شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها الرفاق والرفيقات، أيها الأخوة والأخوات
الحضور الكريم

بالأمس كان بيننا، واليوم رحل ، والرحيل لم يخرجه من جمعنا، لأننا ما زلنا نجد أنفسنا في حضرة صاحب الذكرى، لما كان يمثل وما انطوت عليه شخصيته من منظومة قيمية، اجتمعت فيها العصامية الأخلاقية المصداقية والمبدأية الحزبية والسياسية.

رفيقنا الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي أحيينا ذكرى أربعينيته تحت قبة هذا الصرح الثقافي الوطني الذي يضفي بعداً معنوياً على التكريم، نحي اليوم الذكرى السنوية لوفاته تحت هذه القبة تكريماً واستذكاراً له، فشكراً لمعالي وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، وللمشرفين على هذا الصرح وإدارته وكل من ساعد وسهل إقامة هذه الاحتفالية فأهلاً وسهلاً مرحبين بكم وبما تمثلون وكل الطيف السياسي وأصدقاء ومحبي ورفاق فقيد الحزب ولبنان العروبة .

رفيقنا الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي استوطن قلوب رفاقه ومحبيه وكل من عرفه وتعايش معه تعددت عناوين التعريف به. قيل فيه أنه طبيب الفقراء، وأنه أبناً باراً لطرابلس الفيحاء، والمسكون دائماً بهموم الناس وقضاياهم والمعبر بصدق عن معاناتهم والحامل لواء أحلامهم، لكن الأهم من كل ذلك، أنه كان بعثياً بهويته النضالية، قضى ستة عقود من السنين مناضلاً في صفوف الحركة التاريخية التي انبثقت من رحم الأمة حاملاً راية العروبة والرسالة الخالدة لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.

الرفيق عبد المجيد الرافعي، استحق المكانة الاعتبارية في الحزب، لأنه كان دائماً في خط الشرعية الحزبية، ودائم الحرص على دور المؤسسة الحزبية المحكومة بضوابطها الموضوعية، بعيداً عن كل أشكال الشخصنة والذاتية القاتلة. وإذا بدا كبيراً في حياته، فلأنه تدرج في مدرسة الحزب الى موقع نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وأمنياً لسر قيادة الحزب في لبنان لعقود الى أن أغمض عيناه عن هذه الحياة، تاركاً الأمانة بين أيدي رفاقه وهم يحمونها بأشفار العيون، ويحرصون عليها حرصهم على الوفاء للمبادئ وقسم العهد على استمرار المسيرة النضالية .

كان كبيراً لأنه رفيق القائد المؤسس ميشيل عفلق، ورفيق شهيد الأمة وقائد العراق صدام حسين، ورفيق الأمين العام للحزب عزة إبراهيم.

الرفيق عبد المجيد الرافعي الذي نحي ذكرى سنوية الرحيل الأولى كان رفيق الشهداء، شهداء الحزب وحركة النضال الوطني والقومي في لبنان وفلسطين والعراق وكل أرض عربية استشهد فيها مناضلون وهم يقاومون الاحتلال الأجنبي ويواجهون نظم القمع والاستبداد والرجعية. هو رفيق موسى شعيب وتحسين الأطرش، وأبو علي حلاوي وابناء شرف الدين وشهداء طرابلس في العرقوب وكل شهداء الحزب والحركة الوطنية والثورة الفلسطينية على مدى عقود من الكفاح ضد العدو الصهيوني والقوى الطائفية والمذهبية التي عبثت بالأمن الوطني.

د. عبد المجيد الرافعي، استحق هذه المرتبة الرفيعة ليس لأنه أبناً لعائلة كريمة ولمدينة وفية لعروبتها وحسب، بل لأنه كان أيضاً واحداً من أسرة قومية يغطي مناضلوها ساحة الوطن العربي الكبير، وهو ترك إرثاً نضالياً عظيماً، وهذا الإرث هو وقف نضالي لخدمة المسيرة والأجيال .

نعم هذا هو عبد المجيد الرافعي الذي كنا نخاطبه بالحكيم تحبباً، رحل ولم يكحل عيناه برؤية تغيير سياسي وطني في لبنان، لأن النظام الطائفي أعاد إنتاج نفسه عبر قانون انتخابي جديد، قيل عنه أنه ينطوي على التمثيل النسبي، فإذ النسبية هي في إعادة توزيع الحصص على ممثلي الطوائف، وفي الامعان بممارسة الفساد والهدر في المال العام تحت عنوان مكافحة الفساد والهدر والتي لا تعدو كونها سوى سرقة موصوفة.

إن التغيير لم يحصل، ولم يتم الاقتراب منه حتى ملامسة، لأن الذي تغير اقتصر على الأسماء في نظام المحاصصة الطائفية وبقيت الملفات التي تشكل هماً يومياً للمواطن بعيدة عن أية مقاربة فعلية للحل على أسس وطنية ومثالها ملف النفايات، والأملاك البحرية والكهرباء وملفات السكن والطبابة والتعليم والانضباط تحت سقف النظام العام، وإذا كانوا يتلهون اليوم بتأليف الحكومة وعددها فنقول لهم، ان الناس لم تعد معنية بصيغ التشكيل الحكومي طالما هي محكومة بقواعد المحاصصة الطائفية، وإذا كان من مدخل للحل فهو في إعادة تركيب السلطة على أساس قانون انتخابي تنعكس من خلاله إرادة التمثيل الشعبي وهو قانون النسبية خارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الوطنية الواحدة وعندها يصبح الجميع تحت سقف الدولة التي تضبط حكمها المؤسسات الشرعية والشرعية فقط.

لقد رحل حكيمنا ولم يعش لحظة فرح رؤية علم العروبة يرفرف فوق القدس وكل حواضر فلسطين.

رحل ولم ير العراق وقد تحرر كلياً من مخلفات الاحتلال الأميركي ووريثه المحتل الإيراني الذي يمعن تدميراً وتخريباً ببنى العراق وطنياً ومجتمعياً.

رحل حكيمنا، قبل أن تضع الأزمات البنيوية التي عصفت بالعديد من الساحات العربية أوزارها، وتدخل البلاد في نطاق آليات الحلول السياسية التي تصون المقومات الوطنية الأساسية ملخصة بوحدة الأرض والشعب والمؤسسات وتعيد لهذا الأقطار خاصة في سوريا واليمن وليبيا استقرارها السياسي عبر إعادة بناء مجتمعاتها مادياً وسياسياً استناداً الى هيكلة الحياة السياسية على قواعد المساواة في المواطنة والتعددية السياسية وتداول السلطة وإنهاء تسلط المنظومات الأمنية على مقدرات البلاد والعباد والقضاء على كل أشكال الاستبداد والتوريث السياسي والتأبيد السلطوي.

نعم، رحل عبد المجيد الرافعي والأمة العربية تتعرض لاستباحة من مشرقها الى مغربها وذروة هذه الاستباحة هو الذي يقدم تحت عنوان "صفقة القرن"
هذه الصفقة التي يروج لها، لا تنطوي على أي عنصر من عناصر إعادة الحقوق وإنصاف شعب فلسطين، بل هي الإعلان الرسمي عن تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان "الحل السلمي" والذي في أحسن حالاته لا يعدو كونه ترتيبات تفرض لمصلحة العدو الصهيوني وبرعاية أميركية وبتواطؤ من بعض مواقع النظام الرسمي العربي المتهافت نحو التطبيع.

هذه الكذبة التي تنطوي عليها التبريرات التي تعطي لصفقة القرن بأنها ستحمل السلام الى الفلسطينيين، هي كما الكذبة الكبرى التي أطلقتها أميركا عشية شن عدوانها على العراق. فانظروا ماذا حل بالعراق ، وكيف تحول في ظل الاحتلال من بلد كان يشكل أنموذجاً في البناء الوطني والاستنهاض الشامل والقلعة القومية، الى بلد تتحكم فيه المافيات الطائفية والمذهبية وتنعدم فيه أبسط مقومات الأمن الحياتي والاقتصادي والاجتماعي وتنهب ثرواته من قبل الشركات الأميركية، مع استفحال التغول الإيراني الذي يضرب مخالبه في كل مفاصل الحياة العراقية.


أيها الأخوة، أيها الرفاق والأصدقاء
الحضور الكريم،

هذه الصفقة ما كان أحد ليجرؤ على طرحها، لو لم تكن الأمة العربية على هذا المستوى من الانكشاف القومي والذي أُسس له بالعدوان على العراق واحتلاله وتخريبه من قبل أميركا وإيران وقوى التكفير الديني على اختلاف مسمياتها. لقد وقع نظام مصر اتفاقية كمب دافيد لكن الأمة لم تسقط ،ووقع الأردن اتفاق وادي عربة والأمة لم تسقط، ووقعت السلطة الفلسطينية اتفاق أوسلو،مع ذلك الأمة لم تسقط، لكن عندما أسقط العراق، أصبحت الأمة على حافة السقوط وهذا الذي تمر به الأمة إنما هو نتيجة لسقوط القلعة القومية التي كان يمثلها العراق في ظل نظامه الوطني نظام حرب البعث العربي الاشتراكي،

ويكفي التذكير، بأن ما أقدمت عليه أميركا بالأمس القريب عندما نقلت مقر سفارتها الى القدس المحتلة، لم تجرؤ عليه يوم تراجعت عن إعلانها قبل ستة وثلاثين سنة بعدما أطلق الرئيس صدام حسين مبادرته مع الملك خالد بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع كل دولة تنقل سفارتها الى القدس المحتلة وتعترف بها عاصمة للكيان الصهيوني ويكفي التذكير ايضاً، ان العراق في ذروة الحصار الظالم عليه تقاسم لقمة الغذاء والدواء مع جماهير فلسطين المحاصرة وعندما طرحت عليه صفقة فك الحصار مقابل الاعتراف بالكيان الصهيوني كان الرد "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها".

نعم جاع العراق، مرض أبناؤه، لكنه لم يتنازل عن سيادته الوطنية ولا عن مشروعه القومي، ولهذا كانت الحرب عليه الأولى والثانية والثالثة ثأراً منه ومن مواقفه وخاصة قضية فلسطين. ففلسطين بالنسبة للأمة هي قضية مركزية وهي بالنسبة للحزب هوية نضالية، وهل يتنازل المرء عن هويته!!!

وإذا كانت قد برزت قضايا مركزية أخرى، وبالأخص قضية العراق، فلأن العراق هو قاعدة ارتكاز اساسية لأي مشروع قومي وبالتالي فإن إعادة الاستنهاض القومي مرهونة بانتصار المشروع الوطني في العراق، مشروع التحرير وإعادة التوحيد وإسقاط كل إفرازات الاحتلال الأميركي ورديفه الإيراني وكيف السبيل لذلك؟؟

إن هزم المشروع الامبريالي – الصهيوني الذي يقدم نفسه سياسياً اليوم تحت عنوان صفقة القرن، ووأد المشروع الإيراني بكل تعبيراته وأشكاله وأذرعه، لا يمكن أن يحصل عبر تلقائية مرور الزمن. بل لا بد من امتلاك الأمة لمقدراتها وثرواتها الطبيعية التي هي ملك للأمة وتوظيفها في خدمة التطوير الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي وتعزيز منعة الأمن القومي.

إن هذه الثروة القومية هي ملك للأمة، وليست ملكاً للحكام والأنظمة وبالتالي لا يجوز لا بل مرفوض ومدان رهن ثروة الأمة ومقدراتها وخاصة النفطية منها للاحتكارات الدولية ،كما مرفوض المقايضة عليها لشراء الأمن عبر الخضوع للابتزاز الدولي وخاصة الأميركي منه. فالأوطان لا تحميها القواعد العسكرية ولا المظلات الأمنية الأجنبية، بل تحميها شعوبها التي تقدم التضحيات لأجلها، كما هو الحال في فلسطين عبر انتفاضة جماهيرها المستمرة وأبرز تعبيراتها الحالية مسيرات العودة، والمقاومة الوطنية العراقية التي دحرت الاحتلال الأميركي وتتصدى للاحتلال الإيراني وإطماعه التوسعية وتضع العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال ويمارس النظام الايراني وصايته عليها أمام المأزق الحاد والتي كانت مقاطعة الانتخابات استفتاء على الحالة السياسية التي أفرزها الاحتلال بطرفيه الأميركي والإيراني.

في هذه المناسبة، مناسبة احياء الذكرى السنوية الأولى لوفاة رفيق دربنا نائب الأمين العام للحزب وأمين سر القطر في لبنان، نقول، أن الأمة قادرة على الاستنهاض لكن ليس عبر الآليات التقليدية للعمل السياسي وليس عبر آليات هذا النظام الرسمي العربي الذي بغالبية مواقعه متواطىء مع أعداء الأمةمن دوليين واقليميين ويوفر أرضية ويوفر غطاء رسمياً عربياً لصفقات دولية يراد لها أن تمرر على حساب الحقوق القومية للأمة وخاصة صفقة القرن وإدخال دول إقليمية كإيران وتركيا في منظومة اقليمية تضم اسرائيل لإنتاج تسويات سياسية لأزمات عربية بعدما وضعت هذه الأزمات تحت سقف التدويل السياسي.

من هنا، نقول إن الرهان إنما هو على الأليات التي تعتمد على الجماهير الشعبية وعلى النضال الجماهيري ذي البعد الوحدوي وعبر تعبيراته الديموقراطية، والمؤتمر الشعبي العربي نموذجاً .وأنه مهما دُفع من أثمان وتضحيات فإنها ستبقى أقل مما ستدفعه الأمة فيما لو مررت صفقة القرن، ومكن النظام الإيراني من ضرب مخالبه في المكونات الوطنية العربية، وغض الطرف عن التدخل العسكري التركي في العراق وسوريا والذي هو احتلال أياً كانت توصيفاته ومبرراته.

في الذكرى السنوية لوفاة رفيقنا العزيز د. عبد المجيد الرافعي، نقول له ونعاهده، بأن حزبك في لبنان سيبقى يناضل مع رفاقه وأخوته وكل قوى التغيير الوطني لإسقاط نظام الطائفية السياسية، وإقامة دولة المواطنة، دولة المؤسسات الشرعية دولة القانون وضوابط الانتظام العام عبر إعادة الاعتبار للدولة ودورها باعتبارها المرجعية التي تتجسد فيها الشرعية الوطنية على حساب "شرعيات" الأمر الواقع.

ونقول له، ان حزبك الذي تقوده قيادة الحزب القومية وعلى رأسها الرفيق الأمين العام للحزب والقائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير، سيبقى في خنادق النضال لأجل انتصار قضية فلسطين وقضية العراق بما هي قضية تحرير وتوحيد وديمقراطية سياسة وثورة الأحواز وانتصار نضال الحركة الشعبية ضد النظم الرجعية ونظم الاستبداد ومصادرة الحريات.

في ذكرى مرور سنة على وفاة رفيقنا وعزيزنا وحكيمنا، نقول له نم قرير العين، لأن أمتك العربية هي أمة حية، وسيبقى حزبك على عهد المبادئ وأهداف النضال القومي، وسيبقى شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، شعار نصدح به لتحقيق أهداف أمتنا في الوحدة والحرية والاشتراكية.
تحية لكم على مشاركتنا أحياء هذه الذكرى،
تحية الى روح من نحي ذكراه، والى روح رفيقيه ميشيل عفلق وصدام حسين.
تحية الى شهداء الحزب والأمة العربية على مساحة الوطن العربي الكبير.
تحية الى المعتقلين والأسرى في سجون ومعسكرات الاحتلال وأقبية سجون القمع والاستبداد
تحية الى انتفاضة فلسطين ومقاومة العراق وثورة الأحواز وقوى الحراك الشعبي العربي بتعبيراته الديموقراطية
تحية الى الرفيق الأمين العام للحزب القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير الرفيق عزة إبراهيم
عشتم، عاشت فلسطين حرة عربية من البحر الى النهر،
عاش العراق حراً عزيزاً عربياً موحداً ديموقراطياً
عاش لبنان حراً ديموقراطياً
عاشت الأمة العربية
والسلام عليكم

المحامي حسن بيان
رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي
بيروت في  ٥ / تمــوز / ٢٠١٨





الجمعة ٢٢ شــوال ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة