شبكة ذي قار
عـاجـل










تتعاقب الحضارت على الشعوب تعاقب الفصول على السنة ,فلا تدوم واحدة حتى تأتي اخرى فتمحي اثارها وتبني مجدها فوق اطلال الماضي .وهذا ما نراه جليا في التاريخ الذي نقرأه يوميا او نستذكر اخباره , فالحضارات السومرية والاكدية والاشورية جاءت متعاقبة وكذلك حضارة سبأ وتدمر والفراعنة والفينيقيين وغيرهم . ثم جائت الحضارة الاسلامية بحقبها الاربعة ثم عصور الاحتلال للوطن العربي وهكذا فلم يبقى على الارض الا شواخص وشواهد وعلوم انتفع بها الناس وانجازات هدت البشرية جمعاء . اما ما لاينفع فقد ذهب كالزبد ولم يبقى منه سوى قصصه كما في عصور الغزوات التترية والمغولية والصفوية .


كان هذا في تاريخ الامة القديم اما في تاريخها الحديث فنجده يزخر بالثورات والانقلابات منذ بزوغ فجر النهضة العربية وتفجر ثورة العرب الكبرى ضد المستعمر , ونكاد نجزم هنا ان اكثر بلد قامت به ثورات وانقلابات ,هو العراق فالمظاهرات التي كانت تقوم في عهد الملكية وتغير الوزارات هي مهد ثورة قامت في تموز 1958 انحرفت عن مسارها فقومتها ثورة 1963 التي انقلبت على ثائريها في ردة تشرين السوداء واضعف الدولة العراقية في حينها فقومها البعث في ثورته المجيدة ثورة السابع عشر من تموز البيضاء تلك التي علت بالعراق الى سماء المجد . وهي اخر ثورة في العراق من المنطلق الثوري وتجسديا للمعنى الحرفي للكلمة .


وهكذا فإن كل ثورة جاءت أسست على أساس افكارها ومعتقداتها وعقيدتها حضارة الا ان حضاراتهم لم تدم وتهاوت لضعفها او لانحرافها عن مسارها الصحيح ونحن لسنا في صدد مناقشة اخطائهم بقدر اهتمامنا بالحديث عن ثورة 17 تموز .


فمنذ اليوم الاول لثورة تموز والثوار يتطلعون الى خلق عراق جديد يملأه التطور والعلم والعلماء ,عراق قوي ذو جيش قادر على حماية حدوده , عراق التأميم , عراق التآخي, عراق الامة العربية .عراق خالي من اي تدخلات خارجية اقليمية او مجاورة .خالي من اوكار التجسس والجواسيس الذين عششوا في العراق نتيجة ضعف الحكومات السابقة


فكان تأميم النفط ورفع شعار نفط الشعب للشعب قرارا استراتيجيا رفع من مدخولات العراق وقيمة عملته مقابل العملات العالمية ,وكان لتنشيط الزراعة تأثير اساسي في انتعاش اقتصاد العراق لانه لم يعد معتمدا على بيع النفط فحسب بل صار مكتفيا داخليا بأنتاجه الزراعي ومصدرا لدول الجوار والعالم ويرجع في ذلك الفضل لثورة البعث وخططها التقدمية ,كما ان الصناعة كان لها نصيب كبير من خطط الثورة فقد قفزت الصناعات العراقية قفزة نوعية بفضل انشاء المصانع والاعتماد على التصدير بديلا عن الاستيراد وايجاد البدائل المحلية في التصنيع والتي تضاهي الانتاج المستورد ,فقد انشأت مصانع البتروكيماويات والاسمدة ومنشأت التصنيع الخفيف والثقيل ومصانع الاسمنت والالبان والاجهزة الالكترونية والمواد الطبية حتى بات العراق مصدرا لها لدول اوربا الشرقية والوطن العربي ودول اسيا .


وعلى مستوى الخدمات كانت الخدمات الطبية والمشافي وخدمات النقل والتعليم والامن تقدم للمواطن العراقي حسب المعايير العالمية فالاطباء العراقيين والعلماء والطيارين التجاريين هم من ضمن النخبة في العالم اجمع وفي الوطن العربي خاصة فلا يخلُ مؤتمر ولا ندوة علمية او دورة تدريبية من مختص عراقي , فكان العراق محط انظار العالم في حقبة حضارة البعث, وهذا لان البعث يرى في الانسان العراقي قيمة عليا تستحق السمو والتقدم والارتقاء به الى اعلى المراتب .فكان العراق في كل شي مصنف هو الاول حتى ان الامية قضي عليها في زمن البعث واستلم العراق درع اليونسكو لمكافحة الامية .


هذا جزء من منجزات حضارة البعث خلال حقبة من الزمن امتدت من 1968 وحتى 2003 وهي العصر الذهبي الذي عاشه العراق والمواطن العراقي ومن عاصر تلك الحقبة من العراقيين والعرب يشهد لثورة البعث وحضارته بذلك .


ومن المتعارف عليه ان اي حضارة تأتي تمحي ماقبلها لكنها تستفاد من التسهيلات التي انجزت من قبل, فحتى حين حررت اسبانيا من الحكم الاسلامي وبدأ المحررون بهدم اثار ومعالم الحضارة الاسلامية لم يهدموا ويزيلوا كل النصب لانها تمثل حضارة البلد ومعلما من معالمها .وهي اخيرا ملك للبلد .


لكن عندما جاء الغزو الامريكي – الصهيوني بكل عنجهيته وهمجيته ساحبا وراءه كل الخونة وانصاف الرجال والحاقدين على العراق ومنجزات ثورته وحضارته الخالدة ,دمر كل شئ ولم يبقي على اي معلم يذكر حتى الانسان الذي بنته حضارة البعث أجتث واعتقل وفصل من وظيفته وهدد في حياته وعائلته وهجر خارج وطنه ليسكن الجوار العراقي بدون وظيفة ولا امل ,ليس لشئ سوى انه عاش وترعرع في حضارة البعث لأنه عراقي وعربي وقومي لأنه وطني ولايرضى بأن يكون منقادا لجهة ويتلقى اوامر من جهات خارجية .


نعم هذه هي حضارة الهمج حضارة المحتل واذياله هدمت المنجزات واحرقت الاخضر واليابس وافشلت خطط التقدم ,ففشل التعليم في العراق وعاد الى ادنى مستوى له على مستوى العالم الثالث فكيف على مستوى العالم المتحضر وعادت الامية من اوسع ابوابها . وتوقفت الصناعة تماما وصار العراق معتمدا على الاستيراد , كما ان الاراضي الزراعية اغلبها صارت غير صالحة للزراعة وتوقف الاكتفاء الذاتي مقابل الاعتماد على منتجات زراعية خارجية , والنفط اضحى بيد المحتل اولا وبيد المليشيات المتنفذة ثانيا والمسيطرة على العراق بحماية امريكية فصار يهرب لحسابهم , وجاءت مؤخرا الشركات النفطية التي طردتها الثورة لتسرق من نفط العراق ماتشاء والمواطن العراقي لايستيطع ان يوفر ثمن لتر من البنزين لاستخدامه الشخصي .


وبات الامن العام في العراق ضعيفا جدا فكل من لديه سلاح هو سيد منطقته وصارت العصابات المنظمة وغير المنظمة تعيث في العراق فسادا ممارسة ابشع انواع الجرائم من قتل وسلب واغتصاب وسرقة حتى صنف العراق عالميا بأنه اسوأ بلد ممكن العيش فيه .


كل شئ اليوم في العراق له مبرر فأصبحنا نسمع بكلمات ليس مطروقة لنا ( ارهابي , تكفيري , سلفي ,...) وكلها مبررات للاعتقال والقتل والتغييب . كما اصبح للعراق اكثر من جيش (جيش المهدي , ومليشيات بدر , ومليشيات حزب الدعوة , والبشمركة ,وقوات المؤتمر الوطني ,....) وكلها اقوى واقدر من الجيش المشكل من قبل الحكومة العميلة للرعاية والاحتلال الامريكي.


المقارنة اعلاه هي بين حضارتين الاول بنت وعمرت وانشأت وخلدت والثانية هدمت وابادت وقتلت ,ربما يحزنني ما حل ببلدي وأتأسف على ما آل إليه حال العراق ولكني مؤمن به ومؤمن بأن بلدا مثل العراق كان محط انظار العالم سيعود يوما الى مجده نافضا عن جسده كل ما حل به من دمار ليعيد مجد الرشيد .


واستذكر هنا حادثة يرويها التاريخ الحديث , ان القائد الفرنسي الذي جاء لاحتلال سوريا في بدايات القرن المنصرم عندما وصل الى قبر صلاح الدين الايوبي ركله بقدمه وقال له :( لقد عدنا ياصلاح الدين !! ) وهذا هو صراع الحضارات بعينه فلم ينسَ هذا المستعمر ثأره من صلاح الدين ,فمتى سنركل قبوركم ايها المحتلين عندما نعود بحضارتنا محررين العراق من براثنكم والتي سنبنيها فوق أطلالكم البائدة.

 

 





الاثنين٣٠ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عمر الحمداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة