شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما حمل العرب رسالة الإسلام للتبشير بها، سموا أمة الدعوة، وأما الأمم التي اعتنقت شعوبها الإسلام فسميت بأمم الاستجابة. وفي أمة الدعوة كما في أمم الاستجابة لم يدخل كافة الناس في رحاب الدين الإسلامي، بل بقي كثيرون على معتقدهم الإيماني، لكن في ظل نظام معاملات خاص لإدارة الشؤون الدنيوية.

إن كثيرين من الناس في أمة الدعوة وأمم الاستجابة بقوا على دينهم لأن الدين الإسلامي لم يجب ما قبله من ديانات سماوية بل اعترف بها وهما تحديداً الديانتان الموسوية التي عرفت فيما بعد باليهودية واستقرت التسمية عليها والمسيحية. وفي أمة الدعوة، أي أمة العرب عاش اليهود والمسيحيون في ظل سلطة الدولة التي أدارت شؤون العرب على تعاقب المراحل التاريخية الفاصلة عن قيام الدولة العربية الأولى أيام الخلافة الراشدية وحتى الوقت الراهن، مروراً بدولة الخلافتين الأموية والعباسية وما أعقبهما، وصولاً إلى الخلافة العثمانية وانتهاء بقيام "الدولة الوطنية" بمفهومها الحقوقي، التي أفرزتها النتائج التي ترتبت على سقوط الخلافة العثمانية ورسم حدود كيانية لمكونات "وطنية" رسمت حدودها في اتفاقيات سرية بين ورثة السلطنة العثمانية وباتت تحمل أسماً حركياً هو "سايكس بيكو".

نخلص من هذه المقدمة لنقول أن "الكيانات الوطنية" التي تبلورت حدودها مع التحولات الدولية الكبرى عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان الدين الإسلامي هو دين الأكثرية العربية في هذه الكيانات. وكان كل كيان من الكيانات العربية ينطوي على تعددية دينية لكن باختلاف النسب بين مكون وآخر.

وإذا كان الدين الإسلامي، هو المعتقد الإيماني الأكثري، فإن الدين المسيحي على مختلف كنائسه يأتي في الدرجة الثانية، وتحل اليهودية في الدرجة الثالثة. ولهذا فإن العيش المشترك كان قائماً في كل قطر يتواجد فيه أتباع هذه الديانات وإن بتفاوت في ممارسة الحقوق السياسية. وهذه التعددية كانت تشكل عامل أغناء للحالة القيمية التي تنطوي عليها معطيات الحياة المشتركة. وهذا يعود إلى سببين أساسيين، الأول، دنيوي ويرتبط بمنظومة القيم الاجتماعية والأعراف والتقاليد التي تشكلت على تواصل مراحل الحياة المشتركة، والثاني إيماني، وهو ان كل معتقد لدين من الأديان الثلاثة كان يجد في الأخرين قواسم مشتركة، سواء ما تعلق منها بالتكوين والرواية الدينية للخلق أو ما تعلق منها بمنظومة القواعد الأخلاقية.

هذا الواقع الاجتماعي بقي سائداً إلى أن بدأت رياح التسيس، تلفح وجوه المتعايشين والمتجانسين اجتماعياً والمتمايزين بالانتماءات الدينية، وكانت البدايات العملية مع الدعوة لإقامة وطن قومي لليهود. أي إقامة كيان على أساس الصفاء الديني للمكون المجتمعي. وهذه دعوة أطلقها نابوليون بونابرت عشية حملته على مصر، ووضعت أسسها في بروتوكولات حكماء صهيوني التي حضرت بقوة في مؤتمر بال في سويسرا نهاية القرن التاسع عشر.

وعندما استقر القرار الصهيوني على فلسطين، لتكون "وطناً قومياً لليهود، بدأت الخطوات العملية لتنفيذ المشروع الذي أبصر النور على جزء من أرض فلسطين عام 1948.

لقد أدرك ووعى الذين أطلقوا هذا المشروع، أن العنصر البشري هو العامل الحاسم في جعل المشروع يأخذ طريقه إلى النفاذ والتحقق، وإذا كانت قد اختيرت فلسطين، فلسببين، الأول، ان دعاته يرون في فلسطين ما يبرر ذلك من وجهة نظر دينية – توراتية، وأن رعاته يرون في فلسطين ما يحقق أهدافهم وبهذا تلاقي المبرر الديني الذي يتكئ إلى زعم حق تاريخي بأرض الميعاد مع المبرر السياسي الذي رأى في موقع فلسطين الموقع الأكثر ملائمة لخدمة الهدف الاستراتيجي.

أما وأن أكثرية سكان فلسطين كانوا عند بداية القرن العشرين من المسلمين والمسيحيين، فيما اليهود لم يكونوا يشكلون سوى نسبة قليلة. فقد بدأت خطوات التحضير لمشروع الاستلاب الوطني بتنفيذ تغيير التركيب الديموغرافي. وهذا كان يقتضي تنظيم حملة صهيونية برعاية دولية لتأمين هجرة منظمة لليهود من العالم إلى فلسطين. وأن أصرار بريطانيا أن تكون الدولة المنتدبة على فلسطين فلأنها أعطت وعداً وهو المعروف بوعد بلفور.

إن الحركة الصهيونية التي تولت عمليات ترحيل اليهود من البلدان التي كانوا يقطنونها ويحملون جنسياتها، لم تقتصر مهامها على ترحيل اليهود من الغرب والشرق الدوليين ومن دول الإقليم المحيطة بالوطن العربي وحسب، بل أشرفت على تنظيم عمليات ترحيل اليهود وتسريبهم من البلاد العربية إلى فلسطين المحتلة. وهذه العمليات نشطت بشكل ملحوظ في السنوات التي تلت إقامة الحركة الصهيونية لكيانها الاستيطاني.

لقد تركزت جهود الوكالة اليهودية على إخراج اليهود من العراق واليمن باعتبار أن اليهود في هذين البلدين هم الأكثر عدداً بالقياس إلى ما هوموجود في أقطار عربية أخرى، وحيث تأتي في الدرجة الثالثة / المغرب. وقد بلغ عدد اليهود الذين عملت الوكالة اليهودية على إخراجهم من العراق واليمن ما يفوق الخمسين ألف يهودي من كل منهما.

وأنه من خلال تسليط الضوء على تنظيم هجرة اليهود طوعاً، أو ترحيلاً، أو تسريباً، أو تهريباً، يتضح أن هذه العمليات لم تتوقف رغم الاعتراف الدولي "بشرعية إسرائيل" ومنحها عضوية الهيئات الدولية، كما أنه في سياق هذا الترحيل المنظم بدا أن الترحيل ينشط في الوقت الذي تمر به بلاد المواطن (بفتح الواو) في اضطرابات سياسية أو في لحظة التحولات السياسية الكبرى وكما حصل عشية تفكك الاتحاد السوفياتي، بحيث سجلت هجرة اليهود الروس إلى فلسطين المحتلة نسبة كبيرة تذكر بالهجرات الكبرى التي كانت تنظمها الوكالة اليهودية بمساعدة بريطانيا كدولة منتدبة على فلسطين.

وأنه من خلال متابعة أنشطة الوكالة اليهودية، يتبين أن هذه الوكالة تولي أهمية ليهود المشرق والشرق أكثر من اهتمامها بيهود الغرب. وهذا يعود إلى ثلاثة أسباب:

السبب الأول، عام، وهو أن الوكالة اليهودية هي جهاز تنفيذي لدى الحركة الصهيونية وهي معنية بتنفيذ تأمين وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة وانطلاقاً من حاجة الكيان الصهيوني إلى أعداد بشرية إضافية لتغطية عمليات الاستيطان في الأراضي التي يتم إحتلالها وتجري عملية قضمها وهضمها تدريجاً، أي أن عملية استمرار تهجير اليهود إلى فلسطين إنما يرتبط بسياسة التوسع الصهيونية.

السبب الثاني: ان الشرق الدولي كان يضع قيوداً على هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة، وخاصة دول الشرق الأوروبي، وهذه القيود سقطت مع سقوط النظام الدولي الذي كان قائماً على ثنائية الاستقطاب الدولي، وبالتالي شهدت مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي هجرة مكثفة إلى فلسطين من الشرق، فيما الغرب كان قد وصل إلى مرحلة استنفاذ عملية الترحيل في ظل ما كان يقوم به من رعاية وتسهيلات دولية سابقة.

السبب الثالث: إن الحركة الصهيونية تركز على يهود الشرق وخاصة الذي يقطنون البلاد العربية ويحملون هوياتها لعاملين مهمين بنظرها العامل الأول، هو أن الشرقيين هم شعوب ولادة واليهود القاطنين هذه البلاد لا يشنذون عن هذه القاعدة. وأن "إسرائيل" بحاجة لتكاثر سكاني بوتائر مرتفعة كي تلبي حاجة الاستيطان من جهة، ولمواجهة التكاثر السكاني للسكان العرب من غير اليهود في فلسطين من ناحية أخرى.

أما العامل الثاني: فإن الحركة الصهيونية والتي تسند مشروعها الاستعماري-الاستيطاني إلى رواية دينية توراتية، تدرك جيداً أن الشرق يختزن كثيراً من الوثائق التاريخية، بعضها يبرر الرواية التوراتية وبعض آخر ينسفه. وبحكم أن المشرق العربي كان موطن الديانات السماوية التوحيدية ومنها الموسوية التي سميت لاحقاً يهودية لإضفاء السمة السياسية عليها، فإن الإرث المشرقي والذي ينطوي على مخطوطات أو غيرها من آثار محفوظة في المناطق المشرقية ومنها ما له صلة بحضور اليهود ودورهم في الحياة المجتمعية قبل المسيحية والإسلام وبعدهما، هو دائماً موضع اهتمام لدى الحركة الصهيونية.

وهنا نشير إلى حدثين:
الحدث الأول: أنه فور سقوط بغداد في يد الاحتلال الأميركي، تعرض معرض بغداد للسلب والنهب والتلف وفي عملية منظمة استهدفت أول ما استهدفت الأثار المحفوظة والمخطوطات التي تؤرخ للعهد البابلي. وقد كشفت التقارير اللاحقة أن كل ما له علاقة بتلك المرحلة هرب إلى "إسرائيل".

الحدث الثاني: أنه بعد عام 1973، تقدم العراق بطلب إلى اليونسكو لمساعدته في توفير الخبرة الفنية بنبش آثار بابل وعلى نفقته الخاصة لكن اليونسكو رفض الطلب وبضغط من الحركة الصهيونية لأن نبش الآثار البابلية سيكشف حقائق ربما تطيح بكثير من المفاهيم السائدة حالياً وخاصة النص الحقيقي للتوارة.

أن التقديرات تفيد أن الألواح الأصلية للتوارة مدفونة في أرض بابل وهي جلبت من القدس إبان حكم نبوخذ نصر. وإذا كانت الألواح الأصلية للتوارة مدفونة تحت الأنقاض في بابل فهذا يعني أن النص الحالي للتوارة مكتوب لاحقاً، وأن كل السياسية الصهيونية تبنى على ما هو مكتوب أو موصى به.

ومن هنا، فإن الحركة الصهيونية تولي أهمية استثنائية لإعادة تجميع ما تعتبره وثيق الصلة بحياة اليهود وخاصة في الشرق، وهي بحاجة إليه لإعادة صياغة صيرورة تاريخية للإرث اليهودي وبعدما ثبت أن آثار فلسطين لم تشر إلى ما تروجه الدعاية اليهودية بأن اليهود أقاموا دولة لهم في التاريخ على أرض فلسطين. ولو كان ذلك صحيحاً لكانت أعمال التنقيب أوصلت إلى نتيجة في هذا الاتجاه، أما وأن الواقع والحقيقة غير ذلك، تعمد الحركة الصهيونية عبر وكالاتها المتخصصة ومراكز أبحاثها لإعادة كتابة تاريخ "للحركة اليهودية" استناداً إلى ما تستطيع تجميعه والعثور عليه من وثائق لها علاقة بسير اليهود وديانتهم.

ضمن هذا السياق، جاءت عملية ترحيل "الفلاشا"، وضمنه تأتي عملية نقل يهود من اليمن في استغلال لواقعه الحالي. وقد كشفت الوكالة اليهودية النقاب مؤخراً عن تنسيقها لعملية نقل 19 يهودياً من اليمن في عملية وصفتها بأنها معقدة، مبررة ذلك بأنها عملت على إنقاذ اليهود من البلاد التي تمزقها الحرب.

ودلالة الخبر ليست في نقل 19 يهودياً، بل الدلالة أن اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين المحتلة اصطحبوا معهم لفافة تاريخية من التوارة تعود إلى 500 أو 600 سنة. وأنه بنقل هؤلاء اليهود الذين جلبوا معهم الوثيقة التي كانت محفوظة في المتحف الوطني في صنعاء، بلغ عدد الدين تم ترحليهم حتى الآن منذ بدء أحداث اليمن 200 يهودياً. وأضافت الوكالة أن الحركة الحوثية ساعدت على إنجاز العملية يسرية تامة وبوساطة أميركية مقابل 100 مليون دولار أميركي واليهود الذين نقلوا أن فلسطين المحتلة هم من منطقة ريده التي هي مع جرف سفيان وصعده تعتبر من الأماكن التاريخية التي يتواجد فيها اليهود.

وما يثبت اشتراك الحوثيين في تسهيل عملية ترحيل اليهود أن كبيرهم الذي التقى نتنياهو وسلمه لفافة التوارة كان مشتركاً بالقتال الدائر مع الحوثيين.

إن هذا الحدث الذي لم يسلط الضوء عليه كفاية، هو على درجة كبيرة من الخطورة، وهذه الخطورة تكمن في كون الساحات العربية التي تشهد صراعاً حاداً باتت مكشوفة لكل أشكال التدخل، والذي لم يعد يقتصر على جوانبه السياسية والاقتصادية والعسكرية بل بات يطال الذاكرة التاريخية والمحفوظ بعض إرثه في المتاحف الوطنية.

من هنا يجب تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه الحركة الصهيونية في تخريب الواقع المجتمعي العربي، وأدوار القوى التي ترتبط تنفيذاً وتوجيهاً بمشروع تفكيك بنى المكونات الوطنية العربية وخاصة على الصعيد المجتمعي.

وإذا كان الحوثيون لا يدركون خطورة الدور الذي يؤدونه كأداة في تنفيذ المشروع الإيراني وهو يصب في صلب المشروع الصهيوني ويصرون على استمرار انخراطهم في هذا المشروع التدميري الذي بات يشكل رديفاً موضوعياً للمشروع الصهيوني فتلك مصيبة وأما إذا كانوا يدركون ذلك فالمصيبة أكبر، لأنهم يكونون قد باتوا عن سابق تصور وتصميم جزءاً من الذراع الإيرانية التي أخذت عاتقها تنفيذ ما عجزت "إسرائيل" عن تنفيذه، وأن تعود الحركة الحوثية عن غيها السياسي وارتباطها المشبوه كأداة تنفيذية في مشروع التخريب الفارسي، فهذا يفسح المجال أمام إعادة تأهيلها وطنياً، أما إذا استمرت على نهجها فإنها لن تكون قد وقعت في مطب السقوط السياسي فقط، بل تكون في وضع من يحمل وزر الإدانة التاريخية، لحركة، رفعت مطالب إصلاحية، فإذا بها تنفذ الأجندة الفارسية وتستحضر في عملية تسهيل ترحيل اليهود ونهب المتحف الوطني، مشهدية عملية "الفلاشا" ونهب المتحف الوطني العراقي.

فهل تعي الحركة الحوثية أي بعد خطير ينطوي عليه عملها في تنفيذ خطة الوكالة اليهودية: أنها "فلاشا يمنية"، ويخشى أن تكون حاضرة على طاولة مباحثات الكويت.

في ضوء يجب ان يدرك الجميع وخاصة المتعاطين بالشأن اليمني أن شعار الحركة الحوثية في مكان وما تنفذه في مكان آخر وخير للأمة أن تكتشف الحقائق و لو متأخرة وحتى لا يبقى التضليل سائداً من محاربة ما يسمى الإرهاب في سوريا والعراق إلى الغرق في وحول أزمة اليمن، والتي يبدو أن "اسرائيل" قطفت أولى ثمارها ن خلال تنظيم نقل اليهود ومعهم الوثيقة التاريخية المحفوظة في متحف صنعاء.

هذا المحور الذي يرفع شعار الموت لأميركا، وإسرائيل ومقاومة تمددها، ينظم بمساعدة أميركا ترحيل اليهود لمد الاستيطان الصهيوني بكثافة بشرية إضافية.

لقد سقطت ورقة التوت وبانت العورات السياسية، وعلى من يغرب نظره عن الحقائق، أن يعود إلى حيث يجب يكون ويرى العورة كما هي وقائعها وليس كما يقدمها الإعلام المضلل. وللبحث صلة ...





الاربعاء ١٧ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة