شبكة ذي قار
عـاجـل










إن قيمة اعتراف مارتن ولز، خبير صناعة الأفلام، الذي اتفق البنتاغون مع شركته في بريطانيا على فبركة وتزوير أفلام رعب في استديوهات توحي بأنها تمت في المنطقة العربية، والذي فتح خزانة أسراره لصحيفة Sunday Times مؤخراً، مؤكداً أن رعب تنظيم القاعدة تمت صناعته من قبله شخصياً بتمويل من البنتاغون ورعاية البيت الأبيض، وقيمة اعترافه لا تكمن فقط في فحوى الرسالة التي أراد بعثها بعد صحوة ضميره المتأخرة، فالاعتراف نفسه كقيمة إنسانية كان كافياً لإثبات التآمر الذي قام ويقوم به البنتاغون لتحقيق مصالح أمريكا في المنطقة. واستناداً إلى قاعدة أن تأتي أخيراً خير من أن لا تأتي، تنتصب قيمة اعتراف ولز، فقد اتفق البنتاغون وموّل انتاج وتزوير أفلام في استديوهات الشركة في بريطانيا لمشاهد دموية ونسبة ذلك إلى تنظيم القاعدة، وبحسب الفيديو المتداول على الوسائط فإن البنتاغون دفع 450 مليون دولار للشركة التي يعمل فيها ولز لتزوير تلك الأفلام، ولم يتم عرض تلك الأفلام في أمريكا ليس بسبب أن القانون الأمريكي لا يجيز بث مناظر دموية _ وهذه كانت الفرية التي يبرر بها الأمريكيون عدم بثها في القنوات الفضائية الأمريكية _ وإنما لأن القانون الأمريكي لا يجيز بث أفلام مزورة، وبذلك يجب ألا ينبري أحد بعد ولز من رموزنا الإعلامية ليتحدث عن المصالح المعلنة ومحاولة تقديم الفعل الأمريكي في المنطقة باعتباره رسول النجاة الإلهي لمشاكل الأمة واشكالاتها المزمنة، أو أن أمريكا تتحرك بدافع مباديء إنسانية محضة، وإلا والحال كذلك أين كانت هذه المباديء حينما تعرض سجناء غوانتنامو إلى أبشع صور التعذيب الذي تأباه النفس البشرية؟ وما تعرض له شرفاء العراق في سجن أبو غريب والسجون السرية الأخرى على يد جينا شيري هاسبل التي عينها ترامب مديرة لوكالة الاستخبارات الأمريكية ؟!

التجارب علمتنا أن التآمر لن يقف عند ولز وتواطوء حكامنا، بل أن التآمر بدأ منذ بدء الخليقة ولا تلوح في الأفق القريب بارقة أن تحتكم الدول في علاقاتها على المباديء الإنسانية المشروعة في ظل تنامي البشر ونقص الموارد الطبيعية في العالم، فالمتتبع لحال تطور المشكلة، وبربط بسيط لأحداث متفرقة تحدث يومياً منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي في المنطقة العربية والأجواء المرتبطة بها، يكتشف أن المؤامرات ما انفكت تحاك ضد المصلحة العربية ومكونات الشخصية القومية، ومنها بلا شك الإسلام، مثلاً ما عرف بزلة لسان بوش حينما كان يحشد العالم للعدوان على العراق إذ قال أنها حرب صليبية ضد الإسلام ثم عاد واعتذر عن ذلك، وما قاله ترامب مؤخراً حول تنصيبهم لحاكم موال لهم في السعودية، أو مراجعة بعض تاريخ حفتر منذ حرب قطاع أوزو بين ليبيا وتشاد وانتصار الجيش التشادي على الجيش الليبي بقيادة حفتر في القطاع واختفائه المريب عن الساحة حتى ظهوره الأخير في ليبيا منفذاً للسياسة الامريكية في ليبيا، ومراجعة تاريخ السيسي منذ تخلفه الأخير عن طائرة الضباط المصريين الذين كانوا في طريق عودتهم إلى القاهرة بعد انتهاء دورة عسكرية في الولايات المتحدة، كل ذلك يؤكد ويثبت أن السياسة الأمريكية في المنطقة تتحرك بواسطة المؤامرة أولاً وأن الحديث عن المصالح المشتركة ما هو إلا وهم يتخفى خلفه مردة وشياطين البنتاغون، أذكر أن من أوائل الأماكن التي تعرضت للقصف الجوي في العراق، خلال العدوان الثلاثيني، موقع الصرف الصحي التابع لوزارة الصحة، مما سبب انتشاراً للأوبئة بعد فترة قصيرة من الغزو، وقد كان العراق قد تخلص من الأوبئة واحتاط لمجابهتها منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، المفارقة أن وزارة النفط التي كانت مبنىً زجاجياً فخماً لم تصب بأذى طوال فترة القصف الجوي وظلت على حالها حتى تسلمها الغزاة.

إننا لسنا بحاجة إلى تغيير نمط تفكير حكامنا وإنما تغيير العقلية التي ظللنا ننظر بها إليهم، فقتل القيم الإنسانية يجعلهم شيطانيين لا تحركهم نخوة أو عسف ولا يخشون حساباً، طالما ضمنوا بعمالتهم لأمريكا أن لا يد من قانون ستطالهم، وإلا فإن الملاجىء الآمنة في أمريكا أو أصدقائها ستوفر لهم سقفاً منيعاً في حال انتهاء صلاحية استخدامهم لتنفيذ السياسة الأمريكية، لن تحتاجوا إلى عناء البحث عن أمثلة، فقط التفتوا يمنة أو يسرة.
حادثة أخرى مرت دون أن ينتبه لها إعلامنا العربي وهي حادثة الإمام المزور الذي كان يتحدث في أحدى القنوات الأسترالية، وحينما شك محاوره في أمره طلب منه قراءة آية من القرآن الكريم، ولكنه فشل، ليكتشف العالم أنه ليس الا إمام مزور لا يدين أصلاً بالإسلام، بل وصل الأمر إلى تداول ناشطين على وسائط التواصل الاجتماعي فيديو يظهر عالماً اسرائيلياً يتحدث عن ثوابت الإسلام باعتبار أن العالم قد اقتنع بثوابت الإسلام، بينما كان العالم في الواقع يلقي محاضرة عن الإسلام ويتحدث عن كيف يرى المسلمون الإسلام حتى يسهل التعامل معهم وفهمهم وتنميط شخصياتهم.

إن الضمير الإنساني يجب ألا يسمح لهكذا وسائل أن تسود وإلا فإن العالم مهدد بموت القيم وتفسخها، والضمير العربي الشعبي يجب أن يصحو من ثباته العميق الذي أدخلته فيه حالة السكوت عن قول الحق والانتخاء له دفاعاً عن مصالح ووجدان الشخصية الوطنية والقومية، ورفضاً لحالة الخنوع ومواجهة ذلك من حيث انتهى الآخرون في العلوم باعتبارها ملكاً إنسانياً صرفاً وصولاً إلى تحقيق دولة المؤسسات والقانون، وانتصاراً لقيم الحق والفضيلة لاستنهاض قيمة الأمة بقراءة تاريخها واستيعاب استعدادها المطلق إلى التفاعل مع القيم الإنسانية السمحة.





الثلاثاء ١٠ رجــب ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ. فضل الله مختار نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة