شبكة ذي قار
عـاجـل










حقيقة الديمقراطية الأمريكية في العراق  -

أزمة طائفية عرقية وإرث من الإقصاء -

الحلقة الثانية

 

زامل عبد

 

 تترافق الصراعات الطائفية مع نوع من الاستقطاب الشامل الناجم عن تزايد سلطوية نوري المالكي  عندما كان رئيس لمجلس الوزراء لدورتين انتخابيتين وعمل بكل إمكاناته الحصول على الولاية الثالثة فقد تمكن من تعزيز سلطته وتهميش مجلس النواب والمؤسسات المستقلة ، والسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية  وإخضاع القضاء ترهيبا وترغيبا" ،  وتوسيع دائرة دعمه السياسي على حساب منافسيه  وخصومه وبينما أثار هذا قلق منتقديه من داخل مكونه وما من شك فيه أن العراق يبقى منقسماً  فقد أصبحت الطائفية أداة يستخدمها أصحاب المشاريع السياسية حيث تؤثّر الشكوك المتبادلة والتعبئة الطائفية على سلوك المدعين انهم النخبة السياسية التي تتطلع إلى تكوين جمهور ناخبين ، وحشد الدعم الشعبي  ويبدو هذا صحيحاً بصفة خاصة خلال مواسم الانتخابات ، عندما يتبنون خطاب الاثارة والتخويف لاستمالة المؤدين ولذلك فإن تقسيم القواعد الانتخابية السياسية إلى ثلاث جماعات طائفية وعرقية رئيسة ((  الشيعية والسنية والكردية )) سيكون السمة المميزة البارزة في الانتخابات البرلمانية بعد مائة عاماً على قيام الدولة العراقية الحديثة ، تطور الحس الوطني العراقي لدى الغالبية العظمى من السكان العرب في البلاد غير أن فكرة الجماعة الوطنية المجردة لم تكن كافية لتوحيد البلاد ، والتي لاتزال تفتقر إلى وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية إذ إن لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات تاريخية مختلفة حول ماهية العراق أو ما ينبغي أن يكون عليه كما أن فشل السياسيين المتصديين للمشهد الذين انتجه الغزو والاحتلال 2003 في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل يتجاوز الانقسامات الطائفية والحدود بين الطوائف  ، ولكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد فإن العراقيين بحاجة إلى إجراء مراجعة جوهرية للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد ويجب أن يتحول التركيز إلى المواطنين بعيداً عن الطوائف فالتغيير الحقيقي يتطلب إجراء تعديلات كبيرة على الدستور والنظام الانتخابي العراقي إضافة إلى سن قوانين جديدة بشأن الأحزاب السياسية وإدارة الموارد ويتعين أن تصبح السلطة أقل نخبوية وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس غير أن من المستبعد أن يتم هذا التحول في المستقبل القريب  ، و الفجوة بين السنة والشيعة في العراق ناجمة في الأصل عن تحولات جيوسياسية واجتماعية وثقافية متعددة فقد أدخل التغيير المعد مسبقا مخابراتيا" في ايران العام 1979  وسرقت الثورة الشعبية من قبل الملالي نظاماً جديداً للحكم يقوم على أساس اللاهوت الشيعي ، وغير ميزان القوى في المنطقة وخلق مظلة إيديولوجية للجماعات الشيعية المحرومة وساعد ذلك في تقوية الجماعة الولائية في العراق وشعورها بأنها تمتلك هوية متميزة  وأصبحت التنظيمات الإسلامية الشيعية ، من بين جماعات تسمى بالمعارضة العراقية لتعبئة القطاعات الاجتماعية كما ان الديناميكيات السياسية والاجتماعية التي خضع إليها العراق ما بعد الغزو والاحتلال  أدت إلى اضعاف الأحزاب العلمانية والليبرالية   وينظر إلى العراق الآن باعتباره مجتمعاً يتكون من جماعات عرقية وطائفية ، وهو ما يجعل فكرة - الهوية العراقية -  في موضع شكّ ففي ظل الاحتلال الأميركي الذي بدأ في العام 2003 ، جرى تطوير المؤسسات لإدارة الفترة الانتقالية بين النظام الوطني القومي ما قبل الغزو والاحتلال وبين تشكيل حكومة الاحتلال الجديدة  غير أن محاولات تشكيل الدولة واجهت العديد من التحديات  فقد برز صراع حول أي مجموعة سيكون لها النصيب الأكبر من السلطة وأي طائفة ستكون مهيمنة ، وأي منهج وطني ستكون له الغلبة بالنسبة إلى أولئك الذين التزموا بفكرة الوطنية بوصفها أعلى قيمة سياسية ، تم تفسير عملية بناء الأمة الجديدة بصورة سلبية ورديئة باعتبارها تهدف إلى تفتيت البلاد وبالنسبة إلى آخرين كان النموذج الجديد يمثّل عودة إلى الخطيئة الأصلية  التي تجاوزها البعث الخالد من خلال منهجه الفكري ورؤيته للواقع العربي ومحاولة لإعادة بناء الأمة من خلال قاعدة أقوى من الشرعية وليس من خلال رسم خطوط على الخريطة كان النظام السياسي الجديد حلاً وسطاً بين الفكرة التي تقول إن الأمة العراقية موجودة بصورة مستقلة عن الجماعات الفرعية ، وفكرة أن الأمة العراقية ليست سوى مجموع جماعاتها الفرعية وكان للمضاعفات المتناقضة لهذين التيارين أثرها على العملية الدستورية والصراعات السياسية والحركة الاجتماعية صور الأنموذج السائد لبناء الأمة العراق بوصفه مجتمعاً متعدد الثقافات تحتاج جماعاته المكونة إلى وضع نظام حكم شامل للجميع وهذا يتناقض مع المفهوم القديم لبناء الأمة والذي هيمنت عليه مقاربة قومية اندماجية تراتبية من أعلى إلى أسفل ، تنطوي على تعزيز مركز مهيمن وتهميش الهويات المحلية والطائفية لكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد ، فإن العراقيين بحاجة إلى إجراء مراجعة جوهرية للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد ويتعين أن تصبح السلطة أقل نخبوية وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس على الرغم من أن الدستور لم ينص صراحة على توزيع السلطة وفقاً للمكونات الطائفية فقد ثبّتت الممارسات التي سادت في العراق الهويّة الطائفية باعتبارها فئة سياسية ركّزت تلك المقاربة على إيجاد ممثّلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية وتم تقسيم المناصب السياسية الأساسية الثلاثة في البلاد بين الجماعات الثلاث الكبرى ، حيث خصص منصب الرئيس للأكراد ، ومنصب رئيس  مجلس الوزراء للشيعة ، ومنصب رئيس مجلس النواب للسنة كما عززت النظم الانتخابية ، التي تستند إلى التمثيل النسبي والقوائم الحزبية ، الطائفية السياسية تمت المفاوضات على الدستور بين الائتلاف العراقي الموحد الشيعي وبين الأحزاب الكردية ، في حين كان التمثيل السني اسمياً  حدد الإسلاميون الشيعة والقوميون من الكردية طريقة كتابة الدستور، وصوروا العراق باعتباره ثلاث جماعات منفصلة ومتجانسة شجعت حقيقة أن السنة هيمنوا على نظام الوطني ما قبل الاحتلال وأن النظام ظلم الشيعة والأكراد وأقصاهم وهذا التوجّه غذى ادعاءات الشيعة والأكراد كونهم ضحايا ودفع أحزابهم إلى السعي إلى توطيد سلطتها 






الثلاثاء ٢٦ جمادي الاولى ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة