شبكة ذي قار
عـاجـل










الوحدة العربية هي مفهوم يجسد واقعا يعايشه ابناء الامة العربية وان لم تتحقق صيغتها السياسية بعد لذا فقد شكل تحقيقها هدفا سياسيا نادى به الشباب العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر جراء ماكان يعانيه العرب من فقر ومرض وجهل في ظل الاحتلال الاجنبي.وان فكرة الوحدة العربية ، تقوم بالاساس على استلهام التاريخ الحضاري للعرب ، المتمثل بالمنجزات الحضارية لصدر الرسالة السماوية ومن ثم الدولة الاموية العربية والعباسية العربية الاسلامية وبالرسالة التي مثلت المنجزات التي صدرها العرب الى الشعوب والامم ولاسيما اوربا التي كانت تعيش عصورا مظلمة حينها.والفكر الوحدوي يقوم ايضا على ان العرب من حقهم تحقيق حلم الدولة الواحدة بعد ازالة الحدود السياسية المصطنعة التي رسمت من قبل الاستعمار الغربي بعد الحرب العالمية الاولى.

وقد سعى الشباب العربي المتنور انذاك الى التفكير في تحقيق وحدة امتهم وتحقيق اهداف الشعب العربي في التحرر والتوزيع العادل للثروة التي كانت نهب للمستعمر الشرقي والغربي على حد سواء.

لكن تحقيق هذا الهدف الكبير لم يكن سهلا ، فقد سعى الغرب الامبريالي الى اعاقتها بشتى الوسائل والتي كان اخطرها زرع الكيان الصهيوني في فلسطين العربية لجعلها كما الجدار العازل بين المشرق العربي ومغربه وبذلك يحول دون تحقيق الحلم العربي في الوحدة ، وعمل الغرب ايضا ،على وتقسيم بلاد الشام وباقي الاقطار العربية حسب إتفاقية { سايكس بيكو } عام ١٩١٦.ورغم كل ما تعرضت له الامة من استهداف لمنع قيام الوحدة الا ان فكرة الوحدة لم تبارح عقول وقلوب العرب في كل مكان وزمان وذلك لان اسسها الواقعية والتاريخية والمستقبلية ما زالت قائمة كما ان تحديات العصر تثبت كل يوم ان بالتكامل العربي تنهض الامة وتزدهر.

فالمقومات التي تقود الى تحقيق الوحدة العربية متوفرة على امتداد الوطن العربي واستنادا الى مقومات سنذكرها فيما بعد ، واذا ما قارنا الامر مع القارة الاوربية نرى ان هناك فرقا شاسعا بين الاقطار العربية التي تعجز عن تحقيق الوحدة العربية وبين الدول الاوربية التي حققت الاتحاد الاوربي رغم عدم وجود اي من المقومات باستثناء المصالح الاقتصادية المشتركة.وفي ظل الاستهداف المنقطع النضير للامة ولفكرة وحدتها بالذات، يرى البعض ضرورة البحث عن مبادرات مرحلية تشكل خطوات جادة على طريق تحقيق الوحدة العربية على المدى البعيد بدلا من الاستسلام واليأس.

ويستلهم الكثير من التجارب المعاصرة ومنها النموذج الاوربي للتفكير في مبادرات على طريق الوحدة بدلاً عن الجامعة العربية التي لم تحقق ماتطمح اليه الجماهير العربية ولو بتحقيق الحد الادنى من التوافق.فالاتحاد الاوربي الذي نجح في تشكيل قوة فاعلة و كبيرة على مستوى العالم وكذلك النماذج العالمية الاخرى التي تشهد ان شعوبا عديدة تحاول التجمع والتكتل لتنشئ قوى موحدة اكثر قوة وفاعلية للوقوف بوجه استفراد القوى الكبرى.وهذه وغيرها من النماذج الناجحة تدعوا الى قيام العرب بمبادرات من الممكن ان تشكل خطوة على طريق تحقيق حلم الوحدة العربية الشاملة المنشودة، اذا ما تمكنت الحكومات والانظمة العربية من التحرر من التبعية والاستسلام للهيمنة الاجنبية واستندت الى الجماهير العربية كمصدر لقوتها وشرعيتها اضافة الى العوامل الطبيعية التي تشكل مقومات قيام الوحدة العربية ، فما هي تلك العوامل ؟.

مقومات الوحدة العربية هي :
١ـ العوامل الطبيعية : تمتدّ أراضي الوطن العربي من الخليج العربي شرقاً الى المحيط الأطلسي غرباً.و تمتد هذه الارض امتداداً طبيعياً حيث لا توجد حواجز طبيعيةً تفصل هذه القطر او ذاك ، وقد كان لهذه الميزة أن سهّلت سبل التواصل الاجتماعي بين ابناء الامة الواحدة ، وان هذا الامتداد الجغرافي الكبير أوجد تنوّعاً في الأقاليم عززه المناخ السائد الذي يُمكن أن ينجم عنه إنتاج زراعي ضخم اضافة الى وجود ثروات معدنية متنوعة بحيث تتكامل الدولة العربية الموحّدة بجميع الامكانات الاقتصادية.

٢ ـ العامل التاريخي : لابناء الامة العربية تاريخ مشترك ، على امتداد الارض العربية ، حيث يتاثر الشعب العربي من المحيط الى الخليج ، بنفس الأحداث التاريخية التي مرت في المنطقة في مرحلة ما قبل ومابعد ظهور الدين الإسلامي الحنيف الذي شكلت الحضارة العربية الاسلامية بموجبه ولقرون عديدة ارثاً زاخراً للامة العربية بما اضافته من انجازات باهرة اثرت بها الحضارة الانسانية.

٣ - المصير المشترك لابناء الامة العربية :
ان طبيعة التحديات المعاصرة الامنية والتنموية والثقافية وغيرها التي يمر بها ابناء الامة تكاد تتشابه في عناصرها الرئيسية مما وحد المصير المشترك لهم.وان ما يحدث اليوم في العراق ولبنان والجزائر والسودان من ثورات شبابية تحمل نفس الشعارات وتتطلع لنفس الاهداف احد الادلة على ذلك.

٤ ـ اللغة العربية : ان جميع العرب وعلى امتداد الارض العربية وبغض النظر عن دياناتهم وطوائفهم ، يتحدثون لغةً واحدةً هي اللغة العربية ، وهي أداة للتواصل الاجتماعي ، وتوحيد الفكر والهوية القومية على مرّ التاريخ.، الفكر الذي نتج عنه تراث الامة الحضاري ، والذي استطاع ابناؤها من خلاله تحقيق الكثيرٍ من الإنجازات العلمية التي ساعدت في بناء مجدا حضارياً عظيماً ممّا جعل لهم هويةً ثقافيةً مميّزةً تجمعهم تحت رايةٍ واحدة.

في نيسان من العام ١٩٤٧ م ، تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي ، و خرج الشباب العربي من المؤسسين بمخرجات تتعامل بمفهوم جديد مع الوحدة العربية لاعلاقة لها بما كان مطروحاً حينها من دعوات اوربية كالبسماركية وغيرها ولا هي استنساخ لتلك التجارب ، بل هي قناعات واهداف ناتجة من رحم معاناة الامة العربية ومن معايشة عميقة وواقعية للمقومات التي تجمع ابناءها بالفعل.ولقد عبر عنها القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله تعالى ، في مقالة { للوحدة طريق واحدة } المنشور في ٢١ / ٦ / ١٩٥٧، حيث ربط المشروع الوحدوي بمناهضة الحكومات العميلة في الداخل، وبالتالي بتحقيق مطالب الشعب الاجتماعية، وبمناهضة الاستعمار في الخارج، حيث كتب في تلك المقالة :

{ الوحدة ليست مطلباً معزولاً عن واقع الظروف والشروط السياسية والاجتماعية، بل هي تعبيرٌ عن هذه الظروف والشروط وجزء لا يتجزأ منها… فلا يمكن للوحدة غير طريق واحد هو طريق التحرر والتقدم والنضال السياسي والاجتماعي… والعرب اليوم ليسوا مخيرين بين وحدة شعبية تقدمية وبين وحدة تقوم على أيدي الملوك والإقطاعيين، بل هم مخيرون بين هذه الوحدة الشعبية التقدمية التي هي وحدها ممكنة التحقيق وبين بقاء التجزئة }.

وفي مقال اخر بعنوان { اتحاد سورية ومصر ثمرة النضال العربي وضمانة استمراره } ، نشرت في ٢٢ / ٦ / ١٩٥٦، اكد القائد المؤسس على فكرة الترابط بين النضال من أجل الوحدة والنضال من أجل التحرر فيقول :

{ لأول مرة أيضاً يظهر أن العقبات التي تعترض سبيل الوحدة هي نفسها التي تعترض سبيل التحرر، وأنها في الدرجة الأولى عقبات عربية ناتجة عن فساد الوضع الاجتماعي الداخلي }.

ولقد اقر دستور حزب البعث العربي في المؤتمر التأسيسي الأول عام ١٩٤٧ م على ان :

{ العرب امة واحدة لها حقها الطبيعي في ان تحيا في دولة واحدة وان تكون حرة في توجيه مقدراتها } ، ولهذا فان حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر ان :

١ ـ الوطن العربي وحدة سياسية ـ اقتصادية لا تتجزأ ، ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية ان يستكمل شروط حياته ونهضته بموجب التحديات المعاصرة منعزلا عن الاقطار العربية الاخرى.

٢ ـ الامة العربية وحدة ثقافية وجميع الفوارق القائمة بين أبنائها عرضية زائفة تزول جميعها بيقضة الوجدان العربي وادامة الارث الثقافي الزاخر لها.

٣ ـ الوطن العربي لابناء الامة ولهم السيادة وحق الاستقلال التام في ادارة وتقرير شؤونه واستغلال ثرواته وتوجيه مقدراته بعيدا عن هيمنة القوى الخارجية ، وبالتالي فان هدف الوحدة مرتبط ربطا عضويا بهدف الحرية سواء على صعيد تحقيق الحريات الديمقراطية وضمان حقوق الانسان للفرد او على صعيد تحرر الامة من الهيمنة والاستعمار بكل اشكاله القديمة والجديدة.

اننا ومن خلال هذه الرؤية لا نتعامل مع هدف الوحدة بشكل عاطفي او خيالي ( طوباوي ) لا يمكن تحقيقه كما يدعي البعض من الذي يستسلم لشدة الهجمة التي تتعرض لها الامة ، بل نتعامل مع هذا الهدف بكل موضوعية وعلمية تستند الى المنهج البعثي في تحليل عوامل ومقومات الوحدة على صعيد الواقع ، فالوحدة العربية ليست بحاجة الى اثبات ، بل هي واقع يحرك أعماق الجماهير لاسيما ونحن نعيش اليوم الحالة الثورية التي يعيشها شباب الامة العربية في انطلاق ثوراتهم في ساحات التحرر والعزة والكرامة في اقطار الوطن العربي.

ان هدف الشباب العربي الثائر والصامد في ساحات العز والتحرير رافعا شعار الحرية والتوزيع العادل للثروة والبحث عن هوية وطنية ، لن يستطيع تحقيق هذه الشعارات بعيدا عن العمق العربي والمشروع الوحدوي ، كمشروع حضاري لأنه يقدم للانسان العربي كانسان منتج حضاري يواجه من خلاله كل عناصر التفتت والتقسيم السلبية وما تجلبه من ويلات على اقطارنا العربية والمتمثلة في الفئوية والطائفية والاثنية والنظرة القطرية الضيقة.

ان المشروع الوحدوي في هذه المرحلة يجب ان يتبنى دعوة توحيدية منبثقة من مصلحة الجماهير العربية وفي المقدمة الشباب الذين يمثلون الاكثرية والذين هم اصحاب المصلحة الحقيقة بالوحدة العربية ، على الوحدويون العرب ان يتعاملون بوعي وحكمة مع الواقع العربي فيستنفروا كل مكامن التقارب والوحدة فيه بشكل عملي وواقعي والاستجابة لمطالب الشباب العربي الثائر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

ان هكيلية حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تاسيسه والتي اعتبرت القيادة القومية اعلى سلطة في الحزب هي صيغ تنظيمية تجسد وحدة الامة انتجها العقل البعثي من الممكن دراسته والاقتداء به عند التفكير بالمشروع الوحدوي كما يراه البعث.

وعلى الرغم مما تعرض ويتعرض له الفكر القومي الموحِّد وفي مقدمته فكر البعث من تشكيك يعتمد تارة على التلويح بان الاهداف العظيمة للبعث ما هي الا احلام عاطفية ، وتارة على ترويج ما يزعمه الغرب الرأسمالي عن { انتهاء عصر الايدلوجيات والاحزاب الايدلوجية } ، وغير ذلك من المفاهيم التي تقف وراءها دوائر متعددة من مصلحتها بقاء الامة العربية ممزقة ،الا ان الاحداث تثبت كل يوم صحة هدف الوحدة وواقعيته وان لا امل للامة بالنهوض الا من خلاله

ان الدوائر التي تعتقد ان ايدلوجية حزب البعث العربي الاشتراكي ، ايدلوجية في طريقها الى الزوال ، هم قطعا يعيشون وهم لانهم لايعرفون ان الحاضر المعاش اليوم وفي العام ٢٠٢٠ م هو عام البعث حيث ترفع الثورات الشبابية على امتداد الوطن العربي شعارات واهداف تنسجم مع ما جاء في ايدلوجية واستراتيجية البعث مننذ التاسيس عام ١٩٤٧م.

وما تقدم يقود الى ان هدف الوحدة العربية هو هدف واقعي وفيه يكمن الخلاص ، خلاص الامة مما هي فيه من ضعف ونكوص.واننا بالوقت الذي نشيرفيه الى ان المشروع الوحدوي هو الحل ، فأننا نتطلع وبنفس الدرجة الى زيادة الوعي العلمي والثقافي لأبناء امتنا العربية ، وندعو الى نبذ الخلافات العربية البينية وما يؤدي اليها ، وندعو الى التعامل مع عالم اليوم تعاملاً علمياً و عملياً ، دون خوف ، بوعي اجتماعي مصون وفهم حضاري للتراث وللتاريخ وللجغرافيا ، وهذه العناوين هي ذاتها التي تدعونا الى محاربة العنصرية والطائفية والفئوية.

ان المتابع للمشهد في ساحات التحرر العربية ، يلاحظ بوضوح ان الشباب العربي في العراق والجزائر والسودان ولبنان وعلى امتداد الارض العربية يخرج باعداد غفيرة الى الساحات والشوارع في تظاهرات ثورية مطالبين فيها بالتغير الجذري ويهدفون الى استرجاع الهوية الوطنية التي هي مقدمة لاسترجاع الهوية القومية.

يخرج الشباب العربي لتحقيق هدف القضاء على التخلف والفساد والهيمنة الاجنبية وعلى رأسها الهيمنة الايرانية ومشروعها التوسعي الاستعماري في الوطن العربي ، والقضاء على الذيول والعملاء ، التابعين للارادة الاجنبية ، والتي اسست لهم حكومات هدفها الاول هو استهداف الكرامة والشرف وكل ماله علاقة بالمعاني الاعتبارية للانسان ، والانسان كما نعرف يقدم نفسه قربانا على امتداد التاريخ للدفاع عن كرامته وعزة نفسه ووطنه وارضه وعرضه وماله وهي كلها قد انتهكت في ظل الحكومات العميلة الجائرة.

يقول القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق في حديث مع رؤساء ومندوبي فروع الاتحاد الوطني لطلبة العراق خارج القطرفي ١١ ايار ١٩٨٠ ، وتحت عنوان { الشباب جيل الثورة العربية } :

{ ان الحزب أعطى، منذ تصوره الأول، للشباب وللطلاب هذا الدور التاريخي باعتبارهم الطليعة المهيئة والمؤهلة لان تفهم وتعي قبل غيرها من فئات الشعب ضرورات الثورة وضرورات الانقلاب العميق ونوعيته ومداه وأبعاده، وان تعطيه ابعاده التاريخية وان تتقدم الصفوف وان ينتقل الفكر الثوري والايمان بالقضية منها الى جماهير الشعب }.

ويقول ايضا :
{ ان المنطق الثوري الذي تضمنته فكرة البعث هو منطق ثورة دائمة متجددة، ويكفي ان نأخذ موضوع الوحدة العربية وان ننظر الى فكرة الوحدة في منطق البعث، لنتأكد بان ثورة البعث هي ثورة دائمة لا تتوقف ولا تنتهي لان الحزب يعتبر ان كل انجاز في حدود القطر الواحد يبقى ناقصا ومعرضا للتشويه والضياع ما لم يكن خطوة دافعة الى النضال الوحدوي.فالوحدة العربية التي هي أبعد الأهداف القومية وأصعبها، ستبقى المحرك الأساس لثورة البعث ولصحة منطقه }

{ ان حزب البعث العربي الاشتراكي وضع الوحدة العربية كهدف استراتيجي له ان يحقق للامة العربية النهضة المتناسبة مع العصر الحديث والتي فيها المقومات الأساسية لمجاراة الأمم الراقية.ان الثورة في القطر العراقي تستلهم الثورة العربية بكل أبعادها وأهدافها، وان الجماهير الشعبية في هذا القطر قد وصلت الى مستوى من الالتحام بالثورة والتفاعل الخلاق معها لم تبلغه في اي قطر آخر وفي أي زمن سابق، وهي مندفعة بقلوبها وعقولها لتكون صانعة لثورة البعث، لثورة الوحدة العربية.لا يجوز ان يغيب عن أذهاننا ان الثورة العربية هي بحجم مكانة الأمة العربية في التاريخ وفي العصر الحاضر، وأعداء الأمة العربية يعرفون هذا الحجم ولذلك هيأوا في الماضي ويهيئون يوميا الوسائل لتعطيل هذه القوة }.





الاثنين ١١ رمضــان ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيــار / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق علي حسن البهادلي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة