شبكة ذي قار
عـاجـل










المفاوضات فن السياسة الممكن

أحمد صبري

 

في كتابه الثاني الموسوم (المفاوضات بَيْنَ السِّياسة والقانون) خلص المحامي شوكت حبيب الشبيب إلى القول إنَّ أفضل الوسائل السلميَّة لتسوية الخلافات هي المفاوضات المباشرة لتسوية المنازعات الدوليَّة، وأكثرها عدلًا وضمانًا لتحقيق العدالة وحماية مصالحه الدوَل.

وكرجُل قانون متمرِّس، استشهد الشبيب بعددٍ من المنازعات الدوليَّة والإقليميَّة التي تمخَّضت عن تسويات تاريخيَّة بفعل المفاوضات المباشرة بَيْنَ طرفَي النزاع التي أدَّت إلى وقف تداعيات الحروب، وتغليب لغة الحوار سبيلًا للحلِّ المنشود.

والسؤال الذي أجاب عليه المؤلِّف في معرض إشارته إلى أهمِّية المفاوضات المباشرة بَيْنَ طرفَي النزاع هو: هل أضحت المفاوضات المباشرة سلاحًا يُحقِّق أهدافه في الميدان دُونَ اللجوء إلى خيار القوَّة العسكريَّة الذي قَدْ يؤجِّج الصراع، في حين أنَّ نتائج المفاوضات المباشرة كما يراها الشبيب ستكُونُ مؤثِّرة ومثمِرة في صياغة عالَم تسوده العدالة ويحكمه القانون، ويجنِّبه ويلات الحروب والمنازعات.

وهذه الثنائيَّة بَيْنَ السِّياسة والقانون كرَّسها المؤلِّف في التوقف عند مسار الاتِّجاهين عَبْرَ أبواب وفصول المعرفة والاتِّفاقات والأحداث التي شهدها العالَم.

هذا الكتاب الذي أشهره المحامي شوكت الشبيب مؤخرًا في (عمَّان) تكمُن أهمِّيته؛ باعتباره وثيقة قانونيَّة وسياسيَّة برع وأجاد فيها المؤلِّف في طرح ومناقشة قضيَّة بالغة الأهمِّية كانت وما زالت تشغل الرأي العامَّ والمهتمين بالسَّلام كنهج لفضِّ المنازعات بالطُّرق السلميَّة، لا سِيَّما المفاوضات المباشرة بَيْنَ المتحاربين. وأحاط المؤلِّف بكُلِّ جوانب وفصول وتعداد المفاوضات التي شهدها العالَم بالتأكيد على أنَّ المفاوضات المباشرة من دُونِ وسيط هي التي جنَّبت العالَم مزيدًا من الحروب وتداعياتها على الأمن والسِّلم الدوليَّين.

ويوردُ المؤلِّف عدَّة أمثلة عن نتائج المفاوضات المباشرة وما حقَّقته من تسويات تاريخيَّة بعيدًا عن الإعلام وبشكلٍ سرِّي في فيتنام وبَيْنَ الهند والباكستان، واتِّفاق الجزائر بَيْنَ العراق وإيران، وشِبه الجزيرة الكوريَّة والقضيَّة الفلسطينيَّة التي لَمْ تلتزم بها (إسرائيل). وربط المؤلِّف بَيْنَ المفاوضات المباشرة كوسيلة لتسوية المنازعات بَيْنَ الدوَل؛ لأنَّها بذات الوقت تصلح أيضًا لتسوية المنازعات القانونيَّة لإجراء المفاوضات لتنفيذ ما تمَّ الاتِّفاق عليه بشكلٍ مباشر.

وعلى الرغم من أنَّ شروط المفاوضات تستند إلى مبدأ المساواة بَيْنَ الدوَل وفق القانون الدولي وشرعته، إلَّا أنَّ الواقع الذي نشهده يشير إلى أنَّ الدوَل المتنفِّذة تفرض إرادتها من خلال المفاوضات، وتفرض عليها الالتزام بشروطها. وما يجري في فلسطين من إنكار لحقوق شَعبها التاريخيَّة من قِبل الكيان الصهيوني، ويرفض تنفيذ الاتِّفاقات مع السُّلطة الفلسطينيَّة إلى حدِّ دعوة مسؤولي هذا الكيان إلى اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدس الشريف.

وعندما يوصف الدبلوماسي المتمرِّس الراحل عبد الملك الياسين وكيل وزارة الخارجيَّة العراقيَّة في مقدِّمة كتاب الشبيب بأنَّه وثيقة تاريخيَّة وثروة للدبلوماسيين والسِّياسيين الباحثين، فإنَّه يدرك أنَّ هذه الوثيقة بقدر إجابتها على أسئلة مهمة، فإنَّها بذات الوقت تبحث عن أنجع الحلول لإطفاء الحرائق وتصفير الأزمات، والبحث عن مخارج توصل أطراف النزاع إلى مرحلة المفاوضات المباشرة من دُونِ وسيط؛ لأنَّها فنُّ السِّياسة الممكن.

 






الثلاثاء ٢٣ ذو الحجــة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحمد صبري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة