراع التي كسرت الذراع الأميركية قادرة على كسر أذرع إفرازات الاحتلال وكل تقاطعاته وتحالفاته وبدءاً من هذه اللحظة سيكون الكلام عن الحراك في العراق، كلام في الثورة وعنها.


وحتى يعود العراق واحداً موحداً حراً عربياً ديمقراطياً..
 

 

 





الجمعة ١٦ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة