شبكة ذي قار
عـاجـل










"الوديعة" من زمن السَمَوْأَل وامرؤ القيس، إلى أيام الحاكم بأمر منظومة الفساد

(ماذا قال الأعرابي الذي سرقوا منه الحصان؟)

نبيل الزعبي

 

لم يتداول اللبنانيون في مصطلح الوديعة ومشتقاتها بشكل حاد ومصيري سوى في السنوات الاخيرة من عمر الجمهورية اللبنانية بحيث لم يكن بوارد أحد ان يتعمق في معنى هذا المصطلح وما يرمز اليه باعتباره واجباً في دولة تسودها القوانين والعدالة وحماية الحقوق العامة والخاصة، وعاملاً اخلاقياً لم يكن غريباً البتّة عن العرب وموروثهم الثقافي الذي تناقلته الاجيال لآلاف من السنين، سبقت حتى بعض الرسالات السماوية في هدايتها، وبقيت احدى معالم الايمان للبشرية على مدى تواريخها المتعاقبة.  في لسان العرب تُعتبَر الوديعة من الناحية القانونية كمصطلح: "المقتنيات أو المال المُودَع لدي (أمين) لحفظه"

 وفي مأثور العرب وموروثهم الشعبي الموغل في تاريخهم التليد، ما زالت حكاية السموأل وامرؤ القيس نموذجاً للأمانة والوفاء العربيين حين دفع الاول بابنه فداء لأعداء الثاني المطالبين بما اودعه لديه من اسلحة وعتاد مفضلاً الوفاء ل "المودع"، على أن يرى دماء فلذة كبده تُهرَق أمام عينيه، في سبيل حفظ (الوديعة) أي الأمانة التي لديه.

في مقاربتنا لمفهوم الوديعة، وإسقاط مفاعيلها على الواقع اللبناني، يتبين لنا اثنتين من التداعيات التي الحقت الاذى باللبنانيين في السنوات الاخيرة وخاب املهم عندما:

 ١- وضعوا ثقتهم في اعضاء المجالس النيابية السابقة والحالية واودعوهم الصوت الانتخابي كوديعة لتمثيلهم، فلم يكونوا بمستوى الامانة التي اوكِلَت إليهم وفرّطوا بها عبر التواطؤ على مصالح الشعب العامة: -بتدمير الحجر، عبر شل المؤسسات والمرافق العامة و"حشوها" بالأزلام والمحاسيب وتعطيل دورها المنشود منه، ولنا في الكهرباء، كل ما يؤشر الى ما ارتكبته منظومة الفساد على مدى العقود الماضية.

وتدمير البشر عبر شل ّ حاضرهم ومصادرة مستقبلهم بعد احباطهم وتيئيسهم لدرجة ايثارهم الغرق في قوارب الموت وركوب المجهول على البقاء في البلد.

 ٢-: السطو على الامانات الخاصة للبنانيين التي اودعوها المصارف وجُلّها جنى أعمارهم وسنوات اغتراب أبنائهم وما كان يُعتَبَر خشبة خلاص لشيخوختهم.

في الخامس عشر من شهر أيار  ٢٠٢٢، اقترع لبنانيو الاغتراب والداخل ، لمجلس نيابي جديد لم يترك الواحد من اعضائه خطاباً الا وضمّنه الاستعداد لإعادة حقوق المودعين الى اصحابها ، وتسابقوا جميعاً على ذلك ، التغييريون، المستقلون ، السياديون وحتى الممانعون ، واسفرت عمليات الاقتراع عن تغييرات يتيمة وللأسف لم تكن تكفي لنزع التوكيل التشريعي عن عددٍ كبير من رموز الفساد الذين لم يحفظوا امانة " الصوت" الانتخابي الذي تُرِك لهم وديعةً لتمثيلهم سواء في الانتخابات السابقة او اللاحقة ، ما شكلّ إحباطاً يفاقم من عوامل اليأس المتراكمة في الحياة السياسية الداخلية وفشل المجتمع المدني من إحداث  تغييرات جذرية كما كانت آماله وجهوده منصبّة منذ انتفاضة السابع عشر من تشرين اول ٢٠١٩ التي شكلّت حدثاً تاريخياً وبالتالي فإن المسؤولية اليوم تقع على كل اعضاء المجلس النيابي مجتمِعاً وفي مقدمتهم النواب التغييريين والمستقلين بشكل خاص ، حيث انه ليس بالسهل التفكُك من المهام التي عليهم حملها بأمانة وحفظ ( الوديعة ) التي تركها لديهم ناخبوهم وهم  الذين خرجوا من صفوفهم ولاقوا من التحديات ما يجب ان يجعلهم على القدر المنشود من هذه المسؤولية ، سيّما  وان جراح بعضهم لم تلتئم بعد،  عندما واجهوا ، وباللحم الحي ،هراوات السلطة ورصاصها الحي والمطاطي وصاروا مُطالَبين ان يروا معاناة شعبهم بعيون الثوار التي فُقِئَت فلم تعمَ عن الاضاءة على مكامن الفساد والتصويب على الفاسدين بسواعد كل من نزلوا الى الشوارع والساحات ينشدون التغيير ، وبقبضات من تصدّوا للحواجز الاسمنتية والاسلاك الشائكة التي وُجِدَت لتحمي كل من تسبب بإفقار اللبنانيين وتجويعهم وتهجيرهم ودفعهم الى الموت في قوارب التهجير القسري عن تراب الوطن.

وإلى هذه وتلك ، على المجتمع المدني ان يعيد تنظيم صفوفه وشحذ هممه في سبيل  استرداد الامانات من لدُنّ كل من لم يكن على مستوى الوعود والآمال التي حملها ، والامانة اليوم تتمثل حتماً بالوديعة التي نُهِبَت وصودرت ، سواء الصوت الانتخابي الذي يتطلّب اعادة الاعتبار اليه ، او في جنى اعمار الناس التي يجب أن تعود إلى أصحابها، والتعويض عليهم ايضاً  بما خسروه من اقتطاع متعمّد لأرصدتهم بعد انهيار سعر الليرة اللبنانية واعتماد ( اللولرة) في اوسع عمليات النصب والاحتيال على مدّخرات اللبنانيين وقد فقدوا كل امكانية للحصول على الغذاء والدواء والاستشفاء الا بشقّ الانفس والاذلال امام ابواب المصارف وفواتير المولّدات الكهربائية ومحلات السوبرماركت والتنقل بالمركبات التي تحولت الى كماليات . انها الامانة التي يجب استعادتها اليوم قبل الغد، وتشكل ألف باء اختبار الالتزام بما تعهد به كل من استخدم مصطلحاته في خطابه الانتخابي، ونعني بذلك اعضاء المجلس النيابي اللبناني بأطرافه السياسية وكتله المتعددة، مع التنويه بالدور الايجابي الذي اضطلعت به مختلف الاطراف التي تتحرك تحت يافطة المودعين والمطالبة باسترداد اموالهم، سيّما وانهم يؤكدون على الدوام، ان تحركاتهم اصبحت دون سقف زمني وتحدده طبيعة التطورات الميدانية على الارض بعد ان صارت الاوضاع لا تتحمل انصاف الحلول.

لنختم مستحضرين ذكرى السَمَوأل كشاهدٍ حي مُفتَرَض على ما يجري:

تُراه ماذا سيقول لو عاد وبُعِثَ حياً وقد دفع حياة ابنه ثمن ما اؤتمن عليه! هل تُراه يندم على ما فعل، أم يلعن الاجيال اللاحقة التي لم تحافظ على ما تركه لنا التراث من موروث أخلاقي وأدبي وثقافي وإنساني، بل ماذا سيقول ذلك الاعرابي الذي تحايل عليه أحدهم في عمق الصحراء متظاهراً بالمرض ليستقلّ حصانه ويهرب به، وقد ناداه الاعرابي عن بُعد قائلاً: لا تقل لاحد أنك سرقت فرسي كي لا تَقِلّ المروءة عند العرب، فرد عليه: لقد غلبتني، فأعاد إليه فرسه، فقط، لأنه يعلم ان المروءة خلق عربي اصيل.

فهل تتحرك المروءة لدى حاكم مصرف لبنان في ايامه الاخيرة ويكشف المستور ويتحلى بأخلاق ذلك الأعرابي، أقلّه، ليصون نفسه وإخراجها من حال " كبش المحرقة " المنصوبة له، وهو الذي يدرك ان ليس وحده من يتحمل مسؤولية الانهيار المالي وعليه ان يسمي الاشياء بأسمائها ولو اقتدى بعبارة من قال يوماً: عليّ وعلى أعدائي يا رب.






الجمعة ٢٧ ذو القعــدة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة