شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يمكن للثالث عشر من نيسان من كل عام، أن يمر، دون أنه يكون للبنانيين فيه كلمة صدق، معجونة بالمرارة والأمل، تخدم القارئ والمتابع والمهتم، بهدف ما يصبوا إليه الجميع من استقلاب لعمليات تذكار الماضي الأليم والوقوف على الأسباب التي دفعت إلى الثالث عشر من نيسان من العام 1975 وكيفية الخروج منها، وهي التي باتت تتراكم وأضافت إلى أرثها الثقيل، المزيد من العِقَد والتعقيدات حتى باتت الظروف التي سبقت تلك الذكرى منذ أربعين عاماً، لا تقاس سوى بالقليل القليل أمام ما تشهده البلاد اليوم من ظروف أدهى وأقسى، لن يكفي التوقف أمامها اليوم على طريقة (قل كلمتك وامشِ) وإنما صار من الواجبات الوطنية الملحة اطلاع الأجيال الحالية واللاحقة من اللبنانيين على مختلف الحقائق المسببة لها، لتدريسها في كتاب التاريخ الجديد المزمع إصداره، وما زال الخلاف عليه قائماً لأن من يشرف على كتابته وإصداره لم يخرج بعد من عباءة النظام الطائفي اللبناني البغيض، الذي يشكل بقاءه اليوم وغداً، كما الأمس، حجر الرحى في كل مآسي اللبنانيين وعذاباتهم الوطنية وأتراحهم الاجتماعية، طالما بقي في هذا النظام إكسير حياة متجدد يمده به أرباب الطائفية اللبنانية وميليشياتها المذهبية ورأسمالها الجامد والمُسيَّل الذي تربو أرصدته من شحنات الاحتقان الداخلي ووقود الدم اللبناني النازف، فضلاً عن الخزينة العامة التي تحولت ضرعاً جاهزاً للمتسابقين على تجفيفه.

في الثالث عشر من نيسان من العام 1975، اندلعت شرارة الحرب اللبنانية الطاحنة التي ما زال كل طرف من أطراف الصراع فيها، يسميها على طريقته الخاصة ووفق أيديولوجيته لتتباين التسميات بين "حروب الآخرين" و"الحرب الأهلية" و"الحرب ضد الغرباء"، وهم وأن اختلفوا على تسميتها، كلّ وفق ما يؤمن به من فكر وأيديولوجيا، فإنهم لن يتنكروا حتماً على أن ما مهد لحادثة بوسطة عين الرمانة بعد عصر ذلك اليوم المشؤوم، من احتقانات ومعارك صغيرة وحروب إعلامية متبادلة، سيعاود التفجير مرة ثانية وثالثة ورابعة فيما لم يكن قد تسنى له أن يحقق الهدف الذي دفع اللبنانيون فيه أثماناً باهظة، لم تقتصر على الذين سقطوا شهداء وضحايا أبرياء ومعاقين ومهجرين قدروا بالمئة ألف شهيد وما فوق كحد أدنى، إلى ما يوازي هذا الرقم من جرحى ومعاقين إلى أكثر من مليون لبناني اقتلعتهم جولات القتال من جذورهم لتلقي بهم في مجاهل الهجرة والتهجير الداخلي القسري اكتملت بها ملامح ديمغرافية جديدة تعيش الأجيال الناشئة في ظلها اليوم. مهما زُيِّن لهم من ملاحم شعرية وحفلات زجل لبناني لكل جوقة امتهنت تعاطي التكاذب المتبادل المشبع بالتطبيل والتزمير، ليعود الجميع في خاتمة النهار، كلّ إلى بيئته الحاضنة طائفياً فيما سبق، ومذهبياً فيما لحق، لتتحول مناطق ومدن وقرى لبنان الأخضر "كانتونات" متباينة وأن كانت متداخلة فيما بينها، نفسياً واجتماعياً على الأقل، ليتكرس كل ذلك في النفوس قبل النصوص.

أما المخطوفون والمفقودون الذين تحتفظ أمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم بصورهم للذكرى يرفعونها اليوم مطالبين بكشف المصير الأسود الذي لحق بهم،

فتلك وصمة العار التي ما زالت تلطخ أعداء الأمس، حلفاء اليوم الذين توافقوا على كل ما يسمح لهم بتقاسم البلد المزرعة والبقرة الحلوب، غير أنهم لم يخرجوا بعد من قفص الاتهام وهم المُدانين باستمرار هذه العذابات وتناميها في قلوب محروقة تتشوق لرُفاة أبن مفقود ومعرفة مصير أخ مخطوف على حاجز طائفي، أتيح للخاطف على هذا الحاجز أن يتبوأ مقعداً برلمانياً ووزارياً ولم يسمح بعد للحزانى أن يختمن أحزانهن ولو باستعادة الجثامين أو عظام الموتى أو أقله معرفة المصير الذي آلت إليه حياة ما يقارب السبعة عشر ألف مفقوداً ومخطوفاً لبنانياً وغير لبناني مضى أربعون عاماً لكي تعترف السلطة بالتحقيق بمصائر بضعة آلاف منهم فقط، دون أن تدخل في التفاصيل وكيف ومتى وأين، بينما اللجنة المنبثقة عن أهالي هؤلاء تطلق اليوم حملتها المسماة بـ "حملة أربعين الحرب" وبلغ اليأس بها حداً إلى أن تطالب السلطات المسؤولة بإصدار مشروع قانون، يعفي فيه كل من يملك معلومات عن خطف أو قتل أو مفقودين، من العقوبات أمام القضاء، كل ذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة، حقيقة مصير هؤلاء الذين لأجلهم تلخص نشاطها الجديد اليوم، ضمن سلسلة تحركات حددتها بأربعين يوماً أيضاً تحت شعار "حقنا نعرف" على مختلف وسائل الإعلام المقروءة والإلكترونية وغيرها، آملاً في أن تشكل هذه المبادرة خطوة متواضعة على طريق الوصول إلى الحقيقة، في بلد لا تُختم فيه الجراح سوى على زغلٍ دون أن تُترك لها الفرص اللازمة لتلتئم بينما اللبنانيون يدفعون ضريبة الحرب القذرة التي بدأت في العام 1975، مزيداً من الفساد والاقتسام الميليشيوي للسلطة والسياسة والجغرافيا وحتى التاريخ أيضاً الذين يحجبون عنه حقيقة ما حصل قبل وما بعد الثالث عشر من نيسان، على مدى أربعين عاماً، لعلها كافية لتكون خاتمة عذابات الأمهات والزوجات الثكالى قبل عذابات الأخرين.





الخميس ٢٧ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة