الترتيبات الشرق أوسطية وتأثيرها على الأمن القومي العربي

عبد الله الحيدري

إن المفاهيم التي يشيع استخدامها ويتم تداولها دون تدقيق تتحول بمرور الوقت إلى ما يشبه الحقائق أو المسلمات، مما يؤدي إلى تجاهل ما قد تتضمنه هذه المفاهيم من دلالات وأبعاد ومخاطر معينة، ولعله من أبرز هذه المفاهيم وأكثرها انتشارا في الاستخدام في العالم العربي على مستويات متعددة، مفهوم "الشرق الأوسط" الذي تزايد الحديث عنه في ضوء الترتيبات الأمريكية لإرساء نظام إقليمي "شرق أوسطي" جديد، في مواكبة تزعمها للنظام الدولي الجديد، وانطلاقا من التطورات المتسارعة في المنطقة العربية بعد أزمة الخليج الثانية وما أعقبها من بدء المفاوضات العربية الإسرائيلية لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.

يمكن القول إن مفهوم "الشرق الأوسط" وانتشاره قد ارتبطا من الناحية التاريخية بالفكر الاستراتيجي البريطاني، حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرين، وحين انتقلت زعامة المعسكر الغربي إلى الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، اعتمدت هذا المصطلح لتشير به جغرافيا إلى جنوب الاتحاد السوفيتي، كما اتصل استخدامه سياسيا من جانب الولايات المتحدة عند الإشارة إلى مصالحها النفطية في المنطقة وعلاقتها بالكيان الإسرائيلي.

ومن ثم يمكن القول أن استخدام مفهوم الشرق الأوسط، لا سيما من المنظورالغربي، ينطوي على دلالات سياسية وإستراتيجية، تخدم أهدافا معاكسة للأهداف والمصالح القومية العربية، وفي نفس الوقت تحقق مصالح قوى أخرى سواء أكانت دولاً خارج المنطقة العربية، أم دولا غير عربية تقع على أطرافها أو مفروضة داخل المنطقة "إسرائيل". وبالرغم من كثافة الجهود والمساعي الأمريكية من الخمسينيات، لإقامة نظام شرق أوسطي عبر تحالفات ومسميات متعددة، إلا أنها منيت جميعها بالفشل لاصطدامها بواقع المد القومي الذي انتعشت في ظلاله فكرة العروبة ورفض سياسات المحاور والاستقطاب الغربية واعتناق مبادئ عدم الانحياز.

لقد استطاع النظام العربي أن يحقق مستويات متباينة من التماسك والترابط والتواصل، بما مكنه حتى أواخر السبعينات، من التصدي لمحاولات الاختراق من الخارج والتي استهدفت إدخال إسرائيل كدولة ضمن دول المنطقة.