شبكة ذي قار
عـاجـل










التشيع السياسي الأمريكي والواقع الإقليمي   - الحلقة الثانية

زامل عبد

 

لابد من الإشارة إلى أمر آخر هو وعندما انكب الباحثون الغربيّون على دراسة الإسلام قبل عقود ، أجبرتهم الجغرافيا بدايةً على اجتياز المناطق السنية القابعة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية ، وتبنوا مقولاتها عن أصل الإسلام ومرجعيته ، وهل السنة والجماعة هم الأغلبية الواضحة في العالم الإسلامي ، أي ما نسبته 85 إلى 90 % من مسلمي العالم ، وقد تناول ذلك بالتفصيل وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر بكتابه  النظام العالمي ، ويؤكد كيسنجر في كتابه أنه في ظل بعض حكومات الشرق الأوسط اليوم يتعايش المؤمنون بنظام عالمي يقوم على هيكل الدولة الوطنية ، والمؤمنون بنظام عالمي يقوم على الدين ، وإن كان التعايش بينهما لا يتحقق بسهولة أحيانا وفي نظر كثيرين من المؤمنين بالأيديولوجيا الحديثة التي تسعى إلى فرض النصوص الإسلامية المقدسة ، وبرأي كيسنجر ، يمثل النقيض الكامل تقريبا لنظام " وستفاليا " العالمي ويلخص كيسنجر فكرته الأساسية حول تعارض الأيديولوجيا المتشددة والفكرة الدينية حين تنغلق وتتطرف  مع الصورة الحديثة للعالم  بقوله (( إنه من منظور هؤلاء الأيديولوجيين الدينيين المتطرفين ، فإنه خلال السعي لإقامة النظام الإسلامي ، لا يجوز للدول أن تكون نقطة الانطلاق لإقامة نظام دولي ، لأن هذه الدول علمانية أي فاقدة للشرعية ، وفي أفضل الحالات ، يمكن للدول أن تحقق شكلا من أشكال الكيان المؤقت على الطريق نحو بناء كيان ديني على نطاق أوسع ووفق هؤلاء أيضا  فإنه لا يمكن لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، أن يكون مبدأ منظما للعلاقات لأن الولاءات الوطنية تمثل انحرافا عن العقيدة الصحيحة ، ولأنه يترتب على الجهاديين واجب تغيير شكل دار الحرب التي هي عالم الكافرين بجملة أخيرة مختصرة ، فإنّ النقاء -  وليس الاستقرار- هو المبدأ الحاكم لهذا التصور الإسلاموي أو الجهادي عن النظام العالمي  )) ،  وما ذهبت اليه وزيرة الخارجية الامريكية الأسبق ومستشارة الامن القومي الأمريكي كذلك كونديزا رايز في مفهوم  نظرية الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد المخطط  له والذي يخدم مصالح القوى المتنفذة أي أمريكا  ما بعد انتهاء الحرب الباردة  ،  وقد يكون أكثر المفكرين الذين تحدثوا عن هذا الأمر هو الأمريكي اليميني صامويل هنتنجتون -  صاحب نظرية صراع الحضارات  -  وقد تلقفت مراكز البحوث والدراسات نظرية الفوضى الخلاقة ، وأشبعتها بحثاً ودراسةً ، والنظرية تعني باختصار أنَّه عندما يصل المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى المتمثلة في العنف الهائل وإراقة الدماء  وإشاعة أكبر قدر ممكن من الخوف لدى الجماهير ، فإنَّه يُصبح من الممكن بناؤه من جديد بهوية جديدة تخدم مصالح الجميع  ، إنَّ الفوضى الخلاقة هي عبارة عن فجوة وفراغ ينعكس عن استقرار المجتمع وتماسكه   وهو نتيجة رغبة في التغير أملتها تطلعات الفاعلين إلى تحقيق الحراك والتغير في شتى المستويات وخاصة منها السياسية والاقتصادية ، وهي غالباً ما يتم تمويلها من الخارج. حتى وإنْ كانت عوامل التغيير داخلية فإنَّه يتم استثمارها وتطويعها بما يخدم مصالح الآخر الغربي الذي يسعى إلى الحفاظ على مصالحه  وعلى هذا النحو فإنَّها ، أي الفوضى الخلاقة التي هي على حد تعبير صموئيل هنتنجتون (( الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر )) وهذا بعينه ما جاء به خميني  تحت عنوان  نظرية ولاية الفقيه  ، كيسنجر يعترف صراحة  ((  أنه نتيجة لخطأ في التصورات ، كانت هناك نخب غربية تعد حماسة الثائرين ( أمثال الخميني أو سيد قطب ) غير قابلة للتفسير  وتفترض أن تصريحاتهم المتطرفة قد تكون مجازية أو يتم إطلاقها فقط كورقة مساومة  لكن في نظر المتطرفين الإسلاميين ( شيعة ، وسنة ) ، فإن هذه الآراء تمثل حقائق تتفوق على القوانين والأعراف التي جاء بها نظام  وستفاليا العالمي ، أو أي نظام عالمي آخر وقد ظلت هذه الآراء المتطرفة صرخة الاستنفار لحشد الراديكاليين والجهاديين في الشرق الأوسط وما وراءه ، طوال عقود ، وكانت تردد صداها تنظيمات ((  القاعدة ، وطالبان وحماس ، وحزب الله ، والنظام الكهنوتي الحاكم في إيران ، وحزب التحرير ، وبوكو حرام ، و النصرة   وداعش ))  ومن اهم  نتائج الولاء لنظرية ولاية الفقيه  أي الولاء للجمهورية الإسلامية الإيرانية  ((  الإفساد التنموي الذي ينتهي بالاقتصاد الوطني إلى اقتصاد تابع  وتفقد الملايين قدرتها على الإنتاج ، ويتحول الوطن إلى مستهلك كبير لعالم الأشياء الذي يأتيه من الخارج والذي يدفع ثمنه كاملاً من موارده الطبيعية وركائزه المدفون تحت أرضه من معادن وبترول وخامات متعددة  وفي إطار هذا الإفساد التنموي يتم خلق مجموعة من رجال الأعمال المزيفين حيث تُسهَّل لهم عمليات الإقراض من القطاع العام ويحولونه إلى قطاع خاص ، كما يحولون وجهته في توفير المنتجات وتوفير الأعمال إلى وجهة أخرى تذهب من خلالها ملايين فرص العمل وتتلاشى نسبة الإنتاج المحلي في كل المنتجات لصالح الاستيراد  وباختصار فإن التنمية الوطنية تحيط بها تنمية قهرية تحاول أنْ تَخنُقَهَا ليفقد الوطن قدرته على إنتاج أشيائه وتضعُف إرادته أمام القوى المهيمنة  ))  وهذا هو المتحقق اليوم في العراق ما بعد الغزو والاحتلاليين سنة 2003  وهكذا الحال في سوريا واليمن ولبنان المختطف من قبل حزب الله  ، وهذا كله نجده يصب في المنهج الأمريكي لتحقيق مصالحها وهيمنتها في المحيط الإقليمي والعالمي 

 

 يتبع بالحلقة الثالثة

 






السبت ٧ ذو القعــدة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة