شبكة ذي قار
عـاجـل










عروس الثورات

نبراس النضال والثورة

علي العتيبي

 

حينما تطل علينا ذكرى ثورة 8 شباط 1963 والمعروفة أيضاً لدى العراقيين بثورة 14 رمضان لتوافق التاريخين باليوم نفسه ، فإننا ننطلق بالكتابة عن الثورة لأنها تحققت في شهر كريم وهو شهر رمضان المبارك ومنه نستذكر الظروف التي مر بها عراقنا الحبيب في ظل تفرد عبد الكريم قاسم بالحكم والتفاف شلة من المتنمرين على شعب العراق ممن لم يراعوا لا وازعاً أخلاقياً ولا دينياً ولا أي عرف من الأعراف المجتمعية والسياسية، بل أرادوا تطبيق تجربة لا تمت لواقعنا بشيء  وأقصد هنا تحديداً ما قام به الشيوعيون ضد أي نهج قومي عروبي وخاصة البعث.

ومن أجل بيان أهمية ثورة 8 شباط لابد لنا أن نستذكر للتاريخ مسبباتها الوطنية، فحينما تشكل تنظيم الضباط الأحرار من أجل انقاذ العراق من الهيمنة البريطانية التي تدير الحكم باسم الملكية فقد انخرط بالتنظيم الضباط العراقيون الأصلاء وتسلق معهم من نعتبره مندس (وهذا أثبتته الأيام بالوقائع والوثائق) وحين قام الضباط الأحرار بثورة 14 تموز 1958 وسيطروا على الحكم بعد ارتكاب مجزرة بحق العائلة المالكة (تصرف غوغائي غير مدروس) فقد تحرك الضباط الأحرار على الفريق الركن محمد نجيب الربيعي ليكون رئيساً لمجلس السيادة، وقد قال لهم من منكم جمال عبد الناصر لأكون أنا محمد نجيب (تشابه اسمه مع اسم الذي وضعه جمال عبد الناصر رئيساً لمصر في ثورة 1952) وتم تسلم محمد نجيب كأول رئيس مجلس سيادة بعد القضاء على النظام الملكي  وتسمية الزعيم عبد الكريم قاسم رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع على أمل أن يتم وضع برنامج حكومي من قبل الضباط الأحرار وتوزيع الأدوار، لكن في اليوم الرابع للثورة اختلفوا فيما بينهم والسبب تفرد عبد الكريم قاسم بالسلطة فأخذ بتصفية كل من يناوئه من الضباط الأحرار يدعمه بذلك الضباط ذوي الميول الشيوعية وممن تربطه ببعضهم صلة القربى،  وقد استغل عبد الكريم قاسم المشاريع التي قام بإنجازها مجلس إعمار العراق في العهد الملكي فصار قاسم يحتفل بافتتاحها وقص الشريط فسجلت المشاريع باسمه ولا زال المهوسون به ينسبونها له زوراً،  ونظراً لتطوف قاسم ضد القوميين فقد قام الضباط القوميون بمحاولات الإطاحة بنظام قاسم ولكن لم تفلح، وقد رد على هذه المحاولات الشيوعيون بتسيير قطار أطلق عليه قطار السلام من بغداد إلى الموصل وارتكب مستقلي هذا القطار أبشع الجرائم بحق المدنيين في الموصل وكذلك كركوك فعلقوا الأبرياء على أعمدة الكهرباء وانتهكوا الأعراض وأعدموا وعاثوا فساداً، لا زالت بعض العوائل تئن من هول الجرائم (لا تختلف عن جرائم الميليشيات الطائفية بعد الاحتلال لأنهم من نفس النهج) وقام قاسم بإعدام الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 14 تموز  (وهذا دليل على أن وجود قاسم هو لتخريب أهداف ثورة تموز، ويثبت أن لبريطانيا دور بذلك ).

بعد إعدام الضباط الأحرار تولدت قناعة لدى البعث أن وجود قاسم شخصياً هو العقبة في تحقيق مطالب الشعب وأهداف ثورة 14 تموز فكان قرار محاولة تصفيته والتي نجا منها بأعجوبة، فكانت المحاكمات المهزلة والتي أطلق عليها محكمة الشعب، والتي يرأسها أقارب قاسم، العقيد المهداوي، والتي تخللتها ألفاظ نابية لا تليق أن ينطق بها ضابط عسكري، فما بالك برئيس محكمة، ولهذا لم يذكرها المواطن باسم محكمة الشعب بل محكمة المهداوي  لأنه أدخل فيها الجانب الشخصي وأصبح المواطن العراقي يتندر عليهم لتفاهتها وثبات البعثيين وصمودهم والتي من خلالها كسب البعث قوته والتف حوله الكثير يطالبون بالانتماء لهذا الحزب الشجاع،  وقد وضع البعث نصب عينيه ضرورة الثورة على هذا النظام الشعوبي   .

فكان لابد من القيام بثورة تغير الواقع فاجتمعت قيادة البعث وهم ثلة من الشباب المثقف الواعي مدنيين وعسكريين وكان القرار القيام بالثورة يوم 26 شباط أي ثاني أيام عيد الفطر مستغلين عطلة العيد لتكون مفاجأة ولكن قيام قاسم باعتقال الضباط ومسؤول التنظيم العسكري الرفيق المرحوم صالح مهدي عماش، فتم اتحاذ القرار بتقديم موعد الثورة، لأن موعدها المتفق عليه قد يكون كُشف بتعاون السفارة البريطانية مع قاسم فتحرك الرفاق بسرعة ودقة متناهية وفجر يوم الثورة تم ترتيب إطلاق سراح مسؤول التنظيم العسكري المرحوم صالح مهدي عماش من سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد ليشارك في السيطرة على معسكر الرشيد واللواء التاسع عشر الذي كان يسمى ( لواء الزعيم ) حيث كان آمره عبد الكريم قاسم قبل ثورة 14 تموز، وهكذا توافق تخطيط الحزب بالخط المدني مع العسكري وتم الاستيلاء على الإذاعة ومحاصرة وزارة الدفاع التي يتحصن بها قاسم وقدم الحزب الشهداء من خلال هذه الثورة التي حاول الشيوعيون إعاقتها بحمل السلاح والدفاع عن عبد الكريم قاسم ولكن إيمان البعثيين الثابت بعقيدتهم وصمودهم أفشل أي مقاومة، وتم اقتحام وزارة الدفاع واقتياد قاسم إلى مبنى الإذاعة حيث تمت محاكمته والقضاء عليه لأن القضاء عليه كان ضرورياً للقضاء على أي مسعى ضد الثورة من أتباعه . لهذا قرار تصفيته جاء بحكمة من أجل إنجاح الثورة وهذا ما تم، ولأن الثورة عراقية فإنها لم تجعل القيادة والحكم للبعثيين فقط، وهذا من حقهم لأنهم أبطال ومفجرو الثورة بل أشركوا معهم القوميين وكل عراقي وطني مخلص، وقد اختاروا عبد السلام عارف ليكون رئيساً للجمهورية كونه أعلى رتبة عسكرية من الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 14 تموز، وأصبح الأب القائد أحمد حسن البكر رئيساً للوزراء، وآخرون شغلوا مناصب مختلفة، ومن أجل حماية الثورة شكل الحرس القومي  .

وقد حققت الثورة الكثير من الإنجازات خلال عمرها الفتي (تسعة أشهر وعشرة أيام) ومنها إعادة العراق إلى حضنه العربي بعد العزلة التي جوبه بها نتيجة تصرفات قاسم، وحققت إنجازات من خلال توزيع قطع أراضي لسكنة العشوائيات ومنح أخرى للموظفين والعمال وتطوير الجانب الاقتصادي والزراعي والصناعي، ولكن لم تدم الثورة إلا هذه الأشهر التي خلدها التاريخ بعد أن غدر بها من وضعته رئيساً للجمهورية فارتد عليها وحارب البعثيين.

حينما نكتب ونقرأ عن عروس الثورات فعلينا أن نفخر بالبعث ونفخر أن قادته شباب خططوا ونفذوا بكل شجاعة وجرأة ضد تسلط عبد الكريم قاسم وأعوانه الذين لا تختلف تصرفاتهم عن تصرفات الميليشيات الولائية الغوغائية الآن.

علينا أن نستلهم الدروس والعبر من تجربة عروس الثورات ثورة 8 شباط الخالدة ويزداد أملنا في حزبنا المناضل حزب البعث العربي الاشتراكي وبسواعد شباب البعث في الداخل يؤازرهم رفاقهم في تنظيمات الخارج وتحت راية قيادة رشيدة تأخذ الحزب إلى بر الأمان من أجل تحرير العراق وتطهيره من دنس الاحتلال الأمريكي الفارسي الصفوي المجوسي وميليشياته الولائية الإجرامية.

وهذا الأمل معقود بسواعد وسيوف رجال البعث وكل الغيارى من شعب العراق، وإن غداً لناظره قريب.






الاحد ٢٨ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي العتيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة