شبكة ذي قار
عـاجـل










بين 21-22 نيسان 1991 نظم مركز دراسات الوحدة العربية ندوة، بعنوان أزمة الخليج وتداعياتها على الوطن العربي، ومن محاور هذه الندوة، المواقف الرسمية والشعبية وموقف المثقفين من حرب الخليج الأولى. في هذه الندوة استوقفتني المقالة التي ختم بها مداخلته عثمان سعدي، عضو جبهة التحرير الجزائرية، يلخص بها موقف المثقفين الجزائريين، من أزمة الخليج الأولى، لرئيس تحرير جريدة المساء الجزائرية،عدد 8/نيسان /1991 لرئيس تحريرها بشير حمادة.


وأترك للقارئ كافة الانطباعات والاستنتاجات، للرؤى الفكرية الخلاقة، وقدرة المثقف على استشراف المستقبل، ورسم ملامحه، ووضع الحلول للأزمات، التي يصم عنها أذانه، النظام الرسمي العربي والإسلامي، ويبقي آذانه، صاغية لرؤاه الضيقة والمحدود، ولا يسمع إلا لصوت رغباته وشهواته في التسلط، والتحكم في رقاب الناس والعباد.



نص المقال


من زنوبيا إلى صدام



لو كان العراق غير عربي، وغير مسلم، فهل كان سيحرم من الماء والغذاء والكساء والدواء؟ ولو كان العراق بلدا غير عربي ومسلم فهل ستفرض عليه كل هذه الشروط المعجزة التي فرضها عليه الحلفاء بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا؟ إنني اعتقد أن المسألة لا تقف عند العنصرية الدولية وإنما تتجاوزها بكثير، إلى ابعد من قوله عز وجل:"ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم" فقد تأكد غير ما مرة، وهذه المرة أكثر أن النصارى واليهود لن ترضى عنا، حتى لو اتبعنا ملتهم.


ما يصدر عن مجلس الأمن الذي تحول إلى مجلس للحرب تارة ومجلس للحقد تارة أخرى يؤكد ما نذهب إليه بدءا من اللائحة 660 إلى اللائحة 678 التي لم يسبق أن صدر مثلها عن الهيئة الأممية والتي تجعل العراق ولأول في تاريخ الصراعات الدولية المسلحة بلدا ناقص السيادة، أو بلدا تحت الحماية الأمريكية بمبادرة دولية، ولكنه بلد كامل الحقوق في الهيئة الأممية .. إلى اللائحة 688 التي يخرق فيها مجلس الأمن لأول مرة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.


إن ما يحدث اليوم للعراق ولنظامه ولصدام حسين، يكاد يكون نفسه الذي حدث لمملكة تدمر في المنطقة نفسها، ولنظامها ولمملكتها زنوبيا، فأوجه الشبه بينهما كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:


1- لقد استطاعت زنوبيا أن تحول مملكة تدمر من دويلة مدينة محدودة الرقعة إلى إمبراطورية حقيقية تمتد على بلاد الشام كلها،وعلى جزء من مصر وآسيا الصغرى، مثلما استطاع صدام أن يحول العراق من دولة نامية عادية، إلى قوة رئيسية في المنطقة تخيف جميع المحيطين فيها، وتخيف حتى القوى الكبرى .. وما لم يعجب إمبراطور روما في عهد زنوبيا لم يعجب إمبراطور العالم في عهد صدام. فالإمبراطور الروماني اورليانس شعر بخطر تدمر، فحزم أمره ليضع حدا لها، وقاد بنفسه حملة ضد المملكة. وقادت زنوبيا بنفسها جيشا لمقابلة اورليانس الهابط من أسيا الصغرى عند مدينة انطاكيا:لكن المدينة لم تقف إلى جانب الملكة لأن معظم سكانها من اليهود والنصارى واليونان والرومان، وانضم إليهم أهل مدائن الشام وتفانوا في نصرة إمبراطور الرومان خوفا من تغلب رجال زنوبيا وهم عرب جفاة بدو فيستبدون بهم!! فاضطرت إلى التراجع إلى حمص، إلا أن المدينة العربية لم تقدم لها المساعدة لحسدها لتدمر، فانسحبت زنوبيا إلى عاصمتها تدمر، وغدا طريق الصحراء مفتوحا أمام اورليانس.


وما يقابل هذه الأحداث وتطوراتها هو أن الإمبراطور الأمريكي العالمي "بوش" شعر بالخطر العراقي على مصالح إمبراطوريته غير المحدود جغرافيا منذ منتصف السبعينيات، فحزم أمره ليضع حدا للعراق. وقاد بوش الحملة، وقاد صدام بنفسه جيشه.وتقابلا في الكويت، ولكن المدينة لم تقف إلى جانب صدام،فاضطر إلى التراجع، ولم تقدم مصر وسوريا للشقيق مثلما فعلت حمص، فانسحب صدام إلى بغداد وتحصن فيها مثلما فعلت زنوبيا، وغدا الطريق للبصرة ومدن الجنوب العراقي مفتوحا أمام بوش.


2- تقول الكتابات القليلة جدا عن مملكة تدمر وملكتها أن اورليانس حاصر تدمر،وتلقت جيوشه العون من مصر بينما لم تحصل زنوبيا على دعم الفرس الذي كانت تطمع فيه، ولكنها رغم ذلك استبسلت في الدفاع ورمت الرومان بكرات النار، وهو ما يعني اليوم، أو يماثل ما حدث منذ قرون أن بوش حاصر العراق وتلقت جيوشه العون من مصر وسوريا ومن جميع دول الخليج، بينما لم يحصل العراق على المساعدة المأمولة من بلاد فارس كما كان الأمر بالنسبة إلى زنوبيا، ولكنه رغم ذلك استبسل في الدفاع ورمى جيوش بوش وحلفاءه العجم واليهود والعرب بالصواريخ.


3- واستسلمت تدمر ونهب الرومان كنوزها، وحملت زنوبيا إلى روما. وهكذا أفل نجم مملكة تدمر الصاعدة وغابت ملكة عربية قدمت صورة مشرفة لحكم عربي، ولحد الآن لم تستسلم بغداد ولم تنهب، ولم يقبض الإمبراطور بوش على صدام ومساعديه، ولكنه يشدد الخناق على العراق بإثارة الفتن شمالا وجنوبا، وجوع الشعب العراقي، وانقص سيادة بلاده وتدخل في شؤونه الداخلية، وفرض تعويضات الحرب،ودمر كل عوامل قوة العراق، وعين دي كويلار حاكما للعراق منفذا لشروط الإمبراطور بوش.


هل سيأفل نجم العراق مثلما أفل نجم تدمر ؟ إنني اعتقد أن من يمتلك الثروة الحقيقية المتمثلة في العلم والمعرفة، لا يزول ولا يموت، ولكنه سيعود وربما أقوى مما كان عليه، والمحن الكبرى تصنع الكبار:رجالا وبلدان ..



انتهى المقال.


يا صديقي بشير ..


كما حملت زنوبيا إلى روما مقيدة اليدين، وعرضت في شوارع روما في استعراض مذل، حمل صدام مقيد اليدين في المحكمة  وعين الوريث للإمبراطورية حاكما للعراق دمر القوة والثروة والعلم والمعرفة وعين حكومة تنفذ شروط الوريث بوش


لكن كلماتك ستبقى حية في النفوس.



المحن الكبرى تصنع الرجال والبلدان .. فهل يتعظ الطغاة

 


اسامه الدندشي سوريا

ossama-aldandashi@hotmail.com

 

 





الاربعاء٠٤ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أسامة الدندشي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة