شبكة ذي قار
عـاجـل










ثورة 17 تموز الخالدة ... قبل وبعد

شواهد ومعايشات حيّة

-ج2-

علي العتيبي

 

الحكم الذاتي

إن لاستقرار العراق أهمية قصوى من اجل ان يعم الامن والسلام للوطن والمواطن ويغلق باب السماح للتدخلات الخارجية التي لا تريد خيرا للعراق والعراقيين فكان من اول مهام الثورة هو وضع حد للاقتتال الداخلي بين ابناء شعبنا حيث كلما طال زمن الحرب كلما تعمقت الفجوة بين المواطنين وقد قدم العراقيون الكثير من الضحايا جراء هذه الاحداث والتي يطلق عليها احداث الشمال فقد تبنت الثورة حل هذه القضية وبعد عدة اجتماعات مع قادة حركات التمرد والوقوف علة احتياجات شعبنا الكردي فقد تم الاعلان عن بيان 11 اذار 1970 ومن خلال هذا البيان تم تحقيق طموحات شعبنا الكردي من اجل استقراره وان يعيش العراقيون بسلام ووئام وكان هذا البيان بداية لإقرار قانون الحكم الذاتي في شمال العراق وخلال هذه الفترة تحقق بناء جامعة ومدارس ومعاهد اضافة المشاريع الاسكانية والعمرانية والمجمعات السياحية وكل ذلك حقق مطالب شعبنا الكردي واصبح يعيش في بحبوحة من العيش الرغيد والكريم كجزء لا يتجزأ من الشعب العراقي. وكان هذا القانون محط اعجاب الجميع وصار رائدا في المنطقة يتمنونه الاكراد في دول الجوار ويعتبر العراق البلد الوحيد في المنطقة الذي أعطى حق الحكم الذاتي للأكراد.

 

الجبهة الوطنية التقدمية

من أبرز القوى السياسية التي كانت في العراق هي اربعة احزاب رئيسية وهي حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومن اجل المباشرة بإرساء دعائم الديموقراطية في العراق  ومن بين ابرز مقوماتها اتاحة الفرصة من خلال القوانين والتشريعات اللازمة لان يشترك الجميع في المساهمة في الحكم والحياة السياسية في البلاد وخاصة بعد استقرار وضع الشمال من خلال قانون الحكم الذاتي وتم اعلان الجبهة الوطنية التقدمية التي ضمت تلك القوى السياسية وغيرها وتوقيع الاتفاق تضمن أن يكون للأحزاب المشاركة مقراتها الرسمية وواجهاتها الجماهيرية وصحفها الناطقة باسمها وباشرت بممارسة نشاطها السياسي بشكل علني وتمت مشاركتها الفعلية في الحكم من خلال التكليف الوزارية وغيره في كافة مؤسسات الدولة .

 

تأميم النفط

تأميم الموارد الوطنية الاستراتيجية العملاقة كالنفط، يعتبر بحد ذاته انجازاً لا يقل عن الانتصار في معركة عسكرية كبيرة وتاريخية وحاسمة مع جيوش عدد من الدول لان شركات النفط الاحتكارية هي شركات عالمية لدول كبرى وكانت تحتكر استخراج وانتاج وبيع النفط العراقي لصالحها وتعطي نسبة بسيطة من الواردات الى الحكومة العراقية.  وكلما ارادت الثورة ان تقدم ميزانية فيها مشاريع تخدم العراق والامة، تقوم هذه الشركات بتخفيض الاستخراج حتى تعاني الميزانية من عجز في الموارد فتعطل المشاريع وقد وصل الحد الى ان تم تقديم مقترحات من بعض الاقتصاديين الى حكومة الثورة في عام 1970 لتوفير الموارد منها على سبيل المثال بيع معسكر الوشاش كأراضي من اجل تحقيق ايرادات للدولة لسد النفقات وتحقيق المشاريع المأمولة وغيرها من المبادرات التي لم تكن لتحقق طموحات الثورة في النهضة الشاملة التي خططت لها للعراق دولة ومجتمع. لذا فقد رفضت القيادة تلك المقترحات الجزئية، وباشرت بدراسة البدائل مثل الاقتراض من دول صديقة كالاتحاد السوفيتي لسد العجز.

 وفي نفس الوقت رفضت قيادة الثورة سياسة الشركات النفطية بالضغط على العراق، وباشرت بالتفاوض مع الشركات لعدم ممارسة هذه الطرق للضغط على حكومة الثورة تنفيذاً لأجندات سياسية لدول الشركات التي تكن العداء للثورة واستمرت المفاوضات حوالي سنتين كانت نتيجتها استمرار التسويف والتعنت مما جعل قيادة الثورة تعلن القرار التاريخي الذي شكل الهدف الاساسي منذ البداية، وكان احد اسباب قيام ثورة 17 تموز المجيدة حيث كان مطلب اساسي لكل القوى الوطنية، وهو قرار التأميم وهذا ما حصل وتمت السيطرة على كل مواقع الشركات وتأميم موجوداتها وتعويضهم عنها ماديا وفق القانون وتم اعلان بيان التأميم الخالد يوم 1 حزيران 1972.

ولكن الدول الغربية التي تضررت شركاتها من التأميم اعلنت مقاطعة النفط العراقي ولكن التفاف الشعب حول الثورة وقيادتها بممارسة التقشف والمساهمة بالدعم من خلال سندات خاصة بذلك، اجبرت العالم مرة اخرى للتعامل مع النفط العراق وتم تصدير اول شحنة نفط يوم 1 اذار 1973 بجهود وكوادر عراقية. وبذلك نجح التأميم وشكل القاعدة الاساسية لما تلاه من تنمية انفجارية عملاقة نقلت العراق من حال الى حال. حيث سخرت موارده للبناء والتطوير وتحسين الحالة المعاشية للمواطن بالدرجة الاولى فزادت الرواتب بنسبة أكثر من 300% على سبيل المثال ناهيك عن تطور الخدمات في كل المجالات مما لا مجال لحصره في هذا المقال.

 

القوات المسلحة

تأسس الجيش العراقي الباسل في 6 كانون ثاني 1921 من ضباط عراقيين وجنود عراقيين تطوعوا لهذا الجيش وكان له دور في حروب الامة العربية وشواهده كثيرة في حرب 1948 حيث ساهم في تحرير جنين في فلسطين العزيزة. وكان الجيش دوماً وطني التوجه وقومي العقيدة.  وعانى ما عانى نتيجة التدخل البريطاني ومنه خرج تنظيم الضباط الاحرار الذي قضى على النظام الملكي والنفوذ البريطاني في العراق.

إلا أن أوضاع العراق وتخلفه لم تكن لتحقق امال القوى الوطنية والشعب العراقي وابناء قواته المسلحة. ثم جاءت نكسة حزيران في 1967 لتتوج معاناة الجيوش العربية نتيجة لسياسات خاطئة وفشل الانظمة العربية. ولهذا كان الدور العظيم لحزب البعث العربي الاشتراكي لتفجير ثورة 17 تموز 1968.

أعطت الثورة اهمية لتنظيم الجيش وإعادة تأهيله وفق عقيدة وطنية قومية وعلى مبدأ ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) فقد تم الدعم لبناء جيش قوي مدرب تدريب قتالي شجاع ومسلح بأحدث الاسلحة فتم بناء المعسكرات وفتح الدورات التأهيلية وجعل التجنيد الزامي وجعل الكليات العسكرية لكل العراقيين وليس لأبناء النخب والشيوخ رافقتها تحسين اوضاع الجيش من خلال توفير اللوازم الخاصة بالمقاتل من ملبس ومأل وتدريب وفتح مستشفيات ميدانية وبناء مصانع للتصنيع العسكري حتى يكون التجهيز من السلاح والعتاد عراقيا وتقليل الاعتماد على الدول الاخرى في العديد من التجهيزات. وتم استحدث الاكاديميات العسكرية للصنوف المختلفة للقوات المسلحة حتى أصبح الجيش العراقي مضرباً للأمثال في القوة والتسليح بكل الصنوف البرية والبحرية والجوية والاستخبارية وحينما قامت حرب تشرين كانت المساهمة الفعالة للجيش العراقي فيها مضرب مثل حيث منع سقوط دمشق بيد الصهاينة.

وكان الجيش العراقي سور الوطن وحارس البوابة الشرقية للوطن العربي حيث حمى الامة العربية من مشروع خميني الفارسي باحتلال ارض العرب وفق نظريته المزعومة "تصدير الثورة" لكن جيش العراق الذي بنته ثورة تموز جعلته يتجرع السم الزعاف بقبوله وقف القتال مقرا بنصر العراق وانهاء الحرب الايرانية العراقية. وقد استكمل ابناء هذا الجيش العظيم سفره المجيد بانخراطهم في صفوف المقاومة العراقية الباسلة التي ابكت المحتل الامريكي واجبرته لكي يولي هاربا مهزوما من العراق عام 2011. ولهذا نجد ان كل عراقي مازال يفتخر بالجيش العراقي الباسل الذي حله الحاكم المدني الامريكي المجرم بريمر نتيجة حقدهم على هذا الجيش الذي يمثل رمز الوحدة الوطنية والتوجهات القومية الراسخة.

 

الثقافة والإعلام

حينما نتحدث عن الثقافة والإعلام فإننا لا نختصر الموضوع عليها فقط بل يتعدى الى التثقيف والحصانة وبناء الانسان فقد اولت الثورة الاهتمام الواسع بالثقافة وشجعت اساتذة التاريخ لتحقيق المخطوطات القديمة التي تستكشف كنوز الحضارات العراقية والعربية وتعزز القيم الوطنية والقومية للمجتمع. وشجعت الكتاب والادباء والمثقفين من خلال طباعة كتبهم ودواوينهم ومنحهم الدعم اللازم. كما فتحت دور النشر العامة والمختصة مثل دار ثقافة الاطفال وفتحت دار خاصة لنشر الثقافة الكردية وبنت المسارح ودور السينما وعززت اكاديمية الفنون الجميلة وشجعت الفنانين بكل تخصصاتهم فكانت وزارة الاعلام والدوائر التابعة لها خلية نحل للتثقيف ونشر الثقافة وفتحت المراكز الثقافية في بعض الدول للتعريف بالحضارة العراقية والإسلامية العربية ومحاربة اي فكر طائفي او متطرف وكانت تعقد المنتديات والندوات الثقافية اضافة الى المهرجانات التي يدعى لها كبار الادباء والمفكرين والمثقفين وحتى رجال الدين ومن كل الفئات لان الثورة ارادت من خلالها بناء مجتمع سليم يؤمن بالتطور في كل مجالات الحياة.

 

البطاقة التموينية

حينما شنت أمريكا وحلفاؤها العدوان الثلاثيني وقبله بستة أشهر فرضت قرارات جائرة ضد شعب العراق من خلال حصار اقتصادي اجرامي غير مسبوق عالميا اذ لم يمارس على بلد كما مورس ضد العراق، هدفه تجويع العراقيين من جهة، وجعل الأمراض تفتك بهم من جهة اخرى يرافقها التحريض السياسي وشتى أنواع التآمر ضد النظام الوطني من اجل اسقاطه بعد فشل جميع محاولاتهم التآمرية والانقلابية والعسكرية ليكون عبرة لكل من يريد ان يتحرر من قيود الامبريالية والصهيونية.

ولمواجهة هذا الحصار فقد اعتمدت الثورة نظام البطاقة التموينية لكي تؤمن السلة الغذائية للمواطن العراقي من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب والى ابعد قرية في العراق فكانت البطاقة التموينية هي الهجوم المعاكس على الحصار وعلى العدوان الثلاثيني وكان لها رجالها الابطال في مؤسسات الدولة الاقتصادية ذات العلاقة الذين واصلوا الليل بالنهار من اجل تأمين لقمة العيش الكريمة للمواطن العراقي فكانت عاملا اساسيا لصمود الشعب العراقي ومواصلته الحياة والبناء والاعمار رغم ظروف الحصار الجائر.

 

الخلاصة

هذا موجز بسيط لبعض من منجزات ثورة 17 تموز الخالدة التي لا يمكن ان يوثقها مقال واحد.  وحين نكتب عنها فإننا نفتخر بما انجز ونستلهم منها الثقة بقدرة الانسان العراقي على الانجاز والبناء والتقدم ريثما يتحرر من قوى الظلام التي جاء بها المحتل الامريكي الايراني والتي صبت كل حقدها على منجزات الشعب العراقي محاولة القضاء عليها وعلى مؤسساتها. مسنودة ومدفوعة بحقد دفين من الصهيونية العالمية والامبريالية والصفوية على العراق والسبب هو أن حزب البعث العربي الاشتراكي يحمل عقيدة قومية نضالية تريد للإنسان العربي أن يتحرر من كل القيود وأن يمارس دوره الطليعي في نهضة الامة العربية.

 ولكن الحزب الذي فجر ثورة 17 تموز بسواعد الشباب وبفكر القادة الاشاوس سيحرر العراق بأذن الله ليعود المارد العراقي محلقا بجناحيه ليمارس دوره الذي يليق به في تحقيق نهضة العراق والامة العربية المجيدة.

 

 

 

 






الاربعاء ١ محرم ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي العتيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة