شبكة ذي قار
عـاجـل










مازال بعضهم ينفخ في جراب الطائفية المثقوب غير ملتفت إلى واقع الشعب وتماسكه ونبذه لهذا الوباء ووعيه من مخاطر انتشاره.

وصف أحدهم ما كتبته، أمس، تحت عنوان ( الحل بالمقاومة ) بأنه ( طنطانة المقاومة المجروخة ) ، وأظنه يريد ( اسطوانة المقاومة المشروخة ) ، ونصحني ومن يؤمن بالمقاومة مثلي، أن نتعظ ونبدل خياراتنا ونرتقي ونحاول التغلب على قيود الماضي لأنه ملّ، ويسألنا: ( أما جزعتم من نداء المقاومة؟ ) .

آخرون، وبدفع من يأسهم، يقولون: أية مقاومة والنفوس تبدلت والشعب ( كله ) أصبح ميليشيات يقتل بعضها بعضاً؟!!

طبعاً، يمكن بسهولة أن نقول للأول إن ما قلته لا يمثل الشعب وإنما يمثلك وأمثالك، ونكتفي، لأن مثل هذا الشخص الذي كتب عبارة من ثلاث كلمات اثنتان منها خطأ وواحدة صحيحة لأنها اسم علم وهي المقاومة، لن يقتنع إلا بما يدور في رأسه، ولا يعرف أن المقاومة وجدت لتعيد للشعب حريته وللوطن سيادته وهيبته، ولتقاوم اليأس الذي يتملك ضعاف القلوب الذين لا يعلمون أن تحرير الأوطان يتعمد بالدم والتضحيات، وإذا كان هو وفئة قليلة من أمثاله ملوا من المقاومة فهذا لا يعني إلا أن هؤلاء من الذين يرجون سلامتهم على حساب سلامة الملايين من الوطنيين العراقيين، كما لا يوقف ملله وسواه نضال العراقيين ومقاومتهم لتحرير أنفسهم وبلدهم.

أما الثاني فنذكره أن أي تغيير أو تحول عظيم لا تصنعه إلا الأقلية المؤمنة بهدفها لا الأكثرية التي تتجاذبها العواطف وتتأثر بالمذاهب والطوائف والعصبيات الضيقة، وأن شعباً تعايش آلاف السنين وامتلك إرثاً حضارياً عظيماً لا يمكن أن تفك أواصره وتفتك بتماسكه ظروف فرضها المحتل منذ سنوات.

إن الذين يصفقون ويرقصون لأقزام الاحتلال هم ليسو جميع العراقيين ولا أغلبهم أو معظمهم أو السواد الأعظم منهم، وأن فتوى الجهاد الكفائي التي صدرت عن مكتب السيستاني لم يستجب لها إلا الجهلة والمنومين اجتماعاً والمحرضين طائفياً والذين شكلوا ما يسمى الحشد الشعبي الذي ارتكب أفظع الجرائم في تكريت وغيرها وأحرق المساجد والبيوت وهدمها وسرقة أموال مسلمين عراقيين، وجعل أرض العراق كلها كربلاء، كما شاهدنا همجيتهم وجرائرهم وخطاياهم وبعدهم عن الشرائع على اليوتيوب.

إن هؤلاء مشلولو التفكير، كما يصفهم الدكتور علي الوردي، الذي يقول عن التنويم الاجتماعي إن "الذي يقع تحت وطأته لا يستطيع أن يفكر إلا في حدود ما يملي عليه الإيحاء التنويمي العام. وأنت لا تستطيع أن تجادله أو تباحثه مهما يكن دليلك إليه صارخاً. إن إطاره العقلي مغلق بشكل لا ينفذ إليه أي برهان مهما كان".

ويوضح، في كتابه ( الأحلام : بين العلم والعقيدة ) أنه يصح القول إن التنويم الاجتماعي موجود أينما وجد الإنسان. ولا بد لكل إنسان أن يقع تحت وطأته قليلاً أو كثيراً. وكلما ازدادت ثقافة الناس وتفتحت عقولهم ضعف فيهم أثر التنويم وقلّت مخاطره.

إن الإنسان، كما يقول الوردي، يخضع في حياته الاجتماعية لتنويم يشبه من بعض الوجوه التنويم المغناطيسي وهو ما يمكن أن نسميه بـ"التنويم الاجتماعي". فالمجتمع يسلط على الإنسان منذ طفولته الباكرة ايحاءً مكرراً في مختلف شؤون العقائد والقيم والاعتبارات الاجتماعية وهو بذلك يضع تفكير الإنسان في قوالب معينة يصعب الخروج منها. وهذا هو الذي جعل الإنسان الذي نشأ في بيئة معينة ينطبع تفكيره غالباً بما في تلك البيئة من عقائد دينية وميول سياسية واتجاهات عاطفية وما أشبه. فهو يظن أنه اتخذ تلك العقائد والميول بإرادته واختياره ولا يدري أنه في الحقيقة صنيعة بيئته الاجتماعية. ولو أنه نشأ في بيئة أخرى لكان تفكيره على نمط آخر.

والوردي لا يثق بالعقل ولا يمجده على نحو ما كان الأقدمون يمجدونه، وهو يؤيد رأي وليم جيمس في موضوع العقل البشري، ومفاده أن العقل البشري ليس المقصود منه التوصّل إلى الحقيقة المطلقة كما كان الفلاسفة القدماء يتصوّرون، بل هو بالأحرى عضو في الإنسان خلقه الله فيه لمساعدته في تنازع البقاء كما خلق الخرطوم للفيل، والمخلب للأسد، والسم للعقرب، والقرون للخروف، الخ.

يقول الوردي : دلت الأبحاث النفسية الحديثة التي أجريت في مجال التنويم المغناطيسي على أن الإنسان قد يتأثر بالتنويم إلى درجة يرى فيها أشياء أو يسمع أصواتاً غير موجودة، وهو أثناء التنويم قد يتصور الأبيض أسود والأسود أبيض. ولو قربت إلى أنفه زجاجة تنبعث منها رائحة كريهة وأوحي إليه بأنها رائحة طيبة لظهر على وجهه الارتياح كأنه يشم الطيب فعلاً.. إن التنويم المغناطيسي في حقيقته ليس سوى إيحاء مكرر يسلط على الإنسان حيث يقال له مرة بعد مرة إنه يرى شيئاً معيناً فتنطبع الصورة الموحى بها في ذهنه تدريجياً حتى تبدو كأنه يراها رأي العين أو يلمسها لمس اليد. وقد يصح أن أقول ان التنويم الاجتماعي يفعل مثل ذلك في الكثير من الناس بحيث يجعلهم يرون الأبيض أسود والأسود أبيض وهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أنهم يرون الحق الذي لا شك فيه.

ولعل في ما يقوله الوردي تفسير لظاهرة المصفقين والمطبلين والرداحين والراقصين لكل حاكم ولكل حكم وفي كل زمان ومكان من أرضنا، ونحمد الله على أن هؤلاء قلة.

وكم أضحكني نوري المالكي وهو يعتبر تجنيده لهؤلاء المصفقين الراقصين في حشد سماه شعبياً فكرة استراتيجية تدرّس الآن، وهو لا يعلم أنه عندما نعق نعقوا وراءه، وهم مستعدون للنعيق مع أي ناعق سواه حتى لو كان خصمه، بل قد يكون مقتله على يد هؤلاء المصفقين الرداحين الذي سماهم حشداً شعبياً، ويتباهى بأن فكرته في جمعهم كانت استراتيجية.






الاربعاء ١٧ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة