شبكة ذي قار
عـاجـل










حزب البعث العربي الاشتراكي بين حقبتين

قبل وبعد الغزو والاحتلال

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس

مدخل:

البعث هو حزب ثوري تقدمي قومي عربي، يناضل من أجل وحدة الأمة العربية وحريتها، ومن أجل تحقيق تطورها ونماء الحياة فيها وخلق نظام اشتراكي مشتق من واقع الأمة وحاجاتها وإرثها الحضاري والتزاماتها الدينية والاجتماعية.

مثلما هو معروف إن الحزب قد حقق أهم تجربة له في السلطة، من قبل فرعه في العراق، خلال الأعوام الممتدة بين ١٩٦٨ و٢٠٠٣ م، ولقد كانت هذه التجربة مهمة جداً ليس للبعث كحزب بل للأقطار العربية كافة، حيث برهنت على إمكانيات تحقيق منجزات تاريخية ناتجة عن اقتدار قيادي وإداري وحسن تخطيط وتنفيذ وعلاقات متينة حية مع الشعب في الداخل ومع أقطار الأمة العربية والعالم.

للبعث في العراق قواعد جماهيرية كبيرة جداً، وله أعداء من قوى سياسية مختلفة، بعضها تحالف مع البعث لفترات زمنية تحت جبهات وطنية وقومية دعا البعث لتشكيلها، وبعضها رفض البعث وقيادته وجودها رفضاً قاطعاً لأن تقييمه لها من جوانب سياسية وعقيدية قد انتهى إلى أنها أحزاب تجسس على العراق وتابعة لدول أجنبية، مثل أحزاب التشييع السياسي التابعة لإيران  وغيرها.

تم اسقاط تجربة البعث في العراق من قبل جيوش غزو قادته الولايات المتحدة الأمريكية وشاركت ما لا يقل عن ثلاثين دولة، وشاركت به دول أخرى عن طريق الاقتصاد والإعلام وسواها من وسائل الدعم اللوجستي.

سنحاور في هذا المقال بموضوعية وعلمية ما تعرض له الحزب، وما زال يتعرض له من عدوان غير مسبوق في تاريخ العالم، ونحاكم بذات الموضوعية مختلف أنواع الألسن التي تتناول البعث الآن بنصف عداء أو بربع عداء أو بعداء كامل، لنحاول رسم خارطة اتجاهات لمستقبل هذا الحزب العربي القومي العريق، ومنه إلى رسم بعض ملامح مستقبل المشروع القومي الوحدوي التحرري التقدمي العربي الذي يتصدر صياغته وصناعته حزب البعث العربي الاشتراكي.

 

المحور الأول:

سنضع مضامين هذا المحور على هيئة مسارات، تتوجه بالدرجة الأساس لشعب العراق ولشعبنا العربي عموماً، وللقوى الوطنية والقومية والإسلامية التي ليس لها مصلحة من تبني عداء عبثي مع البعث.

تتجه لكل كاتب وإعلامي وسياسي منصف يحب شعب العراق والعرب ويقف وقفة مبدئية من مصالح الأمة وشعبها ومن قضاياها المصيرية غير منغمس بهموم الرأسمالية وما تريده الرأسمالية، وغير خاضع لهموم الماسونية والصهيونية، وما تريد تحقيقه على حساب العرب، وغير واقع تحت تأثير الطائفية ومشروع إيران القائم على فكرة توسيع الأفق الجغرافي لإيران على حساب العرب وأرضهم. 

المسارات التي سنسطرها هنا هي للتذكير، ولإعادة قراءة الأحداث، لا ندعي أنها مكتوبة بأصابع محايدة ولكننا نؤمن ونثق قطعاً أنها مكتوبة من اشعاع الإيمان ومن أنوار الصدق وشرف الموقف.

مسار رقم واحد:

في إدارته لدولة العراق، حاول البعث أن يثبت أنه حزب ديمقراطي، وفي هذا الاتجاه دعا البعث كل القوى السياسية العراقية مثل الشيوعيين والقوميين وأحزاب الطيف العراقي الكردي إلى جبهة عريضة تتشكل منها حكومة العراق. وقد تشكلت الجبهة وعملت لعدة سنوات، غير أن بعض أطرافها قد انسحبت، وغادر بعض أفرادها خارج العراق وخاصة الشيوعيون الذين كانوا يناضلون من أجل حكم أممي يقوده الحزب الشيوعي السوفيتي  حينها، ووجدوا أن العمل مع البعثيين يفقدهم بعض ملامح هذه العقيدة الأممية وأن البعث قد حجم بحيوتيه ونشاطه الجماهيري وجودهم وانتشارهم وأن المنهج القومي البعثي قد غطى على مسارهم الأممي، خاصة مع تنفيذ البعث لسياسة صداقة حميمة مع الاتحاد السوفيتي أفرغت الأممية الشيوعية في العراق من جُلِّ مضامينها، وجردتها من قوة عقيدتها، وأضعفت مساراتها النضالية المتمركزة حول الطبقة العاملة والاشتراكية الماركسية، من غادروا صاروا أعداء للبعث، وعداؤهم قد غرق في الأحقاد الدفينة والضغائن السوداء، وأنشطتهم كلها صبت على تشويه سمعة البعث وقيادته وتنكرت لمنجزاته.

 

 

 

مسار رقم إثنين:

واجه البعث عداء شرساً مع الأحزاب المغطاة بغطاء الدين بخطيها الأساسيين الشيعي التابع لإيران والسني التابع لتركيا وعدة دول أخرى، هذه الأحزاب هي أصلاً ولدت تحمل عقائد سياسية معادية للبعث كونها تعادي العروبة، وتنكر على العرب حقهم في الوحدة. حيث صدرت قوانين عراقية إبان سلطة البعث تمنع وتحظر نشاط هذه الأحزاب، ليس لأنها أحزاب تنافس البعث على السلطة كما تم الترويج له قبل الغزو وما زال يروج له بعد غزو العراق، بل لأن البعث وقيادته في العراق قد آمنت طبقاً لمعطيات واقعية ميدانية أن هذه الأحزاب مدعومة من الخارج وأن أهدافها تتعارض مع وحدة العراق البشرية والجغرافية فضلاً عن تقاطعها المعلن مع الأمة العربية وإن هذه الأحزاب في حقيقتها تسعى لإلحاق العراق بإيران أو بتركيا  . وقد خرج الكثير من قيادات هذه الأحزاب وأنصارها خارج العراق، بعد أن نفذت قيادة البعث والدولة العراقية قوانين الحظر والمنع، وقام القضاء العراقي بمحاكمة ومقاضاة عناصر ينتمون لها.

  

مسار رقم ثلاثة:

أقدم العراق بعد ثورة البعث ١٩٦٨ على اتخاذ سلسلة إجراءات لإنهاء حالة الإقتتال بين أبناء الشعب، فأصدر قانون الحكم الذاتي لأكراد العراق معترفاً لهم بكل حقوقهم القومية، ومنحهم حكماً ذاتياً في محافظات شمال العراق، ومع أن هذه الإجراءات التاريخية غير المسبوقة قد أنهت حياة الاقتتال، وفتحت الأبواب واسعة لترسيخ وحدة العراق، وفتح فرص التقدم والبناء والتنمية واسعة إلا أن هناك من القوى الكردية ، وبعض من الأكراد ومنهم ( جلال الطلباني وحزبه) انضموا إلى معارضة الحكم البعثي، وضمروا العداء له، والعمل   ضده.

 

مسار رقم أربعة:

أقدم العراق عام ١٩٧٢ م على تأميم شركات النفط العالمية العاملة في العراق والمحتكرة لنفط العراق بعد أن فشلت المفاوضات معها والتي امتدت لسنوات قبل ثورة البعث وبعدها.

وهذا الإجراء السيادي الثوري العظيم الذي أنجز عملياً سيادة العراق الاقتصادية قد فتح للعراق وقيادته البعثية بوابات عداء مستحكم من الدول الرأسمالية التي تضررت من قرار التأميم، وظلت هذه الدول وشركاتها تحوك المؤامرات وتغذي القوى المعادية للبعث في الخارج ممن أشرنا لهم آنفاً وغيرهم.

مسار رقم خمسة:

سياسة العراق القومية المؤمنة بوحدة الأمة وبعدالة قضاياها وبحق العرب بحياة حرة كريمة وبصناعة فرص متكافئة لهم وتوزيع ثروات الأمة بينهم لتحقيق التنمية القومية وليس التنمية المنغلقة على قطر واحد، سياسة آمنت بحق العربي في تونس وموريتانيا وفلسطين والسودان واليمن بالتعليم، كما هو حق السعودي والقطري والإماراتي والعراقي والمصري.

سياسة بنيت على تقديم الخدمات الصحية وغيرها لكل العرب، وإلغاء أي فوارق قطرية، هذه السياسة خلقت لدولة البعث أعداء من بعض الأنظمة العربية الغارقة في القطرية والرجعية، أُضيفوا إلى من ذكر آنفاً، وبعض الأنظمة العربية احتضنت مَنْ نبذهم العراق للأسباب التي بيناها، وهي أسباب أخذت بها كل دول العالم المؤمنة بسيادتها وبسلطة القانون ومنع التجسس وتحجيم خطر العمالة للأجنبي.

 

مسار رقم ستة:

موقف البعث وسلطته من القضية الفلسطينية، وهو موقف مبدئي ثابت على حق التحرير لكل فلسطين، من البحر إلى النهر، وعودة شعبها من كل بلاد الشتات. هذا الموقف الذي رفض البعث المساومة عليه ورفض الاستسلام والتسويات والتطبيع قد خلق له عداءً عميقاً تكفلت به دول ومخابرات وأجهزة إعلام وأحزاب ومعاهد بحوث وشركات ومنظمات.

 

مسار رقم سبعة:

عمل النظام السوري تحت شعارات بعثية لا تمت للبعث بصلة،  على التآمر الدائم على الحزب في العراق بما يخلق مشاكل خطيرة تنظيمياً وإدارياً، وتحالف علناً مع نظام خميني ضد العراق، ما أدى إلى وجود عامل عدم استقرار في العراق، وتشوش في العلاقة بين العراق وبعض الأنظمة العربية.

 

المحور الثاني:

مغالطات واتهامات وتخرصات عدوانية:

سنضعها أيضاً بصيغة مسارات لأغراض تكريس التركيز والاهتمام التي نأمل أن يفضيان إلى إعادة محاورة المواقف إنصافاً للحق وتجاوزاً للأنانيات والاختباء خلف مبررات ومسوغات يسوقها البعض دون علم ولا دراية في محاولاتهم لإبراز الذات على حساب الحقيقة والشهرة بالمغالطات على حساب الموضوعية. 

المسار الأول:

الديمقراطية والتعددية:

يدعي البعض أن البعث قد سجل على نفسه مثلبة كبرى أثناء سلطته في العراق تتمثل في تجنبه تطبيق الديمقراطية وعدم السماح بالتعددية الحزبية وإخفاقه في بناء تجربة عراقية مميزة في هذا الإطار.

هذه الادعاءات ليست دقيقة ولا صائبة، فالبعث حاول بجدية تطبيق نظام ديمقراطي تتحقق فيه مشاركة جميع القوى الوطنية والقومية والإسلامية المعتدلة غير الطائفية، والبعث هو من دعا إلى إقامة جبهة وطنية قومية تقدمية  شاركت بها جميع الأحزاب، وتشكلت منها حكومة عراقية في بداية سبعينيات القرن الماضي. غير أن بعض هذه الأحزاب قد خرجت من الجبهة لأسباب تتعلق بمنهجهم وعقائدهم وطموحاتهم السلطوية التي جعلتهم يسعون للتفرد ويستثمرون العمل الجبهوي لإيقاع الحزب في مطبات وعرقلة مسيرة الإنجازات التي شرع الحزب بتحقيقها. وثمة أحزاب وقوى وشخصيات ظلت تشارك البعث في السلطة بدءاً من منصب نائب رئيس الدولة نزولاً إلى كل المفاصل حتى سنة الغزو ٢٠٠٣.

وسعى البعث جاداً لإصدار قانون الأحزاب، غير أن الأحداث المتلاحقة أعاقت إصداره، وهي أحداث كانت بمثابة تهديدات خطيرة لأمن الوطن والمواطنين.

وأكمل البعث وضع دستور دائم للبلاد، وأيضاً منعته الأحداث الخطيرة المتلاحقة من عرضه على التصويت الشعبي لإقراره.

والدولة العراقية كانت تدار بمؤسسات عديدة، منها مجلس قيادة الثورة، ورئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، وبصيغ ديمقراطية، وليس كما تحاول آلة الإعلام المعادي تصويره لأغراض الشيطنة والتشويه.

وفي العراق كانت تجري انتخابات دورية لانتخاب المجلس الوطني (البرلمان)، ويمثل المجلس ضلعاً أساسياً في إدارة وبناء الدولة، ويدخله عراقيون من كل الطيف العراقي.

وفي العراق كانت نقابات واتحادات ومنظمات مهنية للطلاب وللعمال وللفلاحين وللمحامين وللكتاب ولمختلف تشكيلات المجتمع المهنية والمدنية وتجري فيها انتخابات دورية.

إذن: كانت في العراق تجربة ديمقراطية تنمو وتتعمق وتتجذر، وإن من يلغون هذه التجربة أو ينفون وجودها هم في حقيقة الحال أعداء ممن وصفناهم آنفاً، وهم من الذين يبغون إيصال فكرة كافرة مجرمة هي أن الغزو كان حلاً فريداً لا مناص منه.

 

 

المسار الثاني:

الدكتاتورية والعدوانية:

هذه تهمة أخرى من التهم التي نؤمن قطعاً أنها باطلة لقيادة الدولة والبعث. فالرئيس العراقي كان يمارس صلاحيات دستورية وقانونية، وكان يرأس المؤسسات بطريقة الاجتماع والتشاور وتبادل الرأي، وكانت القرارات كلها تتخذ عن طريق التشاور.

أما كون الرئيس قوي وحازم وحاسم وذكي ألمعي لا تمر عليه الخدع والمؤامرات ولا يساوم في حقوق الدولة والشعب فهذه صفات أي رئيس دولة حقيقي وليس دمية أو بيدق يحركه الخارج.

أما أن يكون للرئيس عقل راجح ورؤى عميقة وإدراك شامل وعلم واسع بالإدارة ونظرة ثاقبة للاقتصاد والسياسة والعلاقات فهذه بالتأكيد كلها عوامل تعمق من عداوة أعدائه وأعداء النظام.

لقد صار الشهيد صدام حسين رمزاً وطنياً وقومياً عظيماً خالداً لا تؤثر سفاسف الإعلام المتهالك على قدراته وإنجازاته.

المسار الثالث:

شن الحروب العبثية:

اتهام العراق بشن الحرب على إيران اتهام ساذج وسخيف ومدبر بمكر ليكون مسماراً في ظهر قيادة العراق، مادام موضوع تلك الحرب جدلياً وتتقاذفه وجهات نظر سياسية وإعلامية وحزبية تابعة علناً لإيران.

كان العراق ينفذ أعظم عمليات تنمية انفجارية عندما وصل خميني للسلطة، وكان قد عمل المستحيل لإنهاء أو تحجيم المشاكل مع نظام إيران الشاهنشاهي.

البعض أغاضه جداً نجاح العراق في عقد اتفاقية الجزائر التي عادت بمنافع كبيرة على العراق وخاصة في إنهاء الدعم الإيراني  وإعادة الحياة الآمنة لشعبنا الكردي.

والبعض كان ينتظر لحظة وصول خميني للسلطة ليوقظ خلايا حزب الدعوة ومنظمة العمل وغيرها من خلايا إيران النائمة في العراق، بل إن هؤلاء قد حزموا أمرهم واتخذوا قرارهم بإسقاط الدولة العراقية والحاقها بنظام خميني تحت غطاء مذهبي مزيف.

كان العراق منشغلاً بعلاقاته العربية، ويسعى لإيجاد صيغ وحدوية ترسم مسارات تحرير فلسطين.

كان العراق يدعم منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل الثورة بكل قوة وبمختلف الوسائل.

كان العراق يغذي التنمية في أقطار عربية عديدة ضمن عقيدته القومية.

لم يكن يخطر ببال عراقي أن يحارب العراق إيران سواء حكمها الشاه أو حكمها خميني.

العالم كله يعرف توجهات خميني لإقامة امبراطورية فارسية صفوية.  

العالم كله يعرف أن خميني يمثل أحد خطوط الإسلام السياسي الطائفي المقتنعة بكون إيران مسؤولة عن شيعة العالم، وأولهم شيعة العراق ولبنان والبحرين، وأن من واجبات خميني اسقاط الأنظمة التي تحكم الشيعة العرب ليحكمهم هو وأول المحطات كانت العراق.

فالعراق وقيادته واجهت عدوان إيران ليس في حرب عبثية كما تسميها بعض الألسن الرخيصة التافهة بل بحرب دفاع وطنية قومية مقدسة قدم فيها شعب العراق تضحيات جسيمة.

العراق رد العدوان بطريقة شجاعة، لم تكن بحسبان خميني ومن سار في نهجه، والعراق وافق على وقف الحرب في أسبوعها الأول بعد أن أبعد الشر والعدوان عن حدوده وقزمه، ووافق على كل القرارات والمبادرات الدولية، غير أن خميني لم يوافق إلا بعد إصرار معلن يعرفه كل العالم دام ثمان سنوات لأن خميني كان يريد احتلال العراق، ولم يوقف الحرب إلا بعد أن عجز وتملكه اليأس.

 

المحور الثالث:

هل سيعود البعث؟:

قبل الخوض في هذا المحور بعنوانه الذي وضعناه بصيغة سؤال، دعونا نسأل سؤالاً بسيطاً طبيعياً عفوياً:

هل مات البعث ليبعث من جديد؟

هل خرج البعث من العراق ليعود؟

الإجابة قطعية حاسمة لكلا التساؤلين، هي: كلا، فالبعث لم يغادر، ولم يمت رغم كل ما تم تسليطه عليه من عدوان وإجرام وإرهاب لم يسبق له مثيل في كل التاريخ.

حقيقة الأمر أن البعث وسلطته الوطنية وقيادته التاريخية قد تعرض في حقبة ما قبل الغزو إلى عدوان متواصل متعدد الوجوه والمصادر وهذا العدوان هو الذي أفضى إلى صناعة قوى العداء وتغذيتها من خارج حدود العراق وبإشراف وتمويل أمريكي بريطاني صهيوني إيراني عربي رجعي، كان هدفه تبشيع سلطة الحزب وشيطنة القيادة والحزب تمهيداً لصناعة أرضيات الغزو والاحتلال. ومن بين صور التآمر والعداء الصارخة كانت حرب إيران على العراق، وعاصفة الصحراء المجرمة، والحصار، والتي مهدت على مدى يزيد عن عشرين سنة لغزو العراق واحتلاله.

وفي حقبة ما بعد الغزو تم التركيز على استثمار الجهد والعمل العدواني السابق لتنفيذ حظر الحزب، وتنفيذ قوانين اجتثاثه، ليس لذبح الحزب فقط بل ولشرعنة تهديم أركان الدولة العراقية الوطنية من جيش وشرطة وأمن ومخابرات وتعليم وصحة وخدمات وقضاء، لكي تُمحى ذاكرة العراقيين وتنسى البعث وإنجازاته العظيمة، وتفرغ الدولة العملاقة التي بناها من محتوياتها.

إن الجهد العسكري الخرافي وما توفر له من دعم بمختلف الميادين والمجالات والاتجاهات قد اتجه كله لشيطنة البعث وتجريم قيادته وتمزيق قواعده الشعبية المليونية، وكان الهدف المركزي لهذا الجهد يتجه نحو:

 أولاً: صناعة كراهية شعبية للبعث.

 ثانياً: تصوير الحزب على أنه عدو للعراق وللعراقيين.

 ثالثاً: تجريم وشيطنة اسم الحزب وتجريده من عقيدته وفكره.

 رابعاً: تضخيم الأخطاء البشرية للبعثيين التي يمكن أن يقع بها أي حزب في العالم حكم لمدة 35 عام.

 خامساً: مسك عصا تخويف للعراقيين من عودة البعث.

لقد صار الحديث عن عودة البعث على لسان دول وأحزاب ومحللين وكتاب وإعلاميين دون أن تقدم أميركا على إلغاء حظر الحزب الذي وضعته في دستور الاحتلال، ودون أن تلغي قوانين الاجتثاث والمساءلة والعدالة، التي طبقتها وحمت من ينفذونها وينفذون عبرها أكبر عملية إجرامية للتصفيات الجسدية منذ سنة ٢٠٠٣ ولحد الآن. ولم نر بادرة لإطلاق سراح آلاف البعثيين من المعتقلات والسجون، ولم يصدر عفو عن النازحين والمهجرين وهم بالملايين.

ما مغزى الحديث عن عودة البعث إذن؟

الإجابة على هذا التساؤل يمكن حصرها في:

أولاً: محاولة أمريكية لتخويف عملائها في العملية السياسية، كلما وجدت أمريكا لذلك ضرورة.

ثانياً: تلويح ناعم بالتهديد للاحتلال الإيراني الشريك لأمريكا عندما يعبر خطوة أو خطوتين عَمَّا محدد له أمريكياً.

ثالثاً: عندما تقرر أطراف اللعبة الاحتلالية في العراق إعطاء موضوع البعث بعداً طائفياً عبر التمثيل (السني) المشارك في العملية الاحتلالية، محاولة بائسة لن تمس جوهر البعث الوطني القومي ولو بحجم شعرة.

رابعاً: محاولة إبقاء خيوط العداء للبعث تشتغل على ذات الاتهامات والأسطوانات المشروخة التي نفخت فيها أجهزة إعلام دول الاحتلال وأعوانه.

يلاحظ أيضاً اتجاه البعض إلى أسلوب خبيث ماكر قذر، هو ما يطلق عليه تخويف الشعب العراقي من البعث.

إن قباحة وصفاقة هذا الاتجاه قد تفوق إجرام وقذارة حظر الحزب واجتثاثه. فشعب العراق هو البعث، والبعث هو شعب العراق، ومن المضحك المبكي أن تقع ألسنة البعض في هكذا مكب قمامة وهي تمارس عملية تخويف عملاء إيران وليس تخويف العراقيين مما يسمونه عودة البعث.

 

الخلاصة:

البعث حزب الوحدة والحرية والاشتراكية لن يعمل في ساحة عملية سياسية احتلالية مجرمة.

البعث حزب السيادة والاستقلال، ولن يشارك أحزاب العمالة والخيانة ولا ميليشيات الإجرام.

البعث حزب شعب العراق والأمة لن يتقزم من أجل مشاركة في عملية صنعها الغزاة وتوظف فيها الجواسيس والعملاء.

البعث حزب الأحرار ولن يعمل بقرار أمريكي إيراني صهيوني.

البعث حزب الشهداء ولن يصافح القتلة والسراق الفاسدين.

سيعود البعث عندما يعود العراق حراً سيداً مستقلاً يحكمه أبناؤه الشرفاء.

سيكون البعث جزءاً من عملية تعدد ديمقراطي حقيقي يصنعها شعب العراق وليس المارينز الأمريكي ودبابات بريطانيا ومخابرات الكيان الصهيوني وأذرع إيران الاحتلالية.

البعث يجاهد ويناضل لتحرير العراق، لم ولن يتوقف عن مشروعه الوطني، وسيجرب كل وسائل تحرير العراق بالمقاومة المسلحة والمدنية كما فعل منذ ٢٠٠٣ م وإلى أن يأذن الله سبحانه بنصره. 




الثلاثاء ١٩ صفر ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة