شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما تنتصر العين على المِخرَز ويتشكل لها ظفرُّ وناب، غزة بعد طوفان الأقصى: مشهديتان وامثولتان

نبيل الزعبي

 

 في قصيدته " لا تصالح " يكتب الشاعر امل دنقل، وكأنه يتنبأ بحدث السابع من تشرين الاول للعام ٢٠٢٣، فيقول: "انه ليس ثأرك وحدك، ولكنه ثأر جيلٍ، فجيل، وغداً، سوف يأتي من يلبس الدرع كاملةً، يوقد النار شاملةً، يطلب الثأر، يستولد الحق، من أضلع المستحيل، لا تصالح". ثمة مشهديتان اثنتان تلخصان ما يجري على ارض فلسطين من صراعٍ دائر يتخذ الطابع القتالي العسكري غير المسبوق في معارك الامة ضد الكيان الغاصب منذ الاعلان عن وجود هذا الكيان في العام ١٩٤٨ الى يومنا هذا : - في المشهدية الاولى ومع انطلاق صفارات الانذار في انحاء مدن ومستوطنات الكيان الغاصب مع فجر السابع من تشرين ، كان العالم اجمع يشاهد بأم العين مدى الخوف والهلع الذي اعترى السكان ودفعهم للهرولة نحو الملاجئ اتقاء الموت والخطر ، - فيما طغت على المشهدية الاخرى الصور البطولية لأبناء غزة المُحاصَرين في قلب الخطر والقذائف المنهمرة عليهم ساعات ودقائق الليل والنهار ، يدفنون شهداءهم ، ان استطاعوا ،ويحملون الجرحى تحت زخات الصواريخ دون اية مبالاةٍ بالموت وكأنهم تآخوا واياه فلم تعد تفرّق او تميَّز بين ، أياً منهما الأقوى : الموت أم إرادة الصمود لدى هؤلاء الذين ، ببسالتهم وجرأتهم على مواجهة الخطر ، قدموا للبطولة معاني جديدة لم يتطرق اليها ، حتى شعراء العرب ، في معلقاتهم واوزانهم وأديباتهم ، عندما تجرأت العين على المخرز ، لتقاوم ، وارتفع الحاجب ليرتقي الى مستوى الجبين المكلّل بالغار صانعاً للامة امجاداً جديدة ، ثابتة ، ومحال لها ان تكون عابرة لزمنٍ معيّن وتمضي . يدفعك اطفال واشبال غزة اليوم لتطرح على نفسك امام مرآة احوال الامة ومعاناتها السؤال التالي : -هل هي النقمة يعيشها من لا ذنب له سوى انه وُلِدَ على ارض فلسطين فحمل على اكتافه معاناة اجيال عايشت النكبة لما يقارب الثمانية عقود من السنين ، وكأن جلجلة السيد المخلّص على صليب آلامِهِ ، لم تتوقف بعد ، طالما بقيت كنيسة القيامة والمسجد الاقصى شاهدين على جراحه المتجذرة في وجدان ابناء فلسطين على مدى الازمان والدهور ، لتتمثل الصهيونية اليوم بفكرها وغدرها وتآمر الغرب معها ، بما قدمه بيلاطس البنطي من خدمات جلّى لأعداء المخلّص بعد ان تولى محاكمته وأصدر الحكم بصلبه. - ام انها النعمة من الخالق عزّ وجلّ ليبُقي القضية الفلسطينية حيةً يتداول مسؤولياتها جيلُ إثر آخر ، فتتحول الاجيال الجديدة امتن عوداً واشدُّ صلابةً ممن سبقها من اجيال ويتكشف لهم من الخطر الصهيوني وغدره ومشاريعه ما لم يَسَع للسابقين تداركه كاملاً ، او ان منهم ما كان ليصدّق ما يشكله هذا الخطر الوجودي الكامل الذي جعل من " اسرائيل " الغدّة السرطانية المزروعة في قلب الجسد العربي ، فلم تكتفِ بشطره بين مشرقٍ ومغرب ، وانما خُطّط لها ان تمنع عن العرب ، الدخول الى المستقبل للركون في حاضرٍ اشبه بالمستنقع المنقطع عن كل اسباب الحياة ولا ينتظر غير الجمود والعَفَن سبيلاً للموت التدريجي البطيء الذي يُصَوّر لهم انه البقاء . انه شعب الجبّارين الذي يسير على دروب الجلجلة اليوم ايماناً بحقه في الوجود واصراراً على استعادة هذا الحق فلا يتركون الغاصب يهنأ به وامامه اطفالُّ يرفعون شارة النصر فوق جثامين الشهداء، وامهات تلِدنَ البطل ليخلف البطل وشهيد يودّع شهيداً، وآخر لا يكتفي بزرع الاقحوان في تربة الوطن وانما يجعل منها زهرة فرح مانعة لكل اشكال اليأس والاحباط. طوبى لغزّة وهي تغسل اليوم عن الامة عار السنين وتنفض عنها اتربة الهزائم والنكسات، والتحية لأطفال غزة وشبابها وشيبها، نتعلم منهم ما ليس موجوداً في الكتب والكراريس، نتفاءل بهم ونحن نعاود الحلم من جديد، ان امتنا موجودة مع كل ابنائها الذين يحملون السلاح ويجعلون من الكرامة عنواناً للمصير. فالعين البصيرة الحالمة لم تعد تخشى المِخرَز بعد طوفان الاقصى وقد تحصنت بظِفرٍ وناب، واليد التي تمتد لتصادر الوجود، لم يعد مسموحاً تقبُّلها بمنطق العاجزين وقد صار بالإمكان قطعها لتكون شاهدةً.






الاثنين ١ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة