شبكة ذي قار
عـاجـل










يؤسفني جداً أن يتداول أكاديميون وإعلاميون ومثقفون وواعون تصريحات مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه، التي أطلقها في واشنطن خلال مؤتمر حول الاستخبارات، وقال فيها إن "الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة"، وإن دولاً مثل العراق أو سورية لن تستعيد أبداً حدودها السابقة، وتابعه في هذا التصريح مدير السي آي إيه الأمريكية.

إنهم يتداولون هذه التصريحات من دون أي تعليق، مما يوحي أن ما جاء فيها بمنزلة الكتاب المنزل الذي لا تمكن مناقشته أبداً.

والواقع، أن هؤلاء السادة ومعهم باجوليه ومدير السي أي أيه يتناسون عنصراً لن تستقيم المعادلة التي يفترضونها من دون حضوره، وهو إرادة الشعب، الذي أفرز الغرباء وعرف أنه في خندق واحد مقابل خندق العملاء.

لا تغمضوا أعينكم لكي تروا تظاهرات العراقيين، ولا تسدوا آذانكم لكي تسمعوا ما يقول المتظاهرون .. إن وعي الشعب يتفجر من كلمات يطلقها أبسط مواطن عراقي، فيما أنتم بشهاداتكم الأكاديمية وصفاتكم الإعلامية وثقافتكم التي تدعونها ووعيكم المزعوم لم تستطيعوا قراءة إرادة الشعب الثائر.

أعجبني التحذير الذي وجهته أستاذة علم الاجتماع القديرة الدكتورة منى العينه جي، فهي تنبهنا وتقول إن أوضاع العراق البائسة إذا استمرت على ما نحن فيه الآن فإن ما قاله باجوليه سيكون حقيقة واقعة لا محال.

نعم، إن عبء تغيير هذا الواقع والوقوف بوجهه بقوة يقع على عاتق أبناء الشعب الذين وعوا أن هؤلاء القابعين في المنطقة الخضراء ليسوا منهم، وإنما غرباء لبسوا زيهم وتكلموا بلسانهم واندسوا بينهم بمساعدة المحتل الذي أرادهم لتنفيذ فوضاه الخلاقة .. لكن للشعب إرادة أخرى تعاكس إرادة المحتل وتريد أن ترتقي بوطنها وتعمره بعد كنس هؤلاء الغرباء المخادعين السارقين الخونة.

أنا أحترم كثيراً وجهة نظر الدكتورة العينه جي وآرائها، ولكني لا أتفق معها في نظرتها التشاؤمية وهي من بين خير من يعرف معدن العراقيين الذين مرت بهم محن مثل التي يمرون بها وخرجوا منها شامخين.

نعم، أنا أعدّ نظرة الدكتورة العينه جي متشائمة حين تقول: "ليست الحدود هي المتأثرة فقط لأن الحقيقة التي نراها على أرض الواقع تشير إلى أنه لن يكون هناك "عراق نعرفه"، فمناطق هجر أهلها جماعياً ومناطق استبيحت بالكامل ومناطق منكوبة يعيش أهلها بلا مأوى بشري .. عراق بلا خدمات إنسانية ... عراق تتسابق عليه الأوبئة والأمراض الخبيثة .. عراق أشهر إفلاسه الأخلاقي قبل إفلاسه المالي.. عراق مهمل مهجور اقتلع منه البشر كما اقتلع الشجر".

ثم تتساءل : "كيف سيكون الوضع بعد زمن لن ننتظره طويلاً؟ ولمن سيكون العراق بعد خراب كامل وحيث يحمل ساستنا ما غلا ثمنه وخف حمله ليعودوا إلى أوطانهم بالجنسية لتحميهم من الحساب؟".

إن هذه الهواجس كلها لن تتحقق – في اعتقادي – فالمخاض الذي مرّ به الشعب وأفرز وعياً حاداً عابراً للطائفية، مما لم يكن أحد يتخيل أنه بالغ هذا المبلغ في مثل هذه المدة القصيرة، هذا المخاض نفسه سيخلق القائد الجماهيري الوطني الذي سيمشي أمام الجماهير لتحقيق طموحها ومداواة جراحها التي ذكرت بعضاً منها الدكتورة العينه جي.

لنسمع ما يقوله الشعب في تظاهراته لنوقن أن العراق سينهض عملاقاً بشعبه ..
ولن يطول الوقت ..





السبت ١٨ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة