نجم كرة القدم وخاصة الحريص على تأريخه الكروي وأسمه وسمعته , يعتزل اللعب وهو في قمة النجومية . لو تراخى وأصر على اللعب وهو قد تخطى العمر الافتراضي كلاعب متمكن, فسيخسر كثيرا من سمعته . وستنساه الجماهير المحبة له يوم أن يودع الملاعب رغما عنه. فلا أدري لماذا لم ينتبه الحاكم العربي الى ذلك . خاصة وأن جميع الحكام العرب يهيمنون على اقطار عربية , شعوبها مهووسة بلعبة كرة القدم . ولعل حسني مبارك النموذج الصارخ لحاكم عربي تخطى العمر فأصبح في أرذل العمر. كما تخطى العمر الافتراضي للحكم . وبالرغم من ذلك يصر أن يلتصق بكرسي الرئاسة . منتشيا بما يردده من حوله من منتفعين وحاشية تنابل , من أنه بطل الضربة الجوية الاولى . وبأنه بطل العبور الاوحد. ويوم أن فر الى شرم الشيخ لم يخسر كرسي السلطة فحسب , بل خسر ما هو أكثر منه . لعل في مقدمتها أنه لم يكن صاحب الطلعة الجوية الاولى . وأن الضربة الجوية الاولى لم تكن هي المؤثرة في نصر أكتوبر.

وعن حقيقة الطلعة الجوية الاولى فقد كشفت عنها , الصحفية سكينة السادات وهي شقيقة الرئيس أنور السادات , عندما قالت على قناة " أو تي في " المملوكة من قبل رجل الاعمال المصري نجيب ساويرس , أن شقيقها الأصغر الذي كان برتبة ملازم اول طيار , هو صاحب الضربة الجوية الاولى , أستشهد على أثرها ليكون أول شهداء نصر أكتوبر.

وعن نجاعة الضربة الجوية فقد كشف عنها الكاتب محمد حسنين هيكل , في حديث له مع الاعلامي محمود سعد وعلى الفضائية المصرية الحكومية.

مفادها أن الضربة الجوية لم تكن الحاسمة في نصر أكتوبر ، قائلا :" الضربة الجوية اقتصرت فقط على ضرب موقعين صغيرين في سيناء للرد على النكسة ورفع الروح المعنوية للجنود ، وأنا شاهد والسيدة جيهان السادات على ما جرى بين الرئيس الراحل أنور السادات والفريق أحمد إسماعيل في هذا الصدد ، كان الأمر أشبه بمباراة تنس ، تذهب الطائرات المصرية إلى شرقي القناة وتعود وهو الأمر الذي رفع معنويات الجنود قبل العبور".

وعن شرعية نصر أكتوبر قال هيكل :" هذا البلد ليس مدينا لأحد ، الكل مدين له ، يوجد أشخاص أجدر بشرعية نصر أكتوبر من مبارك مثل سعد الدين الشاذلي وعبد المنعم رياض وآخرين ، وبصفة عامة ، لا يصح أن يرتب أحد شرعية على مشاركته في حرب أكتوبر ".

أذن خسر مبارك الكثير الكثير . والايام اللاحقة ستكشف من الامور ما تضاف الى خسائره التي ستكون ثقيلة عليه. لعل في مقدمتها ثروته الطائلة . وحول هذه الثروة فجر هيكل مفاجأة جديدة في هذا الصدد مفادها أن مبالغ هائلة وضعت تحت تصرف رئاسة الجمهورية وفق القانون ، قائلا :" حتى أرباح قناة السويس كانت تذهب مباشرة إلى الرئاسة ، ميزانية الرئاسة كانت تتراوح سنويا بين 600 إلى 800 مليون دولار سنويا ، وهذا مبلغ خيالي لا يمكن حسابه ، لابد من لجنة تحقيق مستقلة وحكومة قوية جدا لمواجهة ما فسد وهو شنيع جدا ".

دأب أعلام مبارك أن يغيب الحقيقة عن أبطال نصر أكتوبر. ولعل تغييب دور الطيران العراقي في الطلعة الاولى على العدو الاسرائيلي بمشاركته الطيران المصري البطل, من الحقائق التي طمسها هذا الاعلام . وظل يروج لشعار ان مبارك هو صاحب الضربة الجوية الاولى. كما لو أنه كان يوجه معلمه السادات.

سيظل الشعب المصري يذكر بفخر وحب لاعب الاهلي الشهير , صالح سليم الملقب بالمايسترو. ولن يذكر مبارك أنذاك الا بالطاغية الذي سرق قوت الشعب المصري. وبأنه سارق لأدوار شرفاء مصر من ابطال حرب اكتوبر. تماما كما تذكر اوروبا لاعب المجر الخالد بوشكاش بالخير والحب. فيما لاتذكر طغاتها الا بالسوء من أمثال سالازار وموسوليني .

متى يتعض حكامنا فيسلكون درب الاعتزال على طريقة أعتزال نجوم كرة القدم؟. لعل الحاكم الاوحد الذي نذكره بخير هو الجنرال عبدالرحمن سوار الذهب. فقد أعتزل بسرعة تفوق سرعة أعتزال نجوم ناديي المريخ والهلال السودانيين.