شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يدر في خلدي وأنا أرد على تحية ولدي الأصغر - علي - وشقيقته أبنتي البكر - هدى - في ذلك الصباح أنها ستكون آخر ما أسمعه منهما قبيل رحيلهما الأبدي.


- صباح الخير يابه - قالاها بشيء من الأنقباض وعدم الراحة على الرغم مماعرفا به من بشاشة وكأن شعورا ما أنبأهما بأن هذه التحية لفراق لا لقاء فيه بين أب وعائلته من جهة وبين ابنتهم وأبنهم معا من جهة أخرى .


فهذا ما فجعنا به وظل خافيا علينا طيلة ساعات الصباح الباكر لمثل هذه الأيام من كانون ثاني 2005 بعد ليلة قضيناه انتشارا في بغداد نفتش فيه عن سيارة ولدي بين مئات السيارات المكتظة حول محطات التزود بالوقود لعلنا نجد لها أثرا وبالتالي نلتقي بمن غادرنا في الصباح الباكر ولم يعد الينا والوقت تجاوز منتصف الليل .


وبعد ان أنقضت الليلة ورحل الفجر وحل صباح جديد الذي تطلعنا فيه لأن نحقق أملا يحقق الأمساك برأس خيط يوصلنا للهدف المراد .


وفعلا أكتشفنا الخيط الذي أوصلنا الى المكان المضيف لهما, ومن دون عناء كبير وجدناهما وقد أستغرقتهما أغفاءة عميقة ليس على فراشين وثيريني بل كانا ممددين في أحدى ثلاجات الطب العدلي - الممتلئ بجثث عددها غير محدود تنتظر من يستدل عليها - وقد طرزت صدريهما قلادة أستشهاديهما برصاص غدر بعد أن أبلغ عابر سبيل مركز شرطة قريب بوجود جثتين على قارعة الطريق العام المؤدي الى حيث مكان سكني . وبالمناسبة لا يبعد بيتنا عن موقع الحادث أكثر من مائة وخمسين مترا ولكن مرورا بزقاقين داخليين .


فرحل الشهيدان بعد أن ألقيا تحية الودعاء على الوالد كما أقتضى الواجب التربوي قبل أن تقع الفاجعة بعيد دقائق من مغادرتهما الدار ووقعهما في كمين نصب لهما من قبل زمرة من القتلة أستخدمت عجلتين حاصرتا عجلة الشهيدين وأمطراها بعدد غير محدود من أطلاقات الأسلحة الرشاشة بعد سحبهما الى خارجها في أثر كسر باب عجلتهما بحسب ما ذكره تقرير ضابط الشرطة الذي حضر الى موقع الجريمة بعد ساعات من وقوعها ليدون تصوره لكيفية وقوع الجريمة خاتما أياه بجملة صارت ديباجة لجميع تقارير رجال الأمن في عموم أنحاء العراق , حيث سجل الفاعل ضد مجهول (( ولا من شاف ولا من دري !! )) في بلد صار بفضل المحتل الأميركي مرتعا للجريمة والقتلة وللمفسدين وسراق المال العام ومركزا للأتجار بأعراض الناس وبالأعضاء البشرية وأصبح رجال الأمن فيه آخر من يحضر الى مكان وقوع الجرائم , وأول من يغادرها متكئا على جملة -الفاعل مجهول- حتى وان أوحت له الجريمة بأستنتاجات تضع أمام المحققين أحتمالات مختلفة تساعدهم على المضي في التحقيق لتحديد الفاعل أو الجهة التي التي كانت وراء الحادث أو حرضت عليه, وليس الذهاب الى غلق التحقيق وكأن شيئا لم يكن !! .


ومنذ اللحظة الأولى المدلهمة بالخطب التي مرت بنا كعائلة من عامة الشعب أمتلكت حسا وطنيا أستند الى طيب بصري , عمقه عبق التوحد العراقي في محراب الشعب الواحد والارض الواحدة أحسسنا بأن ما حل بنا هدفه واحد سعى الى أرهاب العراقيين وأن ادوات الفعل المنفذ فيه وأن تعددت مشاربها فقد ألتقت عند ما بدأ المحتلون بتنفيذه من فعل أستهدف تدمير العراق وتصفية أهله لأخراجه من دائرة الأقتدار الفاعل في صنع القرار الوطني السيادي المؤثر في مجمل الأحداث على مختلف الصعد العربية والأ قليمية والدولية مما يعزز نهوض الشعوب بمسؤولية تقرير مصيرها بعيدا عن تأثيرات القوى الدولية المتحكمة وأحتكاراتها المهيمنة على ثروات الشعوب وهي الأرضية التي جمعت الأطراف المتناقضة الأطماع لتلتم حول نية شريرة تستهدف أزاحة العقبة التي كانت تحول دائما دون تمرير أطماعها بالأنفراد بالمنطقة , أي أزاحة الأقتدار العراقي الذي لطالما أقلق أعداء الأمة بدءا من الأدارة الأميركية وقبلها الصهيونية العالمية وبينهما كامخ الخبث البريطاني ومعهما غاطس الحقد الفارسي وعمالة الأنظمة العربية الخفيفة . وأنطلاقا من ذلك الأحساس الجمعي العراقي قررنا أن لا نتهم أحدا غير الجاني الأول وهو من خطط ووزع الأدوار واشرف على الصفحات التنفيذية لتصفية العراقيين بتعدد قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم وتنوع أتجاهاتهم السياسية الوطنية وأطيافهم الفكرية المبدعة ,وكاد ان يقع بين فكي القتلة حتى الذين خفت خطاهم وجاءواالى بغداد ظنا خاطئا بأن فردوس التي سوق لها بوش اللعين قبل العدوان تنتظرهم وأن الطريق لولوجها ممهدة أمامهم بلا قيد ولا شرط ,ولكنهم أكتشفوا بعد عناء سفر أن ما ينتظهم غير ما رسمته لهم مخيلتهم من أحلام متأثرة بردود أفعال سابقة , ولم يسلموا الا بخفة أقدام نقلتهم الى خارج العراق ليستقروا في العاصمة الأردنية عمان لبرهة وجيزة لينتظموا في مؤتمر للمثقفين العراقيين أنتخب هيئة تنفيذية سرعان ما تفككت لأسباب ليس هنا مكان البحث فيها ولا الوقت الراهن مناسب لذلك .


لهذا أجبنا كل من سألنا مواسيا وكانوا كوكبة من أهلنا العراقييىن الأوفياء الذين نهضوا بمهمات الدفن وترتيب تفاصيل مجلس الفاتحة في جامع عام أكتظ بالحضور المتميز ,مؤكدين لهم أن المحتلين هم القتلة سواء مارسوه مباشرة وعن طريق القوات الأميركية –المارينز- والمرتزقة الذين زجت بهم واشنطن لقاء منحهم الجنسية الأميركية أو مارسه نيابة عنهم طائفي حقود او ارهابي مجرم ممن فتحت أمامهم حدود العراق دون حسيب أورقيب ليدخلوها آمنين هم وأسلحة الموت التي حملوها معهم ولن ننسى الممول العربي الحاكم الذي ما يزال يمارس دوره وبأيعاز من الغرب بأشعال فتيل قتل العرب بأيد عربية او بتمويل عربي !!!


فمن هم القتلة أذن , ومن جاء بهم , ومن جعلهم يعبثون بأمن البلاد , يقتلون العراقيين بالجملة والمفرد وفي الأماكن الحساسة المكتظة بالناس والتي يفترض أن تكون محروسة من قوات الأحتلال بموجب القوانين الأممية ولكنها تتغيب في الوقت المناسب وتظهر في أثر وقوع المجازر, ويتكرر المشهد في كل مرة وما من مجير أومعترض ؟


ولمصلحة من تحدد توقيتات التفجيرات وخصوصا الكبيرة منها والتي تستهدف مؤسسات رسمية حساسة كوزارة الخارجية مثلا في بغداد ومقرات المحافظات خارج العاصمة ,ولايصاب فيها الا من كان مراجعا أو من كان موظفا صغيرا وبعض عناصر الأمن الصغار .


أما الوزراء والموظفون الكبار والمستشارون من أميركيين وغيرهم فيكونوا على الدوام بمأمن من أي أذى , وكأن المتفجرات مصممة على أساس تفادي ألحاق الضرر بالأميركيين والمجندين لخدمتهم وفي الصدارة منهم الطائفيين أتباع المرجعية الفارسية !!


والحال نفسه مستمر الآن بعد رحيل عسكر الأميركيين فالتفجيرات لا تطول سوى العراقيين العامة , والأمن والأمان مكفولان فقط للخمسة عشر ألف خبير أمني أميركي يتولون حراستهم وهم يتحركون براحة تامة ليس بحدود السفارة والمنطقة الخضراء حصرا بل في عموم العاصمة وعلى الأخص في مناطق تواجد الشركات الأميركية التي تؤمن الحفاظ على المصالح الأميركية الستراتيجية كما عرفها نائب الرئيس الأميركي بايدن على الدوام وأستهدفت السيطرة على ثروات العراق والتدخل في الشأن العراقي بأدعاء دعم العراق أمنيا وأقتصاديا ونفطيا وتسليحيا !!!


والشركات التي نعنيها , مكاتبها الرئيسة داخل السفارة وواجهاتها منتشرة في أحياء بغداد وفروعها متواجدة في محافظات القطر ومهمتها أن تأخذ من العراقيين كل شيء ولا تعطيهم أي شيئ وهي مؤمنة الحماية من قبل شركات أمنية خاصة غير خاضعة للمساءلة القانونية أمام القضاء العراقي , وبعيدا عن الشوشرة التضليلية المالكية فأن الأمريكيين محميون على وفق الأتفاق الأمني الستراتيجي الذي وقعه المالكي نفسه مع واشنطن ولم تصدر عن الجانبين العراقي أوالأميركي أي أشارة تلغيه أو تعدله حتى الآن لا في أثر زيارة المالكي للعاصمة الأميركية مؤخرا أو زيارات بايدن وغيره من المسؤولين الأميركيين لبغداد وكان أخرهم و ليس الاخيروليام بيرنز مساعد هيلاري وأنما حدث فكل التصريحات أكدت أتفاقهما على الألتزام بهذه الأتفاقية الأمنية الستراتيجية التي ظلت تفاصيلها طي الكتمان ؟؟


ومثل هذه الحقيقة تؤكد شيئا مهما لطالما حذرنا منه وهو أن فرار القوات العسكرية الأميركية بتأثير الضربات القاتلة التي وجهتها لها المقاومة الوطنية لا يعني أنتهاء النفوذ الأميركي في البلاد , فالأعلان الرسمي عن نية اوباما على سحب قواته العسكرية مبكرا , رافقه أعلان من بايدن مسؤول الملف العراقي في البيت الأبيض قال فيه بصريح العبارة أن الوجود العسكري الاميركي في العراق سيستبدل بوجود دبلوماسي أمني مكثف يعزز التعاون بين البلدين الصديقين في مجالات ستراتيجية حساسة حددت بالآتي :


أولا – شؤون الطاقة .
ثانيا – العلاقات الأقتصادية .
ثالثا - العلاقات الخارجية .
رابعا – الشأن الأمني .
خامسا – أعادة بناء الجيش العراقي بحسب العقيدة الأميركية أختيارا للعناصر وتدريبا وتسليحا .


ومثل هذه التداعيات تبسط أمام العراقيين ليس ما أرتكب بحقهم من جرم مشهود فهم ضحاياه وأنما لتضعهم أمام القادم منه وهو لا يخرج عن أطار ماسعت لتمريره الأدارة الأميركية من فصول عدوانها على العراق وعبر نجاحها في فصله الأول والأنتقال للفصول الباطنية التالية المضمومة ضمن تضاعيف ما سمي بالعملية السياسية ألتي يتباكى عليها عملاء واشنطن في حين يكتفي سيدهم بالتفرج عليهم وهم يتناطحون للأستحواذ على النفوذ وهو يمسك بمقود اللعبة أنتظارا لنتيجة هي مرسومة من قبلهم على وفق الخبث البريطاني الذي خبره أبناء العراق والأمة العربية وشعوب جنوب وشرق أسيا والامة العربية المبتلاة بشرور وشروخ سياسة فرق –تسد , ولا نظنهم سيسودون هذه المرة .


فقد أنكشفت اللعبة وضاق الخناق على الفارة قواتهم العسكرية من العراق وبانت عورات المتورطين في اللعبة السياسية الذين سخروا أنفسهم لخدمة المصالح الستراتيجية للولايات المتحدة في العراق وبالرغم من وعيها الكامل بعدم مشروعيتها هم مصرون على الأستمرار بسلوكهم المتدني المفرط بالمصالح الوطنية أولا .


واللهاث وراء النفوذين الأميركي والفارسي لادامة أمساكهم بكراسي الحكم بهدف أحكام سرقة المال العام , وأفساد الذمم وأباحة قتل النفس التي حرم الله قتلها , والتجاوزعلى حرمات الموطنين ,وعلى كل ما هو مقدس عند العراقيين ثانيا .


وأنصياع أطراف اللعبة السياسية لتوجيهات الأدارة الأميركية للأسراع في الترويج لمشاريع تستهدف تقسيم البلاد وأضعافها ليسهل تطويقها نهائيا وبالتالي أخراجها من دائرة الفعل المؤثر في دول المحيط العربي والأقليمي تأمينا للربط بينها وبين ما سيسفر عنه الربيع العربي الذي حددت سماته واشنطن بالتعاون مع باريس ولندن وبرلين وروما وبتواطؤ ممول من أنظمة الخليج العربي وخصوصا ممن تصهين منهم ليتيحوا الفرصة أمام الأدارة الأميركية لأعادة رسم خارطة الشرق الأوسط على هوى اليانكيين وبما يخدم أطماع الصهاينة في أقامة دولتهم الكبرى بين النيل والفرات ثالثا .


أن الهم الواحد وطغيان العدوان الواحد والدم العراقي الواحد المنذور, طرز سوية أحداثيات طريق الخلاص العراقي الموحد من عفن الأحتلال وعملائه .


واذا كانت الخطوة الأولى قد بدأت بأصطفاف وطني موسع موحد مع مقاتلي المقاومة العراقية فأن فعل هذا الأصطفاف الواعي لمهماته أفرز نتائج عجلت في رحيل القوات الباغية بعد تلقيها ضربات ماكنة كبدت العدو خسائر فادحة في الأرواح والسلاح والأموال أوجعت الأدارة الأميركية وهي تواجه سيلا لم ينقطع من القتلى استوعبتهم مدافن واسعة الأطراف في حين طمرت في مزابل أميركية جثث عناصر غير معروفة الاشخاص فيها من وصلوا بلا رؤوس وفيها رؤوس مشوهة بلا أجساد واطراف وأذرع وسيقان وأقدام منفردة عبئت في أكياس حملتها طائرات نقل عسكرية خاصة من العراق الى الولايات المتحدة (#)


وهكذا رحل عسكر أوباما بفعل أقتدار المقاومة الوطنية وتضحيات شبابها الأشداء وفيهم من أستشهد وفيهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
ولن يبدل العراقيون مناهضون للأحتلال وصابرون وجهتهم او هدفهم حتى يمسكوا بساعة الخلاص النهائي من نفايات تركتها واشنطن بعد هزيمة قواتها العسكرية أمام صمودهم وتمسكهم بوحدة اهلهم وأرضهم .


وليس هذا ببعيد أو غريب على رجال نذروا أنفسهم للدفاع عن شعبهم وضحوا بالغالي والنفيس وهم اليوم أعلى همة وأصرارا على التمترس في خنادق الجهاد لمطاردة فلول الطائفية وأزاحتها عن مواقع التسلط على مصير البلاد والعباد , وتجربتنا مع المحتلين أكدت أن أرادة التحرير لن تقهر وأن الأقدام على استكمالها لن يفتر , بل أن يومها قادم من دون ريب ولن يهمل أوغادا باعوا أنفسهم للشيطان .


كما كان الموقف شجاعا وصلبا في التصدي للقوات المحتلة ,سيكون الموقف كذلك من النفايات المأجورة .
فمزبلة التأريخ بأنتظارهم , غير مأسوف عليهم ...


ويكفينا شرفا وعزا أن وقفتنا في مواجهة المحتل وجميع أذنابه من طائفيين وأرهابيين ومن تبعيات لا تمت للعراق بصلة كانت وستظل واحدة , وأن شهداءنا الأكرم منا ينتمون لجذرعراقي واحد يظلله فيء سنابل شمالية , يعطره ندى طيب جنوبي ومن الفيء الممتزج بالطيب تصنع بغداد مجد العراقيين من جديد وهي تعلي بيرق العراق مشرأبا نحو السماء محتضنا أسم الجلالة الله أكبر...


وعهدا أن نظل نستذكر وقفة أهل العراق ما حيينا لأنها تذكرنا بمن سبقنا بالتضحية دفاعا عن شعبنا لنستمد منها معاني نبرة الحزن العراقية التي سادتنا ولم تحل دون أدائنا واجب التصدي للعدوانيين وهي تحفزنا اللحظة للمضي في رفع وتائر عطائنا لأسترداد أقتدارنا وتعميق وحدتنا الوطنية لنسدد المزيد من الضربات لما تبقى من نفوذ أميركي فارسي مرفوض بممارسة دور أكثر فاعلية ومن دون هوادة يختزل الزمن ليقربنا من الأمساك بأيام قادمات كلها فرح وبسمة , لا تغيب عنها شمس الأمل , واعدة أهلنا بحياة آمنة خيرها وفير .


# المصدر- مدونة عشتار والوكالات

 

 

 





الاثنين٢٢ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضياء حسن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة