شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتقال من التحشيد الجماهيري إلى العمل الميداني -  الحلقة الأولى

 

زامل عبد

 

الواقع العربي الذي افرزته اتفاقية سايكس بيكو في 1916 وهي {  معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا  ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى } حرك الجماهير العربية  ونخبها  المؤمنة الصادقة بإيمانها بقدر الامة للبحث عن الطريق المخلص للامة العربية وجماهيرها ، من ما اريد لها ان تكون فيه مجزأة تتناحر دويلاتها التي اوجدها المستعمر المحتل ان تستمر حتى لا تتمكن الامه إعادة الحياة الى الواقع العربي ،  بعد كل هذه الفصول الزمنية والتجارب ذات العناوين ووسط هذا التدهور والخراب لابد لنا من مشروع موضوعي وعملي يلبي حاجات الجماهير العربية الفكرية والعملاتية في كل الميادين يستوعب حالة تنوع التي يعج بها المجتمع العربي ليكون هذا المشروع بديلا عن تلك المشروعات ذات الأبعاد الضيقة ان كانت قومية متعصبة او قطرية مغلقة   ولابد للنخب التي تأخذ على عاتقها إطلاق هذا المشروع الاستفادة من التجارب التي طرحت في لحظة تاريخية معينة ودراسة الظاهرة الفكرية التي أفضت لولادة هكذا طروحات ويمكن الاستفادة من أخطاء تلك الحقب للخروج بمشروع موضوعي ناجح ومعبر عن ذات الأمة العربية وهواجسها وارهاصاتها ن فانبرى الفتية المؤمنة بقدر الامة العربية وتطلعات جماهيرها بحركة الاحياء العربي التي تحمل في مفردات بياناتها او محاضرات المناضلين المجاهدين او مقالاتهم كل منطلقات الاحياء انبعاثا للامة بتاريخها وحوافز تاريخها الإنساني الذي كان له الفعل الإيجابي في واقع الأمم والشعوب التي تعامل  وتفاعل وتضامن مع العرب في ضل الفتوحات الإسلامية او التبشير بقيم ومبادئ الإسلام المحمدي الحنيف  ،  واستمر حراك حركة الاحياء نضالا حتى حين انبثاق حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي وهما الحزبان القوميان المتحرران من كل قيود القطرية والتجزئة والتعصب وما يتعلق بهما ردا على المخطط الاستعماري وكان من ابرز منصات تلك المسيرة الوضاءة كلمة الرفيق المرحوم احمد ميشيل عفلق من على مدرجات جامعة دمشق عام 1643 في ذكرى الميلاد النبوي والتي تم تبويبها تحت عنوان  - ذكرى الرسول العربي  -  والتي حددت خط الشروع العربي للتحرر والخلاص والانطلاق نحو المستقبل المنشود ، كما واكد الفتية أن الفكر القومي العربي الاشتراكي قائما ومطروحا بل ضروريا وهو جاهز التبني الان بالرغم من فشل الحركات التي تبنة عملية تحرير الامة لأنها لم تعتمد المنهج الواعي المنفتح  المتواصل مع الاحداث داخليا وخارجيا ، وعلية لابد من القيام بما يلبي حاجات الامة العربية وجماهيرها على ان يوضع بالحسبان الترابط التاريخي والجدلي في البناء والحركة من حيث تحديد الأهداف ووسيلة التحقيق  ومن افضلها  واهمها الانسان العربي ذاته ليكون هو الغاية والوسيلة  كما أؤكد على أن القاعدة الشعبية الصحيحة التي تؤمن بوحده و حريه الوطن العربي واسترداد أجزائه السليبة كلها هي من يعول عليها تبني ذلك الفكر هم كل فئات الشعب العربي وفي مقدمهم القوى الكادحة المضطهدة المستغلة والشريحة الواعية المتعلمة المتفتحة وعليه لابد من الانتقال من التحشيد الجماهيري إلى التأسيس الفكري لانه لا يزال المجتمع العربي يعجز عن تحقيق بغيته الحضارية الأولى ، وهي إعادة تأسيسه وفق أنموذج التاريخ ومستحدثاته البنيوية والمفهومية ، لذلك يستمر في الاغتراب والإضراب عن التفاعل مع ذاته ومع الآخر ومن اجل كل ذلك  تم توحيد حزبي البعث والعربي الاشتراكي  بحزب الجماهير العربية والذي هو حقا وليد الرحم العربي - البعث العربي الاشتراكي - المنضوي تحت شعاره الراسخ  { امة عربية واحدة ... ذات رسالة خالدة  } وايدلوجية قومية ثوريه تحدد المنهج الفكري للتعامل مع الاحداث وصولا الى المبتغى الأساسي  المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الموحد ، وملقيا بالأسئلة على نفسه وعلى الآخرين من الوطنيين والقومين الذين يبحثون عن طريق الخلاص مسارات التقدم في بناه التنموية والوجودية في الزمان التحدي والحداثة لان صراع الامة مع اعدائها يتطلب الارتقاء الى مستوى الحدث وزمانه والرؤية المستقبلية للصراع بوسائله ومنظومته مع التاريخ ، لتنشأ عناوين وأشكالا ومسميات تعبر بصدق عن الواقع العربي السائد في حينه والمستقبل وأسلوب التعامل لان الاستعمار لم يستهدف أدوات الوعي بالذات في الوطن العربي فحسب بل امتد أثرها إلى غاية تشكيلها على نطاقي الزمان والمكان  فالقطريات المكانية التي اوجدها كنتاج سايكس بيكو احتاجت لمبرر الزمان والتاريخ فالتشظي أخذ في نسق التأسيس القطري مستويين عمودي تعلق  بالمعنى الانفصالي عن كلية الحضور الأمة الجامع الذي جسدته خطابات التاريخ الفكرية والسياسية ، بحيث صار لكل قطر معناه التاريخي النخبوي الخاص ، يدرسه خارج سياقات المشروع الرسمي وبمعزل عن الكلية الأمة ، بل أحيانا يصادمها أو يقطع كلية معها وهذا كمبرر للانزياح الجغرافي الذي تأسس مع حركة الاستعمار وغرضه من الأرض التي وطأها ، وهكذا صارت الأسئلة المتعلقة بالذات تتعاظم على مستوى الاهتمام وتتعمق على مستوى البحث والتحليل فيقول المرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق {{ مستقبل الامة العربية يتطلب دراسة وتحليل المستقبل العربي بكل ّ جوانبه السياسية والاقتصادية والحضارية  وتبيان الواقع العربي الحالي ليس قدرًا مكتوبًا لا يمكن الفكاك منه ، وأن هناك بدائل مختلفة للمستقبل العربي وهناك خيارات ونحن نحدد مستقبلنا تبعا لإرادتنا وقدراتنا }} وبهذا زاد من ذلك اتساع مؤسسات المعرفة وارتقاء مستويات التعليم وتبني مناهج التحليل التاريخية للإشكالات والتحولات تتوالى إلى أن برزت أسئلة تبتعد بكثير عن الإطار الطبيعي لمكان وزمان الذات الأولى ، بحيث قُرعت أجراس تاريخية أولى محدثة انقلابا في جدل الوعي وسياقاته واتساقاته الكلاسيكية ، ولم تعد حاضنة المعنى الأولى تتسع للرمزيات المتدفقة من عملية إعادة الاكتشاف الجديد للذات بوسائل الحداثة ومناهجها.

 

يتبع بالحلقة الأخيرة

 






الاثنين ٢٦ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة