شبكة ذي قار
عـاجـل










القومية العربية جذور النشأة واتجاهات المستقبل وموقف الإسلاميين– الحلقة الأخيرة

زامل عبد

 

الأمة العربية  بواقعها الجغرافي – الوطن العربي  - هي جزء هام من شعوب العالم الثالث  وذا الموقع الاستراتيجي  الرابط فيما بين  القارات  - آسيا وافريقيا وأوروبا  -  بالإضافة إلى ما يحتويه  باطن أرضها من ثروات ذات قيمة في موضوع الطاقة  والصناعة وبالتالي فان التحديات التي واجهت هذا العالم الجديد كانت من طراز خاص ومن طبيعة خاصة جعلته يتميز عن العالمين الرأسمالي والشيوعي، بحكم خصوصية تركيبه وبالتالي خصوصية معاناته ويمكن ان نوجز التحديات الرئيسية الني تعرض لها   - ‏تحديات خارجية وتحديات داخلية  - وبحكم خصوصية الامة العربية التي اشرنا اليها أعلاه إضافة الى خصوصية الوطن العربي فان الامة قد تعرضت الى تحد خارجي ذي نمط خاص وتحد داخلي ذي طابع خاص أيضا  ، اين تكمن معالم الخصوصية في هذه التحديات ، التحديات الخارجية وتتجسد في (( التحدي الصهيوني العنصري   ،  والتحدي الفارسي التوسعي  ،  والتحدي الامبريالي ))  لم تواجه أمة من امم العالم الثالث بل والعالم بمجمله مأساة إنسانية وتحديا صارخا مشابها لما حل بالأمة العربية في فلسطين على أثر وعد بالفور المشؤوم فهذا التحدي عدوان عنصري توسعي لم يكن مجرد احتلال للأرض العربية فقط او تحديا عنصريا وإنما كان استيطان اقوام  لا تجمعهم رابطة قومية اقتلعوا جزءا من شعبنا العربي الفلسطيني من جذوره وشردوه من وطنه فهذا التحدي لم يكن تحديا لقطر معين ولأسباب مرتبطة بحدود فلسطين فقط ، انما تحد قومي بالأساس وتحد عصري ضخم بحكم امتلاكه للإمكانيات العلمية والتقنية المتطورة بفعل اسناد ودعم أوروبا وأمريكا واعطائه الشرعية بقرار ظالم وجائر من ما يسمى بمجلس الأمن في عصبة الأمم المتحدة،  والكيان الصهيوني الذي كان الوليد الشرعي للإمبريالية القرن التاسع عشر قد أصبح فعلا مخلب الامبريالية الامريكية المتقدم في منطقة الشرق الأوسط حيث يمارس هذا الكيان المسخ سياسة التهويد والضم والإلحاق للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان  وشرق الأردن  ومصر في طابا إضافة الى طمسه معالم الهوية العربية عنها كما اقترف المذابح بحق أبناء شعبنا العربي في فلسطين ولبنان، كل ذلك يعطي هذا التحدي خصوصية بارزة نظرا لكونه تحديا تاريخيا تجير له كل وسائل التدمير العسكرية المرتبطة بأحدث الأسلحة ووسائل التكنلوجيا المتطورة والتحدي الثاني حليف لأمريكا والصهيونية التحدي الفارسي  الصفوي الجديد التوسعي  لأن الصراع مع العدو الفارسي الصفوي الجديد العنصري صراع قومي وحضاري يستهدف وجود الامة ومستقبلها وانه لا يختلف بالنتائج عن الصراع العربي الصهيوني اطلاقا إضافة الى انه تحد تاريخي يعود الى المراحل الأولى من تشكل الامة العربية وبدء ازدهارها وتصاعد عطائها الحضاري ، وعلى مراحل التاريخ المتعاقبة ظل هذا التهديد موجودا ، وظلت الامة العربية تدافع عن نفسها ضده حتى قيام الدولة العربية الإسلامية وبدأ تحرير الأرض العربية من الاحتلال ألساساني الفارسي والصفوي والرومي البيزنطي  والانطلاق في نشر الرسالة الإسلامية  حينئذ اتخذ التهديد الفارسي شكل التآمر من الداخل بمختلف الصيغ والأساليب والصور حتى لحظة تداعي الدولة العربية وسقوطها على ايدي الغزاة المغول . لذا فان التحدي الفارسي الصفوي الجديد العنصري بصيغته الخمينية الراهنة  المتجسد بشعارهم – تصدير الثورة الإسلامية - ، انما هو تحد خاص نظرا لبعده التاريخي العميق إضافة لتهديده لشخصية الامة بوجودها لقد عرفت الامة العربية وجربت عذابات الاحتلال الأجنبي منذ احتلال بغداد عام 1258‏ م من قبل الغازي هولاكو ،  هذا الاحتلال الذي مثل اكثر من صنف استعماري وأكثر من لون فكان للأمة العربية مع هؤلاء المحتلين الغزاة ، صولات وصولات في ساحة النضال العربي من اجل الحرية والتقدم ومع أفول نجم الاستعمار التقليدي - البريطاني والفرنسي - في اعقاب الحرب العالمية الثانية بدأ نجم الامبريالية الأميركية  بالسطوع  والتي تمثل احدى مركزي الاستقطاب العالمي  والقائدة الفعلية لجبهة الاستعمار الجديد بمنهجه وادواته ، انما تعتبر احدث نموذج استعماري يسخر اقصى ما توصلت له الاكتشافات العلمية على كافة الصعد العسكرية والسياسية والاقتصادية .. الخ للإبقاء على هيمنتها ونهبها لخيرات الامة العربية وقد سخرت الجامعات الغربية لتضع الخطط العلمية والثقافية والنفسية من خلال مراكزها البحثية والتحليلية لإجهاض الثورات القائمة وتفجيرها من داخلها، ورب سائل يسأل اين خصوصية هذا التحدي للأمة العربية طالما ان الامبريالية ظاهرة عالمية!، والجواب العلمي والمنطقي ان خصوصية هذا التحدي تكمن في خصوصية الوطن العربي من الناحية الجيوبولوتيكية. إضافة لخصوصية ثرواته وعلى رأسها النفط العربي الذي يمتلك خصوصية فريدة من نوعها مقارنة مع نفط العالم من حيث النوعية وسهولة استخراجه وقلة تكاليفه إضافة الى الاحتياطي الضخم الذي يشكل نسبة 60 ‏% تقريبا من احتياطي النفط في العالم  وبما ان هذا العصر هو عصر الطاقة والنفط هو غذاء الآلة الاقتصادية والعسكرية فان البديل الكلي عن النفط لم يتوفر حتى الان رغم الجهود العلمية المبذولة من قبل الامبريالية الامريكية وحلفائها الأوربيين إضافة الى ان مشاريع تخزين النفط لا تكفي الولايات المتحدة الامريكية إلا عدة شهور لذا كان الوطن العربي ولازال محط انظار الغزاة للسيطرة عليه وبالتالي امتصاص خيراته بأقل ثمن واقل جهد ،  عند العودة الى ما طرحه مستشار الامن القومي الأمريكي الأسبق  بريجنسكي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر للوقوف بوجه النضج القومي العربي والتحولات الجارية بفعل الإرادة الجماهيرية   تم تبني التيارات المتأسلمة لتكون ادواتها المستقبلية  لمواجهة  القومية العربية  وإيقاف  التحولات التي تأتي بفعل  النضال الجماهيرية  فتم تسخير الدعاية الإسلامية لصنع غطاء يستطيع السادات أن يصطلح به مع اليهود ويُسلم مصرون ثَمَّ العرب لأمريكا وبالتالي  (( لإسرائيل )) وفي اوج مطالبة جماعة الاخوان بالحكم الشرعي الإسلامي  حصل المتغير المعد مخابراتياً في إيران وجاءوا بما يسمى ثورة الخميني لتثبت للمطالبين أنه بالإمكان فعلًا وعمليا قيام حكومة إسلامية يتولاها المشايخ والوعاظ وأمراء الجماعات الإسلامية السرية  ، والوقائع التاريخية الثابتة تؤكد أن الأمريكان لم يقفوا أبدا ضد قيام حكم إسلامي إيراني ، بل إن (( إسرائيل ))  نفسها وجدت في قيام دولة إسلامية أدعى لحجتها في قيام دولة يهودية ، وذلك تطبيقًا لخطة بعيدة المدى تؤدي إلى تغيير الخريطة السياسية للعالم العربي والإسلامي والشرق الأوسط  ،  وبدلًا من الحكومات الوطنية أو القومية تقوم دول إسلامية (( سنية أو شيعية ، أو درزية أو علوية ، أو مارونية أو قبطية )) على النمط اليهودي الإسرائيلي الذي ستصبح فيه إسرائيل بالتبعية أهمَّ وأذكى وأخطر تلك الدول الطائفية والنِّحَلِيَّة  ،  ففكرة القومية العربية كانت تُزعج الاستعمار الجديد الذي حل بالمنطقة العربية بعد غروب الاستعمار القديم أو بالتحديد الاستعمار (( الأميركي والإسرائيلي )) كانت تزعجه إزعاجًا هائلا وعظيما  فهي تارة قائمة على الوحدة الكاملة للأرض العربية والمحافظة عليها ، وفي نفس الوقت الذي كان تلهب فيه عواطف الجماهير العربية المتعطشة للتكتل والاندماج وليس أخطر على المصالح الاستعمارية في المنطقة من شعب عربي مترامي الأطراف ، يبحث عن عقيدته ووحدته ، ويطالب بأرضه كاملة وباستحقاقاته كاملة ، ويملك زمام أمره ونفسه وبتروله وثروته ورغم المشاريع المتتالية من قبل الإدارة الامريكية بحزبيها وحلفائها الا ان الأخطر كان في مشروع صفقة القرن التي تبنتها إدارة ترامب المتصهين والتي تسارع أولاد زايد  وملك البحرين  والبرهان بعد قفزه على ما تحقق بفعل إرادة الشعب السوداني وانهيار نظام البشير  وملك المغرب عراب التصهين العربي وما يقوم به النظام السعودي من خلف الستار ليحقق مشروعه الذي طرحه الملك عبد الله  وهو امتداد لإقرار والدهم عبد العزيز ال سعود بالاعتراف بالكيان الصهيوني تحت عنوان  - السلام مقابل الأرض - ،  كل هذا  اوجب الحوار القومي الإسلامي بعد اتجاه تلك الأنظمة العربية التطبيع مع العدو (( إسرائيل  )) ، وكانت هناك محاولات سبقت هذا الانحدار والخنوع والانبطاح امام أمريكا  في النصف الأول من القرن المنصرم تمثلت المحاولة الأولى لتحقيق الصلح بين القومية والإسلام ما وثقه البعث الخالد في مؤتمراته  وبياناته وما صرح به  المرحوم القائد المؤسس أحمد يوسف عفلق أكد البعث منذ المرحلة التأسيسية - أي قبل الاعلام الرسمي عن تأسيسه - ان العمق الفكري في فهم العروبة يأتي من خلال الاكتشاف الحقيقي للإسلام ، فكانت فلسفة الفكر القومي للبعث تنطلق من أن الإسلام احد أهم مقومات الأمة ، وتطور هذا الفهم العميق للإسلام وعلاقته بالعروبة الى ان الامة العربية هي امة الإسلام  فالقائد المؤسس أحمد يوسف عفلق يقول في اربعينيات القرن العشرين  ((  بدافع من الحب للامة العربية احببنا الاسلام ))  ،  وهنا لابد من الإشارة الى أن التيارات الدينية الإسلامية التي تعتبر الدين بمنهجهم الضيق الافاق والذي يجعل دين عسر وتنفير للشباب وحالة انغلاق غير قابلة لاستيعاب التطور الفكري والعلمي والاجتماعي ، ويعتبروا الالتزام بالنصوص الحرفية أساس العودة الحقيقية للعرب الى طريق التحرر ،  وتعتبر البعث صورة وغطاء للفكر الالحادي الشيوعي ، وتسترا من مواجهة الدين للفكر الالحادي، وإن الفكر القومي هو فكر عنصري يناهض الدين الإسلامي في تشريعه، التنظيمات الحزبية الدينية والتي تعتبر البعث فكرا اوربيا تخلى عن الدين وتأثر بالعلمانية الغربية، وانه وجه من وجوه العدوان على الإسلام ومحاولة لتقويض الايمان بين الشباب العربي، خصوصا الاخوان المسلمين، وبعض التنظيمات مثل الفاطميين ( الدعوة لاحقا ) والتحرير وغيرها من الأحزاب الدينية، تعتبر أي حزب لا يطبق الشريعة بحذافيرها كما هو السلف السابق كفرا وخروجا على احكام الشريعة ، وردا على تلك  الادعاءات الكاذبة والمضللة  رد  البعث الخالد – حركة الاحياء العربي  - ففي خطابه في ذكرى الرسول العربي في نيسان عام 1943م يؤكد القائد المؤسس على ان الايمان كونه طريق البعثيين لمواجهة العبء الثقيل والتحديات الكبيرة التي يواجهونها، فيقول (( لايفهنا الا المؤمنون، المؤمنون بالله .. اننا نؤمن بالله ، لأننا في حاجة ملحة وفقر اليه عصيب ، فعبئنا ثقيل ، وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة )) ( في سبيل البعث صفحة 134 / دار الطليعة بيروت 1974 - في ذكرى الرسول العربي ) ولكنه في سبعينات القرن الماضي  يقول رحمه الله  ((  وبعد أن اقتربنا أكثر من فهم الإسلام ، أضحى حبنا لأمتنا يتلخص في حبنا للإسلام ، وفي كون الأمة العربية هي أمة الإسلام ))  ، وفي كتاب -  بين العروبة والإسلام 1986 للمفكر القومي المصري عصمت سيف الدولة والذي طرح فيه كون الدولة القومية هي نتاج الحضارة الإسلامية بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر -  وفي عام 1989 انعقد المؤتمر الأول للحوار القومي الإسلامي بدعوة من مركز الوحدة العربية وتأسس المؤتمر القومي الإسلامي الذي انتخب المفكر الفلسطيني منير شفيق منسقا  ،  والسؤال هنا هل تمكن المتألمون  من اتخذ الموقف الصائب بالدفاع عن الإسلام وحاضنته امة العرب ابتعادا عن  العقد والحقد  والانصياع على فكر الاعاجم الذين دخلوا الإسلام  بقوة الساعد والسيف العربي  ، وان يكون عندهم الوضوح الصادق كما بينه البعث الخالد والقوميين المؤمنين بالحداثة  ورافضي الانغلاق

العز كل العز لامة العرب وصيرورتها البعث ومهما حاول ويحاول الأعداء والمتأسلمين الذين هم بحقيقتهم رافضي نقاوة الإسلام  ومنهجه المحمدي الأصيل  يبقى البعث الخالد المدافع الأمين عن العروبة والإسلام

 

 

 






الاثنين ١٨ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة