شبكة ذي قار
عـاجـل










 

اضطِراب الجِهاز الإداري وتَفاقُم البطالة

   

 مقدمة

 يعتبر الجهاز الإداري العمود الفقري الذي تستند عليه الدولة الحديثة، وكلما كان هذا الجهاز رشيقاً وفاعلاً، كانت حركة مفاصل الدولة، سريعة وتتجاوب مع التحديات، ومع التطور التكنلوجي الذي أصبح سمة اساسية من سمات العصر الراهن.

ويعاني الجهاز الاداري في العراق اليوم من خلل بنيوي في كافة مفاصله، فأصبح بالتالي جهازاً متهالكاً، ومتخلفاً عن ركب التقدم، وذلك يعود في جزء أساسي منه إلى أن أغلب الذين يشغلون المناصب العليا غير أكفاء وليس لديهم الخبرة الكافية في الإدارة والتخطيط والمتابعة، بل يحملون شهادات مزورة. يضاف الى ذلك الفوضى العارمة في التعيينات الحكومية، الى غير ذلك. ويمكن أجمال العوامل التي ادت الى تردي الجهاز الاداري الى ما يلي:

1.    عدم وجود الخطط العلمية لاستيعاب الخريجين سنوياً.

2.    اهمال واضح ومقصود للتدرج الوظيفي واشغال المناصب وفق معايير استثنائية تخدم فئات معينة.

3.    غياب مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص في كل مفاصل العمل الاداري.

4.    تدخل الاحزاب السياسية المتنفذة في التعيينات، واشغال الوظائف العامة على حساب الخبرة والكفاءة والتخصص.

 

واقع الجهاز الإداري الحالي

تعتبر عملية استيعاب الخريجين من اولى مسؤوليات الدولة، بتوفير فرص العمل سواء في القطاع العام او النشاط الخاص، إذ تتضمن هذه الخطط تحديد احتياجات المؤسسات من الخريجين وتحديد الوظائف المناسبة لهم، بالإضافة إلى وضع خطة سنوية تتضمن تأهيلهم وتدريبهم ومتابعتهم.  وهذه الخطط تهدف الى ضمان تكامل الخريجين في بيئة العمل، بطريقة تُعزِّز من فرص نجاحهم وتطورهم المستمر، مما ينعكس على اداء الجهاز الاداري للدولة.

إن الارتقاء بالوظيفة العامة واستيعاب الخريجين يجب ان يتم وفق ضوابط منصِفة وشفّافة لضمان مبدأ تكافؤ الفُرص. ووفق الاحتياجات الحقيقية للمؤسسات، وان التفضيل بين الموظفين يجب ان يكون مبنياً على الكفاءة والخبرة والتركيز على الجودة والموهِبة. إلا أن ما يجري في المؤسسات الادارية منذ عشرين عاماً ولغاية الوقت الحاضر، هو اجتهادات وارتجالات في فرض عناصر لا تملك الكفاءة والخبرة حيث يتم تعيينهم وتدرجهم الوظيفي وفقا للقرب والعلاقة مع المسؤولين بالسلطة، مما أنتج جهازاً وظيفياً متهالِكاً ومتخلِّفاً عن ركب التقدم العلمي والتكنلوجي.

 

إن غياب مبدأ العدالة في تفاصيل العمل الاداري، الذي هو احدى نتائج المحاصصة السياسية والطائفية التي ابتُلِيَت بها الدولة العراقية بعد الاحتلال، ادى الى زعزعة الثقة في الجهاز الإداري الغارق في الفساد والرشوة، وضيع بالتالي حقوق المواطنين، وأثّر بشكل سلبي كبير على رضا الموظفين، وروح الفريق العامل، مما أدى إلى أضعاف مستوى الإنتاجية والكفاءة، وشيوع اللامبالاة، وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية والوظيفية.

 

تدخُّل الأحزاب السياسيّة المُتنَفِّذة في عمليّة التعيينات

لقد جلبت الأحزاب المهيمنة على السلطة افرادها لقيادة الجهاز الوظيفي للدولة، والذين يحمل أغلبهم شهادات مزورة، وغير معترف بها. ففي حين بيّنت لجنة " النزاهة في مجلس النواب العراقي" في اذار 2011 عن وجود 20 ألف شهادة دراسية مزورة لموظفين يعملون في مؤسسات الحكومة، اشارت اخر الإحصائيات الدقيقة التي نُشِرت في العام 2022 بان عدد الشهادات المزورة في عراق ما بعد 2003 قد ارتفع الى أكثر من 86 ألف شهادة، وان من بين اصحابها المزورين من تبوأ مناصب حساسة وموظفين في الحكومة واعلاميين وغيرهم.

 وفي ظل هيمنة الأحزاب، بات اعتماد الانتماء السياسي او الطائفي بدلاً من الكفاءة مدخلا الى تجاوز الشروط والضوابط الخاصة بالتعيينات وإشغال المناصب الادارية.  فقد اصبحت التعيينات في العراق قائمة على اساس بيع الوظيفة ولكافة المستويات وحتى لمستوى وزير او اعلى، ويتناسب الثمن طردياً مع أهمية الوظيفة، ويُدفَع لمجاميع مُتخصِّصة عادة ما تكون من أقرباء او محسوبين على مسؤول او نائب او قيادي في كتلة سياسية، حتى باتت سلطة المال منافسة للمحاصصة والاعتبارات الاخرى التي تتبدل مع تبدل الوزير والمسؤول.

 وتطوَّر الأمر إلى أن أصبحت مافيات "الوظائف في المؤسسات الحكومية" هي المهيمنة على التعيينات ومرجعها الاحزاب السياسية والدينية، المتسلطة على الواقع السياسي، مما ادى الى فقدان المواهب والكفاءات من خلال التفكير بالهجرة الى بلدان أخرى بحثا عمن ينصفهم ويوفر لهم فرصة عمل مناسبة لهم.

إن ضعف وتهالك الجهاز الاداري ما هو الا انعكاس للواقع السياسي المريض والمأزوم، والذي يعج بالفساد والرشوة والمحسوبية، ولا سبيل لإنقاذه في ظل هيمنة سياسية متخلفة، لا ترى في المصلحة الوطنية الا ما يدخل جيوبها من السحت الحرام.

 

مُلتَقى

الخُبراء والاختصاصِيين العِراقيين

 






الاربعاء ١٩ ربيع الاول ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مُلتَقى الخُبراء والاختصاصِيين العِراقيين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة