شبكة ذي قار
عـاجـل










لا أدري من أطلق مصطلح الربيع العربي على الأحداث والمتغيرات المبهمة التي شهدتها ساحات الوطن العربي .. ولكن التسمية قطعا لم تكن من نتاج العقل العربي أولا ، وأن ماحدث فيها من إنتفاضات شبابية وشعبية تم تجييرها لاحقا لصالح جهات غريبة عنها ثانيا .

 

من تونس غربا وحتى العراق شرقا تكاد النتائج تكون واحدة مثلما كانت بداياتها مع إختلافات بسيطة هنا وهناك حسب طبيعة أنظمة الحكم والبلاد والشعوب ، ولكنني أرى ، ولو أن البعض لايوافقني الرأي ، أن محصلات الخطط الموضوعة مسبقا هي واحدة وتتطابق كليا .

 

وقد يختلف معي البعض الآخر على اعتبار أن ماحدث كانت ردود فعل مشروعة وبشكل ثوري على أنظمة حكم جائرة وفاسدة . ولا أخالف هذا الرأي من حيث المبدأ ، ولكنني وكل من تابع الأحداث رأى إنحرافات واضحة ضربت مصداقية الإنطلاقات الشعبية تمثلت إما بقيادات فاسدة وعميلة ومندسّة أو بقفز أحزاب مشبوهة لاسيما تلك التي ترتدي الثوب الأسلامي لكي تسرق المكاسب أو من خلال إصطناع وخلق جبهات " مقاومة " متعددة أصبح معها تحقيق الهدف مستحيلا بسبب صراعها على القيادة والتفرد أو بتشتيت وتفتيت الجهود التي يفترض أن تكون موحدة لكي تقاتل صفا كالبنيان المرصوص كما يأمر كتاب الله والغريب أن معظم هؤلاء يرتدي الثوب الإسلامي .!

 

جميع هذه الأمثلة تنطبق بشكل أو بآخر ، بعضها أو جميعها ، على " ثورات " الربيع العربي من تونس وحتى العراق مع أن هذا المصطلح لم يشمل العراق وأن للعراق خصوصيته بسبب الإحتلال الغاشم وإفرازاته النتنة من الحكام الجدد . كل ذلك لم يكن من قبيل الصدفة أو الخطأ ، بل لابد أن تكون وراءه نفس الأيدي ، ولابد أن يكون لهذه الأيدي هدف تسعى من أجله . فإذا كان ذلك الهدف غامضاً ومبهماً قبل سنة أو سنتين ، فإنه الآن قد أصبح واضحا وجليا . والأدهى من ذلك فإنه قد أصبح أكثر تعقيدا لتلافي إشكالاته وتداعياته وأنه أصبح يدفع باتجاه فوضى عارمة بدلا من ثورة هادفة وأصبح معه الرجوع الى صفاء ونظافة الإنطلاقات الأولى مستحيلا أو بالغ الصعوبة .

 

إنتهى " الربيع " العربي كما ينتهي موسم الربيع القصير عادة .. وبدأ موسم الصيف الذي عادة مايكون موسما طويلا نسبيا في المنطقة العربية !! ومعه بدأ ماسوف أطلق عليه " الصيف العربي " الذي أستشعر حرارته من شاشات التلفزة الفضائية وبشكل يومي وعلى مدار الساعة حين تتنقل الكاميرات من تونس العاصمة وصفاقص وسوسه وسيدي زيد في تونس ، الى بنغازي وطرابلس والجنوب الليبي في ليبيا ، إلى القاهرة والإسكندرية والمنصورة والسويس وبقية المدن المصرية ، إلى دمشق وحمص ودرعا وحلب وكل المدن السورية .. وإلى العراق المبتلى ومدنه شمالا وجنوبا ووسطا . وبين هذه وتلك تتنقل الدبلوماسية الأميركية والأوربية لعقد مايسمونه المفاوضات بين أطراف فلسطينية وإسرائيلية وأطراف متصارعة سودانية ترافقه ضخات من مئات الملايين من الدولارات البترولية لدعم " اللاجئين " السوريين على الحدود الأردنية واللبنانية أو لدعم وإسناد " الإقتصاد " المصري .. وهذا كله يحدث في ظاهر الحال وتحت ضوء الشمس ! إما مايجري تحت الطاولة وفي الظلام من صفقات بين أميركا والغرب وإسرائيل من جهة وإيران " الإسلامية " أو تركيا من جهة ثانية فهو في علم الغيب حاليا باستثناء مايطفو على السطح سواء كان تغيير بعض الوجوه الحاكمة في الخليج أو وفود الأمم المتحدة المهزلة الى سوريا أو إعلان " الجناح " العسكري لحزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية !!

 

الصفقات السياسية المذكورة مع خطورتها وأهميتها ، في تقديري ، ليست بمستوى استراتيجية الصفقات أو التحالف الروسي ـ الإيراني منذ سنوات والذي بدأ يقلق أميركا في النزاع على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط من أفغانستان وباكستان مرورا بالشرق العربي ووصولا الى المغرب العربي . وسوريا هي الورقة الأوضح لهذا الصراع في المنطقة العربية  وإيران هي المستفيد الأول من هذا الصراع ومن سياسة لوي الذراع بين السياستين الأميركية والروسية .

 

وبالعودة الى ربيعنا وصيفنا العربي أقول : إنها نظرية ( الفوضى الخلاقة ) في المرحلة الثالثة من مراحل تطبيقها !! .

 

لقد كانت مرحلتها الأولى ماحدث في العراق في 2003 وما تلى ذلك من تدمير مبرمج حتى يومنا هذا . وكانت مرحلتها الثانية تجيير الربيع العربي للأحزاب " المتأسلمة " في تونس وليبيا ومصر لغرض تنفيذ التدمير المبرمج وخصوصا لجيوش هذه الدول تماما كما حدث في العراق ولكن بأسلوب آخر . والآن نحن نعيش المرحلة الثالثة في عملية التدمير داخل هذه الدول وأنظمتها السياسية ، لتليها عملية التفتيت لدول بدون جيوش وشعوب يأكل بعضها البعض طائفيا أو قوميا أو دينيا . إن جوهر نظرية الفوضى الخلاقة اليوم يقوم على أساس إستبعاد التدخل العسكري الأجنبي المباشر كما حدث في العراق . فالعراق كان أستثناء لابد منه وذلك لرصانة وقوة النظام الوطني الحاكم آنذاك ومناعة وقوة الجيش العراقي ورعيل من القادة العسكريين ومن الطراز الأول . أما الآن فالتطبيق يتجه الى التدمير من الداخل وكأن الغرب قد عاد الى تطبيق مقولة ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية بأن تلك الحرب ستكون آخر الحروب التي ستكون ساحتها أوربا ..!

 

عرفنا ملامح ونتائج " الربيع " العربي بالأمس .. فما الذي نشاهده اليوم من ملامح " الصيف " العربي ..؟

تونس تتفجر من جديد والسبب إغتيال غامض لقادة من المعارضة ..

ليبيا وكما بدأ ربيعها في بنغازي ، فإن بنغازي تتفجر من جديد وبعد إغتيال معارض بارز ..

 

مصر إنقلبت على نفسها بعد سنتين على ربيعها وسنة واحدة على إنتخاب رئيسها ويبدو أن أمامها حواجز صعبة لكي تجتازها وربما طريق دموي صعب يستهدف شعبها وجيشها . شعبها يواجه صراع دموي ، وجيشها تنتظره حرب إستنزاف طويلة بحرب عصابات على صحراء سيناء .

 

سوريا وبعد قرابة الثلاث سنوات على بدء إنتفاضتها تحولت الى كابوس طويل لبلد مدمر وجيش منهك مفكك ومائة ألف قتيل ومئات الآلاف من اللاجئين لتقف عند مماطلات الغرب ووعوده وتدخل إيران وحزب الله ونفوذ السياسة الروسية دوليا وصولا الى إقتتال دموي بين أطراف من المعارضة أو المقاومة وصورة قاتمة تزداد غموضا يوما بعد آخر .

 

أتساءل كيف حدث هذا التزامن والتوقيت في الربيع العربي .. وكيف بحدث نفس التزامن والتوقيت في صيف العرب ..؟!

 

لست متشائما ولن أكون وفي عروقي تجري دماء عراقية وقلبي ينبض بالنبض القومي العربي ، لكنني أكتب محاولا قراءة الأحداث ولا أتمنى أن أرى يوما خريفا عربيا نُرَد فيه الى أرذل العمر لكي لانعلم من بعد علمٍ شيئا .

 

 

lalhamdani@rocketmail.com 

العشرون من شهر رمضان ذكرى الفتح المبين لمكة المكرمة عام ٨ هـ

 

 

 





الاحد ١٩ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الحمــداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة