شبكة ذي قار
عـاجـل










وكأن القدر ادخر لام الربيعين ما يسؤوها ،فجمع لها الليالي الحالكة المعتمه تباعا منذ نيسان 2003حتى الان فلم تشهد "الحدباء " في هذه الايام الا نكبات متتالية وحوادث كارثية لن تُمحى من ذاكرتها حتى الابد ...

تعيش الموصل اليوم واقعا بائسا ومؤلما في ذات الوقت ، وقد تظافرت عوامل عديدة أودت بالمدينة "الغراء " الى هذه النهاية التراجيدية ، ولأن البدايات هي التي تحدد النهايات ،فلا بد من العودة قليلا للوراء لنفهم ما جرى ! .

في الايام الاولى التي أعقبت استيلاء تنظيم داعش على الموصل كانت ردود الفعل الدولية عامة والامريكية خاصة شبه مجمعة على أنتقاد سياسات حكومة المالكي الطائفية وخاصة ما يتعلق بتنكيلها بالمواطنيين ، وأعتبار هذه الافعال هي التي أدت في محصلتها النهائية لتَغول التنظيم وفرضه لهيمنته على الموصل ومعظم المحافظات الستة .

ولكن الغريب إنّ استراتيجية التحالف الدولي لمحاربه داعش الذي قادته الولايات المتحدة ركزت على حرب التنظيم وضروره "هزيمته عسكريا "دون إنّ تتضمن هذه الاستراتيجية مقاربا "اجتماعيه، سياسيه ،تصالحية " لمعالجه الاسباب التي ادت لظهور التنظيم ، ولتمنع عودة التنظيم مره اخرى .

في نهايه المطاف هُزِم التنظيم ، وأخُرِج من الموصل بعد معارك طاحنه وقتال مستميت وقد استبشر اهل الموصل خيرا في بدايه الامر وعدوه عهد جديدا مختلفا عن ما سبق ولكن من الواضح ان هذا التفاءل لم يكن في محله اذ سرعان ما بدأت المشاكل تطفو على السطح دون ان يكون للحكومة حل لها في المدى القريب او المنظور ، من ابرز هذه الاشكالات هي مشكله التدقيق الامني ، لملاحقه عناصر التنظيم ، اذ تَتبع الحكومه العراقيه وفي ظل ضعف وفشل منظومتها الامنيه والاستخباراتيه ، تتبع اسلوبا تقليديا بيروقراطيا يتمثل في التدقيق الامني اعتمادا على الاسماء الثلاثيه في السيطرات ونقاط التفتيش وهذا التدقيق الامني غالبا ما يؤدي لايقاف مواطنين تتشابه اسمائهم الثلاثيه مع مطلوبين ، وقد ولد هذا الامر مشكله حقيقيه في المدينه لكون اغلب الاسماء في المنطقه عموما متشابهه ومتكرره ، وان يتم احتجاز شخص بتهمه الارهاب امر لا يحسد عليه انسان وغالبا ما تطول مده احتجاز المشتبه بهم أشهر عديدة بسبب الروتين القاتل وبيروقراطية اجهزة الاستخبارات والامن الوطني ، ويتعرض المشتبه بهم لانواع من التنكيل واصناف من التعذيب في السجون ، مع تحقيق امنيه بالغ العنف وبأفراط فيه !

هذا الامر يدفع ذوي المعتقلين لدفع رشى و اموال طائله لضباط الاستخبارات والامن الوطني بغية اطلاق سراح ذويهم المشتبه بهم ، الامر الذي ادى في نهايه المطاف لفتح ابواب الفساد على مصراعيه فاصبح منتسبو الامن الوطني الاستخبارات يتعمدون اجراءات التحقيق بغيه ابتزاز المواطنين .

واذا ما تجاوزنا ملف التدقيق الامني وملاحقه عناصر داعش ، لندلف الى موضوع اخر لا يقل اهميه عنة يتمثل بالاهمال المتعمد للمدينه ، فعلى الرغم من مرور اكثر من سنتين على استعادة المدينه لا يبدو ان الحكومه جاده في اعاده اعمار المدينه فيلم توضع خطط للاعمار و لم يخصص لها مبالغ ما ليه اصلا ، بل ان الحكومه لم تكمل رفع الانقاض من المدينه القديمه لحد الان !! الاهمال المتعمد الموصل امر بات يلحظه المواطن الموصلي بوضوح ، فالمستشفيات المهدمه لم يتم أعادة بنائها، و مستوى الخدمات متدني جدا و النزر اليسير من حركه الاعمار الموجوده يعود للمنظمات الانسانية غير الحكومية التي تكفلت بترميم بعض دور المواطنيين والدوائر الحكومية وتقديم خدمات انسانية اخرى ...

كما برزت للعيان في الفتره الاخيره حركه لبناء عدد من الاسواق والمولات التجارية ، والتي غالبا ما يكون لقياديين في الحشد الشعبي حصه الاسد فيها !!!

وللحشد الشعبي في الموصل اليوم الكلمه الفصل فبعد استعاده الموصل من داعش دخلت بعض فصائل الحشد الى الموصل وتمركزت فصائل اخرى في ريفها الشرقي والغربي وحاولت هذه الفصائل جاهدة فرض سطوتها على المدينه وقد نجحت في ذلك الى حد بعيد . فالمكاتب الاقتصاديه التي تتبع هذه الفصائل تسيطر على حركه روس الاموال داخل المدينه وتتولى عملية فرض الاتاوات عليها وتهديد وتحذير من لا يدفع اويتراخى عن الدفع ، ويمكن بوضوح فهم تفجيرات الموصل الاخيره و التي استهدفت على التوالي مطعم ابو ليلى و مطعم الجندول و مطعم سبايسي في هذا الاطار ، وجدير بالذكر ان صاحب مطعم ابو ليلى كان معتقلا قبل تفجير مطعمه باسبوعين عند الحشد الشعبي وكانت وكاله سبوتنيك الروسيه قد نشرت في وقت سابق تقريرا نقلت في عن مصادر من داخل شرطه نينوى قوله ان السيارات المفخخه التي انفجرت في الموصل مؤخرا لا تحمل بصمات داعش اطلاقا حيث اعتاد التنظيم في تفجيراته السابقه، أستخدام سيارات قديمة بينما التفجيرات الاخيرة تمت بسيارات ذات موديلات حديثة مصادرة من اشخاص معتقلين لدى الاجهزة الامنية بتهمة الارهاب !

وسطوه هذه المليشيات برزت أيظا خلال "فاجعة العبارة " فقد تبين أن مليشيا العصائب تملك ما نسبته 30%من أسهم الجزيرة السياحية ، والسبب يعود لكون مستثمر الجزيرة السياحية "عبيد الحديدي" كان قد استئنف العمل بها اثناء سيطرة التنظيم على المدينه وبعد استعادة المدينه ،قام باللجوء لمليشيا العصائب ليحمي نفسه من أي مسائلة قانونية وبالمقابل منح قياديين فيها نسبة مغرية من ارباح الجزيرة السياحية !

وذات الامر يتكرر في حقول نفط نجمة والقيارة جنوب الموصل ، حيث يواضب فصيل "كتائب الامام علي " على ابتزاز شركة النفط الانغولية " سوناكول " المستثمرة للحقل بغية السماح لصهاريج تابعه للمليشيا بتعبئة النفط ومن ثم تهريبه لحسابها الخاص !

من جهته يحاول ديوان الوقف الشيعي ان يحصل على غنيمة من كعكه "الموصل " التي أضحت مباحة للجميع ، فأستولى الديوان على اراض تجارية متميزة تعود في ملكيتها لوزارة الاوقاف لمنحله ، فضلا عن استيلائة على مساجد وجوامع ومراقد داخل مدينه الموصل انتزعها انتزاعا من الوقف السني الذي يقيم مدير فرع نينوى فيه في اربيل !!!

قصارى القول ،إن الامال التي كان أهل الموصل يعلقونها على حقبة ما بعد داعش قد تبخرت ،ووجد الاهالي أنفسهم أمام واقع مؤلم ومخيب ، وأنست الموصل كفراشة تلفها شرنقة سامة حِيكت بأيدي سياسيين فاسدين يعاضدهم قادة مليشيات وفصائل يقودون المدينه الى مستقبل مجهول !.





الثلاثاء ١١ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الموصلي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة