شبكة ذي قار
عـاجـل










شكّل تواجد ألاف من الشباب العراقي في الأول من تشرين الأول ٢٠١٩ في ساحات التحرير ومقترباتها بعد أن انطلقت دعوات للتظاهر السلمي حدثاً مفصلياً في تاريخ العراق المعاصر، وليس تهويلاً القول إن هذا التاريخ شكل فاصلةً كبيرة، حتى أصبح باستطاعتنا أن نقول إن العراق قبل الاول من تشرين هو ليس العراق بعده.

هذه الجموع التي تحلّقت وتجمّعت في مناطق من بغداد دون غيرها قبل أن تمتد لتشمل أغلب مناطق العاصمة وتلقت الرصاص الحي والمياه الحارة ورصاص القناصة وأسلحة ميليشيات لا ترحم باعتباره خيار الحكومة الذي لم تتأخر في استخدامه ابداً، وقفت وهي مجردة هذه المرة من أي دافع سياسي ضيق أو خلفية أيديولوجية محركة، خاصة أذا لاحظنا ان الفئة العمرية المحركة لهذا الفعل الاحتجاجي هذه المرة تتراوح بين ( ١٥ - ٣٠ ) ، وقفت وهي تؤكد مرةً أخرى للمشككين إن الشباب العراقي قادر على تحمل المسؤولية وانهم لم يزلوا محرّكاً فاعلاً وكبيراً ولا يمكن التغافل عنه.وانه يحتفظ بكثير مما يجعله في اللحظات الحاسمة مغيراً لقواعد اللعبة، إضافة الى كثير من العوامل والمسببات الأخرى.

فمنذ عام ٢٠٠٣ والمجتمع العراقي يجد نفسه في دوامات من النزاعات الثانوية والمشاكل العصية والفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أو هكذا أريد له أن يعيش، صراعات على الهوية المذهبية تارةً وعلى القومية تارةً أخرى، ويُطلب منه في كل مرة أن يقف في طوابير الانتخابات لإنجاح "العرس" الديمقراطي الامريكي الخائب.

ذهب سياسي نظام ما بعد ٢٠٠٣ الى الابقاء على الريع النفطي، عَمدوا الى ذلك ليس جهلاً، بل ايماناً منهم بقدرة ذلك الريع على خلق جيوش من المؤيدين والانصار الذين يجري تحريكهم في كل مرة يتهدد نفوذهم ومكانتهم فيها، وبالتأكيد يشكل هؤلاء القاعدة التصويتية لأولئك القادة ليحصلوا على الشرعية في الانتخابات.تاركين المجتمع العراقي غارقاً في الاستهلاكية وخاضعاً لاقتصاد سوق لا يرحم هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر فهو ما يجعلهم يمتلكون الثروة وبالتالي يوفر لهم امتلاك مصادر القوة والقسر مما يُسهل عليهم التصرف بتلك الثروة والمقدرات بما يحلو لهم ويتناسب مع أجنداتهم الخاصة.

وبعد مرور ما يقارب السبعة عشر عاماً على احتلال البلد ومحاولات القوى الاجنبية بناء نظام جديد على انقاض نظام وطني لم يفكر القائمون عليه بالتحولات الكبيرة التي تحصل ولعل أبرزها هي زيادة نسبة السكان، حيث يذكر مظهر محمد صالح مستشار السياسات المالية في مجلس الوزراء ان نسبة الزيادة السكانية في العراق هي الاعلى في العالم.

ما حصل في الموجة الأولى للأحداث في الأول من تشرين الأول ٢٠١٩ والثانية التي انطلقت في الخامس والعشرون من الشهر ذاته تمثل الذروة التي وصل اليها الحال في العراق، فالقديم غير المنتج و غير القادر على القيام بما يجب عليه القيام به، وبين جديد يحاول أن يولد او أن يجد لنفسه مكاناً على أرض الواقع.هذا الجديد الذي قدم الآلاف هذه كضحايا بين قتيلٍ ومعاقٍ ومغيّب.

هذه التظاهرات التي لم يخلقها الفراغ أو ارادة فوقية، بل جاءت وليدةً لسنوات طوال بلغت قرابة السبعة عشر عاماً، فالحراك الاحتجاجي العراقي والذي من الممكن أن نؤرخ له منذ السنة الاولى للاحتلال الامريكي الايراني للعراق وإن تباعدت فترات ارتفاعه أو هبوطه، واختلاف الاشكال والطرق والرقعة الجغرافية لوجوده الا انه ظل حاضراً في المشهد الى أن أعاد طرح نفسه مرة أخرى وبقوة في احتجاجات تموز ٢٠١٥، وهذه المرة كسابقتها ظل شعار اصلاح النظام هو الشعار الجامع اضافة الى محاربة الفساد وتوفير فرص عمل الا ان الجديد الذي بدأ بالظهور هذه المرة هو شعار ( باسم الدين باكونا الحرامية ) والذي كان رسالة بليغة من قبل المحتجين، حيث انهم شخّصوا بدقة عنوان اللافتة التي سُرقوا من تحتها في اشارة الى من كانوا يطرحون أنفسهم للزعامة باعتبارهم ممثلين عن "مكونات" و "طوائف" دينية، هذا الشعار حَمل معه محاولات لرفض المجتمع العراقي لما اعتبروه المحتجين أساءةً لقيمة عليا يمثلها الدين،





الاثنين ٤ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / نيســان / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب داود الجنابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة