شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى اجتياح الولايات المتحدة الأميركية للعراق عام ٢٠٠٣، لا بدّ من إلقاء الضوء على العلاقات العراقية - الأميركية، والعلاقات العراقية - الروسية ( السوفياتية يومئذ ) في إطار العلاقات الدولية التي كانت تربط العراق بعواصم العالم الكبرى، وإحداها باريس والعلاقة الاستثنائية التي كانت تربط صدام حسين بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، نظراً للدور الكبير الثقافي والفكري الذي تلعبه فرنسا بالنسبة لأوروبا، ولأجزاء واسعة من العالم.

القيادي البارز ( السابق ) في حزب البعث المهندس نقولا الفرزلي يكشف عن "أسرار" المرحلة التي سبقت سقوط صدام حسين والنظام العراقي قبل ١٧ عاماً، وما سبق تلك المرحلة من تفاهمات دولية كان محورها العراق كدولة ذات نفوذ سياسي واقتصادي ودولي.

يكشف الفرزلي عن مرحلة "التفاهم القوي" الذي ساد العلاقات بين موسكو وبغداد، وهو ما جسّدته زيارة رئيس الوزراء السوفياتي، إلكسي كوسيغين الى العراق ( ترافقه حفيدته ).استمرت الزيارة من ٦ إلى ١٠ نيسان ( اأريل ) ١٩٧٢، وتمَّ خلالها توقيع اتفاقية الصداقة والتعاون بين العراق والاتحاد السوفياتي التي وقّعها كلٌّ من كوسيغين والرئيس العراقي أحمد حسن البكر.وقد بلغت العلاقات بين البلدين أعلى مستوياتها على كل صعيد، وتحديداً الاقتصادية والتنموية والتعليمية والعسكرية.يومها فسّر المراقبون حول العالم بأن موسكو تؤيّد نظام البعث في العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس عبد الكريم قاسم الذي كان يدعمه الشيوعيون.كانت العلاقات بين حزب البعث وموسكو شهدت فتوراً ملحوظاً إثر إطاحة البعث بقاسم، لكن "اتفاقية الصداقة" الجديدة أكّدت بأنّ موسكو قد تجاوزت قضية الإطاحة بنظام قاسم، إضافة إلى أنّ موسكو كانت ترى في حسن العلاقة مع العراق، وإقامة علاقات جيّدة مع هذا البلد النفطي بقيادة نظام البعث الجديد الواعد الذي يُمثّل أيضاً دوراً عربياً وقومياً بارزاً.

بعد توقيع "اتفاقية الصداقة والتعاون" بشهرين، اتخذ العراق القرار التاريخي بتأميم شركة النفط ( I.P.C.) والتي كانت تُصدّر النفط عبر خط الأنابيب الممتدّ من العراق عبر سوريا، إلى مصفاة ومرفأ طرابلس في لبنان.وقد اعتبر مؤسس البعث ميشال عفلق في بيان له : "إن قرار تأميم النفط في العراق يشكّل بداية الردّ الحاسم على هزيمة الخامس من حزيران".

كذلك أمّم العراق أنابيب النفط العراقية لشركة ( I.P.C.) التي كانت تربط كركوك بشمال لبنان عبر الأراضي السورية.لكن المفارقة تمثّلت بإاخاذ الرئيس السوري حافظ الأسد إثر ذلك، قراره بتأميم تلك الأنابيب.

المراقبون اعتبروا ذلك "ظاهرياً" قرار تأميم، و"عملياً" منع النفط العراقي من الوصول إلى مصفاة طرابلس في لبنان، وهو ما حصل فعلاً.

ويتذكّر المهندس الفرزلي، أنها المرة الأولى بعد صدور قرار تأميم العراق لثروته النفطية التي كانت في يدّ شركات أجنبية، تخرج تظاهرة تأييد لقرار التأميم في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت، تضمّ أحزاب ، ما عُرِف بعدها بـِ "أحزاب الحركة الوطنية" اللبنانية، وكان على رأس التظاهرة كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وقادة الأحزاب الوطنية والقومية.

الجدير ذكره أن عشاءً تكريمياً في القصر الجمهوري في بغداد كان قد أُقيم على شرف الزائر السوفياتي الكبير إلكسي كوسيغين بحضور ( حفيدته طبعاً ) والرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين، وقيادات عراقية بارزة.كما حضر القيادي البعثي اللبناني نقولا الفرزلي وعقيلته، علماً أن وفداً رسمياً رفيعاً من قيادة حزب البعث كان قد استقبل كوسيغين في مطار بغداد، ضمَّ ممثلاً عن الرئيس البكر، هو وزير الدفاع حمّاد شهاب، وعزت الدوري عضو مجلس قيادة الثورة، ونقولا الفرزلي عضو القيادة القومية لحزب البعث وأمين سر قيادة قطر لبنان ( تأكيداً على عروبة حزب البعث وتوجّهاته القومية ) ، وعدداً من الوزراء العراقيين.

بغداد - واشنطن
بعد الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، الذي ساهم في تطوير العلاقات بين العراق وعواصم أجنبية عديدة، فإن الرئيس صدام حسين أقام علاقات طيبة واستثنائية مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ومع العديد من عواصم العالم وخاصة في المعسكر الاشتراكي يومذاك.وأقام علاقات ممتازة مع الدول العربية كافة ( مصر، السودان، دول الخليج العربي، ودول المغرب العربي … ) واستقدم ملايين الفلاحين المصريين للعمل في القطاع الزراعي في العراق حيث شاركوا في ملكية الأراضي التي يزرعونها وفق المعايير الاشتراكية للحزب.وبالفعل ازدهرت يومئذ الزراعة في العراق على مختلف أنواعها…

كانت خطة صدام حسين تقضي بأن لا يتكّل العراق فقط على ثروته النفطية الهائلة، بل أضاف إليها الثروة الزراعية والتي أعطاها أولوية أساسية في خطط الحكومة العراقية.

وبالرغم من السياسات المرنة للعراق بعد تفاهمه مع شاه إيران حول "شط العرب" وتوقيع اتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥ بين العراق وايران برعاية الرئيس الجزائري هواري بو مدين، إلاَّ أن الولايات المتحدة الأميركية بتحريض دائم ومعلن من إسرائيل فرضت حصاراً اقتصادياً خانقاً على العراق، استمر ١٣ عاماً، وصولاً إلى اجتياحه وإسقاط النظام في العراق في العام ٢٠٠٣.

قبل ذلك، سعى العراق المحاصر اقنصادياً وإعلامياً وسياسياً من قِبَل الولايات المتحدة، إلى التواصل مع كبار المسؤولين المؤثرين في الإدارة الأميركية حيث زار دونالد رامسفيلد موفداً من قِبَل الرئيس الأميركي ريغان، العراق مرتين في ٢٠ كانون الأول ( ديسمبر ) ١٩٨٣ وفي ٢ آذار ( مارس ) ١٩٨٤.كما زار رامسفيلد العراق مرتين أيضاً ( كان وزيراً للدفاع ) قبل الغزو الأميركي للعراق، حيث التقى صدام حسين ووزير الخارجية طارق عزيز وبعض كبار المسؤولين العراقيين.ورغم وعود رامسفيلد برفع الحصار وإعادة العلاقات الأميركية مع العراق وتطويرها، إلاَّ أن هذه العلاقات استمرت بالتدهور وخاصة بعدما اتّهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد العراق عام ٢٠٠٢ بأنه يمتلك "أسلحة دمار شامل"، والتي ثَبُت فيما بعد زيفها وبطلانها.وقد أصرّ الرئيس الأميركي يومئذ جورج بوش ( الابن ) على تأكيد هذه "الكذبة الكبرى" بهدف غزو العراق وإسقاط نظامه.وهكذا انزلق بوش ( الإبن ) إلى شن حرب طاحنة ضد العراق مستخدماً آلته العسكرية الضخمة ضد دولة ضعيفة عسكرياً تنتهكها العقوبات الأميركية القاسية، وبالتالي تقديم العراق على طبق من ذهب إلى إيران.

المحافظون الجُدد
"الحرب هي الحرب"، جسّد هذا الشعار أحد مبادئ مجموعة المحافظين الجُدد ( Neo Conservatives ) وهم أصحاب توجّهات يمينية متشدّدة ينظّرون للهيمنة الأميركية المتعاظمة في العالم وخاصة الشرق الأوسط.وتُمثّل الحرب العقيدة الأيديولوجية لهم في تطبيق سياساتهم في قيادة العالم، وتمكين الولايات المتحدة من بسط سلطتها ونفوذها.

وهذا الاعتقاد، قاد "المحافظين الجُدد" الى الإستنتاج بأن إسقاط صدام حسين يُشكّل رسالة قوية ستدفع بالدول الأخرى في الشرق الأوسط إلى تملّق أميركا والانصياع للمشيئة الأميركية ولدورها في العالم.

يميل "المحافظون الجُدد" للاعتقاد بأن ما يصبّ في مصلحة اسرائيل يصب في مصلحة الولايات المتحدة، والعكس صحيح.وهذا هو السبب في أنهم لا يرَون أي تناقض ما بين ارتباطهم بإسرائيل وولائهم للولايات المتحدة.

وتظهر الواقعة التي سرد تفاصيلها ( مايكل موريل ) نائب المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية ( C.I.A.) ، هذا التوجّه لدى المحافظين الجُدد، ذلك أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول طلب في أوائل العام ٢٠٠٣ من الـــ ( C.I.A.) المساهمة في كتابة خطابه الذي كان سيلقيه في الأمم المتحدة ( قبل اجتياح العراق ) وهذا ما حصل فعلاً.لكن بعد مرور الخطاب على مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، تمَّ تبديل مقاطع فيه وأُضيفت وقائع وأفكار مغلوطة لم توردها ( C.I.A.) ، بل أضافها مساعدو تشيني ورمسفيلد ومنها أن صدام حسين لعب دوراً في هجمات ١١ ايلول ( سبتمبر ) ٢٠٠١، وأن صدام حسين يمتلك "أسلحة دمارٍ شامل" !

ويعتبر مايكل موريل نائب المدير السابق للــ ( C.I.A.) حتى ٢٠٠٣، أن فريق المحافظين الجُدد المحيطين ببوش ( الإبن ) أمثال : تشيني، ورامسفيلد، وكولين باويل، وكونداليسا رايس ورفاقهم، رافقوا بوش منذ تسلّمه منصبه وأشبعوه بفكرة مواجهة العراق عسكرياً.وكان رأي ( موريل ) مخالفاً لهذا الموقف، حيث قال مباشرة، بعد غزو العراق : "لا شك أن الحرب على العراق دعمت توجّهات 'القاعدة' وساهمت في انتشار عقيدتها".

بعد الغزو الأميركي للعراق واسقاط حزب البعث والرئيس صدام حسين، ظهر أن النظام الجديد في العراق المستمر منذ ٢٠٠٣، والقائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، لم ينجح في بناء دولة القانون.بل إن العراق تحوّل إلى "مصرف تتولى عصابة من اللصوص سرقة ثرواته" كما يقول سياسي عراقي واسع الاطلاع.وها هي الطبقة السياسية الحاكمة في العراق اليوم لا همّ لها سوى المحاصصة في الحكم والنفوذ ونهب المال العام بالتنسيق الكامل مع "الجارة الفارسية" وسط أزمات سياسية وحكومية مستمرة.

* صورة نادرة : كوسيغن يصافح نقولا الفرزلي والوفد العراقي في مطار بغداد
 






الثلاثاء ٢٨ شعبــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أسعد الخوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة