شبكة ذي قار
عـاجـل










مما لا شكّ فيه أنّ كلّ القطاعات الحيوية والثانوية انحدر مستواها بعد الغزو الامريكي- الايراني للعراق واصبحت في ادنى مستوياتها، حتى باتت لا تقدم ادنى مستويات الخدمة المطلوبة منها للمواطن، وهذا ليس بسبب حرب او حصار، مقارنة بحالها قبل نيسان 2003، ففي تلك الفترة ( زمن الحصار ) كانت في افضل احوالها او على الاقل محافظة على استقرارها وعطائها، ونحن نتحدث عن قطاعات بامكانيات دولة، وليست قطاعات خاصة او مختلطة، اي ان الدولة هي التي تديرها وتمولها وتوجهها، علما ان العراق بعد 2003 تم رفع الحصار عنه وتم رفع الحجز عن ارصدته، واركان الحكومة المليشياوية يجوبون العالم ليشتروا العقارات بأموال العراقيين، ومن هذه القطاعات قطاع التعليم والذي يصنف عالميا من اهم الروافد التي تعتمد عليها الدول في بناء مستقبلها وتخط لها الخطط لكي تنتج مجتمعا مثقفا متماسكا كفوءً ومنتجا يبني البلد ويسلمه لأجيال لاحقة، وهكذا تسير الحياة، وهذا ما تجري عليه الطبيعة في كل دول العالم سواء كانت دول عالم ثالث ام اول ذات نهج اشتراكي او رأسمالي.

اما العراق المبتلى بالغزو ومن ثم الاحتلال، وبعدها سيطرة المليشيات على كل مفاصله، فمصيبته لا مثيل لها ولا نظير، ونستطيع هنا ان نلخص الخطوط العريضة لأهم مميزات التعليم بعد نيسان 2003 في العراق، ولنصل الى الكارثة التي نحن في صددها اليوم والتي تغض عنها النظر حكومة المليشيات التي تحكم العراق اليوم، وتسرق خيراته وتدمر اجياله مع سبق الاصرار والترصد، وإليكم اهم ما يعانيه التعليم في عراق اليوم من المرحلة الابتدائية وانتهاءً بالجامعية :

۞ اكبر مشاكل التعليم الاساسي في العراق والتي تنحصر ما بين المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية هي التسرب المدرسي والذي بلغ ذروته في السنوات المنحصرة بين 2006 ولغاية 2017، حيث ان الطلاب الذين يجب ان يكونوا ضمن مقاعد الدراسة في تلك السنوات اغلبهم تركوها، إمّا لصعوبة المعيشة فاتجهوا للعمل لمساعدة اهلهم، او التسول والسرقة، كما ان عددا كبيرا من المتسربين هم من ابناء المناطق المنكوبة والتي تعرضت اما لخطر الارهاب التكفيري والمليشياوي، او الارهاب الحكومي، وما طال مناطقهم من قصف وتدمير وتهجير اجبرهم على النزوح داخليا لمناطق اكثر امنا ليعيشوا ضمن مخيمات نزوح يقدر عددهم حسب احصاءات حكومية بأربعة ملايين نازح نصفهم في عمر الدراسة، وللعلم فإنّ المخيمات لا تقدم اي تعليم نظامي للطلاب، بل يتم تقديم مايسمى بالصفوف العلاجية، وهو نظام تعليم طوارئ تنتهجه المنظمات الانسانية ومفوضية شؤون اللاجئين، وهذا النظام يقوم بتعليم الطلاب الخطوط العريضة للمواد الدراسية التي تدرس في المدارس الحكومية، ويحق للطالب ( ان فهم المادة واستوعبها ) ان يدخل ضمن نظام التسريع، وهو ان يجتاز الطالب مرحلة او مرحلتين دراسيتين ليصل الى الصف الذي يليه، وحسب عمره، ولكن كيف لطالب يعيش في خيمة وفي مخيم لجوء اي يتوفر له كل الجو التعليمي المطلوب ليقوم بكل تلك العملية من دراسة في صفوف ليست مخصصة للدراسة، ويعبر اكثر من مرحلة، وكلنا نعلم جيدا ان العوائل النازحة اكبر همومها هي الحصول على لقمة العيش والبقاء بأمان في ظل دولة تحكمها مليشيات مستهترة ومسعورة.

۞ المشكلة الاخرى هي اهمال قانون إلزامية التعليم.. في زمن الحكم الوطني، وايام ما كان المواطن العراقي هو الشغل الشاغل للحكومة العراقية، وكيف انها كانت تستنفر كل السواعد لكي يعيش المواطن مرتاحا متمتعا بكل الخدمات المقدمة له، كان هنالك قانون يلزم الاهل بإدخال ابناءهم للمدرسة منذ عمر السابعة وحتى الثامنة عشر، وكانت العوائل المخالفة تحاسب ويتعرض المعيل احيانا للسجن في حال مخالفته القانون، حيث كانت الدولة تمنع عمالة الاطفال تحت السن القانوني وتجرم هذا الفعل، لأنه يعني تسرب الطالب من مقاعد المدرسة نحو العمل، او حتى غير العمل، وبالتالي فإنّ البلد سوف يخسر طاقة احد ابنائه، اما اليوم فحدث ولا حرج، والارقام التي سوف تذكر لاحقا ستبين فداحة الموقف.

۞ انعدام كفاءة الطواقم التدريسية وتهديد المدرسين اهم ميزات التعليم في عراق ما بعد نيسان 2003، فخلال العقد ونصف الماضي قتل عدد كبير من المدرسين الاكفاء، ومثلهم او اقل قليلا من المدراء، اما لأسباب تتعلق برسوب طالب او تعنيفه من قبل المدرس فتنتقم عشيرته له بالقتل، او بسبب نزاعات عشائرية وقبلية، او لأن المدرسين والمدراء يخالفون الاحزاب المليشياوية الرأي والتوجه، وبالتالي تتم تصفيتهم بكل سهولة، بما ان العراق بات يعيش شريعة الغاب بكل شيء، وبالتالي اصبح المعلم والمدرس والمدير عرضة لرصاصة موجهة لرأسه في أيّة لحظة، وفي ظل فقدان الامان هذا فإنّه سيفكر الف مرة قبل ان يقدم على معاتبة طالب او توبيخه او اعطائه درجة دنيا، اضف الى ذلك فإن الكليات والمعاهد التي تخرج كوادر المدرسين اصبحت ليس كما في السابق تنتهج منهجا علميا في التعليم، فالتعليم الجامعي اليوم والمختص بتخريج معلمين الصف والمدرسين ذوي الاختصاص، اصبح يعتمد على المحسوبية والحزبية والانتماءات العشائرية والمذهبية، ويوجه بقوة السلاح لا بقوة العلم والفكر، وبالتالي فإنّ من يتخرج منها يحمل الشهادة نعم، ولكنه لا يحمل اي علم يفيد به الاجيال التي سوف يعلمها.

۞ اغلب المدرسين والمعلمين والمدراء ذوي الخبرة والمهارة والمهنية، والذين تخرجوا من تحت ايديهم كل اطباء ومهندسي وعلماء العراق، هم اليوم في اسوء احوالهم، فهم معزولون ومفصولون من عملهم، ولا يحق لهم استلام أيّة رواتب تقاعدية او أيّة حقوق مدنية بسبب قرارت الاحتلال الخاصة بقوانين المساءلة سيئة الصيت، والتي حرمت نصف الشعب العراقي من حقوقه، وبالتالي فإنّ اغلب الكوادر التي تمتهن مهمنة التعليم اليوم هي كوادر جديدة بلا خبرة ولا مهارة ولا رؤية واضحة.

۞ كل من امسك بزمام الامور في وزارة التربية العراقية منذ نيسان 2003 ولغاية اليوم هم من اللصوص والمرتزقة وممن أتوا معلقين على احذية المحتل، همهم الوحيد السرقة وتعبئة جيوبهم بمال الشعب لعراقي، والامثلة كثيرة، منها احد اقطاب الاحزاب الحاكمة ويحمل الجنسية البريطانية، متهم بفضيحة ادخال اغذية فاسدة للعراق ومحكوم عليه بالسجن عندما كان وزيرا للتجارة، قبلها تسنم منصب وزير التربية وزار احد المراكز الامتحانية، وعندما اشتكى احد الطلاب من الحر وأنّ القاعة الامتحانية لا تتوفر فيها مراوح، اخرج سلاحه الشخصي واطلق الرصاص على الطالب، ومكافأة له تم اعفائه من مسؤولية وزارة التربية واستوزروه على التجارة ليسرق مايحلو له!! وزير آخر غيّر المناهج التدريسية بكلفة اربعة مليارات دينار عراقي لمدة ثلاثة مرات خلال خمسة اشهر بحجة قدم المناهج وتهالك الكتب، وبعد فترة تم اكتشاف اطنان من الكتب القديمة يتم حرقها بإيعاز من الوزير المذكور حتى يمحي اثار فساده، وكانت الكتب المذكورة لا تزال بأغلفتها المطبعية ( النايلون ) اي انها جديدة تماما!! مؤخرا تم إلغاء نتائج امتحانات 98 مركز امتحاني ضمن مديرية تربية محافظة نينوى بدون سبب يذكر، علما ان طلاب تلك المدارس عانوا ما عانوه خلال فترة الارهاب وسيطرة التنظيمات الارهابية على مناطقهم، وبطبيعة الحال فإنّهم لم يكملوا دراستهم، وعندما سنحت الفرصة لذلك بعد ( تحرير ) مناطقهم وامتحنوا تم الغاء النتائج!! وفي ذات الوقت تقوم الميليشيات في مناطق اخرى من العراق بالدخول عنوة للقاعات الامتحانية وتحت تهديد السلاح تعمل على حل الاسئلة للطلاب التابعين لها او اقاربهم وبعلم ومباركة وزارة التربية.

اما موضوعنا اليوم فهو الكارثة بعينها والمصيبة المتجسدة بما حدث لمواليد 1999، حيث ان مواليد هذه السنة دخلوا الاول ابتدائي سنة 2006، اي بعد ثلاثة اعوام من كارثة الاحتلال التي حلت بالعراق، ويقدر عددهم بمليون طالب حسب احصائيات وزارة التربية، لكن الذين امتحنوا منهم الامتحان النهائي (البكالوريا) هذا العام 2017، حسب نفس الاحصائية اربعمائة الف طالب فقط، اي ان هنالك ستمائة الف طالب لم يكملوا دراستهم الابتدائية، وهم موزعون ما بين النزوح والهجرة، والتسرب المدرسي المؤدي الى التسول او الانخراط بعالم الجريمة والمليشيات وغيرها، والادهى ان الذي نجحوا من الاربعمائة الف طالب، هم ما تقدر نسبته بثمانية وعشرين بالمائة في الدور الاول، اي ان العدد حتى لم يصل الى المائتي الف طالب ناجح ومؤهل للتعليم الثانوي!

الارقام كلها مأخوذة من احصائيات وزارة التربية الحالية، ولا ندري هل يتم نشرها من باب التباهي بالمصيبة، ام انهم لا يدرون مايفعلون، فأن يضيع ستمائة الف طالب في المجهول، يعني خلق مجتمع مشبع بالمتسربين والعشوائيين والاميين والمجرمين، كما انها تعني بالمعايير العالمية خسارة طاقات شابة كان من الممكن ان تبني البلد وترفع من مستواه، وكان من الممكن ان يخرج من ضمن هؤلاء اطباء ومهندسين وطيارين واساتذة جامعات يخدمون بلدا عاش نكبة الغزو والاحتلال، وقاسى ما قاسى، ولكن قلناها مراراً ونقولها دوما، انها مؤامرة كبرى تستهدف كل شيء في بلدنا، ولم تستثن حتى الحجر، فإذا هان الانسان من خلال اهانة التعليم، فلا عجب بأنّ الميليشيات تصول وتجول وتقتل العراقيين لأنهم عراقيين !!

لجنة الثقافة والإعلام
هيئة طلبة وشباب العراق / تنظيمات الخارج

 





الاثنين ٦ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أب / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحفاد حمورابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة