في ضحى ذات يوم من أيام الجمعة في شهر نيسان المبارك ، و في يوم السابع منه من عام 1947 ، تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي و بمناسبة مرور الذكرى الواحدة و السبعين لميلاد هذا الحزب ، فلا بأس أن نحيي ذكراه بإعادة موقف البعث من الوحدة العربية التي أعطاها أرجحية كبيرة و ركز عليها تركيزا بارزا في أدبياته و فكره. فالوحدة (( شرط لازم للنضال الشعبي التحرري ضد الاستعمار و ضد الاستغلال لأنه بدون وحدة يبقى الاستعمار يتلاعب بمصيرنا و يغري قطرا باستغلال محن قطر آخر )). و (( الوحدة ليست ترفا للعرب ، فلا يمكن أن يصل القطر الواحد إلى استقرار و إلى تقدم ملموس و استقلال متين ما دامت أقطارنا متفرقة ، و ما دام الاستعمار يستطيع أن يلعب بنا و أن يستغل فرقتنا .
فالوحدة ضرورة حيوية قاهرة ، و لولاها و لولا أهميتها لما تكاتف الاستعمار
العالمي ، و الصهيونيةالعالمية و خلقوا عقبة كبيرة في طريقها هي اسرائيل )). إنها
هي (( أصعب معاركنا لأنها ( الثورة الخالصة ) التي يضع فيها العرب جميع إمكانياتهم
. ( الثورة العربية ) التي لا يعتمد فيها العرب إلا على أنفسهم هي معركة الوحدة ،
في حين أن ثورة التحرر و الثورة الاجتماعية تساندهم فيها قوى أخرى ( ...) . (( و لا
شك أن بين الأقطار العربية المختلفة بعض الفروق في الأوضاع الداخلية و خاصة
الخارجية . و هذه الفروق ليست في رأينا مما لا يمكن التغلب عليه من أجل توحيد
النضاال ... أما إذا فهمنا من الفروق أكثر مما تمثل الكلمة و بالغنا في إعطاء
الأهمية للفروق ، و رضينا أن نسترسل في طريق التفريق و التمييز فإن في ضمن القطر
الواحد فروقا من منطقة و أخرى ... و (( شعار البعث العربي لا يرمز إلى أشياء مقبلة
بعيدة عن الواقع ، بل يهدف في الدرجة الأولى إلى تلبية حاجات الحاضر و ضروراته ، و
هو يعني أن الأمة العربية واحدة، فلا تعترف بهذه التجزئة المصطنعة العارضة ، و أنتا
نسعى إلى تحقيق هذه الوحدة ليس في الأرض فحسب ؛ بل أيضا في الروح و الاتجاه .. )).
..تحدثت الليلة الماضية عن أول المفاهيم المركزية في المنطلقات النظرية - النضالية
لحزب البعث ، و هو مفهوم الوحدة. و الليلة نتناول المفهوم الأساسي الثاني ، ضمن
ثلاثة مفاهيم أو مرتكزات يختلط فيها البعد النظري مع البعد النضالي . و هو مفهوم
الحرية . و أنبه إلى أن هذا الترتيب ليس كرونولوجيا ( زمنيا ) بل هو ترتيب منطقي ،
و لكن الحقيقة أن هذه المفاهيم المركزية يحكمها منهج جدلي يدرس الظاهرة الطبيعية في
علاقتها المتبادلة مع الإنسان ، و يعالج الظاهرة الاجتماعية من خلال ما يشكله
الإنسان من أبعاد متداخلة . و انطلاقا من الترابط الجدلي بين هذه المفاهيم الأساسية
، ينظر حزب البعث إلى إشكالية الحرية بوصفها المبدأ الأسمى للوجود الإنساني، لأنها
من جهة تكون شرطا لازما لتحقيق الإنصاف و العدل ، و من جهة ثانية لأنها تشكل البعد
الإنساني في الاشتراكية ، التي تحرر الإنسان من الضرورات الحيوانية لكي ينصرف إلى
القيام بوظيفته الإنسانية ;. و الحرية في الفكر البعثي هي صراع داخلي و خارجي
:داخلي بين مضامين التقليد و مضامين التجديد ، أي انقلاب البعثي على نفسه و تظيف
نفسه من علائق و عقليات و ترسبات المجتمع . و الحرية صراع خارجي مزدوج مع الواقع
الاجتماعي و كوابحه و قيوده، و أيضا مع القوى الأجنبية التي تؤازر سلبيات المجتمع و
تعمل على ترسيخها، و تمدها بعوامل البقاء و التجذر . فهذه الحرية هي تحرر من
المضامين الاجتماعية داخل الفرد ؛ إذ ( أن العرب لا يمكن أن يصلوا إلى أهدافهم إلا
إذا ساروا في ذلك مدة طويلة ، في طريق طويل ، و في اتجاه معاكس لهذا الواقع الذي
نعيش فيه ، فعليهم قبل أن يقدموا أنفسهم كطباء لهذا الواقع المريض أن يسلكوا الطريق
الذي يربي شخصيتهم من جديد و يخلق في العرب نفوسا جديدة و أخلاقا جديدة و تفكيرا
جديدا )