شبكة ذي قار
عـاجـل










قراءة في المخاض الفكري القومي الوحدوي للبعث الخالد ببعده العروبي الإسلامي - الحلقة الثانية

 

زامل عبد

 

المقاربة التي اشرت اليها في الحلقة الأولى كانت قد شكلت في الوقت عينه إحدى أهم الإشكاليات التي واجهها البعث الخالد والتي سيظل يواجهها حتما في سني نضاله كونه كشف ويكشف باستمرار عورة المتأسلمين بكل الوانهم واشكالهم ومسمياتهم ، وذلك لان علاقة البعث الخالد مع الإسلام مفتوحة على مصراعيها وتتحرك في الوسط ما بين - الإسلام الدين والإسلام السياسة -  وهنا لا يعني اتخاذ الدين مدخل لتحقيق اهداف بعينها بل ما هو الا روح تحرك الأفق النضالي الجهادي لأعضاء وانصار ومؤيدي البعث الخالد من خلال تحاورهم مع حاجات الامة ومتطلبات الحياة اليومية للجماهير وهذا هو جوهر القوة التي امتلكها البعث  لتعري من ادعى انتهاج الإسلام سياسيا" وكما هو الواقع الحالي  ويمكننا القول لدى البعض القلة القليلة من البعثيين كان صعبا التمييز بين الإسلام كدين وبين الإسلام كتاريخ لأمة بمشاهد سياسية وأخلاقية لا علاقة لها بالطقوس  حتى بات ممكنا رؤية الحزب وكأنه تجمع سياسي أكثر منه حزبا بعقيدة متماسكة  وصار ممكنا أن تضم الحلقة الحزبية الواحدة أعضاء متمسكين بالدين إلى حد التزمت وآخرين قد يكون بينهم من لا يؤمن بقضية الأديان وهذا لا يفسد بالود قضية لان بوتقة الأداء واحدة وهي نصرت الامة وجماهيرها لان هؤلاء المنتسبين للبعث بحقيقتهم – الغاية والوسيلة – التي توصل الفكر بالجماهير الغير مرتبطة  ، وهنا ومن خلال  فهمي  التفاعلي  وعبر سني الارتباط والانتماء للبعث الخالد أقول أن الهوية الدينية للمرحوم القائد المؤسس أحمد يوسف عفلق المعلنة كونه مسيحيا وآخرين من أمثاله كالدكتور إلياس فرح أعطت في البداية دفعة من الشحنات الإيجابية لصالح الحزب فلقد شكلت تلك الهوية صمام أمان لكي لا ينجرف البعث ولنقول بعض قواعده الى طريق الأسلمة ثم يتحول تدريجيا إلى حزب إسلامي الهوية بدلا من أن يكون علمانيا بحدود إيمانه بفصل الدين عن الدولة  ،  وهذا الامر تناوله التقرير السياسي للمؤتمر القطري التاسع للحزب في العراق وما تحدث به الرفيق القائد المجدد المرحوم صدام حسين في الدين والتراث او من خلال كتاباته وملاحظاته  ومن خلال هذا الايجاز يمكن القول ان المرحوم القائد المؤسس قد أفلح في التركيز على العلاقة الجدلية ما بين الإسلام كتاريخ وثقافة وتراث والعروبة كحب وجوهر الانتماء للأرض وحاول حثيثا إعادة تفعيل موضوعة العروبة من خلال استدعاء التراث الأخلاقي والسياسي الإسلامي يوم استطاع العرب بناء مجدهم الغابر من خلال نشر الإسلام  وهنا نجد عمق التعبير الوجداني الجدلي الذي كان للمرحوم القائد المؤسس  (( لولا الإسلام لما عرف العرب ولولا السيف العربي لما انتشر الإسلام  )) , إلا أن ذلك التفعيل ظل هشا لأنه لم يفلح تماما في بناء الولاءات البعثية باتجاهات تعتمد على فك الاشتباك كاملا ما بين الإسلام كدين والإسلام كتراث وتاريخ وذلك بسبب حجم الهجمة العدوانية التي تعرض لها البعث الخالد من اعدائه المحليين او الخارجيين وصولا الى انحراف البعض من في سلم القيادة للخروج عن مبادئه لإشباع نزوعهم السلطوي او التأثر بأفكار لا تلتقي مع جوهر حاجات الامة  وهنا يمكننا ان نعرض نماذج أمثال عادل عبد المهدي  واياد علاوي وحافظ الأسد ومن ادعى اليسارية  وحقيقتهم  فقدان التوازن الفكري ، ولابد أيضا" من الإشارة الى كيفية تعامل الإدارة الامريكية المتطلعة الى التفرد العالمي بما عرضه مستشار لأمن القومي الأسبق بريجينسكي ووزير الخارجية الأسبق كسينجر  واللذان مهدى للتغيير المعد مسبقا مخابراتيا  في ايران للوقوف بوجه النضوج القومي الذي كان يتبناه البعث الخالد من خلال مشروعه النهضوي في العراق كتجربة قومية ثورية رائده  ، ولأن المراحل التي مر بها البعث الخالد  قبل استيلاء الخمينيون على السلطة في إيران لم تكن قد أذنت بعد لنمو وتصاعد التيارات الإسلامية والمذهبية فإن الخطاب الثقافي للحزب لم يكن قد وجد نفسه بعد في مواجهة ضغط تداعيات وإرهاصات المرحلة الدين ومذهبيته التي تجبره على المزيد من فك الاشتباك ما بين الدين كعبادات وطقوس وبين الإسلام كتاريخ وسياسة وتراث , أو تجبره حتما لترك مساحة العلمانية والدخول جهرا في مساحة الدين الإسلامي وتعريض صفوفه ومناصريه إلى التحزب الطائفي , كُلٌ مع طائفته وهذه الرؤية وافكارها تناولها بالدقة القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله في وصايا المناضلين التي خطها بيده وطلب التثقيف والتوعية بها لأنها الدرع الواقي بالإضافة الى ما خرج به المؤتمر القطري التاسع للحزب في القطر العراقي ومخاطر الطائفية  التي أعطاها المكانة في التحليل والاستنتاج  ، كما لابد من تناول وبإيجاز لمواجهته الساخنة مع الشيوعيين وبخاصة في العراق في السنوات الأولى ما بعد ثورة 14 تموز 1958  فإن الحزب استطاع أن يكسب الكثير من الجولات المؤثرة بفعل ولائه للعلاقة الجدلية ما بين الإسلام والعروبة  ،  أما الشيوعيون  الذين كانوا يعملون تحديدا بقوة الصراع الطبقي ، فقد ظلت خواصرهم السياسية رخوة وقابلة للنزف في اية مواجهة يجري فيها توظيف قضايا الدين ضدهم  ، إن فتوى المرجع المرحوم السيد محسن الحكيم والتي أكد فيها على ان الشيوعية هي  -  كفر وإلحاد -  والتي دعت من ناحية المضمون دعوة عوام الشيعة للابتعاد عن الشيوعيين فسرعان ما أدت إلى تراجع شعبية الشيوعيين الساحقة بين صفوف العراقيين من (( الشيعة  )) وقد سجل البعثيون والتيار القومي بقوة تلك الفتوى نقاطا مهمة وحاسمة في معركتهم ضد نظام الزعيم عبدالكريم قاسم وضد خصمهم الشيوعي اللدود  ، ولكن أمر البعث الخالد والحزب والشيوعي  مع  (( شيعة العراق )) يجب أن يحسب بطريقة واقعية وموضوعية منصفة ففي أثناء السنتين الأوليتين لحكم عبدالكريم قاسم استطاع الشيوعيون ان يجدوا لهم مكانة واسعة بين صفوف العامة من (( الشيعة )) في حين ظل البعثيون محصورين إلى حد كبير في مساحة النخبة  ، ولا يمكن إنكار حقيقة أن عناصر من (( الشيعة )) هي التي لعبت الدور الأبرز في عملية تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق مثل المهندس فؤاد الركابي المسؤول حينها عن قيادته القطرية وابن عمه العضو في القيادة القطرية عبدالله الركابي إضافة إلى رجال آخرين من أمثال ابن النجف الدكتور محسن الشيخ راضي وابن كربلاء الدكتور سعدون حمادي, كما ويمكن الاعتماد على نسبة عدد أعضاء القيادة القطرية من الشيعة التي أسقطت نظام عبدالكريم قاسم  يوم شكلوا خمسة من أعضائها التسعة

يتبع بالحلقة الثالثة 




السبت ٢٤ رمضــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة