شبكة ذي قار
عـاجـل










القومية العربية جذور النشأة واتجاهات المستقبل وموقف الإسلاميين – الحلقة الرابعة

 

زامل عبد

 

وعند العودة إلى موضوع نزوع نصارى الشام  يمكن تفسيرها بالحرص على تأكيد انتمائهم إلى الأمة العربية وإخلاصهم لها، أما الرافد الثاني هو تحول القومية العربية إلى أداة سياسية للتخلص من الاستبداد العثماني  الأمر الذي يفسر انضواء عدد من الرموز الدينية في الحركة القومية الأولى كـ  ( الكواكبي وشكيب أرسلان ومحمد كرد علي ومحب الدين الخطيب ) فالقومية في تكوينها الأول لم تطرح كمقابل للجامعة الإسلامية وإنما كأداة لها باعتبار العرب هم من بين الشعوب المسلمة وهم قلب الأمة الإسلامية ومركزها العقائدي الديني لان ارض الانبعاث عربية وقائد الانبعاث وكلام الدين عربيين  ، وعند تناول الرافد الأول والدور الذي لعبه نصارى الشام  نجد ان نبتت البذور الأولى للقومية العربية في تربة النهضة التعليمية التي أحدثتها البعثات التبشيرية الفرنسية والأمريكية في سوريا ولبنان منذ أتاح فتح الوالي إبراهيم باشا لبلاد الشام 1832 لها حرية لم تحصل عليها إبان الحكم العثماني  وقد اعطى تلك المدارس التبشيرية إلى نصارى الشام لغتهم العربية التي كانت قد ضعفت فيهم وبرز في تلك الأثناء الأبوان المؤسسان للنهضة الأدبية النصرانية في الشام وهما  ((  ناصيف اليازجي 1800 - 1871   وبطرس البستاني 1819  -  1883 ، أطلق اليازجي والبستاني الدعوات لعرب الشام للاتحاد في خدمة لغتهم بعيدا عن الاختلاف العقائدي  ،  وقد أثمرت تلك الدعوات تأسيس عدد من الجمعيات ، كان أهمها الجمعية العلمية السورية  1857  وقد ظهرت النزعة القومية بقوة في تلك الجمعية ، تجلت في إحدى قصائد إبراهيم اليازجي 1847 -  1906 التي ألقاها في إحدى الاجتماعات السرية بالجمعية والتي مطلعها 

 تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ...  فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

 لكن نضج تلك النزعة القومية وتحولها إلى حركة سياسية واضحة المعالم كان بتأسيس جمعية بيروت السرية  سنة 1875 والتي دعت بوضوح إلى ثورة شامية على طغيان الأتراك (  العثمانيين ) مما أدى إلى دخولها في مواجهة قوية مع السلطان عبد الحميد الثاني وسياساته الإسلامية منذ اعتلائه العرش سنة 1876 وقد دعت تلك الجمعية في برنامجها سنة 1880 إلى إقامة دولة مستقلة موحدة في سوريا ولبنان على أسس قومية ويمكن النظر إلى جمعية عصبة الوطن العربي التي أسسها نجيب عزوري في باريس سنة 1904 باعتبارها امتدادا لتلك الحركة القومية الكبرى في الشام  ،  كما يمكن اعتبار كتابه - يقظة الأمة العربية – الصادر في 1905 بمثابة العمل الأول بين أدبيات القومية العربية  ، حيث اخذ التوكيد على شعار العروبة كحل للاستبداد العثماني  وهذا التوجيه يراه بعض الباحثين والمتابعين هو ناتج انتشار المدارس الأجنبية واتجاه المسيحيين إليها ، بل واتجاه البعثات التبشيرية التي تولت الاهتمام أولا بالعربية إلى اعتماد اللغات الأجنبية في مدارسها  إلى انتقال الاهتمام بالعربية والأدب إلى المسلمين الذين فضلوا المدارس الرسمية أو الإسلامية ويعتبر الكواكبي  ( 1855 - 1902  ) هو أبرز من حمل الدعوة القومية من بين المسلمين في الشام ، ففي ثورته ضد الاستبداد والفساد العثماني ، رأى الكواكبي أن الخلافة ينبغي أن تكون في يد العرب ، الذين هم في قلب الإسلام من بين شعوبه العديدة ، ازدهرت الحركة القومية بعد انقلاب تركيا الفتاة على السلطنة العثمانية 1908 ، فنشأ العديد من الجمعيات العربية منها (( المنتدى الأدبي في القسطنطينية 1909  ، وحزب اللامركزية في القاهرة 1913 )) لكن الحركة الأهم تمثلت في الجمعية القحطانية ( 1909 ) في القسطنطينية وهي جمعية سرية كان على رأسها الضابط عزيز المصري  وقد تولى  (  رئاسة أركان الجيش المصري لاحقا  كما كان أحد ملهمي تنظيم الضباط الأحرار ) ، والتي طرحت تحول الإمبراطورية العثمانية إلى مملكة ذات تاجين ، عربي وتركي ، على غرار إمبراطورية آل هامبورغ في النمسا والمجر  ،  لكن هذه الجمعية سرعان ما حلت نفسها خوفا من الخيانة ، لكن عزيز المصري أسس محلها - جمعية العهد -  التي جعلها مقصورة على العسكريين  ، الجمعية الأهم كانت جمعية العربية الفتاة التي تأسست في باريس ( 1911 ) ، وتكللت جهودها بعقد المؤتمر العربي الأول التي شارك فيها كذلك   -  حزب اللامركزية  ولجنة الإصلاح من بيروت -  طرح المؤتمر العديد من المطالب العربية في الإمبراطورية العثمانية ، لكن من المهم التأكيد على أنه أبدى حذره من المطامع الأوروبية مما يجعل اتهامه بالتآمر أو الرعونة اتهاما ظالما  ،  وقد اضطر الاتحاديون في تركيا إلى التفاوض مع المؤتمر إلا أن استجابتهم شابها الكثير من التحايل والتباطؤ في تنفيذ المطالب  مما أدى إلى تأجج جذوة الحركة العربية  وقد عادت الجمعية مع عودة أعضائها من الطلاب إلى الشام وتحديدا إلى دمشق حيث تعرضوا لقمع وأحكام بالإعدام من قبل جمال باشا والي الشام  ،  وهذا أدى الى ان تمون القومية العربية في قلب الحدث أي - الثورة العربية الكبرى -  ، وكان لجمعيتي - العربية الفتاة والعهد -  دور كبير في وضع البرنامج السياسي للاستقلال العربي الذي تمثل في ميثاق دمشق ( 1914 ) حيث التقوا بـ فيصل بن الشريف الحسين واتفقوا على إقامة دولة عربية مستقلة في العراق والشام والحجاز بدعم بريطاني وطرحوا علما عربيا كان قد صممه طلاب من أعضاء المنتدى الأدبي في القسطنطينية يتكون من ألوان أربعة اقتباسا من بيت شعر للحلي 

 

بيض صنائعنا ، سود وقائعنا  ...  خضر مرابعنا ، حمر مواضينا

 

يتبع بالحلقة الخامسة






الاحد ١٠ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة