شبكة ذي قار
عـاجـل










واهمون هؤلاء الذين يظنون أن باستطاعتهم تجريد العرب من هويتهم العروبية ومن إنتمائهم القومي ، فلم يكتسب العربي هويته بعيداً عن ارتباطه بالارض التي عاش عليها منذ الاف السنين، واكتسب معها نسيجه الاجتماعي، فهويته هي منتوج اجتماعي تشكل على الأرض ، وهو ما يتناقض مع هؤلاء الذين يريدون تجريد الوطن العربي من عروبته لصالح اثنيات تعيش على الأرض لم تتجاهلهم العروبة ، بل اعتبرتهم كنز لتعزيز الوجود القومي العربي عبر التعايش الاخوي ، في ضوء المواطنة الحقة والعدالة في الحياة على الأرض .

لقد أشارت لينا كنوش من الجزائر في ردها على رابح لونيسي الذي يتهجم على العروبيين " أن القوميين العرب لم يُعرّفوا العروبة يوماً على أنها إنتماء إثني ، بل على العكس ، فهم يعتبرونها بمثابة ساحة تندمج فيها العناصر الإثنية بل والدينية المختلفة، التي يكون قاسمها المشترك هو الإنتماء الثقافي للعالم العربي " .

إن تجريد العراق من عروبته في دستور بريمر بعد الغزو والاحتلال ، والعمل على تعزيز الهوية الكردية على حساب الهوية العربية ، بالاضافة إلى دستور روسيا لسوريا ، وتجريد الدولة السورية من إنتمائها العروبي لهو اكبر مؤامرة على الأمة العربية ، لصالح الاثنيات العرقية التي تعيش على الأرض العربية .

إن الأمة العربية قد تشكلت عبر التاريخ ، ومنذ آلاف السنين، وقد جاء الاسلام وعمل على توحيد هذه الأمة ، والتي كانت قائمة على الأرض بمجموعات سياسية متفرقة وبولاءات متنوعة ، فحق للعروبيين أن يعتزوا بالاسلام ، ويعتبروه الوجه الآخر للعروبة ، لايمكن لهم الفصل عنه كوجهي العملة، فالعروبة والاسلام وجهان لحالة واحدة ، وهو ما يشترك فيه كل المواطنين أو غالبيتهم في عموم اقطار الوطن العربي، مع الاحترام والتقدير لكل أبناء عمومتهم ، وبشكل خاص الذين يدينون بالدين المسيحي ، فالجميع شركاء في المواطنة ، ولكل الحق أن يتوجه بعبادته بالجهة التي يراها ، وبالكيفية التي يقتنع بها دون أن يكون ذلك على حساب الاخرين .

الأمة العربية ليست في طور التكوين بل هي في طور التوحيد ، فتكوين الأمة قد اكتمل منذ زمن بعيد ، وقد جاءت الدعوة الاسلامية ، وشدت من أواصر هذه الأمة ، وساهمت في تقوية نسيجها الاجتماعي ، ولقد أكد العرب هذه الوحدة عندما استقبلوا اخوانهم في الفتوحات العربية على امتداد الأرض العربية من حدودها الشرقية في العراق حتى حدودها الغربية في تطوان وسبته ومليله.

إن الدعوة للنعرات العرقية تهدف لتفتيت الوطن العربي ، وتمزيق نسيجه الاجتماعي ، والقضاء على طموحاته في بناء دولته الواحدة على امتداد الوطن العربي من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي ، وفي هذا المجال لا يختلف الطرح الاثني العرقي عن الطرح الطائفي الذي يتبناه ملالي طهران تحت خيمة الاسلام ، والاسلام منه براء ، مما يؤكد أن الطروحات الاثنية العرقية والطائفية على امتداد الوطن العربي هي طروحات لخدمة الامبريالية الاستعمارية التي تكن العداء لقيام دولة الوحدة العربية ، فهل يعقل أن تقوم دولة موحدة على امتداد الولايات المتحدة بكل اختلافاتها العرقية والاثنية والدينية ، دون أن يكون لها تاريخ عيش مشترك ، ولا ثقافة مشتركة، في الوقت الذي تحارب فيه الأمة العربية التي تحمل في طياتها عوامل الوحدة المشتركة بين أبنائها من لغة ودين وعادات وتقاليد وتاريخ مشترك في تحقيق طموحاتها القومية .

إن الدعوات الاثنية والعرقية والطائفية لا تخدم الا المشروع الصهيوني ، رغم أن هذا الكيان المسخ فيه من عوامل التناقض ما لايمكن احصاؤه ليقيم كياناً على أرض فلسطين، ولا رابط بين مجموعات سكانه إلا ما قامت به الصهيونية من توليد للهلوسات الدينية ، والإرتكاز على الدعم الامبريالي لإستمرارية البقاء والحياة على الأرض الفلسطينية .

يظن هؤلاء الواهمين أن في مقدورهم استغلال حالة الوهن والضعف التي يمر بها العرب ، وأنها فرصتهم لتمزيق أواصر المجتمع العربي للخلاص من هذه الامة ، وما درسوا تاريخ هذه الأمة ، فقد تعرضت لأوضاع أكثر مأساوية مما هي فيه اليوم ، ولكنها تمكنت من التغلب عليها وعلى أعدائها، ونهضت وأعادت بناءها ، وتمكنت من كنس كل هؤلاء الطارئين عليها ، كما يتوهم هؤلاء دعاة التفتيت والتدمير أن في مقدورهم أن تقوم لهم قائمة في وسط مجتمع احتضنهم وكرمهم ، ولم يكن بينه وبينهم إلا المودة على قاعدة المشاركة في المواطنة للجميع على الأرض العربية.

إن ما هو قائم على الأرض العربية من طوائف واثنيات في ظل الإنتماء الثقافي للعروبة لجميع أبناء الأمة ، فيه غناء للمجتمع أن تتفاعل جميع عناصره لتغذية روح المحبة والإنتماء الوطني ، وبحرية المشاركة والعدالة فيما بين الجميع على قاعدة الإنتماء الوطني، فكلنا مواطنون على أرض الوطن ، ولكل جذوره وتوجهاته الدينية التي لا تتقاطع مع مواطنته ، لا بل تعمل على تعزيز دور هذه المواطنة ، فالتشكيلة على الأرض العربية جعلت منه لوحة فسيفساء جميلة تعزز كل قطعة منها جمال الصورة العامة في منظومة الإنتماء القومي ووحدة المصير المشترك .

لم تحظى أي أقلية سواء أكانت عرقية أو دينية بحرية العيش المشترك بأفضل مما حظيت فيه في أي مكان آخر على امتداد الكرة الارضية مما كانت عليه في الدولة العربية، فقد تعزز دور الاقليات على امتداد الوطن العربي وفي كل عصور الدولة العربية ، ونال الجميع من ابناء هذه الاقليات دورها في جميع مجالات الحياة ، وقد ساهمت في اغناء اللوحة الاجتماعية ، وشاركت في المنتوج الحضاري للامة ، ولم يسجل التاريخ ولو حادثة عرقية أو طائفية واحدة قد تم ممارستها في الدولة العربية ضد هذه الطائفة أو تلك الاقلية العرقية ، لا بل قد لمعت أسماء من هذه العرقيات والاديان والطوائف لو لم تتوفر فيها البيئة العربية السمحة لم سمع العالم بها.

إن الهجمة الامبريالية الصهيونية الصفوية على الأمة العربية لم تكن الأولى في تاريخ هذه الأمة، ولقد مرت بهجمات كان العرب فيها أسوأ مما هم فيه اليوم ، وقيض الله لهذه الأمة من عمل على قيادتها وتوحيدها وحقق لها النصر ، فعادت تمارس دورها الحضاري الإنساني ، وهي قادرة بفعل عناصر الوحدة وما تملكه من ارادة قوية، رغم ما يظن البعض أن العرب لم تعد لديهم الارادة ، وأن سباتهم سيستمر إلى الأبد ، فمن يقرأ جيداً ليقرأ حال العرب قبل الغزو الصليبي واثناءه ، وماذا آلت اليه هذه الحالة التي جندت فيه اوروبا كل قواتها للسيطرة على فلسطين وبيت المقدس؟ ، فقد نهضت الأمة وطردت الغزاة ، وليس على الأمة ببعيد في كنس الصهاينة من فلسطين ، وطرد الفرس المجوس من بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت ، فالجميع من هؤلاء الامبرياليين والصهاينة والصفويين سيلعنهم التاريخ ويخزيهم بعد أن يتم القضاء على طموحاتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية في حق الإنسان والإنسانية على الأرض العربية .

dr_fraijat45@yahoo.com





السبت ٣٠ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة