شبكة ذي قار
عـاجـل










تتصاعد في هذه الأوقات روائح نتنة تزكم الأنوف من مخلفات الفكر الضيق التقسيمي الذي بدأ البعض يدعو إليه ويروج له من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال بعض الطروحات السياسية التي يتبناها بعض أزلام العملية السياسية الضيقة الأفق.

روج البعض بعد لقاء وزير الدفاع الأمريكي في الأنبار بعضَ أقطاب العملية السياسية وأحمد أبو ريشة، أن هذا اللقاء هو لإعادة طرح الفكرة القديمة الحديثة، وهي تقسيم العراق على أساس أقاليم يتمتع كل منها باستقلالية تامة ولا سلطة للحكومة المركزية على أي منها.

من خلال هذا الطرح ومن بين كلماته نواجه رائحة نتنة وكريهة، تنم عن فكر تقسيمي تحفيزي باتجاه كره الآخر الشريك في الوطن.

لم تكن هذه الرائحة النتنة هي المرة الأولى التي تخرج للعلن ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن قدم نائب الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ديلاوير في العام ٢٠٠٦، مشروعاً كارثياً بتقسيم العراق لثلاثة أقاليم : سنّية وشيعية وكردية، تتمتع باستقلال شبه ذاتي مع الإبقاء على بغداد عاصمة.

هذا المشروع الكارثي لاقى رفضاً من إدارة بوش الابن الرئيس الأسبق، ولم يكن الرفض خوفاً على العراق وإنما خوفاً على تشتت المصالح ألأمريكية في العراق، فحين تتعامل واشنطن مع حكومة واحدة تنفذ وتلبي مطالبها أكثرَ فائدةً من التعامل مع حكومات محلية قد تصطدم معها في أي وقت.

غرابة الأمر أن "مشروع بايدن" يظهر هذه المرة من بغداد وليس من خارجها، حيث بدأت بعض الأطراف العراقية والقيادات الميليشياوية بإعادة طرحه وتعويمه على السطح باعتباره الطريق الوحيد للخلاص من الوضع العراقي المتردي.

هذه الأصوات المختلفة الانتماء ( السني والشيعي ) تنطلق في طرحه مجدداً من أنه الحل الوحيد والأمثل لمشاكل العراق الحالية.

إن تراكم المشاكل والانفجار الشعبي ضد الطبقة السياسية الحاكمة منذ سبعة عشر عاماً والتي أوصلت العراق إلى أدنى مستويات الحياة المعيشية والخدمية والأمنية كان نتيجة طبيعية للمحاصصة الطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية من قبل الاحتلال الإيراني.

هذا الغضب المتراكم خلال السنوات المنصرمة، وكما أعتقد، كان مقصوداً حتى يتسنى لبعض القوى السياسية ( سنة وشيعة ) والأحزاب الدينية والميليشيات المرتبطة بإيران أن تطلق مشروع التقسيم على اعتبار أنه الخلاص والملاذ الوحيد الآمن من كل المشاكل التي يعيشها المواطن.

إن تأييد بعض الأحزاب والتيارات والشخصيات لهذا المشروع التقسيمي الكارثي يسانده دعم إيراني للمضي في مشروع التقسيم، على اعتبار أن هذا المشروع إذا حصل فسيكون لإيران القول الفصل في الجنوب العراقي الذي سيتحول إلى "محافظة إيرانية" أو يكون كحديقة خلفية لها.

نلاحظ هنا أن الطرح الأمريكي بدأ في ٢٠٠٦، يتماهى مع الطموح الإيراني في التقسيم وبأدوات عراقية عميلة تتبع أجندات دولة الاحتلال الفارسي، هذا يعطي مؤشراً واضحاً لكل لبيب أن التناغم والتوافق بين واشنطن وطهران ليس جديداً.

إن التقسيم الذي يتغنى به البعض ويدعو له سيكون بداية ضعف للأقاليم وليس بداية قوتها، لأن كل إقليم سيعتمد على الدول المجاورة له والمشابهة له في ( التكوين المذهبي ) ما يعني تحوّل العراق إلى ساحة مواجهة بالوكالة بين الدول الإقليمية الكبرى.

والملاحظ من التقسيم إلى أقاليم ثلاث أنه تناسى المكونات العراقية الأخرى المسيحية والصابئة واليزيدية، فضلاً عن القومية التركمانية التي تشكل سكانياً أكثر من مليون عراقي.

ولكن ما تغاضى عنه التقسيم عمداً أو خبثاً هو التداخل الطائفي في كثير من المحافظات والمناطق العراقية، فالبصرة مثلاً والتي تقع ضمن "الإقليم الشيعي" يقطنها ٣٥% "سُنة"، وكذلك في واسط وبابل وذي قار، وكذلك تغاضى عن "الشيعة" في ديالى ونينوى وصلاح الدين الذين يشكلون نسبة لا بأس بها، وقد تكون عمليات التهجير الحاصلة في المناطق "السنية والشيعية" على السواء من الأمور التي يأمل التقسيميون بأن تُعجل في تشكيل الأقاليم الثلاث.

لقد نص ( دستور برايمر ) للعام ٢٠٠٥ على أنه "لأي محافظة أو مجموعة محافظات الحق في إجراء استفتاء لتكوين إقليم لها يتمتع بحكم إداري ومالي مستقل يستفيد من موارده الطبيعية".

فالتفاوت في الموارد الطبيعية والثروة النفطية والغاز بين الأقاليم الثلاث سيُمكن كل إقليم من الاستئثار بمورد لا يتوفر في الإقليم الآخر، أو يكاد يكون قليلاً عند الآخر، كالنفط في الجنوب، والمعادن والغاز في الشمال والغرب، والمياه في كردستان، ما يعني أن مسألة الانفصال الكلي أو شبه الكلي، ستفتح إما باب الصراع الكامل، أو التعاون المشترك بين الأقاليم الثلاثة.

إن هذا المشروع وُلد بخبثٍ لتقسيم العراق وتدميره وإضعافه، وليس كما يُروج داعموه أنه صراع شعبي داخل المكوّنات العراقية، ولكنه في الحقيقة صراع سياسي وتنفيذ لأجندات خارجية إيرانية وغربية، متى ما توقفت سيزول كل شيء ويعود العراق إلى وضعه الطبيعي واحداً موحداً أرضاً وشعباً.





الاربعاء ١٣ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ناصر الحريري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة