شبكة ذي قار
عـاجـل










أثارت قضية ناظم كزار (مدير الأمن العام الأسبق) التي حدثت عام 1973الكثير من الجدل ،، فقد أختلفت المصادر في تحديد طبيعة المؤامرة التي نفذها وقادها بنفسه ،، بين عملية تصفية الخصومات السياسية ،، وبين عملية أنتقام شخصية لتصفية الحسابات ،، ولم يغيب ظل (المتصيدين بالماء العكر) عن القضية التي ادرجوها تحت بند (نظرية المؤامرة) ،، ووجهوا الاتهام (كالعادة) إلى الرجل الثاني في الدولة (آنذاك) صدام حسين بالوقوف خلفها ليتخلص من الرئيس البكر ويحل محله!!،، وهذا هو الجانب الذي سنتناوله في الموضوع ،، هل كان لـ صدام حسين (رحمه الله) علاقة في تلك المؤامرة كما يدعون ،، أم أنها واحدة من سلسلة الأتهامات التي يستهدفون بها شخصه؟!.

 

لنراجع تفاصيل المؤامرة بشكل مختصر وسريع ،، أستدرج (ناظم كزار) كل من سعدون غيدان (وزير الداخلية) ،، وحماد شهاب (وزير الدفاع) ،، والعقيد عدنان شريف (قائد الحرس الجمهوري) ،، وبعض المسؤولين في الدولة وعسكريين (بصورة متفرقة) ،، بحجة أفتتاح مبنى جديد تابع للأمن العام ،، ثم قام بإحتجازهم كرهائن بعد أن وثقهم وتخلص من حماياتهم ومرافقيهم ،، من جهة آخرى كان (كزار) يعد العدة لتنفيذ خطة لأغتيال الرئيس البكر في المطار أثناء عودته من بولونيا ،، إلا أن سبب تأخر وصول الطائرة إلى بغداد أربك (كزار) مما أدى إلى فشل العملية وأنسحاب المنفذين ،، ثم هرب مع مجموعته صوب الحدود الإيرانية في محافظة الكوت ،، ليتم محاصرتهم في بناية قديمة تقع في تلك المنطقة ،، ومعهم الرهائن ،، وبالنهاية تم أعتقال ناظم كزار ومن معه ،، بعد أن قتل حماد شهاب وأصاب سعدون غيدان أصابة بليغة.

 

لو فرضنا (جدلا) أنها مؤامرة مشتركة بين (ناظم كزار) والرجل الثاني في الدولة (نائب رئيس الجمهورية) ،، فعند ذلك ستبرز مجموعة من التساؤولات التي تبحث عن أجابات شافية ،، خصوصاً أن بعض التفاصيل أبتعدت عن المنطق كثيراً ،، وأهمها خطة تنفيذ العملية !!،، يذكر حامد الجبوري (في لقاء تلفزيوني) ،، أن ناظم كزار شكل مجموعة تتقدم نحو الطائرة على أعتبار أنهم حماية ،، مهمتها أغتيال الرئيس البكر بعد نزوله من الطائرة ،، وكانت هناك مجموعة أخرى موجودة على سطح المطار مكلفة بالقضاء على المجموعة الأولى بعد تنفيذ الأغتيال ،، كما أن المجموعة الثانية سيتم تصفيتها بعد ذلك!!،، (أنتهى) ،، لنركز على المنطقة التي سينفذ فيها الأغتيال ،، مكان نزول الرئيس البكر من الطائرة وأجتماعه مع نائبه صدام حسين الذي سيكون على رأس المستقبلين ،، فلو سارت العملية كما مخطط لها ،، المجموعة الأولى تقوم بالتنفيذ ثم تعالجها المجموعة الثانية بالتخلص من المنفذين ،، فأن تلك المنطقة ستكون مكان مميت لكل الموجودين بما فيهم صدام حسين نفسه الذي سيكون قريباً من الرئيس البكر ،، فهل من المنطق أن يكون صدام حسين مشترك في المؤامرة ومطلع على تفاصيلها ويضع نفسه في دائرة الخطر؟!،، ويمنح فرصة ذهبية للمنفذين بالتخلص منه بسهولة أذا ما فكروا بالغدر به ،، فكيف سيضمن نجاته !!،، حتى وأن ضمن ولاء المنفذين له وعدم غدرهم ،، فمن يضمن له عدم أصابته بالخطأ في خضم المعركة !!،، أليست هذه طريقة معقدة يتبعها النائب في التخلص من الرئيس؟!.

 

ثم هناك تناقض عجيب في هذه المسألة ،، إذا كان بمقدرة المجموعة الثانية (المتواجدة على السطح) أن تتخلص من المجموعة المنفذة وتقضي على أفرادها ،، فلماذا لم يوكل لهم تنفيذ الأغتيال بدلاً من المجموعة الأولى؟!،، وإذا كانت الخطة الموضوعة بهذا الشكل فلابد أن يكون الغرض من عملية تصفية المجموعات (بالشكل المذكور) محاولة لطمس معالم المؤامرة ،، وهذا ما قاله حامد الجبوري ،، حيث ذكر بالنص "تضيع المسألة"!!،، وهذا يدعو للأستغراب ،، فكيف (تضيع المسألة) وهناك محتجزين ؟!،، فأن أطلق ناظم كزار سراحهم أفتضح أمره ،، وإن قتلهم فأن المرافقين لهم (الذين تم تسريحهم) سيبلغون عنه !!،، أذن ،، المسألة لا تنتهي مع القضاء على المنفذين ،، فهناك دليل أقوى على ضلوع كزار بالمؤامرة ،، أليس هذا تناقض؟!.

 

أن أحتجاز الرهائن يعني أن ناظم كزار كان يلعب على المكشوف ،، ومن يلعب على المكشوف لايحتاج إلى أخفاء أثار المؤامرة بتصفية المنفذين ،، إلا إذا كانت الخطة الموضوعة تدعو إلى وضع المجموعة الأولى قرب الهدف ،، وهم الرئيس ونائبه ،، لضمان دقة التصويب أثناء التنفيذ ،، ثم تقوم المجموعة الثانية (الموجودة على السطح) باستهداف الموجودين (وهم المسؤولين في الدولة الذين قدموا لاستقبال الرئيس) بإطلاق نار مكثف وعشوائي مباشرة بعد أن تنفذ المجموعة الأولى عملية الأغتيال ،، لكي يتمكنوا من القضاء على أكبر عدد ممكن منهم قبل أن يتفرقوا ،، حتى وأن تم التضحية بالمجموعة الأولى (يعني يرحون بالرجلين) ،، وهكذا يضمن ناظم كزار التخلص من جميع رجال الدولة بضربة واحدة ،، وهذه خطة أنقلابية وضعت باحكام ،، حتى أختيار الرهائن كان بشكل دقيق ،، بحيث ،، ضمن السيطرة على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية ،، وزير الدفاع المسؤول عن الجيش ،، وزير الداخلية المسؤول عن الشرطة والقوى الأمنية ،، وقائد الحرس الجمهوري (وهو بطبيعة الحال منفصل عن وزارة الدفاع) ،، وبقية المسؤولين الذين قام باحتجازهم وأغلبهم من العسكريين ،، وبذلك جمد تلك القوة وشل حركتها!!.

 

من جانب أخر ،، كانت العلاقة مع إيران في ذلك الوقت متوترة جداً ،، وكذلك الحال مع الغرب الذي تأثر بقرار تأميم النفط ،، مما أدى ذلك إلى فرض حصار على بيع المنتجات النفطية ،، وتأجيج المتمردين الأكراد ودعمهم من قبل إيران ،، ليثقلوا كاهل الحكومة العراقية ،، أذن ،، لو كتب النجاح لمؤامرة ناظم كزار لكان هذا مكسباً كبيراً لأعداء العراق ،، وهذا ما يفرضه المنطق ،، أذن ،، مالذي يمنع أن تكون هناك مباركة غربية للمؤامرة ،، ودور لشاه إيران بتوريط ناظم كزار ،، أليس هذا وارد ،، فمن يدعم المتمردين الكرد باستطاعته أن يدعم غيرهم ،، وإلا لماذا يتجه كزار بعد فشل محاولته الأنقلابية إلى إيران!!،، فهل كان متأكد من استقبال الشاه له ،، أو أنه حصل على الضمانات مسبقاً!!.

 

لنأخذ بعض المصادر التي تطرقت لموضوع ناظم كزار ،، ففي مقالة لـ (حميد المالكي) ورد النص التالي:

 

"شهادة ضابط قبل أن يموت بأيام ،، استدعاني صدام حسين لإحضار (ناظم كزار) مدير الأمن العام الأسبق وشدد علي أن لا أجعله ينطق بكلمة واحدة وذلك بوضع شريط لاصق على فمه وتم ذلك بالفعل عند اعتقال ناظم كزار في منطقة الحدود بين العراق وإيران في مدينة الكوت، حيث نقلته من تلك المنطقة الحدودية ،، وعندما أحضرته الى المجلس الوطني - مقر صدام - انفرد به صدام في غرفة خاصة لوحده وأغلق الباب ولم يسمح لأي شخص بالدخول ،، وبعد حوالي نصف ساعة من أصوات الصياح، فتح صدام الباب وقال: "ادخلوا، خذوه" كان ناظم كزار جثة هامدة من جراء طلقة في رأسه والأخرى في صدره·"!!

 

من الملاحظ أن مصدر الكاتب (ضابط متوفي) غير مذكور أسمه أو أي شيء يدل على صحة الشهادة ،، لكنها تؤكد أن ناظم كزار نقل على يد هذا الضابط من مكان أعتقاله إلى المكان الذي قتل فيه ،، وهذا يناقض ما قاله حامد الجبوري ،، حيث ذكر أن المرافق الأقدم (صباح ميرزا) هو من أعتقل ناظم كزار ومجموعته ،، كذلك ،، ذكر تايه عبد الكريم رواية آخرى ،، حيث قال أن ناظم كزار وصل موثوق اليدين للرئيس احمد حسن البكر ،، وهو حافي القدمين ،، فقال (الرئيس) لا اريد أن التقى به ارسلوه إلى عمه ويقصد (صدام حسين)!!.

 

التناقض في نقل الصورة واضح ،، فأي مصدر هو الأصح ،، الروايات كثيرة ،، والاتهامات أكثر ،، والتفسيرات متعددة ،، فكل طرف له أغراض ،، والحقيقة تكاد تختفي نتيجة المحرفين لها عن قصد ،، أو بدافع (الغباء) ،، فكيف لنا أن نميز الحقيقة من كل تلك الأقاويل المختلفة ،، الغالبية يحاولون رسم الصورة التي يريدون أن تراها الناس ،، وأثبات ما يؤمنون به حتى وإن كان على حساب الحقيقة ،، لك الله ياعراق.

 

 

 

 

 

المصادر

*  برنامج شاهد على العصر مع حامد الجبوري – احمد منصور – قناة الجزيرة الفضائية – 2/6/2008

* أسرار تنشر لأول مرة من داخل الزنزانة (الحلقة الخامسة) – حميد المالكي – مجلة الطليعة – العدد 1383 – 30/7/1999.

* حوار مع تايه عبد الكريم – جريدة البينة الجديدة – العدد 1089 الخميس 1/7/2010.

 





الاربعاء٢٩ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة