شبكة ذي قار
عـاجـل










الأزمة السياسية في اليمن، هي واحدة من الأزمات الحادة التي تعيش تداعياتها بعض الأقطار العربية، وهي منذ خمسة أشهر دخلت طوراً جديداً، بعد اندفاع الحوثيين خارج صعدة وسيطرتهم على عدة مناطق وصولاً إلى العاصمة صنعاء التي دخلوها "كفاتحين"، وبعدما تبين أنهم ما كانوا يستطيعون ذلك، لولا التنسيق العملاني مع وحدات عسكرية نظامية، ما تزال مرتبطة بمركز لتوجيه السياسي الذي يمثله الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.

لقد أدت سيطرة الحوثيين على صنعاء استناداً إلى ظاهرالحال إلى رفع منسوب الأزمة إلى مستويات عالية، وكانت أولى نتائجها استقالة الحكومة ورئيس الجمهورية الذي رفض التوقيع على "وثيقة الأذعان" التي تضمنت شروط الحوثيين لحل الأزمة. ومنذ اللحظة التي قدم فيها الرئيس هادي منصور استقالته، أصبحت اليمن تعيش فراغاً دستورياً ومعه بدأت عملية إعادة تموضع ميداني للقوى السياسية اليمنية من الجنوب إلى الشمال ومعه عادت الأمور إلى المربع الأول مع استحضار كل الأجواء التي كانت سائدة قبيل التوقيع على وثيقة الحل الانتقالي، مع إضافة نوعية على مسار هذه الأزمة، تمثل بحجم التمدد الأفقي الحوثيين المتكئ على مرتكزات القوى التابعة لعلي عبد الله صالح.

إن الحديث عن أزمة اليمن يطول كثيراً خاصة وأنها أزمة ذات طابع بنيوي وهي كما تميزت بعوامل خاصة بها ذات صلة بالتركيبة المجتمعية اليمنية، إلا أنها كشفت عن حجم الحضور الخارجي الدولي والإقليمي فيها، وخاصة الدور الإيراني الذي بات يتعامل مع ساحة اليمن كواحدة من الساحات العربية التي يعتبرها نظام طهران أنه معني بترتبياتها السياسية بما يخدم مصالحه ومشاريعه.

إن إعادة التركيز الإيراني على اليمن، أسبابه كثيرة بعضها يرتبط باستغلال النظام الإيراني للتركيب البنيوي المجتمعي وتقديم هذا النظام لنفسه بأنه مرجعية دولية لكل من يتماهى معه في المعتقد الديني المذهبي.

وبالتالي فإن هذا التماهي يعطيه حق التدخل في الشؤون الداخلية باعتبارها "مرجعية وصاية" مذهبية.

كما أن بعضاً ثانياً من الأسباب يرتبط بخصوصية الساحة اليمنية كموقع متحكم بمداخل البحر الأحمر من ناحية، ولكونها تشكل الخاصرة الجنوبية للملكة العربية السعودية التي دخل العظام الإيراني باشتباك سياسي معها.

في أكثر من ساحة من ناحية أخرى، وإذا ما امتلك هذا النظام تأثيراً في اليمن فإنه يعزز من أوراقه التي يستعملها لحماية مصالحة وتمرير مشاريعه.

وإضافة إلى ما سبق من أسباب ،فإن النظام الإيراني وهو يسعى لزرع مخاليه في أكثر من ساحة عربية، فإن عينه تبقى على العراق. فالنظام الإيراني الحالي كما كل الأنظمة التي سبقت، يعتبر العراق هو مدخله إلى العمق العربي والوصول إلى شواطئ المتوسط، وبالتالي فإن مشروعه محكوم ببعدين، بعد خاص هو العراق وبعد عام وهو العمق القومي العربي وخاصة الجزيرة العربية بكل مكوناتها وبلاد الشام. ولهذا، فإن النظام الإيراني، يعتبر أن تقوية نفوذه في مشروعه الخاص في العراق يخدم المشروع العام، وتحقيق مكاسب في إطار العام لا بد وأن يعطي مردوداً إيجابياً في مشروعه الخاص المتعلق بالعراق. وعليه فإن ما يجري في اليمن كما في غيره من الساحات العربية إنما يندرج في إطار العام الإيراني وصولاً إلى الخاص العراقي وأن تتفاعل الأحداث في اليمن بعد وقت قليل من التطورات التي شهدها العراق بداية الصيف الماضي، فهذا لم يكن سياقاً طبيعياً للتفاعلات الداخلية في اليمن وحسب، بل أيضاً لاستغلال النظام الإيراني لهذه التفاعلات للرد على ما اعتبره ضربة لقوة نفوذه في العراق.

إن هذا الكلام نسوقه ليس انطلاقاً من منطق "عنزة ولو طارت"، بل لأن السياقات السياسية تثبت ذلك، والمعطيات الواقعية تثبت ذلك بالدليل الحسي.

لو كان باعث حراك الحوثيين، لأسباب محض داخلية تتعلق بنظام المحاصصة وإزالة غبن وتركيبة السلطة وأجهزتها إلى ما هنالك من مشاكل متراكمة، واقتصر على الأمر على ذلك، لكان فهم الأمر واعتبر ما حصل شأناً داخلياً.

أما وأن الأمر تجاوز ذلك، وشملت عمليات الحوثيين من ضمن ما شملته تنفيذ عمليات استخباراتية بقتل واعتقال العديد من الضابط العراقيين، الذين يعمل بعضهم كمستشارين في المؤسسة العسكرية وبعض آخر أختار اليمن للإقامة بعد الاحتلال الأميركي وحل الجيش العراقي وتعرض أفراده من كل الرتب للتصفية والاعتقال، فهذا يكشف أن ما أقدم عليه الحوثيون في اليمن كان بتوجيه إيراني لتحقيق سلة الأهداف الإيرانية وبشكل خاص ما تعلق منها بالشأن العراقي. ولمزيد من التوثيق لهذا الموقف نقتبس بالنص الحرفي ما أورده الصحافي اليمني نبيل سبيع في مقالة منشورة في ملحق النهار الثقافي في 24/ كانون الثاني وفيه :

وسائل الدعاية الحوثية حوّلت مؤتمراً صحافياً عقدته السفارة الأميركية في صنعاء قبل أيام، مناسبة لشنّ حملة تخوين وتشهير ضد الصحافيين والكتاب الذين ينتقدون ممارسات الجماعة. "قلبوا الدنيا" رأساً على عقب، وطالبوا بقائمة أسماء الصحافيين الحاضرين، وهددوا بمعاقبتهم باعتبارهم "عملاء". المضحك أن الحملة تركزت على صحافيين لم يحضروا المؤتمر ولا علموا به، وأنا أحدهم. كيف يمكن إقناع الحوثيين بأن حضور صحافي ما مؤتمراً صحافياً لا يعني أنه "عميل"، بل صحافي، فقط صحافي؟ لا أدري. لكنْ، طالما أنهم مستمرون في الحديث عن المؤتمر و"العمالة"، دعونا نحاول الخروج بأمثلة بسيطة عن معنى "العمالة" لدولة أجنبية :

أن تنفذ عمليات استخباراتية وعسكرية لحساب دولة أجنبية في بلدك، فهذه هي ذروة العمالة. هذا ما فعله ويفعله الحوثي. مثلاً : أول ما فعله الحوثي بعد اقتحامه صنعاء ( 21 أيلول )، هو قتل واعتقال عشرات الضباط العراقيين العاملين في جهاز الأمن القومي اليمني ، وضباط عسكريين آخرين يعملون بصفة مستشارين في وزارتي الداخلية والدفاع اليمنيتين، وعدد من ضباط القوة الجوية اليمنية ، وكل هؤلاء محسوبون لدى طهران على جهاز مخابرات البعث العراقي ونظام صدام سابقاً. ومن لم يُقْتَل أو يُعْتَقَل منهم، تم طرده بطريقة مهينة: أعطوا العشرات منهم ممن كانوا يعملون في القوة الجوية اليمنية مهلة أسبوعين لمغادرة البلاد. هذا كله لم يكشفه إعلام مناوئ للحوثيين بل قناة "العالم" يوم 29 أيلول. القناة الإيرانية أوضحت أن الحوثيين قتلوا نظمي أوجي، وكيل أعمال صدام حسين ومحمد برزان التكريتي، وصدام الكعود، أبرز قيادات حزب البعث العراقي في اليمن. ونقل عن لسان عبد الخالق الحوثي قوله "أننا اليوم ( الاثنين 29 أيلول ) تمكنّا من قتل أبرز قيادات البعث العراقية التي كانت تقود التنظيم بعد عام 2003 في اليمن".

بعد دخولهم صنعاء، لم يتصرف الحوثيون كـ"ميليشيا يمنية" تسعى فقط للسيطرة على العاصمة، بل تصرفوا كقوة تابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني" اقتحمت صنعاء وعلى رأس أولوياتها تصفية الضباط العراقيين المحسوبين على نظام صدام والعاملين لدى الدولة اليمنية واعتقالهم وطردهم. وفيما قتلوا واعتقلوا العشرات منهم بشبهة مشاركتهم في حروب صعدة، طردوا البقية من دون سبب سوى أنهم محسوبون على نظام بغداد الذي حارب طهران قبل 30 عاماً !

إنه ثأرٌ إيراني بأيدٍ حوثية من ضباط عراقيين لاجئين في اليمن على خلفية حرب بين العراق وإيران مرت عليها ثلاثة عقود.

إن ما تعرض له الضباط العراقيون في اليمن، هو استكمال للمخطط الذي بدا تنفيذه هذا النظام في العراق وقد تولت أجهزة مخابراته اغتيال الضباط وخاصة الطيارين فيما كانت الموساد تتولى تصفية العلماء خاصة من كان له باع طويل في الطاقة الذرية والتضييع العسكري. أنه مثال جديد على التلاقي الموضوعي والتقاطع عند نقطة ضرب المشروع القومي العربي على مستوى مضامينه الفكرية وعلى مستوى قدراته الابداعية في مجال لجان التطور والتقدم، وهذا ليس آخر الحديث بل للحديث صلة عن اليمن واحتمالات المستقبل في ظل تفاقم دور الخارج الإقليمي الدولي في أزمته وخاصة الدور الإيراني.






الخميس ٩ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / كانون الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة