شبكة ذي قار
عـاجـل










يروج مسؤولو النظام الإيراني لكثير من الأمنيات بأن تكون الاتفاقية النووية أكسير حياة لاقتصادهم المتداعي. فهل الامر كذلك؟ ينقل السيد صباح الموسوي رئيس حزب النهضة العربي الاحوازي عن الدكتور فرشاد مؤمني المتحدث باسم مجموعة خبراء الاقتصاد في الجامعات الإيرانية، أنه أكد مرات عدة للرئاسة الإيرانية أن إيران مقبلة على انفجار داخلي، فالاقتصاد الإيراني مريض وفي غرفة العناية المركزة، وهناك عاملان يهددان بخطر نشوب اضطرابات أمنية وسياسية في البلاد وبلغا حد الأزمة ، وهما التضخم الاقتصادي ( الذي بلغت نسبته قبل عامين 45 في المئة، ولم يستطع روحاني تخفيضه الى 30 بالمائة الا بالتشدد بالسياسات النقدية ) ، والبطالة ( التي بلغت 16 بالمائة حسب تقديرات الحكومة وأكثر من 34 بالمائة حسب تقديرات غيرها ) . يضاف الى ذلك تفشي الفساد الإداري والمحسوبية وغسيل الإموال وتهريبها لحساب الملالي الحاكمين حتى صارت الرشوة قانونا في اغلب الدوائر وأولها المحاكم ومراكز الشرطة. ( 17 ) وترى المعارضة الإيرانية أن رفع العقوبات المفروضة على النظام الإيراني أو إلغاءها جزئيا بموجب هذه الاتفاقية لن يترك أثرا جادا في تحسين الواقع الاقتصادي والمستوى المعيشي في ايران لأن جذور الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران تعود إلى دكتاتورية فاسدة تنهب الثروات والأموال. وكان للعقوبات تأثير مشدد على الأزمة لا أكثر ولا أقل. ( 18 ) فقد وضع هذا النظام الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني بيد قيادة حرس الثورة الإيرانية التي تسيطر على نسبة تصل الى 70 بالمائة من الاقتصاد الإيراني ، وتمارس عمليات غسيل الأموال وتهريبها خارج ايران على نطاق واسع لحسابى كبار الملالي الحاكمين. وتنقل تقارير عن الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني تقديره خسائر الاقتصاد الايراني في فترة حكم احمدي نجاد بـ 800 مليار دولار. وتشير الى تقديرات الخبراء أن إيران بحاجة إلى ما يقارب الألف مليار دولار لبناء اقتصادها، منها نحو 100 مليار دولار فقط لتأهيل قطاع الغاز الذي تعد رابع دولة في العالم من حيث احتياطياته، فيما سيحتاج قطاع النفط لمثل هذا الرقم أو أكثر لتأهيله وزيادة الإنتاج، بخلاف مئات المليارات التي تحتاج إليها للبنية التحتية التي تهالكت بسبب العقوبات. ( 19 )

ولكن كم تبلغ أموال إيران المحجوزة ؟ يتحدث مسئولو النظام الإيراني عن 120 الى 150 مليار دولار محجوزة في الخارج ستطلق عند رفع العقوبات بموجب الاتفاقية النووية. وعلى ذلك أطلقوا وعودا بحل المشاكل الاقتصادية. ولكن ولي الله سيف رئيس البنك المركزي الإيراني قال في تقرير قدمه يوم الجمعة 31 تموز / يوليو إلى برلمان النظام الإيراني أن الأموال المجمدة تبلغ حوالي 29 مليار دولار فقط.ويقول وزير النفط انها تبلغ 35 مليار بينما حددتها وكالة أنباء فارس الرسمية بـ 86 مليار دولار. واضافة الى هذه المبالغ ثمة كميات من احتياطي الذهب بما لا يتجاوز قيمته 700 مليون دولار. وكانت ايران قد تسلمت 2.8 مليار دولار من أموالها المجمدة إثر اتفاق جنيف في أواخر عام 2013 وتسلمت 700 مليون دولار بعد اتفاق الاطار في نيسان / ابريل 2015. ( 20 )

ويرى خبراء اقتصاديون أن ثمة حاجة أساسية لتوجيه الأموال المحجوزة التي ستطلق تدريجيا مع تنفيذ إيران التزاماتها بموجب الاتفاقية النووية الى معالجة التردي في بعض جوانب الاقتصاد المتداعي. ومن المتوقع أن تسعى إيران لزيادة إنتاجها وصادراتها من النفط. لكن خبراء نفطيين لا يتوقعون أن تسعف هذه الخطوة الاقتصاد الإيراني كثيرا. فأي زيادة كبيرة في التصدير للأسواق المتخمة حاليا ستدفع الأسعار الى الهبوط الى ما يقرب من 40 دولارا للبرميل أو أقل، مما يقلل من المكاسب المتوقعة لإيران وكذلك دول أوبك ويزيد أرباح الشركات الغربية. أما قطاع الغاز وهو الميدان الواعد في الاقتصاد الإيراني فلسوء حظ إيران تشهد صناعة الغاز المسال في العالم توسعا غير مسبوق مع انجاز مشاريع إنتاج الغاز الصخري المسال في استراليا واميركا وكندا ومشاريع موزمبيق وغينيا الجديدة. وسوف تضاعف هذه المشاريع الإنتاج العالمي الى 500 مليون طن. وهذا يعني ان العالم لا يحتمل مشاريع غاز مسال جديدة. فالولايات المتحدة ستتوجه لتصدير الغاز بدلا من استيراده ، وتخطط اليابان الدولة الأكثر استهلاكا للغاز للعودة الى الطاقة النووية لتوليد الطاقة. وقد دفعت هذه التغييرات سعر الغاز من 20 دولار للمليون وحدة في العام الماضي الى 10 دولارات هذا العام. وحينما تبدأ اميركا واستراليا تصدير غازهما سيتعرض السعر للهبوط الى أقل من 10 دولارات ، مما لا يغري الشركات للاستثمار الكبير في قطاع الغاز الإيراني. ( 21 )

ويتحدث رجال السلطة الإيرانية بكثير من الثقة والصور الوردية حيال الاستثمارات الأجنبية المتوقع جلبها الى بلد أنهكته العقوبات على مدار أكثر من 35 سنة. غير أن تفاؤلهم المفرط يصطدم بمخاوف الشركات الغربية من مغبة المجازفة بدخول قوي في الأسواق الإيرانية في ضوء احتمال انهيار الاتفاقية الذي يثيره انعدام الثقة بما يتعهد به ملالي إيران نتيجة ما عرف عنهم من تحايل ومراوغة للإفلات من تعهداتهم.

وفي مسح أجرته جريدة الشرق الأوسط لعدد من الشركات العالمية التي قد تدخل إلى السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات، كانت نبرة القلق حيال انهيار الاتفاق هي المسيطرة لدى الغالبية العظمى وما قد ينتج عنه من خسائر فادحة لتلك الشركات جراء عودة العقوبات إلى ما كانت عليه.

يقول متحدث باسم شركة «AVL SCHRIK» النمساوية، المختصة بصناعة محركات وسائط النقل وأبرمت إيران اتفاقية تعاون معها: نراقب الوضع عن كثب. إيران سوق واعدة للجميع، ولكننا ملتزمون في الوقت نفسه بقرارات المجتمع الدولي حيال العقوبات. هناك بالتأكيد تخوف من احتمال انهيار الاتفاق وعودة العقوبات. ربما سنبحث عن الضمانات اللازمة قبل ضخ استثمارات من الشركة في السوق الإيرانية.

ويقول باول سيليفيان، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون الأميركية والمختص بشؤون الشرق الأدنى: هناك رغبة جامحة من إيران في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يقابلها تخوف من الشركات الغربية في الدخول بكامل ثقلها. الأمر محفوف بالمخاطر حينما يتعلق بهذا النوع من الاستثمار.. استثمار مباشر يعني دورة طويلة لرأس المال بخلاف الاستثمار غير المباشر الذي قد يتم عبر قنوات أخرى كسوق المال على سبيل المثال.

أما شركة ليندا الألمانية العملاقة المتخصصة في صناعة الغاز فقد اجتمع ممثلوها مع الإيرانيين في فيينا لكن الأمر لم يتخط بعد نقطة المشاورات التمهيدية بشأن استثمارات محتملة. ( 22 )

انتصار أم انكسار؟

والآن هل كانت الاتفاقية انتصارا كبيرا لإيران وقيادتها الطامحة لإقامة امبراطورية كسروية جديدة في الشرق ودليلا قاطعا على قوة شكيمة القيادة الإيرانية وحنكة دبلوماسييها أم كارثة وهزيمة وسَما زعافا تجرعه زعيمها خامنئي على حد وصف زعيمة المعارضة الإيرانية ؟ الجواب يكمن في ما إذا كانت الاتفاقية قد حققت لإيران مكاسب تفوق في قيمتها ما قدمته من تضحيات لبناء برنامجها النووي العسكري وما تكبدته من أضرار وخسائر نتيجة العقوبات التي فرضت عليها. وها نحن قد لاحظنا في أعلاه حجم هذه التضحيات والخسائر، ولاحظنا في المقابل حجم التنازلات والتفريط بسيادة إيران وأمنها ما يؤكد ضياع كل هذه التضحيات ( كما هو واضح في بنود الاتفاقية وخصوصا في إذعان إيران لشروط أميركا وحليفاتها بالتخلص من 98 بالمائة من كميات اليورانيوم التي انفقت المليارات على تخصيبها، ووضع قيود على تشغيل منشآتها وعلى استخدامها اجهزة الطرد المركزية وعلى جميع حلقات سلسلة تحضير اليورانيوم من المنجم الى المفاعلات، وعلى مشترياتها من المواد الداخلة في الصناعة النووية وذات الاستخدام المزدوج، وضمان حرية الحركة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جميع منشآتها العسكرية والمدنية في أرجاء إيران. بل بلغت تنازلات إيران بقيادتها ( ذات الشكيمة القوية ) ودبلوماسيتها ( الفريدة ) حدا أنها لم توافق فقط على هدم منشأة آراك، احدى أهم منشآتها النووية التي تعمل بالماء الثقيل لتحضير البلوتونيوم ( التي أنفقت على بنائها المليارات من ثروة الشعوب الايرانية ) وعلى طمر قلبها بالإسمنت، وإنما أيضا على شرط مهين وضعته أميركا وحليفاتها بوجوب الحصول على موافقة هذه الدول على تصاميم إعادة إنشائها ! كما قبلت إيران التخلي عن واحد من حقوقها بموجب معاهدة عدم الانتشار وهو التخصيب بمعدل الـ 5 بالمائة . لذلك يعد خبراء هذه الاتفاقية "الأقسى عالمياً وغير المسبوقة بتاريخ الاتفاقيات التي فرضت على أنظمة كثيرة في العالم ذات توجه عدواني، بل قفز البعض لتسميته بأنه اتفاق وصاية على إيران." ( 23 )

 وماذا عن الدور الإقليمي ؟

اقترنت أغلب التحليلات المنشورة باللغة العربية لأبعاد هذه الاتفاقية والتوقعات لما بعدها سواءً المرددة للدعاية الإيرانية أو الأخرى السطحية بتجاوز صريح لوقائع الاتفاقية ولما صدر عن الحكومة الأميركية التي قادت وفد القوى الكبرى في المفاوضات من تفاصيل دقيقة عن بنود الاتفاقية وما تعنيه للطموحات النووية الايرانية. فحفلت هذه التحليلات بكلام غير دقيق عن دور كبير ينتظر إيران على الصعيد الإقليمي حال توقيع الاتفاقية. وأخذت الطائفة لأولى تبشر أتباع إيران وتتشفى بالدول العربية والثانية تحذر العرب من عهد جديد من التوسع الإيراني الكاسح في كل نقاط التماس بين مشروع ايران التوسعي والعرب من اليمن الى سورية ولبنان الى العراق ثم البحرين. بل أخذوا يمنون أنفسهم باكتساح دول الخليج الأخرى وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. بالطبع كانت إيران تمني النفس بأن يحقق لها برنامجها النووي والمرحلة الخطيرة التي بلغها اعترافا عالميا من الدول الكبرى بمكانة القوة الإقليمية العظمى وبهيمنتها على العرب في الخليج والشرق العربي في أقل تقدير، أو مقايضة التخلي عن المرحلة التتويجية الأخيرة فقط من برنامجها النووي ( أي مرحلة تفجير قنبلتها النووية ) مقابل الإبقاء على كل أجزاء البرنامج ورفع العقوبات فور توقيع الاتفاقية، فتحقق بذلك ذات المكانة بدون القنبلة النووية. غير إن القراءة الدقيقة لنصوص اتفاقية فيينا النووية ولاتفاق لوزان ( اتفاق الإطار ) الذي استندت إليه ولتصريحات الرئيس الاميركي ووزير خارجيته التوضيحية المفصلة للاتفاقية، تؤكد بما لا يقبل الشك أن لا شيء في الإتفاقية يخرج عن إطار البرنامج النووي إطلاقا. وقد ردت المعارضة الايرانية على هذه الأوهام في حديث لزعيمتها مريم رجوي بقولها : " خامنئي رضخ للضغوط الدولية نتيجة الأوضاع المتفجرة في المجتمع الإيراني والآثار المستنزفة للعقوبات، فضلا عن مأزق سياسة النظام في المنطقة وقلقه من احتمالات تشدد الكونغرس الأميركي في شروط الاتفاق". وأضافت: " إن ‘السم النووي‘ الذي تجرعه خامنئي بتراجعه عن خطوطه الحمراء، سيقضي على هيمنته ويحدث زلزالا في نظامه برمته. فهذه الإتفاقية هزيمة للنظام برمته لأن البرنامج النووي هو الركن الثالث الذي يرتكز إليه النظام في استراتيجة الحفاظ على البقاء إلى جانب القمع الداخلي و تصدير الإرهاب. وهذا التراجع سيؤدي لا محالة إلى تفاقم الصراع على السلطة في قمة النظام الإيراني، وتغيير ميزان القوى الداخلية على حساب الولي الفقيه المنهك". ( 24 )

ثمة من يتكهن بأن الادارة الأميركية قد تدفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبر خبرائها الذين سيشاركون حتما بعدد مؤثر في دراسة ملف ايران السابق، للتساهل في محاسبة ايران عن انتهاكاتها المسجلة عليها سابقا، وذلك بهدف تيسير البدء بالرفع المتدرج للعقوبات في نهاية هذا العام بعد ان تنفذ ايران التزاماتها بموجب الإتفاقية. ولكن في ضوء الموقف المتشدد الذي اتخذه الحزب الجمهوري في الكونغرس وفي حملة اعلامية واسعة ضد الاتفاقية من المستبعد كثيرا أن تميل الادارة الأميركية لأي تساهل في تنفيذ الاتفاقية.

وثمة من يقول إن الاتفاقية النووية اقترنت بصفقة سرية بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني لإطلاق يد إيران في مخططها التوسعي التخريبي في الدول العربية المجاورة الذي تبناه النظام الذي بناه الملالي الصفويون منذ عام 1979 ، وإن تمددها التوسعي سينطلق بعد هذه الاتفاقية في موجة كاسحة لا يقف أمامها بلد أو جيش عربي. ورسم هؤلاء سيناريو يقوم على تخلي النظام الإيراني عن النووي مقابل اعتراف الولايات المتحدة بهيمنته على منطقة الخليج والشرق العربي. بالطبع لا أحد يستطيع الجزم بوجود مثل هذه الصفقة، ويبقى ذلك محض تكهن لا يؤكده أي مصدر موثوق. صحيح إن خامنئي عاد بعد يومين من إعلان الاتفاقية لإطلاق الاستفزازات ضد البحرين. وهل ثمة سبيل آخر أمامه لكي يبيع تنازله المهين الى الإيرانيين ولأتباعه خارج ايران ؟! لنفترض ان الوفد الأميركي استغفل وفود الدول الكبرى الخمس الأخرى ولجنة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوربي التي شاركت في كل مراحل المفاوضات وجزئياتها منذ عدة سنوات، وأنه قد تفاوض، من دون علمهم، على صفقة سرية جانبية مع الإيرانيين. فهل يستطيع استغفال الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الأميركية وأكثر من مائتين من أعضاء الكونغرس المعارضين للاتفاقية والذين يحاولون توظيف أي ثغرة أو حجة لمنع تمريرها ؟ في الثاني من نيسان / ابريل الماضي اتفق الطرفان على أسس وإطار الاتفاقية النووية التي وقعاها بعد ذلك بثلاثة أشهر واثني عشر يوما. ومما يجدر ذكره هنا تأكيد كيري في حديثه الصحفي بعد توقيع الاتفاقية مباشرة ما يلي: "والآن أود أن أقول لكم بكل وضوح: إن العناصر المحددة الأساسية التي أعلناها في لوزان ( ويقصد اتفاق الإطار ) لم تبق فقط بكاملها، ولم تبق فقط عمودا فقريا للاتفاقية التي توصلنا إليها اليوم، وإنما وُسعت وعُززت في التفاصيل على نحو جعل الاتفاقية أقوى ( حتى من اتفاق الاطار ) ." ( 25 )

وإذا افترضنا وجود هذه الصفقة السرية المزعومة فلابد أن يكونا قد تفاهما عليها في الفترة نفسها مع توافقهما على أسس الاتفاقية النووية. وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن ينعكس هذا التفاهم منذ ذلك الوقت قوة ً وتصعيدا ودفعا ماديا ومعنويا كبيرا على دور إيران الاقليمي، والذي يلخصه مشروعها التوسعي. فما الذي جرى في هذه الفترة بالنسبة لهذا المشروع ؟

كل الوقائع على الأرض تشير إلى العكس تماما مما تكهن المتكهنون وتوهم المتوهمون. فمخطط إيران التوسعي قد بدأ رحلة العد التنازلي. وربما ليس من قبيل الصدفة أن مرحلة الانحدار قد بدأت بأسبوع واحد قبل توقيع اتفاق الإطار وتحديدا في السادس والعشرين من آذار / مارس 2015 ، عندما أطلق التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عاصفة الحزم التي عصفت بالهيمنة الإيرانية على اليمن متمثلة بسيطرة تحالف الحوثيين والمخلوع صالح على حكومة اليمن وأغلب محافظاتها. وقد أشر هذا القرار تقدما جوهريا في الموقف العربي المناهض لمخطط التوسع الإيراني وخطوة صلبة من السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز لملء الفراغ الكبيرالذي تركه إنهاك العراق وإضعافه بحروب التدمير والحصار منذ عام 1990 وتغييب دوره كليا بالغزو والاحتلال منذ عام 2003 . وربما ليس من قبيل الصدف أيضا ان توجه قوات التحالف العربي أقوى ضربة عسكرية الى هذه الهيمنة الإيرانية بإنزال وحدات مدربة من الجيش الوطني اليمني وعشرات الدبابات والمدرعات في ميناء عدن وتحريره ومطارها خلال ساعات وذلك في ذات اليوم الذي وقعت فيه الاتفاقية النووية ( 26 ) التي اعتبرها مؤيدو إيران والمتوهمون بقوتها انتصارا كاسحا لإيران ومشروعها التوسعي وضربة قوية للقوى العربية المناهضة لإيران. وها هي قوات الحكومة الشرعية اليمنية ( الجيش الوطني النظامي والمقاومة ) تتقدم بعد تحرير محافظة عدن صوب العاصمة بعد أن سيطرت في أقل من شهر على خمس محافظات، حتى بات حوالي ثلاثة أرباع اليمن محررا. ومسار عمليات التحرير المدعومة دعما ثابتا وقويا من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في تصاعد باتجاه تحرير كل التراب الوطني اليمني من فلول الإرهاب الصفوي الإيراني. وثمة انعكاس مهم ومؤثر لهذا التقدم الكبير في الموقف العربي المناهض للتوسع الايراني في سورية ثاني أهم ساحة بعد العراق ينفذ فيها الإيرانيون ومن خلالها مخططهم التوسعي في المنطقة العربية بإمكانيات ضخمة من الجهد السياسي والمالي والعسكري ( متمثلا بمئات الطيارين والقادة وعشرات الألوف من المليشيات الإرهابية اللبنانية والعراقية والمرتزقة الأفغان وغيرهم ) . ففي هذه الفترة بالذات التي كان أتباع إيران يمنون أنفسهم بتقدم كاسح لإيران نتيجة أنتصارها الموهوم في المفاوضات النووية قلب ثوار سورية الميزان لصالحهم ، فتوحدوا تحت قيادة مشتركة في الشمال وأخرى في الجنوب وأخذوا يعملون في اطار غرف عمليات عسكرية موحدة. وهاهم يتقدمون في شتى الجبهات على حساب النظام بقواته النظامية وقوات سادته الإيرانيين ومليشياتهم ( القادمة من العراق ولبنان ) ومرتزقتهم الأفغان وغيرهم، وضد تنظيم الدولة الذي يشارك النظام وحلفائه في محاربة الثوار. وانعكس هذا التغير في ميزان القوى في المنطقة العربية عموما وفي سورية بوجه خاص بسرعة على الموقف الدولي من الأزمة السورية. فتجاوز الأمريكيون ما كانوا يصرحون به قبل بضعة أشهر من ضرورة التسوية بوجود رئيس النظام السوري ليؤكدوا بوضوح فقدن النظام الشرعية وان لا مستقبل لرأسه في أي تسوية سياسية. وحسب الرئيسين التركي والأميركي فان ثمة علامات على حلحلة في الموقف الروسي واحتمالات تراجعه عن التمسك بنظام أسد. والتطور المهم الآخر هو الموقف التركي المتصاعد في تضامنه مع الوقفة العربية الشجاعة ضد مشروع التوسع والتغول الإيراني في المنطقة. وقد اتخذت الحكومة التركية موقفا عسكريا حازما في منطقة الحدود التركية- السورية ضد قواعد داعش، و في منطقة الحدود التركية- العراقية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني، حيث ينشط التنظيمان الإرهابيان في خدمة نظام الأسد ومن وراءه. وتعهدت الحكومة التركية بإنشاء منطقة أمنية عازلة تحميها مظلة جوية داخل الأراضي السورية لإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري لها وبإدارة فصائل الثوار. وبينما كانت الحكومة الأميركية ترفض الى عهد قريب فكرة المنطقة العازلة وحظر الطيران الحربي السوري فوقها تراجعت عن معارضتها أمام الموقف العربي والتركي الصلب. وفي مجلس الأمن وافقت روسيا على قرار تشكيل لجنة دولية للتحقيق في جرائم استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية. ومعروف من استخدم هذه الأسلحة.

وفي العراق الذي تريده إيران قلب مشروعها التوسعي الاستعماري ضد الأمة العربية والإسلامية انطلقت منذ أيام انتفاضة شعبية واسعة ضد النظام الخاضع لها . وبدأت من البصرة أقصى جنوب العراق بمطالب ضد الفساد وانعدام الخدمات وسرعان ما انتشرت الى الناصرية وعمت شتى محافظات الجنوب والوسط صعودا الى بغداد. ولا تخفى على لبيب دلالات انطلاق هذه الانتفاضة من جنوب العراق. ورغم المحاولات الحثيثة للحكومة وأحزابها ومليشياتها الموالية لإيران لركوب الاحتجاجات واحتوائها ، إلا أن الخط العام للتظاهرات تصاعـَدَ وازدادَ عمقا باتجاه المطالب الوطنية الشاملة والأساسية . ومما له دلالة كبيرة أن يطالب عشرات الألوف من المتظاهرين في الناصرية وكربلاء وبغداد والبصرة وغيرهما من مدن العراق بطرد إيران من العراق، وان يطردوا ممثليها من مسؤولي الأحزاب الصفوية من تظاهراتهم، وأن يهتف المتظاهرون في شتى المدن ضد الإرهابي نوري المالكي المنفذ الأول للمشروع التوسعي الإيراني في العراق. بل هل ثمة ما هو أكثر دلالة من هروب المالكي من العراق الى أسياده في طهران خوفا من إرادة الشعب العراقي، في حين ان حزبه ومليشياته المرتبطين بإيران ما يزالا حتى الآن يتحكمان بالعراق؟

إذن ما الذي نستخلصه من كل ذلك؟

إن إيران هي التي تقرر دورها الإقليمي حينما يكون قائما على مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار والتعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومنسجما مع التقاليد والأعراف والقوانين الدولية. غير أنّ من يقرر دورها الإقليمي، سواءٌ كان تقدما واتساعا أو تراجعا واندحارا، حينما يكون قائما ( كما هو الحال الآن ) على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ونشر الإرهاب والفتنة وعدم الاستقرار فيها والتوسع على حسابها، هم العرب بالدرجة الأولى، وليس أميركا ولا غيرها. وها هم العرب والحمد لله قد فعلوا ذلك، حينما وضعوا أقدامهم بعاصفة الحزم في خطوة تاريخية صلبة على بداية الطريق الذي يحفظ كرامتهم وحقوقهم ومصالحهم وأمنهم ووجودهم، ما جعل هذا الدور الشرير يتقهقر في أكثر من جبهة ويبدأ الانحدار على طريق الهاوية حيث مزابل التأريخ.

والآن ما الذي شهدته فترة الأربعة أشهر الماضية التي أرسيت فيها أسس التوافق بين إيران والغرب والقوى الكبرى بشان البرنامج النووي وصولاً الى توقيع الاتفاقية النووية؟ ماذا حصل لدور إيران الإقليمي الذي يمثله مشروعها التوسعي؟ صعود وتقدم وازدهار، أم انكسار وتراجع وانحسار؟

هنا تكتمل الإجابة على تساؤلنا في العنوان.

الهوامش

 ( 1 ) http: /  / kayhan.ir / fa / news / 50022

 ( 2 ) http: /  / www.sadanews.ma / news.php?extend.1906

 ( 3 ) http: /  / ara.reuters.com / article / worldNews / idARAKCN0PU1V720150720?sp=true

 ( 4 ) http: /  / www.nytimes.com / 2015 / 04 / 06 / opinion / thomas-friedman-the-obama-doctrine-and-iran-  interview.html?_r=0

 ( 5 ) http: /  / m.state.gov / md244885.htm

 ( 6 ) http: /  / www.washingtonpost.com / news / post-politics / wp / 2015 / 04 / 02 / president-obamas-full-remarks-announcing-a-framework-for-a-nuclear-deal-with-iran /

 ( 7 ) http: /  / m.state.gov / md244885.htm مصدر سابق

 ( 8 ) https: /  / maktoob.news.yahoo.com / روحاني-ايران-لن-توقع-الاتفاق-النووي-اذا-لم-091717218

 ( 9 )  http: /  / m.state.gov / md244885.htm, مصدر سابق

 ( 10 )  http: /  / www.3robanews.com / iran / 88170.html

 ( 11 ) http: /  / www.nytimes.com / 2015 / 04 / 06 / opinion / thomas-friedman-the-obama-doctrine-and-iran-interview.html?_r=0

 ( 12 ) http: /  / www.washingtonpost.com / news / post-politics / wp / 2015 / 04 / 02 / president-obamas-full-remarks-announcing-a-framework-for-a-nuclear-deal-with-iran /  مصدر سابق

 ( 13 ) http: /  / www.lebanesetweets.com / m / description.php?id=100416

 ( 14 ) http: /  / www.businessinsider.com / irans-nuclear-program-has-been-an-astronomical-waste-for-the-country-2015-6

 ( 15 ) http: /  / ara.reuters.com / article / businessNews / idARAKCN0PO1CJ20150714

 ( 16 ) http: /  / www.alyaum.com / article / 4079031

 ( 17 ) http: /  / www.al-jazirah.com / writers / 20151578.html

 ( 18 ) http: /  / www.okaz.com.sa / new / Issues / 20150721 / Con20150721784786.htm

 ( 19 ) http: /  / www.al-jazirah.com / writers / 20151578.html

 ( 20 ) http: /  / www.alarabiya.net / ar / iran / 2015 / 07 / 15 / أموال-إيران-المجمدة-التي-سيفرج-عنها-بموجب-اتفاق-فيينا

 ( 21 ) http: /  / www.alyaum.com / article / 4079031 مصدر سابق

 ( 22 ) www.mojahedin.org / newsar / 52399 / خطرانهيار الاتفاق

 ( 23 ) http: /  / www.al-jazirah.com / writers / 20151578.html مصدر سابق

 ( 24 ) http: /  / www.sadanews.ma / news.php?extend.1906 مصدر سابق

 ( 25 ) http: /  / m.state.gov / md244885.htm مصدر سابق

 ( 26 ) http: /  / apps.washingtonpost.com / g / documents / world / full-text-of-the-iran-nuclear-deal / 1651 /




الاحد ٨ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الله الغني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة