شبكة ذي قار
عـاجـل










موازنة المليار في الأيام العِجاف، بلد للبيع، من يشتري!

نبيل الزعبي 

 

من أَمارات التعجُّب في بلد الأرز ووطن النجوم ، أن المسؤول في لبنان يدخل في خدمة العمل العام محدود الدخل ، مستور الحال ، ويخرج منه فاقع الغِنى لا يكتفي بالعقارات والثروات التي جمَّعها في البلد ، وانما يُذهِلُكَ ما تسمع عن اموالٍ له في بنوك اوروبا واميركا بارقامٍ تفوق الخيال ، تقرأ وتسمع عنها يوماً بيوم في المجلات والدوريات العالمية التي تُعنَى بثروات الاغنياء في العالم ومن فيها من لبنانيين تتعدى ثرواتهم المليارات للواحد منهم ،

 هذا غير ما هو لا مرئي في رصيد الزوجات والأبناء والأصهرة وغيرهم من ذوي القُربى.

يُذهِلُكَ الى درجة ما يفوق الدهشة ، ما تسمعه وينشره الاعلام الغربي والمحلي ، ان حوالي ثمانمائة مليار دولار مودعة في حسابات عشرات المسؤولين اللبنانيين في مصارف الخارج ، ويُذهِلُكَ اكثر ،  ان " جنى" عمر هؤلاء بدأ منذ تسلّمهم السلطة في لبنان بعد العام ١٩٩٠ والغالبية العظمى فيهم كانوا يتشدّقون بانتمائهم للفقراء والمسحوقين والمحرومين في لبنان ،

وتتساءل عندما يفاجؤك احدهم بمقولة : (هذا من فضل ربّي ) ،

عن ايّ ربٍ يتحدّث هؤلاء وعمّا اذا كان للفقراء ربُ يختلف عن رب اللصوص ، ام ان المال تحوّل بحد ذاته الى ربٍ آخر يعبدونه ، والسيد المسيح عليه السلام قال في ذلك يوماً : "لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ والمَال معاً"(إنجيل  متّى) .

في معرض مناقشته لمشروع الموازنة اللبنانية للعام ٢٠٢٢ ، اشار رئيس حكومة تصريف الاعمال الى مسألةٍ في منتهى الخطورة والقلق ، حين قال ان مجموع موازنة هذا العام لا تتعدى المليار دولار اميركي على سعر صرف السوق السوداء الذي كان يحلّق يومذاك (١٦/٩ ) الى سعر الثمانية وثلاثين الف ليرة للدولار الواحد ، وقارن ذلك بموازنة العام ٢٠١٩ التي بلغت حينها سبعة عشر مليار دولار ، اي ان معيشة الشعب اللبناني انخفضت الى الحضيض سبعة عشر مرةً من الدركات فقط خلال ثلاث سنوات بالرغم من تلك الموازنة الضخمة آنذاك ،قياساً على هذا العام ،

فإلى اي مستوى من الانحدار ، قادمُ عليه البلد في السنوات ، بل الاشهر القادمة وكل القطاعات في البلد تلفظ انفاسها الاخيرة  وتنتظر الموت الرحيم . 

لم يلحظ الرئيس ، ان الدولار في السوق السوداء يرتفع في اليوم الواحد الف والفين وثلاثة آلاف ليرة  دفعةً واحدة ، وبعملية حسابية بسيطة ، كم ستكون عليه الثمانية وثلاثين الف مليار ليرة ، مجموع الموازنة ، فيما لو قُسِّىمَت على السعر المتصاعد للدولار بعد شهرٍ على اقل تقدير ، وكم دولارٍ ستبلغ ، والبلد مدولر عن بكرة ابيه وما عادت كل ميزانيته تكفي لسداد بعض من رواتب موظفي القطاع العام والجيش او توفير ما يلزم لتنقلاتهم الى مقار اعمالهم ، ومع ذلك " يبشرنا " ان النموّ لهذا العام وصل الى حدود ٢،٢ بالمئة في وقتٍ لم يعد فيه منتجاً في هذا البلد سوى التجار والمافيات وامراء التهريب ، ونشير هنا الى ان اكثر من ٧٠ شخصية سياسية من مختلف أحزاب المنظومة فقط ، تمتلك وتدير مصارف لبنانية نهبت أموال المودعين وراكمت ثرواتها على حساب اللبنانيين في الداخل وبلاد الاغتراب .

مع ذلك ، يدفعك الفضول لتسأل : كم من الموازنات المالية السنوية يمكن تغطيتها من ال٨٠٠ مليار دولار للبنانيين  في الخارج على اساس المليار الواحد للعام ،

واذا اعتبرنا ان المبلغ الهائل المذكور فيه من المبالغة والضخامة ما يكفي  ، واعتمدنا عِشْرُ هذا المبلغ اي ثمانين ملياراً فهذا يعني ان بامكان هؤلاء اللصوص الكبار ، ولوحدهم ، تغطية ثمانين موازنة لثمانين عام على هذا المنوال ، وبالتالي لم يعد من الصعوبة عليهم " شراء " هذا البلد  وتحويله الى مزرعة خاصة بهم بعد ان كان مزارع متعددة كما هو حاصلُ الآن . فإلى رئيس حكومة تصريف الاعمال والمكلَف بتشكيل الحكومة الجديدة التي ستحكم الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ، نتوجه ، وهو المعروف بنجاح مؤسساته في الخارج وثروته تربو اليوم على ثلاثة اضعاف موازنة البلاد ، ونسأل :

هل ينجح البلد وينمو كما تنمو مؤسساتكم في الخارج والداخل ، وهل سترعونه كما ترعون ارزاقكم فيما لو طلبنا منكم ان تجعلونا ، شعباً وبلداً ، ضمن ممتلكاتكم التي نعرف حينها انكم لاتسيرون بصفقات خاسرة ونضمن البقاء على حافة العيش في اقل التقادير . 

ربّما  على قساوة ما تقدم ، يجنبُنا ذلك  الذهاب بالبلد لقمة سائغة امام ما ينتظرنا من ايامٍ سوداء ومستقبل مجهول قد نترحم فيه على عتمة الكهرباء امام عتمة المصير .






الاثنين ٧ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة