شبكة ذي قار
عـاجـل










في عودتها المرتقبة هل تحتاج ثورة تشرين الى تغيير في الاستراتيجية ؟

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

ثورة  تشرين والمقاومة الوطنية المسلحة ، هما من أهم المحطات المضيئة  التي شهدتها أحداث التاريخ المعاصر في العراق بعد نكسة الغزو الامريكي عام 2003 . لأنهما ساهمتا في منح العراقيين بصيصا من الأمل للتصدي الى رياح الشر الصفراء التي عصفت من ايران بتواطؤ أمريكي مقصود ، وأدت الى تسلط  ذيولها  من الفاسدين على مقدرات بلاد الرافدين.  و لما كان التأريخ يخضع لظاهرة التجدد باستمرار ولا يمكن محيه أبدا،  فان ثورة تشرين لن تختفي من ذاكرة العراقيين لأنها ليست كما يتصور البعض مجرد مجموعة خيام اذا ما تم ازالتها سوف ينتهي وجود هذه الثورة المباركة.  فهي تحمل معها فكرا مقاوما لا يقهر وهذا الفكر حتما سوف تحتضنه ثانية  صدور العراقيين لكن عودته في هذه المرة ستكون بمشيئة الله متجددة وأفضل من السابق.

 لقد اضطرت ثورة تشرين الى تجميد نشاطها الاحتجاجي بعد مرور أكثر من سنة على انطلاق شرارتها الأولى بسب جائحة كورونا وخذلان مقتدى الصدر لها والذي مهد لحكومة الكاظمي في  التضييق عليها بشتى الوسائل القذرة . مع ذلك فان تلك الصفحة المشرقة من حراك الثورة قد شهدت تحقيق انجازات مهمة يمكن تلخيصها بما يلي:

1. نجحت في كسر حاجز الخوف من التصدي للنظام  القمعي الغاشم.

2.جعلت الشعور بالمواطنة تغلب على التعصب الديني والمذهبي والقومي في العراق، وبالتالي وحدت هدف الشعب كله حول مطلب رئيسي واحد هو تغيير النظام.

 3. أثبتت ان العملية السياسية برمتها  فاقدة للشرعية لأنها تفتقر الى التأييد الشعبي

4. برهنت ان الشعب العراقي حي لا يموت حتى وان سكت دهرا على ضيم أو ظلم يفرض عليه  من أجندات خارجية

5. عرت زيف النظام الديمقراطي الذي أوجده المحتل الأمريكي الغاشم وكشفته على حقيقته كحكم مستبد وفاسد وفاشل.

6. بينت ان نشر ايران لشعوذتها و مخدراتها وافكارها المسمومة لم تذهب بعقول شباب العراق وان صحوتهم جاءت اسرع مما كانت تتوقع.

7. كشفت  خديعة المليشيات المسلحة التي ظهرت على حقيقتها كقوة قمعية تقتل الأبرياء العزل من الناس ارضاءا لإيران بعد أن كانت  تدعي بأنها قوة وطنية هدفها حماية البلد من داعش.

ان العودة القريبة لحركة تشرين تتطلب الاستفادة من تجربتها السابقة وكذلك من تجارب حالية  أثبتت جدارة وقدرة على الصمود مثل الحراك الايراني ضد حكم الملالي وتصدي الشعب الفلسطيني للمحتل الاسرائيلي في الضفة الغربية ، لكي تكون عودة الحراك هذه المرة أكثر نجاحا ومقدرة على تحقيق الأهداف التي يسعى اليها.

لا أحد يستطيع أن ينضر على ثوار تشرين الذين عاشوا معاناة التجربة السابقة بأنفسهم ،  كيف تكون طبيعة الاستراتيجية التي يمكن اتباعها لوضع الحراك غلى المسار المناسب حتى يتمكن من إنجاز المهمات المطلوبة ؟ فكما يقول المثل " أهل مكة أدرى بشعابها". مع ذلك فلا يوجد ضير من المبادرة في طرح بعض الأفكار التي قد تكون داعمة لبناء هذه الاستراتيجية الجديدة  ، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. توحيد الهدف الرئيسي للثورة

أثبت النظام السياسي الحالي في العراق انه غير جدي ولا يؤمن أبدا بتلبية مطالب المتظاهرين مثل محاسبة قتلة المحتجين ومحاربة حيتان الفساد وتشغيل قطاعات الصناعة والزراعة لاستيعاب العاطلين عن العمل وايقاف تهريب النفط والمخدرات وتحسين النظام الصحي وايجاد حل لمشكلة المفقودين وتغيير الدستور واصلاح القضاء ووضع حد للتدخل الايراني في شؤون العراق .مما يدل على أن هذا النظام غير قابل للإصلاح والحل الوحيد هو قلعه من جذوره من أجل تحقيق تلك المطالب المشروعة.  لذا من الأفضل أن يتبنى الحراك هدف رئيسي واحد هو" اسقاط النظام" أما باقي الأهداف الأخرى فإن تحقيقها سوف يتم كتحصيل حاصل بعد مرحلة التغيير.

2. توحيد الخطاب الاعلامي للحراك

من الضروري أن يوجد خطاب اعلامي موحد للحراك السياسي يلتزم به كافة المحتجين . لأن أية تناقض في الاعلام المرئي وغير المرئي لبعض أعضاء الحراك سواء كان غير مقصود أو أحيانا تلجأ اليه بعض القنوات الاعلامية عن قصد لإرباك أهداف الحراك ، سوف يسجل كنقطة ضعف ضده. وتجنبا لهذه الاشكالات  يتم تشكيل لجنة خاصة تكون مسؤولة عن توجيه الخطاب الاعلامي للحراك.

3.اعتماد خارطة طريق لتغيير النظام

صحيح أن النظام الحالي في العراق ضعيف سياسيا وليس لديه رصيد شعبي يذكر لكنه لا زال قويا من الناحية العسكرية بما يمتلكه من مليشيات ولائية وأجهزة قمعية متعددة. لذا فان الحل الأسرع والأمثل لتغييره هو عملية عسكرية تقلعه من الجذور. ولكن في ظل غياب مثل هذا الخيار العسكري فان التغيير عن طريق الحراك الشعبي هو الفرصة  المتاحة في الوقت الحاضر . الا أن عملية التغيير هذه سوف تكون  بطيئة وتدريجية و تحتاج الى صبر وتخطيط فعال من خلال خارطة طريق تتبع المراحل التالية:

الاستنزاف، الاضعاف وتفكيك مفاصل النظام وصولا الى مرحلة الهدم.

وهذه الخطة تقريبا مشابهة لما حصل من عملية تغيير في زمن الشاه وهي تتبع أيضا في الوقت الحاضر لإسقاط نظام الملالي. ولكون الحراك العراقي حسب هذه الخطة لا زال في مرحلة الاستنزاف  فلا  توجد  حاجة  ملحة الى القفز لأهداف صعبة المنال مثل اجتياح المنطقة الخضراء واحتلال البرلمان والدوائر الحكومية والتي تسببت في السابق الى استشهاد العديد من المتظاهرين بلا نتيجة تذكر. أخذين بنظر الاعتبار أن القوى الأمنية مصممة على عدم السماح لثوار تشرين باجتياز حاجز المنطقة الخضراء لأنهم ليسوا من أتباع أل الصدر ولا تتواجد على رأسهم ريشة. يضاف الى ذلك أن الذين احتلوا البرلمان في المنطقة الخضراء قبل حوالي شهرين لم ينجحوا في اسقاط النظام بهذه الطريقة. اذن المطلوب من الحراك في مرحلة الاستنزاف هو اشغال النظام باستمرار عن طريق مجاميع صغيرة تنتشر على أكبر مساحة من العراق وتدعو الى اسقاط النظام. وهذه المجاميع يفضل أن تكون  متنقلة من مكان الى أخر وليس ثابتة أي بلا خيم واحتلال مباني لكي لا تكون هدفا للقمع من السلطات.  وتنظيم حركة هذه التظاهرات يتم عن طريق مجاميع من المنظمين في كل حي أو محلة وبمرور الوقت سوف تعمل هذه التظاهرات الصغيرة والمتعددة على بعثرة قوى القمع فتصبح في حالة استنزاف وغير قادرة على مواكبة هذا الزخم الكبير للمتظاهرين الذي يفوقها عددا.

واذا ما أتت هذه المرحلة ثمارها ، يتم الانتقال الى مرحلة اضعاف النظام وشل قدرته على الحكم عن طريق تنظيم الاعتصامات والاضرابات والعصيان المدني. وهذا سوف يؤدي الى تفكك النظام وظهور انشقاقات في صفوفه بما في ذلك المنظومة العسكرية. عندها تبدأ مرحلة الهدم الكامل للنظام.

4. الانفتاح على قطاعات مختلفة من الشعب وخاصة النقابات المهنية

هذا الانفتاح سوف يوسع من دعم قطاعات الشعب المشاركة في الانتفاضة وكذلك  يوفر فرصة للحصول على الاستشارات المناسبة خاصة من نقابة المحامين.

5.اعادة النظر في مبدأ السلمية المفرطة.

أن يكون الحراك في منتهى السلمية  أمام عدو قاتل من حثالة المجتمع يتلقى حصانة من الحكومة الفاسدة ومتجرد من أي انتماء لهذا الوطن ، وتعرض الى عملية غسل دماغ من الأجهزة الايرانية  أقنعته بأن المتظاهرين يعملون  ضد توجهات الولي الفقيه ، لذا فهو يعتبر هذه السلمية حالة من الضعف . فضلا عن أن المنافقون في المجتمع الدولي بما فيهم ممثلة الامم المتحدة في العراق لم يعيرون اهتماما  كافيا لهذه السلمية بحيث تجعلهم يوفرون الحماية الكافية للحراك ضد هذا الاجرام البربري. وبتالي فان العدو استغل هذا السلوك السلمي في الماضي ليتسبب في استشهاد أكثر من 800 متظاهر وجرح حوالي 25000 أخرين من خيرة شباب هذا الوطن . رغم ذلك ادعا المنافق مقتدى الصدر زورا ان ثورة تشرين قد خرجت عن مسارها السلمي لكي يبرر شنعته النكراء بتأليب حكومة الكاظمي عليها.

اذن المطلوب هو توفير وسائل حماية ذاتية تصعب على العدو الوصول الى ضحاياه والاستفراد بهم  عندما  تخلو له الساحة من وسائل الردع الدفاعية التي تمنعه من تحقيق مأربه الدنيئة. ان ذلك لا يعني ان الحراك يبتعد عن سلميته و يحمل أفراده  أسلحة ثقيلة ضد النظام ، فهذه المهمة لها رجالها المتخصصون لهذا الغرض .ولكن المقصود هنا هو اللجوء الى وسائل الدفاع عن النفس وهي حق مشروع  لحركة مقاومة تقارع  ضد الطاغوت كي تجعل العدو يتردد ويرتدع عن الاقدام على جريمته. ومن وسائل الحماية المقترحة هو سلاح شخصي لا يستخدم الا عند الضرورة القصوى ، العصي والحجارة ، وسائل الانذار المبكر عند التعرض للخطر، التواجد دائما بشكل جماعي وليس بصورة فردية حتى عند الذهاب الى البيوت ، وضع مجاميع مراقبة للسيارات والأشخاص المشبوهين ، اعتماد التواصل المستمر بين المتظاهرين بعظهم لبعض عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ، خاصة بعد انتهاء فترة التظاهر. واذا ما توفرت حماية عسكرية للمتظاهرين من قبل العشائر خاصة في الجنوب، فهي خير على خير.

في هذا السياق يمكن الاستفادة من تجربة مجاميع عرين الاسود للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية التي جعلت مؤخرا العدو الاسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة يتردد في اقتحام تلك المناطق الفلسطينية.

6. المجرب لا يجرب

خلال 20 سنة من هذه الفترة المظلمة لحكم العراق تأتي في كل مرة حكومة جديدة تبيع  كلاواتها عن الانجازات الوردية التي سوف تقدمها للعراقيين ، لكننا في نهاية حكمها نخرج بصفر اليدين ونكتشف ان فسادها كان أسوء من سابقاتها. فلا تصدقوا بعد الأن وعود أية حكومة لهذا النظام المشطوب لأن العبرة ليس في الكلام وانما في التنفيذ وهذا التنفيذ غير ممكن لأن هذه الحكومات التي تشكلت عن طريق المحاصصة  هي خاضعة لتحكم حيتان الفساد والأجندات الايرانية التي جاءت بها.

كذلك لا تصدقوا ادعاءات المتلون مقتدى الصدر بأنه ضد النظام و يعتبر نفسه رجل الاصلاح الأول  في البلاد ،  لأنه ليس سوى أحد مطايا ايران التي تستخدمه في الوقت المناسب لامتصاص غضب المعارضة الجماهيرية ضد النظام .وعليكم الحذر أيضا من بعض المتسلقين الذين يهدفون الى استغلال نجاحات حركة تشرين من أجل الحصول على رصيد سياسي يمكنهم من الحصول على موقع ما في دفة الحكم الحالي. ومن الله التوفيق






الجمعة ٢٥ ربيع الاول ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة