شبكة ذي قار
عـاجـل










كثيرة هي الأضاليل الإعلامية التي تستهدف وعي المواطن العربي عموماً والعراقي بشكل خاص، وهي أيضاً متعددة الاتجاهات والأشكال والنوايا، كما هي الجهات التي تقف خلفها، لكنها تجتمع جميعاً على مسار واحد، ذلك هو محاولة إفقاد العربي البسيط في وعيه، لفطرته السوية، من أجل تضليله وحرفه عن فهم ما يدور حوله، وما يتعرض له من ظلم وإجحاد. كذلك الراسخ في وعيه، الواسع في معرفته، القادر على نقد الظواهر واستخلاص حقائقها، بهدف التشويش عليه من أجل إيصاله إلى مرحلة اليأس وفقدان الثقة بالعقل وإمكاناته.


ولقد أثمرت بعض تلك الأضاليل بقلب الحقائق في عقول السذج من العرب، خلال هجمة قاسية تعرضت لها الأمة العربية وفي مقدمتها العراق، استمرت عقوداً من الزمن، لم تكن عدتها الرئيسية الطائرات والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً، بل لقد كانت الأكاذيب والتلفيقات المنظمة والمنسقة والمدروسة بعناية فائقة، وما كان على الأسلحة بعد ذلك إلا استثمار نتائج تلك الهجمة لتجد بفضلها إمكانية احتلال العراق أمراً قابلاً للمجازفة.


كما أثمرت بعضها في تزييف وعي الكثير من العرب والعراقيين بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003م، ودفعهم إلى مهاوي اليأس والقنوط والضياع، بعد أن خيلت لهم فقدان الأمل، إذ وجدنا الكثير وقد انقلب على وعيه وراح يزيفه طبقاً لما أفرزته تلك الأضاليل الإعلامية، مع إنه عاش مع تلك الحقائق التي شكلت أغلب مفردات وعيه، وتفاعل معها، وكثير منهم ساهم في تكوينها. فالعراقيون الذين عاشوا في ظل الحكم الوطني في العراق هم الشعب الذي قاده البعث، وهم الذين تفاعل معهم البعثيون، وهم الذين كانوا هدف نضالهم وعدتهم في البناء وفي الدفاع، وهم أيضاً الذين تنعموا بخدمة البعثيين وتلمسوا تضحياتهم السخية وكفاحهم الطويل والمضني من أهل تحقيق سعادتهم وصيانة كرامتهم والذود عن حياضهم وممتلكاتهم وحفظ تاريخهم من التزوير والتشويه، وهم فضلاً عن هذا أهل البعثيين وأصلهم، آباء وأمهات وأخوان وأخوات وأبناء وبنات، فما وجدوا فيهم سارقاً ولا خائناً ولا متسلطاً ولا كاذباً، وتشهد أيام قادسية صدام المجيدة أن البعثيين لم يقولوا لأحد من المتطوعين للقتال في جبهات الحرب: خذ مفتاحاً وأذهب به للجنة، كما لم يقولوا لأحد منهم لا تأخذ معك زاداً فكربلاء على بعد بضعة كيلو مترات، بل كانوا يقولون لهم: هذا وطننا وله حق علينا أن نضحي بأرواحنا في سبيله، كما لم يقولوا لهم اذهبوا فقاتلوا عدوكم، بل كانوا يتقدمون صفوفهم نحو التضحية والفداء. وقد شهدوا أن كل من أثيرت حوله شبهة فقد أُسقط من مسيرة البعث غير مأسوف عليه.


ولقد كان من رحمة الله تعالى وفضله على عباده أن جعل سبيل المقارنة والمفاضلة، بين ما كان عليه العراق قبل غزوه وما صار إليه بعد احتلاله، أمراً لا يحتاج إلى عناء كثير كما لا يحتاج فكراً ثاقباً، ليكتشف العراقيون أن شتان بين النور والظلام؛ بين الحق والباطل؛ بين العفة والدناءة؛ بين الأنفة والخسة؛ بين الشجاعة والجبن؛ بين الإقدام والتخاذل؛ بين الصدق والكذب؛ بين الإيمان والنفاق. لكنا وجدنا بعد ذلك بين العراقيين من يضلل وعيه ومن يرتضي لغيره أن يضله، ليس لأنهم اكتشفوا حقائق كانت غائبة عن وعيهم أو عصية على قدراتهم، بل لأنهم كانوا منافقين، عشاق للدنيا ومغرياتها، اتخذوا من النفاق سبيلاً لنيل الذل والخزي والهوان في الدنيا قبل الآخرة.


منذ فترة وقناة (البغدادية) ومهرجها (انور الحمداني) وخلفهما صاحبها (عون الخشلوك) يتعهدون حملة للتضليل، خطيرة في مراميها، ولسنا بصدد شتم هؤلاء أو الكشف عن ماضيهم، فهم مفضوحون وماضيهم كما هو حاضرهم مفضوح، وهم عندي فوق ذلك لا يعدلون شروى نقير، فيكفيهم خزي الدنيا وخلفهم عذاب الآخرة، وعد الله، والله لا يخلف وعده. لكننا وجدنا أنها وأبواقها قد أضلت الكثير ممن لم نكن نتوقع سقوطهم بذلك الفخ الساذج والمفضوح، ففي برنامج (ستوديو) التاسعة - وأنا لا اعتب عليهم أنهم يستخدمون مفردة أعجمية عنواناً لبرنامجهم، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن أين يأتيهم حب العربية وهم قد انتموا لأعدائها وتكلموا بلسانها؟- تحاك مؤامرة خسيسة قد لا يعيها الكثير، إذ أن هذا البرنامج يعرض على المشاهدين فضائح لفساد بعض العملاء الأراذل سراق العراق؛ الذين سرقوا هويته وهو منهم براء قبل أن يسرقوا خيرات شعبه، وذلك أمر يستوجب اهتمام الناس لما له من مساس بحياتهم ومستقبلهم.


وإن كان هذا لا يعني من يملك اليسير من القدرة على التفكير المنطقي، فالحقائق لا تحتاج لوثائق ولا لبرامج كبرنامج الخشلوك كي يكشفها للناس، إذ أن موارد العراق بعد الاحتلال مرتبطة كلياً بموارد النفط، فلا شيء ينتج فيه أو يثمر بعد أن تعرض اقتصاده لمنهج واسع ومنظم من التدمير والتخريب والسرقة، وأن أسعار النفط مكشوفة تتداولها الألسن، وهي تذاع كل يوم أسوة بالحالة الجوية، كذلك الكميات المصدرة منه فهي معروفة، لكن غير المعروف هي الكميات الأخرى التي تسرق ولا يعلن عنها، وأن ميزانية العراق في عام 1980م، ذلك العام الذي شهد خططاً كبيرة جداً للبناء والإعمار وتوفير مستلزمات الرخاء الاجتماعي، التي جعلت أصحاب أبسط المهن والحرف من أمثال مصلحي السيارات يمضون صيفهم في بلغاريا وهنكاريا وغيرهما من الدول الأوربية، فضلاً عن تغطية تكاليف الحرب مع إيران، لم تكن تتجاوز 10٪ من موارد العراق الحالية، فقانون الميزانية العامة لسنة 1980 رقم (4) لسنة 1979، نص في مواده الثلاث الأول على ما يأتي:


يرصد لسد نفقات الميزانية الاعتيادية خلال سنة (1980) مبلغ (3650000000) (ثلاثة آلاف وستمائة وخمسون مليون دينار)، وفق الجدول (آ) الملحق بهذا القانون.


يرصد لسد نفقات مؤسسات القطاع الاشتراكي خلال سنة (1980) مبلغ (5213106426) (خمسة آلاف ومائتان وثلاثة عشر مليوناً ومائة وستة آلاف واربعمائة وستة وعشرون ديناراً)، وفق الجدول (ب) الملحق بهذا القانون.


يرصد لسد نفقات الخطة السنوية خلال سنة (1980) مبلغ قدره (5240000000) (خمسة آلاف ومائتان واربعون مليون دينار).


ولا يغيب عن وعي أحد من العراقيين أن العراق لم يشهد منذ أحد عشر عاماً إنجاز أو حتى الشروع بتنفيذ مشروع كطريق المرور السريع، الذي ربط العراق بجيرانه من الدول العربية، أو جسراً كذلك الجسر الذي أنجزته الأيادي العراقية في ظل الحصار الجائر الذي فرضته القوى الامبريالية على العراق لأكثر من عقد من الزمن، فصار مفخرة للعامل والمهندس والمصمم والقائد السياسي والمفكر الاقتصادي على السواء، ذلك هو الجسر ذي الطبقتين الذي يربط منطقة الدورة بالجادرية على نهر دجلة الخالد.


وإذا تناسى البعض أو تغافل عن المنجزات التي تحققت لشعب العراق بعد نجاح قرار تأميم النفط الخالد، والتي لا تحيط بها مجلدات، فإن خاصية الجمع تتميز عن غيرها من العمليات الحسابية، أنها سلوك فطري يرتبط بالإنسان منذ سنيه الأولى، بل قبل أن يتم سنته الأولى، تلك هي خاصية حب الاستحواذ، وهو ما يعبر عنه في علم الرياضيات بالجمع، فيما عملية الطرح ترتبط بالعطاء، فالطفل يريد الاستحواذ على عطف والديه دون غيره من الأشقاء والنظراء، ويرغب في الغالب بإضافة لعبة جديدة إلى ألعابه، لكنه من النادر أن يقدم إحداها لغيره، ولهذا نجد أن رعاة الأغنام يجيدون عد أغنامهم كل يوم خشية الذئاب أو أن تشذ واحدة عن قطيعها فتضيع، وهو لم يتعلم في مدرسة أو كتّاب. فليس عصياً على شخص أن يقوم بعملية الجمع لموارد النفط على مدى عام ليكتشف حجم ميزانية بلده، وما يفترض أن يناله منها، وما يسرق.


فهدف البغدادية لم يكن من أجل إفهام الشعب العراقي بأن من يحكمه سارق ومزور، بل هي تهدف إلى تسويق فرية إيرانية أمريكية صهيونية، مفادها أن الكوارث التي حلّت بالعراق لم تكن بسبب الغزاة؛ دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر. كما هي ليست بسبب الإجرام الفارسي الشعوبي، الذي أنتج للغزاة أدواة لتخريب وتدمير اقتصاده وتمزيق وحدة شعبه وإضعاف روحه الوطنية، التي طالما ارتكز عليها في مسيرته الحضارية الطويلة، وسلبه هويته العربية، التي تشكل ليس فقط أصالته وهويته، بل هي عمقه التاريخي الحضاري، فالحضارة الأصيلة التي أنتجها الإسلام لم تكن إلا عربية خالصة؛ بيئة وفكراً وخصائص ومفردات وآثار، وحين تنزع العروبة عن العراق، فلا تاريخ له ولا دليل حضاري يستند إليه. كذلك يحاول هؤلاء الإيحاء بأن من يتحمل وزر الإخفاقات والجرائم التي حلّت بالعراق بعد احتلاله، هو حزب الدعوة العميل وشخص نوري المالكي، وليست الأحزاب الطائفية التي نشأت وترعرعت في أحضان الفرس ولُقنت دروسها في بؤرة شعوبيتهم المقيتة الحاقدة؛ مدعي التشيع. وهو ما سيتيح لأعداء العراق إخضاعه بعد مهزلة الانتخابات القادمة إلى مرحلة أخرى من مراحل التدمير والتغييب، ستكون أدواتها مختلفة عن سابقتها ظاهرياً. فيؤجل المتقاعسون آمالهم وأحلامهم عقداً آخر، حتى يفيقوا بعدها على خيبة أملهم.


وفوق هذا تحاول البغدادية التسويق لفرية أخطر من سابقتها وأكثر منها قذارة وخسة، تلك هي الإيحاء بأن حزب الدعوة العميل ليس إلا صورة أخرى لحزب البعث، وأن نوري المالكي ليس إلا شبيهاً مقتدياً بقائد العراق العظيم صدام حسين رحمه الله.


إن هذه المقاربات المضللة التي تحاول قناة البغدادية حشرها في وعي العراقيين تنطلي على البعض فتحقق شيئاً من أهداف أسيادها المأجورة لهم من أمريكان وفرس وصهاينة، كما هي لا تنطلي على الكثير من العراقيين، ممن يجلّون وعيهم عن أن ينحدر إلى حضيض البهيمية، لكنها تصيبهم بالغثيان والحنق وفقدان التوازن في بعض الأحيان، وذلك مطلب لأعداء العراق، إذ ان الجبال الرواسي لا تزول إلا بقدرة خالقها، لكن العابثين لا ينفكون يثلمون في سفوحها وفي قممها صخوراً وأحجاراً على أمل أن يجعلونها بعد حين قاعاً صفصفا، وذلك محال.


وعار على شعب يستند إلى إرث حضاري فريد ومتميز لم يكن للشيطان فيه نصيب، أن يخنع وينصاع لعبيده الأذلاء الأراذل والمدنسين بعد أن يتكلف الاستماع لهم والوقوع في حبائل من احتنكهم.
 

 





السبت ١٢ جمادي الثانية ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / نيســان / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حديد العربي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة