شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

مهما طال أمد الحرب، لا بد من الجلوس على طاولة المفاوضات .. ومهما كانت ولادة النظام الدولي الجديد عسيرة لا بد من أن تتمخض عن قطبية متعددة .. لأن الأحادية التي تتطلع إليها الأمبريالية الأمريكية لن تتحقق ، وإن الثنائية القطبية التي تتطلع إليها ( الأمبراطورية ) القيصرية لن تتحقق .. والصراع لن يطول كثيرًا .. لأن سياسة الأستنزاف لن تقوى عليها موسكو .. وإن سياسة عض الأصابع ولي الأذرع لن تقوى عليها واشنطن .. دعونا ننتظر .. !!

- سياسة الردع المتبادل في العمق الآسيوي :

- روسيا - تركيا - إيران .. لمحة تاريخية ذات طابع إستراتيجي :

1- سياسة الردع المتبادل في العمق الآسيوي :

ما انفكت كوريا الشمالية تلعب في مسألة الردع على مستوى الأسلحة غير التقليدية وتعاند في موضوع إختبارات الصواريخ البالستية ومدياتها، إعتقادًا منها بأنها ستصل إلى مستوى الردع المتبادل المؤكد .. وهذا الأعتقاد ينطوي على غرور القوة الذرية التي لن تستخدم إلا من أجل الردع الأيجابي الذي يتطلع إلى بناء علاقات إنمائية وليست علاقات عدوانية إستلابية وإبتزازية .. فيما تجابه من لدن الغرب بإمكانيات الرد المناسب، الذي لن تقدر على تحمله كوريا الشمالية .!!

هذا مدخل للحديث عن إشكالية مفهوم الردع وكيفية التعامل معه :

النظام الدولي الراهن في مخاض عسير، ينطوي على مخاطر بالغة .. والعلاقات بين أركان هذا النظام الراهن علاقات ( هشة ) تدفع إلى الأحتكاك والتماس وربما التصادم .. فالقوى من حيث التكوين باتت تتحول بسرعة غير مسبوقة .. بعضها متصاعدة والبعض الأخر يتجاهل مسئلة القدرات ومعايير ومقاسات القوة ، فيما يتحدى البعض الآخر بغباء قواعد العلاقات الدولية ويحاول أن يجد طريقه إلى خارج أطر توازنات الأمن الدولي .. والخطورة تكمن في ( المرحلة الأنتقالية ) .. من القطبية الثنائية، التي انهارت بتفكك الأتحاد السوفياتي وإنهيار المنظومة الشرقية وحلف ( وارسو ) ، إلى القطبية الأحادية التي تزعمت أمريكا النظام الدولي بصورة إنفرادية وقسرية وأشعلت حروب ( غير ضرورية ) وصيرت العالم يعيش في فوضى قاتلة، حتى أن آثارها ما تزال تربك السياسات الدولية، وهي تعيش مخاضاتها على المسرح السياسي الدولي .. وبفعل الحروب الأمبريالية التي شنتها القطبية الأحادية خارج القانون الدولي .. باتت القطبية الأحادية في وضع التراجع وسببت لها إنهيارات اقتصادية ومشكلات إجتماعية في الداخل الأمريكي والأوربي على حدٍ سواء.

- وفي أجواء التراجعات الأمريكية، تعتقد موسكو إن نظامًا عالميًا يلوح في الأفق يتمتع بإمكانات تجعله أكثر إستقرارًا مما يسمى بالسلام الأمريكي ( Pax Americans ) ، وإن روسيا ستكون إحدى ركائز هذا النظام .. وهو إعتقاد سابق لأوانه، وذلك لأن ( القوة ) وإستخداماتها لوحدها لا تجعل من الدولة مؤثرة في النظام الدولي الجديد، إنما هنالك عناصر أخرى ومقومات لها شروط من شأنها بلورة كيان القطب حيث بناء القوة الشاملة والأقتصاد المتكامل والموارد المادية والبشرية، التي تظهر في إطار الجيو- بوليتكس، فيما تبرز القدرة على الأستقطاب في إطار الجيو- ستراتيجيك، فضلاً عن العقل القيادي القادر على صنع القرار الحاسم والصائب .

- إن ما يشغل موسكو هو ( وقف ) زحف الناتو وتوسعه في المجال الحيوي الروسي .. وهذا يستنزف معظم طاقات روسيا .. ومن المبكر الحديث عن بناء روسيا كيانها ( المتوازن ) في الصراع الدولي، على أساس من أن الغرب قد تقوضت سلطته الأخلاقية وقوته الناعمة .. لأن هذه السلطة أساسًا قد سقطت أخلاقيًا من جهة وتنامت ماديًا وتكنولوجيًا من جهة أخرى .. ومن هنا يمكن تأشير إختلال التوازن، الذي يعاني منه الغرب حضاريًا .

- فمن الخطأ التركيز فقط على قدرات ( أمريكا وإسرائيل وإيران ) عند تناول مخططاتها الأمبراطورية بالتحليل .. ولكنه من الصواب أيضًا التركيز على التقهقر والأنحسار الداخلي لكل من أمريكا والكيان الصهيوني والنظام الفارسي، وافتضاح تلك المخططات آيديولوجيًا وسياسيًا وعسكريًا .. فأمريكا لها مشكلاتها وتداعياتها الداخلية، و ( إسرائيل ) لها إشكالاتها وضعفها في عنصريتها ولآإنسانيتها، وإيران لها إنهياراتها الداخلية إقتصاديًا وتفككها اجتماعيًا وتناحراتها القومية وخوائها العنصري والطائفي وضعفها وإفتضاح أمرها آيديولوجيًا- دينيًا ومذهبيًا وعنصريا وإستعماريًا - ومن الصعب إعتقاد الدولة بأنها على المسار الصحيح من التاريخ وخاصة في مجال ( القوة ) كالدولة الكورية الشمالية والدولة الأيرانية .. لأن غرور القوة خطأ جسيم، لأن التاريخ ( لانهاية ) له، وإن بناء النظام العالمي لايتم بساعد واحد، إنما بتظافر كل دول العالم في جهود من أجل إرساء دعائم الأمن والأستقرار والتنمية في العالم .

- ( الثلاثية الكبرى ) ، التي دعا إليها " هنري كيسنجر " وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، ودعا إليها أيضًا " زبيغنيو بريجنسكي " مستشار الأمن القومي الأسبق، إعتقادًا منهما بأن ( الثلاثية القطبية ) تساعد على نزع فتيل التوترات، التي تحصل في العلاقات الثنائية، وليس على المستوى الدولي .. وذلك بشرط وضع جميع عناصر الأمن - ممثلة بأمن الأسلحة النووية، والأمن السيبراني فضلاً عن السياسة ، لأغراض تعزيز الردع المتبادل المؤكد .

- المرحلة الأنتقالية هذه، التي تبدأ بـ ( الثلاثية القطبية الكبرى ) ، يمكن أن تتوسع لتشمل قوى كبرى حقيقية مؤثرة خمس في مجرى السياسة الدولية .. فدور الصين مثلاً يمكن أن يكون ميدانيًا لحل النزاعات، لأن الصين تتجنب الصراعات الأقليمية ولا تفرط في حقوقها السيادية، وتتحاشى ( الأستنزاف ) عكس روسيا التي تهورت وتسرعت بدخولها صراعات إستزاف مهلكة بإقتصاد ضعيف.!!

المشكلة الكورية الشمالية .. كيف تعالج ؟ :

- كوريا الشمالية تهورت إقليميًا بسياستها الخارجية كما هي عليه إيران إعتقادًا منهما بأنهما تسيران في خط التاريخ ومسار صائب مدفوعتان بغرور القوة .. الأولى بالقوة النووية والصاروخية، والثانية بالقوة الآيديولوجية والأختبارات الصاروخية .. والعالم لن يصبر على إستهتارهما أبدًا .. فكوريا الشمالية تقوم بتحويل جزء كبير من مواردها الضعيفة لمواصلة تطوير اسلحة نووية وبرامج كثيرة مكلفة لصواريخ بالستية .. وصادراتها لا تتعدى ( 3 ) ثلاثة مليارات دولار سنويًا .. فيما إيران تقوم بتحويل مواردها المالية وتستغل موارد العراق لمواصلة برامج صواريخها وتمويل منهجها الآيديولوجي التسليحي الخارجي، وهي تعاني من هشاشة إقتصادها البنيوي وقدراتها الضعيفة في ترميم حتى بنيتها التحتية .

- تحاول دول العالم المؤثرة الضغط على كوريا الشمالية للجلوس على طاولة المفاوضات، حيث صدر قرار مجلس الأمن الدولي، الذي قيد صادرات كوريا الشمالية من ( الفحم والحديد وخام الحديد والرصاص وخام الرصاص والثروات البحرية، عدا شحنات المنتجات النفطية، ومنع إقامة أي شركات جديدة مشتركة بين شركات كورية شمالية وأجنبية، ووقف الأستثمارات، ومنعها من زيادة حصصها من العاملين في الخارج، ومنع رسو السفن الكورية الشمالية في موانئ الدول الأخرى، واضافة بنك التجارة الأجنبي وشخصيات كورية شمالية متنفذه إلى قائمة كيانات التجميد.

- الصين تعتبر الشريك التجاري الرئيس لكوريا الشمالية .. تضغط أمريكا عليها من اجل رضوخ كوريا الشمالية للمفاوضات .. والضغوط الأقتصادية والسياسية والتحركات العسكرية الأمريكية مستمرة على بكين وموسكو من اجل تمرير قرار العقوبات في مجلس الأمن الدولي .. ولبكين وموسكو حق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن .. ومفتاح الحل في ( بكين ) وإلى حدٍ ما في ( موسكو ) .. حيث صوتت كلا العاصمتين على تمرير قرار العقوبات ضد كوريا الشمالية مؤخرًا .. ومن هنا تبدأ لعبة التسويات أو الصفقات في العمق الآسيوي وفي خارجه.

- هنالك مقترح بأن يصار إلى عقد إجتماع بزعامة الصين، يشتمل على كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان وروسيا، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في محادثات حول ( كيفية التعامل مع القضية الكورية الشمالية ) ، ربما يأخذ الأجتماع شكل ( 5+1 ) حيث تترأس الصين هذه المجموعة لوضع صيغة عملية من أجل سحب كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات.

- تضع امريكا في حساباتها عجز او مراوغة الصين حول ممارسة الضغط لأيقاف التجارب الصاروخية البالستية التي تطلقها كوريا الشمالية .. فهي تلوح بملف الصين التجاري بفرض عقوبات تجارية قاسية على منتجي الصلب في الصين، وكذلك كبريات الشركات الصينية وخاصة شركات الأنترنت .. فيما تضع أمريكا أيضًا خيارات عسكرية على وفق مبدأ ( الضربة الأستباقية ) حيال تمادي كوريا الشمالية في تهديداتها لليابان ولكوريا الجنوبية وللأراضي الأمريكية .

- في ظل الأزمة الكورية الشمالية، يتوجب ضبط مسارات السياسة الخارجية الأمريكية والصينية والروسية واليابانية والكورية الجنوبية، والتوجه - كما ترى أمريكا - صوب طاولة المفاوضات لأبعاد شبح الحرب وخياراتها الكارثية، ليس على البشر فحسب، إنما على معاهدات الحد من الأنتشار النووي، ومنع نشوء ما يسمى بـ ( الفراغ القانوني ) ، الذي قد تستغله دول مارقة مثل إيران لتعزيز مساعيها الغبية نحو امتلاك السلاح النووي.

- فأذا أريد للعمق الآسيوي الأمن والأستقرار، فأن دولة واحدة من الصعب عليها إنجازه، إنما بتظافر الجهود الدولية من اجل إرغام كوريا الشمالية وإيران المارقتين وكبح جماحهما ومعاقبتهما على خروجهما على الأجماع الدولي .. أما الكيان الصهيوني، فعلى مجلس الأمن الدولي أن يبادر إلى إرغامه على عرض مخزونه وخضوعه للفقرة ( 14 ) من قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 687/ 1991 - التي تقضي بإنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وجميع قذائف إيصالها، وهدف فرض حظر عالمي على ألأسلحة الكيميائية ) .

- بدأت الصين وكوريا الشمالية محادثاتهما يوم 6 / 08 / 2019 تمهيدًا للقمة الأقليمية ( آسيان ) ، وطالبت بكين جميع الأطراف المعنية بوقف برنامج الأسلحة النووية وإختبارات الصواريخ البالستية ، وأكدت على أن عقوبات مجلس الأمن الدولي الأخيرة ضد كوريا الشمالية هي ( ضرورية .. ولكنها ليست الغرض النهائي ) ، والهدف الأساس هو نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية .. جاء هذا على هامش مؤتمر مانيلا الأخير ( آسيان ) .

- تهديد العمق الآسيوي قد تم محاصرته وإنهائه بقرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي اكتسب الدرجة القطعية بإجماع أعضاء مجلس الأمن .. أما الأجراءات بشأن التهديد الأيراني فهي الآن في موضع التنفيذ الفعلي بتقليم أظافرإيران وإنهاء نفوذها في العراق وسوريا والمنطقة وإرغام مليشياتها على الهروب إلى داخل حدودها الأقليمية، ثم معالجة وضعها الداخلي بتغيير سلوكها كليًا .. وكما أن روسيا والصين لا مانع لديهما من إنهاء التهديد الكوري الشمالي، لا مانع لديهما بإنهاء التهديد الأيراني لدول الجوار والمنطقة .. من أجل أمن واستقرار العمق الآسيوي، ومن أجل أمن وإستقرار منطقة الشرق الأوسط على حدً سواء .. وهنا جاء مبدأ الأولويات في فرض سياقات العمل السياسي- الأستراتيجي الدولي.!!

- روسيا وتكافؤ ردود الأفعال .. والعقوبات :

- إيران – تركيا – روسيا .. لمحة ذات طابع إستراتيجي :

يتبـــــــــــــــع ...





الخميس ١٧ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أب / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة