شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق الحراك الشعبي في سوريا والذي تحول إلى ثورة شاملة، لم تستطع هذه الثورة تحقيق هدفها الرئيس حتى الآن، رغم الإنجازات الكبيرة والانتصارات التي حققتها في مواجهة النظام وإمساكها بمساحات واسعة من الأراضي.


وأهم أسباب هذا التعثر هي:


العسكرة :
أولاً:الثورة بدأت حراكاً شعبياً محدوداً ثم ما لبث أن تحول حراكاً شاملاً. وقد فرضت عليها العسكرة بعدما تعامل النظام معها بأسلوب الحل العسكري والأمني، مما دفعها إلى الانخراط في صراع مسلح كرد فعل على أسلوب النظام. ولو بقيت المواجهة في إطارها السلمي لكانت أثمرت نتائج أكثر إيجابية. لأن الصراع المسلح رفع فاتورة التكلفة البشرية والحق خسائر مادية هائلة خاصة في ظل استعمال النظام لأسلحة ذات قدرة تدميرية كبيرة، كالبراميل المتفجرة والصواريخ الثقيلة سواء التي تطلق من منصات ثابتة "كالسكود" أو تلك التي ترميها الطائرات واستمرار الصراع دون أن تلوح في الأفق بوادر تسوية سياسية وهذا ما سيضع سوريا أمام مخاطرة جمة ومنها التقسيم.


ثانياً: عدم تعرض جيش النظام، إلى انشقاق عامودي، بسبب تركيبته التنظيمية، وإمساك المفاصل الأساسية في تشكيلاته القتالية من قبل العناصر الموالية جداً للمنظومة السياسية الامنية الحاكمة. وكل ما حصل هو خروج مجموعات ووحدات، وأن كان عددها ليس قليلاً إلا أنها لم تنشق كوحدات عسكرية متكاملة.


ثالثاً: التباين في فعاليات التأييد الخارجي للنظام وللمعارضة ففيما اعتبر النظام الإيراني، وروسيا بشكل أساسي، ان إسناد النظام وتوفير كل وسائط الدعم السياسي والمادي والعسكري له يرتقي حد الأولويات لدى هذين الطرفين، وقد برز من خلال الانخراط الإيراني مباشرة في الصراع ونموذجه الصارخ دفع القوى المرتبطة بمركز القرار الإيراني للمشاركة في العمليات العسكرية ( حزب الله، عصائب أهل الحق ، الحرس الثور الإيراني – مجموعات مستقدمة من أفغانستان ) .


فإن الدعم الخارجي للمعارضة، تجاذبه أكثر من اتجاه وأخيراً وضع تحت ضبط الإيقاع الأميركي، الذي يرغب بإطالة أمد الصراع لجعل التدمير يطال كل مقومات الحياة الإنسانية، فضلاً عن تدمير المرافق الحيوية، وأن ما استعجلت عليه أميركا هو تجريد النظام من ترسانة الأسلحة الكيماوية، وقد حصلت عليه بما يلبي حاجة صهيونية أساسية


رابعاً: الإنهاك الداخلي للشعب، الذي تعرض لتهديد متصاعد في أمنه الحياتي، وتهجير ونزوح إنساني قلما شهد التاريخ المعاصر مثيلاً له، مما جعل المطالبة بتأمين مستلزمات الأمن الحياتي تتقدم الى واجهة الاهتمام. وهذا ما سعى إليه النظام، ليضع الشعب أمام خيارين: أما التسليم بدوره وأما استمرار آلة الحرب الجهنمية التي بحوزته بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة فضلاً عن عزفه على وتر اعتبار الثورة تستهدف ضرب الأقليات الدينية والعرقية لاستنفار عصبياتها المذهبية وجعلها تلتف حوله.


خامساً: تشرذم المعارضة المسلحة بين تنظيمات مختلفة ومتعادية أحياناً، حتى أن بأسهم تجاه بعضهم البعض أشد من بأسهم على النظام. وكان أولى بالمعارضة بكافة فصائلها أن تتوحد تحت قيادة واحدة، كما فعلت المقاومة العراقية التي تضم فصائل كثيرة، منها القومي والوطني والاشتراكي والإسلامي، وقد جمعها الهدف المشترك والبرنامج السياسي الموحد في إطار واحد وقاتلت تحت راية واحدة، بحيث تمكنت من الانتصار على الاحتلال الأميركي وطرده، وهي اليوم تقاتل لطرد النفوذ الفارسي عبر إسقاط العملية السياسية بكل رموزها وشخوصها والتي أفرزها الاحتلال الأميركي واحتضنها النظام الإيراني وما يزال.


سادساً: تشوش العلاقة بين القوى التي تخوض صراعاً مسلحاً في الداخل وإطارات المعارضة السياسية في الخارج. وقد أدى هذا التشوش إلى حصول إرباك كبير في الأداء العسكري على الأرض ومكنت النظام بالاستناد إلى الدعم الاقليمي و الدولي و الميليشياوي المقدم له من استرداد بعض المناطق التي سبق وطردت تشكيلاته العسكرية والأمنية منها.


سابعاً: الموقف اللاوطني الذي رفعته بعض فصائل المعارضة ورموزها وهي تستجدي التدخل العسكري الأجنبي، متناسبة بأن الدول التي تتدخل عسكرياً أو تحت أشكال أخرى، أنها لا تعمل انطلاقاً من خلفية الانتصار لحقوق الإنسان وتمكين الشعوب من تحديد خياراتها السياسية على قاعدة الاستقلال، بل تنفيذاً لأجندة أهدافها ومصالحها الخاصة، وأن الأمة العربية أكتوت مافيه الكفاية من التدخل الاستعماري في شؤونها الداخلية، والتدخل في سوريا كما حصل في العدوان على العراق لن يشذ عن هذه القاعدة إطلاقاً، لأنها تندرج في خانة الثوابت لدى الدول التي تمارس سياسة استعمارية.


ثامناً: اختراق قوى الثورة الشعبية بتشكيلات إسلامية، تمارس منهجاً يخالف أحكام الدين الحنيف من ناحية، وتعمل لتهميش دور القوى الوطنية والديموقراطية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة من ناحية ثانية. فهل يجوز ونحن في العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين، وقيام الدولة الحديثة المؤسساتية والتي يفترض أن ترتكز على قاعدة المساواة في المواطنة أن يكفر من لا يبايع من يقدم نفسه محتكراً للحقيقة وشرعية التقيد بالأصول؟ أو أن تفرض الجزية على من هم على دين إيماني آخر ويمنع عليهم ممارسهم طقسهم الديني؟؟


تاسعاً: افتقار المعارضة السورية للتنظيم والتخطيط. إن كل عمل سياسي أو عسكري من أجل الوصول إلى هدفه لا بد له من وضع خطة عمل ومنهج واستراتيجية وتكتيكات. فالحرب هو سياسة ولكن بطريقة أخرى والسياسة لا بد لها من دراسة المواقف السياسية للحلفاء والأعداء ودراسة النتائج التي يمكن تحقيقها من كل عمل سياسي أو عسكري ودراسة الإمكانات والاحتمالات والمخاطر وغير ذلك من أمور يعرفها وينظر فيها أهل النظر في هذه الأمور. أمّا ان تسير الأمور وفق رأي عشوائي لأمير مجموعة من هنا أو وفق هوى زعيم حي من أحياء المدينة من هناك فهذا لن يؤدي إلاّ إلى نتائج سلبية لا تنفع معها الشجاعة وحب التضحية والرغبة في الاستشهاد.


عاشراً: الممارسات الخاطئة للمجموعات المسلّحة التي مارست القتل العشوائي والذبح والتمثيل بالجثث وهي بذلك أساءت للثورة وأساءت للإسلام حيث أعطت مثالاً سيئاً عن أهداف الثورة وعن الإسلام بممارسة الذبح والتمثيل بالجثث. وكذلك الخطف وخاصة خطف رجال الدين والراهبات ومن لا علاقة لهم بالحرب ولا بالسياسة فهل يجيز الإسلام خطف الأبرياء؟ وهل يجيز الإسلام التكفير والذبح بسبب الاختلاف في الرأي؟ وهل الإسلام دين القسوة والجفوة والشدة؟ أم هو دين اللّين والتسامح والمعاملة بالحسنى؟


هذه عشرة أسباب لتعثر انتصار الثورة في سوريا. فإذا قال قائل بأنّ الحراك لم يصل إلى نهايته بعد والمعارك لا تزال مستمرة وقد تؤدي إلى انتصار الثورة. نقول بأن تحقيق النصر له أسباب ولا بدّ للثورة السورية من أن تأخذ بالأسباب. الوضع الحالي في سوريا هو الوضع الأنسب للكيان الصهيوني لذلك تجد الغرب الاستعماري والشرق الباحث عن دور ينفخ لزيادة نار الحرب ولا يُسمح لا بانتصار الثورة ولا بانتصار النظام لتبقى الحرب مستمرة على حساب الشعب السوري بشرياً ومادياً.


إن أولى أسباب الانتصار هي توحيد الفصائل تحت قيادة واحدة وتشكيل مجلس عسكري يضم الجميع ويمثل التنوع الفكري والسياسي الموجود في سوريا. ثمّ بعد ذلك وضع الخطط لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. ولدينا مثال حي يمكن الاقتداء به هو الثورة العراقية التي نجحت في طرد المحتل الأميركي وهي قاب قوسين أو أدنى على طرد النفوذ الفارسي من العراق. هذه الثورة كانت شرارتها الأولى جيش الرئيس الشهيد صدام حسين الذي تحول بعد الاحتلال إلى مقاومة ثمّ انضمت إليه فصائل أخرى من نسيج المجتمع العراقي منها القومي ومنها الإسلامي ومنها الوطني ولكنها جميعها تحت قيادة واحدة ولها أهدافها الواضحة وهي تتصرف وفق ما تمليه المصلحة الوطنية فلا تخطف ولا تذبح بل تعفو عن جنود جيش المالكي الذين يستسلمون وتسلمهم إلى أهاليهم وعشائرهم. وهي أمام خطة واضحة وتخطيط مسبق لتحقيق الهدف. ولعلّ الخطوط الأولى والرؤية المستقبلية كانت قد وضعت قبل الاحتلال.


فهل الثورة السورية قادرة على الأخذ بأسباب تجاوز التعثر ومن ثم النصر؟ وهل هي مستعدة لذلك؟ وهل وضعها الحالي يسمح بهذا؟ أسئلة كثيرة تجب الإجابة عليها قبل كل شيء.






الثلاثاء ١٧ رمضــان ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / تمــوز / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب العدل محمد يحيى نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة