شبكة ذي قار
عـاجـل










حزب البعث العربي الاشتراكي                       أمة عربية واحدة

     القيادة القومية                                         ذات رسالة خالدة

مكتب الثقافة والإعلام القومي

 

 

سلسلة منجزات ثورة البعث

 

بمناسبة الذكرى السنوية لقيام ثورة السابع عشر من تموز المجيدة عام 1968، يسر مكتب الثقافة والإعلام القومي أن يقدم بهذه المناسبة العزيزة على قلوب العراقيين والعرب جميعاً سلسلة من المقالات التي تتناول بعض جوانب التحولات الجذرية التي أحدثتها الثورة والإنجازات العظيمة التي حققتها خلال قيادتها للحكم الوطني في العراق للفترة 1968 -2003م.

 

الحلقة التاسعة عشرة

السياسة الخارجية العراقية

مبادئ واستراتيجيات عدم الانحياز

د. عامر أبو داود

 

كان العراق في صباح 17 تموز 1968م على موعد جديد لتغيير النظام السياسي بدون إراقة قطرة دم، وأكد البيان الأول في مجال السياسة الخارجية، على التزام العراق بميثاق جامعة الدول العربية، مع إيمان قيادة الثورة بأهمية العمل مع جميع الدول العربية "لتعديل ميثاق الجامعة بما يتناسب والتكيُّف مع الاحتياجات المعاصرة" لتطور دور وفاعلية النظام الإقليمي العربي في العلاقات الدولية. كما قدم النظام الجديد للجماهير، الوعود ببذل جميع الجهود لتوحيد الاقطار العربية، والعمل لتعزيز التضامن والعمل العربي المشترك. ومما لا شك فيه أن القيادة العراقية عبرت بوضوح عن الاحترام الكامل للاتفاقيات الدولية ولميثاق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والالتزام بالاحترام المتبادل بين الشعوب والأمم والدول وبما يضمن توفير الفرص لبناء السلام والاستقرار الإقليمي والدولي.

إن المتتبع لتطور الاحداث والاستراتيجية السياسية والاقتصادية المطبقة بعد الثورة عام 1968م، يشعر بالدهشة من الطبيعة المنهجية والأيديولوجية الدقيقة، التي استهدفت التركيز على الاهتمام بمواجهة الصعوبات والتحديات الكبرى، الواحدة تلو الأخرى، ضمن برنامج وترتيب متجانس ومتناسق، من خلال اعتماد وتنسيق تحالفت وسياسات تكتيكية ضرورية، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. لقد تمتعت القيادة العراقية بالتوافق والتجانس على صعيد الأفكار والسياسات، التي تجسدت بالتحولات السياسية والاقتصادية البارزة الحيوية في تاريخ العراق الحديث، كما تطور الفكر السياسي والتخطيط العلمي المنهجي على صعيد الدولة عبر الربط الحي، بين تصورات ومفاهيم الأيديولوجية العربية وتطور الأحداث السياسية. سنتناول في البحث وتحليل المبادئ والقواعد الأيديولوجية للقومية العربية إضافة للأهداف الوطنية التطبيقية، والمتغيرات السياسية العربية والدولية، بمعنى أخر: تحليل المضمون النظري للمبادئ والأهداف التي تشكل قاعدة للسياسة الخارجية العراقية في ظل ثورة 17 تموز المجيدة، وإدراك عناصر واتجاهات مبادئ حركة عدم الانحياز في السياسة الخارجية على صعيد العلاقات الإقليمية والدولية للعراق، التي مهدت لظهوره كدولة جوهرية للتوازن الإقليمي.

سياسة العراق جَسَّدت الأهداف الوطنية والقومية

تميزت السياسة الخارجية العراقية، بالمواقف الثابتة والحازمة في مواجهة الامبريالية، وتمسك الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني بمناهضة السياسات الغربية، للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، المعادية لإرادة الشعوب في التحرر والاستقلال وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كما اتسمت الثقافة الاجتماعية والسياسية بتبني أفكار واتجاهات تقدمية على صعيد السياسة الداخلية. فكانت السياسة الخارجية للعراق معارضة للولايات المتحدة الأمريكية، وفي نفس الوقت غير منحازة للاتحاد السوفياتي، للتعبير عن جوهر الفكر السياسي لحركة عدم الانحياز. لذا جاء الأداء السياسي للدولة ليعكس الاهتمام بالربط بين الاستقلال السياسي والتنمية الاقتصادية، لأن السياسة الخارجية للدولة تمثل حصيلة العلاقات التفاعلية بين الحقائق والمتغيرات المكونة للبيئتين الداخلية والخارجية للدولة.

لقد تأسست الاستراتيجية السياسية العراقية على قاعدتين متفاعلتين:

الأولى، الأيديولوجية الاشتراكية الديمقراطية التحررية، والثانية، التجربة الواقعية والميدانية، لما يبلور رؤية منطقية لجمهورية العراق حيال القضايا والمشكلات الدولية. لذا اختلفت نظرة الجمهورية العراقية بعد الثورة عام 1968م، عن نظرة النظم والأحزاب التقليدية، التي لا تؤدي إلا للتناقض "والغموض والتذبذب الدائم وتسمح بتسخير السياسة القومية للأغراض والمصالح الشخصية". ورفض العراق، الانطلاق من سياسة عقائدية مصطنعة، تقع خارج دائرة الأمة العربية، وشدد على ضرورة استناد العلاقات بين الاقطار العربية على التفاعل بين القضايا الوطنية والقومية، بهدف ضمان "مصلحة الأمة العربية، ورسالتها الإنسانية"، للدفاع عن تحرر الشعب العربي من التبعية الثقافية والاقتصادية للاحتكارات الغربية. ففي عالم تسوده الصراعات والنزاعات والحروب، تبنت جمهورية العراق مبادئ عدم الانحياز لتحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية:

تحرير الثروات الوطنية ومجابهة التخلف عبر التنمية الشاملة

تحقيق التوازن في العلاقات الدولية بين الكتلتين الشرقية والغربية

العمل على تطوير مفهوم الاكتفاء والاعتماد على الذات بين البلدان النامية لضمان التوازن بين دول الشمال والجنوب.

 

بناء عليه، رفض العراق مفهوم "السياسة الواقعية"، لأنها تقود إلى مهادنة الإمبريالية، والتفريط بحق الشعوب في التحرر والتنمية والتقدم.

لقد نظرت الأيديولوجية التحررية العربية إلى سياسة الصراع بين المعسكرات "نظرة حياد واستقلال"، وأكدت على رفض الانحياز للقوى الكبرى، ورفضت تقسيم العالم إلى كتل متصارعة وطالبت بالعمل على: "فسح المجال لتعيش الشعوب، ضمن الأنظمة المختلفة"، وهذا يعني رفض الارتباط بمعاهدات مع الدول الاستعمارية، لأنها تتعارض مع حرية واستقلال ووحدة الأمة العربية.

إن سياسة عدم الانحياز كما يراها المُفكر ميشيل عفلق: "لا تعني رفض التعامل مع الغرب بل رفض احتكار الغرب لهذا التعامل، وتقبل بالتعامل مع الغرب والشرق على السواء لتحقيق مصلحة شعوبها". عبر الدعوة لإقرار سلام عالمي مبني على المساواة بين الشعوب، من أجل بناء الديمقراطية وتحقيق الازدهار. "لأن الفقر والحرب يهددان السلم والرخاء العالميين"، لذا يتوجب على الدول الكبرى العمل بجدية لوضع حلول جذرية لمشكلات الدول النامية وتوفير مستوى لائق لكل الأمم، يضمن الحرية ويحقق الوحدة ويمنع اندلاع الحروب.

لذا أكدت السياسة الخارجية العراقية على أهمية تحقيق التوازن في العلاقات الدولية والعمل على: إلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية ورفض الأحلاف والقواعد العسكرية؛ تأميم النفط واستثمار الثروات الوطنية؛ والتمسك بمبادئ عدم الانحياز، بما يضمن الاستقرار عبر الانفتاح على التجارب العالمية المعاصرة.

قامت السياسة الخارجية للعراق على ثلاثة مبادئ أساسية:

تعميق الإرادة السياسية الوطنية الداخلية، كشرط أساسي للتنمية الاقتصادية؛

مع ضمان توفير الحصول على الكميات الكافية من المياه لتطوير الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي؛

وأخيراً القدرة على بيع النفط بأفضل الأسعار وبدون عائق.

وهذا ما يمثل الركائز الثلاث: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للتنمية الشاملة، المتداخلة والمتكاملة بشكل وثيق مع بعضها البعض. وبالفعل نجحت السياسة العراقية في مواجهة التحديات عبر: تأميم عمليات شركة نفط العراق في 1 حزيران 1972م؛ استثمار الكبريت وطنياً؛ إعادة تشغيل المصانع ووضع خطط استثمارية لبناء القاعدة الصناعية والزراعية المتطورة؛ فتح الحوار مع الأحزاب السياسية وإعلان الميثاق الوطني لتشكيل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973م، ثم التوصل لحل المسألة الكردية من خلال بيان 11 آذار 1970م، ثم إعلان قانون الحكم الذاتي 11 آذار 1974م.

 

إن ما تحقق على صعيد الاستقلال السياسي والاقتصادي جاء تطبيقاً لدستور 1970م، الذي عد العراق جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة، هدفه الأساس إقامة النظام الاشتراكي الديمقراطي.

 

القضية الفلسطينية

واحتلت القضية الفلسطينية، أهمية استثنائية في الخطاب السياسي، حيث عبر العراق عن استعداده الكامل لوضع جميع امكانياته من أجل تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغيرها من الأقاليم العربية المغتصبة. وأكد العراق في مواقفه الرسمية والشعبية وعلى جميع المستويات الإقليمية والدولية عزمه "السعي لتحديد أسباب الهزيمة العسكرية والسياسية العربية في الخامس حزيران 1967م". لقد استحوذت القضية الفلسطينية، على جوهر السياسة الخارجية العراقية وشكلت قاعدة العلاقات الدبلوماسية مع البلدان العربية والدول الاجنبية، إضافة لتبني قضية شعب فلسطين أمام مؤتمرات عدم الانحياز والمنظمات الدولية.

وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية العراقي في تصريح أمام الصحفيين في 3 آب 1968م قائلاً: "نحن نرفض جميع ما يسمى بالحلول السلمية التي تتضمن تنازل العرب عن حقوقهم المشروعة في فلسطين". وأضاف مؤكداً على النظرة القومية للسياسة العراقية بالإصرار على " الاستمرار في صيانة شرف وكرامة الأمة العربية وحقوقها المشروعة". وبين وزير الخارجية في معرض التعبير عن دعم العراق الكامل لأنشطة المنظمات الفلسطينية، التزام العراق بتقديم مختلف اشكال الدعم لشعب فلسطين. وأضاف قائلاً: إن العراق "يبحث في تعزيز علاقاته مع الدول الاشتراكية"، بهدف توسيع فرص الدعم والمساندة لقضية شعب فلسطين وحقه في تقرير المصير.

دعم حركات التحرر في العالم الثالث :

و تجاه سياسة الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأوسط والعالم، عكس الاعلام العراقي وخاصة الصحافة المحلية وراديو بغداد موقف الدولة منها فقد استخدم لهجة نقدية مناهضة لسياسة واشنطن من خلال برامجه السياسية في الأول من آب، خصوصاً ما يتعلق باستراتيجية واشنطن العسكرية في الحرب على فيتنام والاعلان عن ارسال تعزيزات عسكرية لتغذية حرب الإبادة لشعب فيتنام، وقد وصفت تعليقات الاذاعة هذه القوات بأنها "قوات عدوانية ضد الشعب الفيتنامي".

مما تقدم، نستنتج أن التحول في طبيعة النظام السياسي بعد ثورة 17 تموز قد شكل نقطة تحول جوهرية في التاريخ السياسي للعراق. وهذا ما يتطلب البحث العلمي والجدي لفهم الآليات التي تكمن وراء التطورات والاحداث السياسية ولفهم التفاعلات في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين العراق ودول الجوار الإقليمي إضافة لتوسيع العلاقات مع دول أوروبا الشرقية و مع الجمهورية الفرنسية والاتجاه نحو عقد اتفاقية التحالف الاستراتيجي مع الاتحاد السوفيتي.

وقد كانت السياسة الخارجية للدولة في ظل ثورة 17 تموز فعالة ونشيطة في مجال استقطاب الدعم العربي والدولي للإنجازات والتحولات الكبرى على صعيد السياسة الداخلية التي تميزت بتبني استراتيجية وطنية لمواجهة الشركات النفطية الاحتكارية، والعمل على توفير الشروط الوطنية لإعلان الحكم الذاتي لكردستان العراق في 11 آذار 1970م، وتعزيز الوحدة الوطنية والشراكة السياسية بين الأحزاب التقدمية والاشتراكية.

التعديلات الجوهرية على السياسة الخارجية العراقية

تتمتع كل دولة في المجتمع الدولي باعتماد سياسة خارجية مُستقلة ضمن إطار الحقوق السيادية للدول في ميثاق الامم المتحدة. والسياسة الخارجية، تُعد نتاج علاقات تفاعلية بين عدد من الحقائق والعوامل المتغيرة، المرتبطة بنوعين من الشروط والظروف الداخلية والخارجية. ولفهم تطور السياسة الخارجية للعراق، يجب ابتداء التعرف على طبيعة الاستراتيجية الدولية التي تبناها العراق على صعيد العلاقات الخارجية.

وترتكز هذه الاستراتيجية على اثنين من المعايير الأساسية المترابطة:

فلسفة القومية العربية

والرؤية الواقعية للمشكلات الدولية.

 إن التفاعل بين هذين المعيارين، أعطى الاستراتيجية الدولية للعراق، منظوراً شاملاً يتميز بمرونة الدبلوماسية وتبني السياسة القادرة على التعامل بموضوعية، لمواجهة الحقائق والمعطيات التي تتحكم بالعلاقات الإقليمية والدولية ووضعها في خدمة قضايا الشعب.

تتميز فلسفة القومية العربية، بانها ولدت وتبلورت متحررة من أي قيود، لأنها كانت منذ البداية، غير مقيدة بأي اعتبار نظري أو بمصالح مادية محددة. مما أعطاها القدرة على التحرر والافلات من الأفكار المسبقة والتجريدات الفلسفية التي تضحي بالحقائق الواقعية لخدمة مثالية علمية افتراضية. نستخلص، أن مفاهيم وتصورات فلسفة القومية العربية، لا تتقيد بمحددات أيديولوجية تمنعها من القدرة على استيعاب المعطيات الذاتية والموضوعية للواقع العربي بشكل شامل، وإنما تسخير الحقائق الواقعية لخدمة الإيديولوجية ومبادئها الأساسية.

 

ويكمن تطور المجتمع العربي في التعارض والتناقض بين فلسفة القومية العربية والفلسفة المادية للتاريخ، أي رفض الدعوة لقبول منهجية دوغمائية مستوحاة من الفلسفة المادية الجدلية، وتبني سياسة الانفتاح على الأفكار والثقافات ما بين الأمم والشعوب.

وقد دشنت السياسة الخارجية العراقية، بعد 1968م مرحلة جديدة، عبر الشروع بتبني مسار سياسة مستقلة عن الكتلتين الشرقية والغربية ومعارضة الأحلاف والاتفاقيات العسكرية ورفض القواعد العسكرية أو القبول بهيمنة الشركات الاحتكارية الرأسمالية على الثروات الوطنية والقومية. وتعتمد هذه الاتجاهات على الأهداف الكبرى لحركة عدم الانحياز، كما تبنى العراق مفهوم الاستقلالية في السياسة الخارجية تعبيراً عن ضمان السيادة الوطنية ورفض التبعية للإمبريالية السياسية منها والاقتصادية.

ويؤكد المفكر الدكتور سعدون حمادي وزير خارجية العراق في مقال نشر في صحيفة Le Monde Diplomatique:  إن "الاستقلال السياسي غير كافٍ إذا لم يكن مصحوبًا باستقلال اقتصادي، وهو هدف متوازي ومتكامل للعراق".

لقد شكلت الأفكار المتعلقة بالاستقلال والتحرر من الاحتكارات الاقتصادية دافعاً حيوياً، لكي "يخوض العراق معركة الاستقلال الاقتصادي، وقدم للعالم العربي نموذجاً مذهلاً بتحرير ثروته النفطية الوطنية من استغلال الشركات الرأسمالية، وكان قانون تأميم النفط خطوة حاسمة نحو الاستقلال الاقتصادي"، لتعزيز السيادة الوطنية والاستقلال السياسي.

ونتيجة لنجاح العراق في مفاوضاته الشاقة مع الشركات النفطية وتأميم عمليات شركة نفط العراق، تشجعت الدول العربية وغير العربية، بتبني استراتيجيات لتحرير ثروتها النفطية من جميع أشكال الاستغلال التي كانت ضحيتها، وتمكنت من إعادة توزيع الموارد المالية بين المواطنين لضمان الاستقلال والسيادة على الثروات الطبيعية.

تحرير الثروة النفطية العراقية

ويستند مفهوم سياسة الاستقلالية الذي تبناه العراق إلى مجموعة من المبادئ والأفكار والثوابت التي تنبع من ضمان المصلحة الوطنية للدول في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. تأخذ هذه السياسة في الاعتبار الوضع الدولي الراهن والصراعات والأحداث التي تشكله سياسياً وإيديولوجياً واقتصادياً وعسكرياً. وبهذه الطريقة، تسهم سياسة الاستقلال بدور فاعل للدول النامية في تخفيف حدة التوتر الدولي، ووضع حد لاستمرار الشركات الاحتكارية للدول الغنية، بنهب ثروات الدول النامية وتكريس ظاهرة الفقر والتخلف، كما استهدفت السياسة الخارجية العراقية، مناهضة استراتيجيات سباق التسلح بين القوى الكبرى والتي تهدد الأمن والاستقرار الدولي، والعمل على مساعدة الشعوب الفقيرة والخاضعة للهيمنة الاستعمارية، على الكفاح من أجل الحصول على الاعتراف بحقوقها المشروعة للاستقلال ضمن إطار القانون الدولي، بما في ذلك حقها في التنمية والتقدم.

وقد أدركت قيادة الثورة أن تحقيق الاستقلال الوطني والقومي، مليء بالمخاطر والتحديات، لكنها اختارت طريق الكفاح الخاص من أجل الاستقلال والتنمية الشاملة. إن اختيار طريق التحرر الاقتصادي الوطني، يؤدي لمجابهة حتمية مع هيمنة القوى العظمى، مما يعني: مواجهة المشاكل والتضحيات الكبرى، وفي نفس الوقت يوسع من فرص الدور الدولي للبلدان العربية. لذا تبنى العراق سياسة ثابتة وواضحة في مجالين

لتقديم نموذج للاستقلال السياسي والاقتصادي، وبما يقدم استراتيجية شاملة، أمام البلدان العربية لتحرير الثروات الطبيعية، وضمان الأمن القومي العربي.

كما تبنى العراق باستمرار سياسة الدفاع عن تطوير مقاربة عملية وشاملة تضمن مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية للأمن القومي العربي من جميع جوانبه، الإيديولوجية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، وهي جزء من استراتيجية وطنية وقومية عامة، تسهم في زيادة القدرات الداخلية للبلدان العربية، لتعزيز الأمن القومي.

 

وسوف نحاول متابعة وتحليل الخطوط العريضة للدبلوماسية العراقية تجاه البلدان العربية ، وطبيعة العلاقات مع دول العالم الثالث النامية، وأخيراً تحليل الرؤية الخاصة للعلاقات الدولية.

 

السياسة الخارجية العراقية وعلاقات التعاون والشراكة مع الاقطار العربية

العراق واحد من البلدان العربية، الذي آمن بالأهمية الاستراتيجية لتحقيق الوحدة العربية، خصوصاً بعد ان تم تقسيم الوطن العربي بموجب معاهدة (سايكس- بيكو) والتي نتج عنها ظهور الدول العربية المعاصرة في بداية القرن العشرين. ولأن الوحدة السياسية والاقتصادية العربية تمثل قضية مصيرية لمستقبل الشعب العربي على طريق النهضة والتحرر من التخلف والتجزئة، وتحقيق التقدم والتنمية الشاملة. لذا استمرت السياسة العراقية في مواصلة الجهود من أجل تحقيق الشروط الموضوعية للوحدة اللازمة ولإقامة الدولة العربية الديمقراطية الواحدة، لكي تلعب دوراً حيوياً في قضايا السلم والأمن، وتعزيز جهود المجتمع الدولي . ومنذ انطلاق الثورة ولتعميق علاقات التعاون والعمل العربي المشترك، بذل العراق جهوداً متواصلة لتمتين العلاقات بين الدول العربية في جميع المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، واهتم العراق بالتأكيد على ضرورة تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، لإيمانه بأن العالم العربي يمثل وحدة اقتصادية متكاملة، مما يوفر فرصة استثنائية للتنسيق المشترك وتوحيد البرامج العلمية والتدريبية في ميادين التربية والتعليم العالي والقوانين الاجتماعية والإعلام وتوفير فرص الانتقال أمام العمال بين الدول العربية.

 

إن العمل الوحدوي في رؤية قيادة الثورة يستند إلى عاملين هما:

العامل الاقتصادي بحركته ودوره المؤثرين في هدف الوحدة،

والتأثير المتبادل بين نظام الدولة العراقية القومي، واتجاهات وحركة السياسة الدولية.

ولتحقيق هذه الاهداف، لا بد من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي عبر التنمية الشاملة لتحرير الاقتصاد العراقي من اعتماده على النفط، لأن "النفط محكوم بتقلبات السوق الرأسمالية واستراتيجيتها"، وهذا ما يؤدي إلى إلحاق الاقتصاد العراقي وتبعيته للاقتصاد الرأسمالي. فلا سبيل للاستقلال السياسي إلا عبر تحقيق التنمية الشاملة، لكي يكون الاقتصاد العراقي مستقر ومزدهر.

لقد وضعت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ثلاث ثوابت لتحقيق استراتيجية التنمية هي :

تحرير النفط.

بناء الاقتصاد على ركيزتين الصناعة والزراعة.

الترابط بين التنمية الزراعية والصناعية.

الترابط بين التنمية الزراعية والصناعية في ظل الثورة

وهذا يتطلب الاهتمام بالبحث العلمي واستيعاب العلوم والتكنولوجيا، في إطار استراتيجي وطني وقومي شامل، بإمكانها تغيير المجتمع بصورة جذرية في إطار مفهوم اشتراكي يضمن: الحرية الاقتصادية، والحرية الاجتماعية والسياسية، والعدالة، والتحرر من التبعية للرأسمالية الدولية. ولتحقيق هذه الغايات، عقد "المؤتمر القومي لاستراتيجية العمل الاقتصادي المشترك" في مايس 1978م، حيث ركز العراق فيه على العلاقة بين مستقبل العرب والتنمية من خلال استثمار الأموال النفطية، لأنها تشكل عنصر قوة. ودعا العرب للتنسيق والتعاون بما يجعل عملية التنمية في خدمة المصلحة العربية العليا والتكامل الاقتصادي، والابتعاد عن التنافس بين الأقطار العربية في مجال الإنتاج.

وخلال مؤتمر القمة العربي العاشر في تونس، عام 1979م دعا العراق لعقد قمة عربية، متخصصة في الشؤون الاقتصادية وسبل التعاون والشراكة المثمرة، لتعزيز العمل الوحدوي، ولإلغاء مظاهر التمايز الطبقي الحادة في الأمة الواحدة، بين دول شبعانة إلى حد التخمة، وبين دول فقيرة إلى حد الانسحاق. وتنفيذاً لهذه السياسة، قدم العراق مساعدات وقروض خلال الاعوام 1973-1981م للبلاد العربية بقيمة 4.8 مليار دولار، وهذا ما يكون 41.56 % من المعدل السنوي لما قدمته الدول النفطية العربية مجتمعة، كما بلغ مجموع ما قدمه العراق من عام 1985م وحتى عام 1989م ما مجموعه 7.4 مليار دولار.

ولتعزيز الأمن الوطني والقومي، جاء إعلان ميثاق الأمن القومي، في 8 شباط 1980م، الذي حدد وسائل تفعيل استراتيجية قومية شاملة تنظم العلاقات بين الدول العربية وبين دول الجوار ودول العالم الكبرى. ودعا الإعلان: إلى منع استخدام القوة المسلحة في النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية، والعمل على حلها في إطار العمل العربي المشترك وأكد على أهمية احترام حقوق السيادة مع دول الجوار، وعدم اللجوء لاستخدام القوة، ورفض انتشار القواعد العسكرية والجيوش الأجنبية لان في ذلك إخلال بالحقوق السيادية والاستقلال، ويعرض الأمن القومي العربي لانتهاكات خطيرة.

وقد حرص العراق على المشاركة الفاعلة في كافة مؤتمرات القمة العربية التي انعقدت ساعيا الى تعزيز العمل العربي المشترك على طريق تحقيق الوحدة العربية.

من جهة أخرى، تعتبر القضية الفلسطينية عنصراً أساسياً في السياسة العربية والدولية للعراق، لمناهضة استراتيجية الاستيطان والتمييز العنصري في فلسطين. كما لا يمكن إقامة سلام عادل ومنصف في الوطن العربي ومنطقة الشرق الاوسط، إلا من خلال:

1) الإخلاء غير المشروط من قبل دولة الكيان الصهيوني  للأراضي العربية المحتلة.

2) دعم الشعب الفلسطيني في نضاله للحصول على الاعتراف الدولي بحقه في تقرير المصير واقامة دولة فلسطينية متعددة الأديان، والتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود فيها.

إن العراق بوصفه واحداً من بلدان حركة عدم الانحياز يحترم حق الشعوب في هذه الدول، باختيار الانظمة السياسية والاقتصادية والثقافية التي تنسجم وتتوافق مع الأفكار والمبادئ السائدة في هذه المجتمعات. وقد تمحورت النقطة الوحيدة المهمة بالنسبة للسياسة العراقية ، في عدم تحول هذه الدول الى رأس حربة للقوى الأجنبية الكبرى للتدخل في الشؤون السيادية الداخلية للدول العربية، التي تحتل موقعاً استراتيجياً حيوياً في الأمن الإقليمي والدولي، ولاحتوائها على الاحتياطيات الكبيرة من النفط والغاز والتي جعلت من الوطن العربي ومنطقة الخليج العربي بالذات واحدة من أكثر المناطق حساسية في العلاقات الإقليمية والدولية.

وبالنسبة إلى السياسة الخارجية العراقية إزاء الاقطار العربية في الخليج العربي فإنه "وعلى الرغم من التباين في الأنظمة والمفاهيم السياسية والثقافية في المجتمعات الخليجية، لكنهم يمتلكون القدرة على إيجاد حلول لمعالجة خلافاتهم ومشكلاتهم سلمياً، وإقامة علاقات تعاون اقتصادي يضمن الاستقرار والامن، وبما يوفر فرصة لتشجيع التعاون المتبادل في مختلف المجالات. ولكون منطقة الخليج العربي ترتبط، بفعل ما تملكه من ثروات في مجال الطاقة والاستثمارات والتجارة، ارتباطًاً وثيقًاً بالعالم الصناعي والرأسمالي وتتفاعل مع الحضارة المعاصرة. لذلك،"  يسعى العراق باستمرار إلى تعزيز علاقات التعاون مع دول الخليج العربي لضمان الملاحة الحرة، وبما يوفر مناخ إقليمي للاندماج والتفاعل لحماية الموارد والثروات ودرء مختلف الاخطار الإقليمية والدولية التي تهدد الأمن والاستقرار".

 

أخيراً، يعتقد العراق أن "جامعة الدول العربية، التي ضمت كل الدول العربية، لم تستجب منذ إنشائها حتى يومنا هذا، لطموحات تحقيق الأهداف الوطنية. لذا استهدف العراق لتطوير ميثاق هذه المنظمة بطريقة تتوافق مع احتياجات العمل العربي المشترك وضمان أن ترتقي جامعة الدول العربي في أدائها، بما يتناسب ومستوى الأحداث والتحديات، وأن تكون الجامعة نقطة انطلاق لوحدة العمل السياسي والاقتصادي العربي المشترك". وبدون أي شك، يبدو العالم العربي يمر بمراحل اضطراب وأزمات مختلفة، وتتعرض كل دولة عربية لمجموعة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولا يمكن معالجة هذه التحديات إلا عبر العمل العربي الاقتصادي المشترك، لبناء شراكة وتعاون تمكن من الاستثمار الأمثل للموارد والثروات المادية والبشرية. لكن الوضع العربي استمر في التدهور والتفكك. و يعتقد العراق أن العالم العربي مهدد بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية ومجموعة من المخاطر المباشرة وغير المباشرة، الفعلية أو المحتملة. وتهدف هذه التهديدات الشاملة إلى منع العالم العربي من لعب دوره في إطار المجتمع الدولي. إن الدول العربية لا تعاني فقط من الانقسام السياسي، ولكن أيضاً من وضع غير مسبوق في التاريخ المعاصر للعالم العربي، أي تبعية الدول العربية للكتلة الشرقية الشيوعية أو للكتلة الغربية الرأسمالية. ولمواجهة هذه التهديدات، تبنت السياسة الخارجية للعراق، دبلوماسية للتحرك باتجاهين:

الأول، تمثل بدعوة البلدان العربية للتضامن العربي، هذه هي المرحلة الأولى من استراتيجية المواجهة مع القوى الإقليمية والدولية، المعادية للمصالح الاستراتيجية الحيوية للعالم العربي.

الثاني، دعوة الدول العربية، للاعتماد الذاتي على النفس فقط، وتهيئة الظروف والشروط اللازمة لتطوير قدراتها للدفاع الذاتي عن النفس، دون الحاجة للانغماس أو التبعية لأحدى الاستراتيجيات الشرقية أو الغربية.

 

السياسة الخارجية العراقية والتعاون المشترك مع البلدان النامية

ليس هناك شك في أن العراق ينتمي إلى الجماعة الدولية الكبيرة المتمثلة ببلدان العالم الثالث، لأن العراق يواجه نفس المشاكل الاقتصادية والتحديات السياسية والاجتماعية. والعالم الثالث Third World، هو مصطلح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يقصد به الدلالة على الدول التي لا تنتمي إلى العالمين الأول والثاني، وهما الدول الصناعية المتقدمة على عكس دول العالم الثالث النامية. واستُعمل تعبير العالم الثالث لأول مرة عام 1952م في مقالة صدرت للاقتصادي الفرنسي ألفريد سوفي Alfred Sauvy  في إشارة إلى الدول التي لا تنتمي إلى مجموعة الدول الغربية الرأسمالية الصناعية ولا إلى مجموعة الدول الاشتراكية. وأحيانا يطلق على هذه الدول مصطلح الدول النامية، وهي دول ذات مستوى معيشي منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي، وتعاني هذه الدول من التخلف الاقتصادي، إذ يرى بعض الدارسين أن دول العالم الثالث هي التي لم تستفد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي احدثتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، لذا تعد دولاً آخذة في النمو وبعضها دول متخلفة.

بمعنى آخر، تشترك دول العالم الثالث بتماثل مشكلات الهياكل السياسية والاقتصادية وتدني مستويات الثقافة الاجتماعية، وفي قدرتها المحدودة في تبني استراتيجيات شاملة على طريق تحقيق أهدافها وطموحاتها الاقتصادية والسياسية المشروعة. "ونتيجة لذلك، سعى العراق بعد نجاحه في إدارة واستثمار ثرواته الوطنية، إلى إقامة أفضل العلاقات الثنائية الممكنة مع الدول النامية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون السيادية الداخلية، وبناء العلاقات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة، وتصفية جميع الأشكال القديمة والجديدة من الاستعمار، لتحقيق التقدم والتنمية، ولتمكين بلدان العالم الثالث من لعب دور فعال على المستوى الدولي، لخدمة قضايا السلم والأمن والاستقرار".

لقد أظهرت تجارب البلدان النامية، وبطريقة قاطعة، إن الاستقلال السياسي لم يكن سوى خطوة على طريق الكفاح الطويل من أجل التحرر من مختلف مظاهر الاستعمار والتخلف الاقتصادي والاجتماعي. فقد كان من الضروري لجميع دول العالم الثالث، تبني مواقف راديكالية ضد الهيمنة الاقتصادية للشركات الرأسمالية الأجنبية على اقتصادها الوطني. لذا بذلت الدول الافريقية والاسيوية جهوداً واسعة في المحافل الدولية والعلاقات الثنائية، للمطالبة بحقوقهم المشروعة عبر اجراء مراجعة شاملة للأطر والاتفاقيات التي نظمت بضوئها العلاقات الاقتصادية بين الدول النامية والدول المتقدمة من أجل ضمان الاستقلال الاقتصادي والسياسي وتحسين شروط الحياة الاجتماعية، وهو ما يعزز الأهداف الكبرى لحركة عدم الانحياز، نحو بناء نظام اقتصادي دولي جديد، يضمن العدالة في العلاقات بين دول الجنوب النامي والشمال الصناعي.

فبدون الاستقلال الاقتصادي، سيكون من المستحيل بناء القوة وسيادة الدولة، وبالتالي سيكون من الصعب اعتبار المصلحة الوطنية نقطة الانطلاق الجوهرية للسياسة الخارجية. وإذا كان تأميم شركات النفط في العراق، على سبيل المثال، يمثل خطوة حاسمة في تصفية استغلال الشركات الاحتكارية الأجنبية، التي تحكمت بالهيمنة على الموارد المالية والاقتصادية للعراق، فإن الجانب السياسي لتأميم شركات النفط، يكمن في تحرير واستقلال القرار السيادي في إدارة الشؤون السياسية والاستراتيجية للعراق. وهكذا أصبح تأميم شركات النفط، جزءًا لا يتجزأ من الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية في البلاد.

وفي واقع الأمر، لم تعد معظم البلدان النامية تتسامح مع استمرار التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي انتجه نظام العلاقات الاقتصادية غير العادل خلال الحقبة الاستعمارية. وكانت القضية العاجلة والملحة لبلدان حركة عدم الانحياز، القيام بتنسيق الجهود المشتركة لتعزيز استقلال وسيادة الدول النامية والمستقلة حديثاً، وبما يحقق الاستقلال الاقتصادي وانطلاق الاجراءات والبرامج العملية اللازمة لتحقيق مستوى متقدم من النمو الاقتصادي في المجالات الصناعية والزراعية والخدمات وتوفير الطاقة وبما يحقق أهداف واحلام وطموحات الشعوب المشروعة في العيش بحرية وكرامة.         

وفي إطار الكفاح من اجل تحقيق الاستقلال، أكد مؤتمر الجزائر لبلدان حركة عدم الانحياز عام 1973م، على أهمية تبني: "الحاجة إلى خلق ظروف مناسبة لبناء نظام اقتصادي دولي جديد، قائم على العدل والمساواة في السيادة، وضمان المصالح المشتركة والتعاون بين دول حركة عدم الانحياز". ومن بين القواعد الأساسية والجوهرية هي: مبدأ المساواة، والحق في تقرير المصير، وسيادة كل بلد على موارده الطبيعية، والحق في التأميم عندما تتطلب المصلحة الوطنية. وقد تحولت حركة عدم الانحياز إلى حركة دولية كبيرة للتنسيق والتعاون بفعالية بين الدول النامية وبما يوفر الفرص الايجابية لتحقيق التحولات الاقتصادية في بلدان العالم الثالث.  وبسبب الدفاع عن مصالح وأهداف الدول النامية، واجهت بلدان عدم الانحياز العقبات والصعوبات والضغوط التي شلت قدرتها على التطور. ومن أجل مواجهة هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية، التي تسلطها الشركات الاحتكارية، بمساندة الدول الرأسمالية، فمن الضروري تحقيق الشروط الأساسية للمواجهة بتوفر الإرادة الوطنية. وقد كانت سياسة العراق الخارجية تتسم بالنشاط والفاعلية لتمثيل العراق في هذا المجال في كافة المؤسسات الدولية.

تبنى العراق مفهوم إن التعبير عن الإرادة الوطنية، لاتباع منهج مستقل في استراتيجية التنمية الشاملة، تبلور السمة الجوهرية لمبادئ وأفكار حركة دول عدم الانحياز، التي لا يمكن أن تتحقق خارج الاعتبارات المتجذرة في العلاقات الدولية المعاصرة، وتأثرها بسياسة التحالفات التي تتبعها الدول والقوى الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي. لذلك، كان يؤكد العراق على انه يتوجب على سياسة عدم الانحياز، أن تحمي قدرتها على توفير الضمانات لاستقلالها وعدم خضوعها لتأثيرات وضغوط القوى الكبرى والعمل لحماية الثقافة السياسية لاستقلال الدول النامية وفي تمتعها بالسيادة في تحديد السياسة الخارجية التي تنسجم مع مصالح الشعوب في توفير البيئة الإقليمية والدولية للتعايش وضمان الأمن والاستقرار.

لقد سعى العراق لان تحقق الدول النامية، النجاح في تبني سياسة الاستقلال واعتماد سياسة غير منحازة للتكتلات والاحلاف الدولية والإقليمية، لأنها عندئذٍ فإنها ستفرض وجودها السياسي والاقتصادي المُستقل وكعضو فاعل في المجتمع الدولي ومؤثر على مسرح العلاقات الدولية. مما يعني تمتع الدول في اقامة العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية والتعددية، بما يحمي مصالحها الوطنية واحتياجاتها الخاصة، دونما حاجة للجوء لتوقيع اتفاقيات عسكرية أو القبول بالتحالفات السياسية التي من شأنها أن تعرض أمن وسيادة وسلامة واستقلال الدول لخطر المساس وانتهاك مبادئ سياسة عدم الانحياز.

ومن المعروف، ان الاستراتيجيات التي تتبعها القوى الكبرى في إطار الاتفاقيات السياسية، تستهدف توسيع النفوذ وحماية المصالح للشركات الاحتكارية والقواعد العسكرية. بينما تحظى الدول النامية بقدر من التوازن واحترام الاستقلال والسيادة وضمان الحرية في تحقيق وحماية مصالحها الوطنية وتبني استراتيجيات سياسية مستقلة، ضمن إطار حركة عدم الانحياز حيث تتمتع بعلاقات مبنية على المساواة، التي تجعل من الممكن الدفاع عن مصالح دول العالم الثالث بدون استثناء.

لهذا، قامت سياسة العراق الخارجية على أساس مبدأ الاستقلال السياسي والاقتصادي وحماية السيادة الوطنية من مختلف أشكال التدخل الخارجي، بما في ذلك علاقاته مع الدول بلدان العالم الثالث. وفي نفس الوقت "تبنى العراق عن قناعة وايمان تام، سياسة الانفتاح لتعزيز مبادئ وأفكار حركة عدم الانحياز على صعيد العلاقات الدولية، عبر التأكيد على مجالين: الكفاح ضد الاستعمار والاستلاب والهيمنة؛ التضامن الفعال بين مجموعة دول عدم الانحياز، مع تبني تصورات وطنية توفر فرص للتنمية والمشاركة في تحقيق السلام، وتحقيق سياسة أكثر توازنا في العلاقات بين دول العالم الثالث والدول الصناعية المتقدمة، التي تمتلك العلوم والتطور التكنولوجي".

وعندما يعتبر العراق واحداً من أعمدة حركة عدم الانحياز، فذلك لأن العراق هو البلد الذي وضع هذه السياسة موضع التنفيذ في مجال العلاقات الدولية على مستويين: "استطاع العراق أن يوقف هيمنة واستحواذ الشركات الأجنبية على الموارد والثروات الطبيعية، كما نجح في إدارة الموارد البشرية والثروات بما يضمن المصلحة الوطنية الشاملة في التنمية الشاملة. وتطورت خبرات المؤسسات العراقية في اعداد وتنفيذ خطط التنمية الصناعية والزراعية والاستثمار المباشر للثروات، كالكبريت والفوسفات والبتروكيمياويات والصناعات الخفيفة والثقيلة، ليتحول العراق نموذجاً مهما لدول العالم الثالث. لقد استثمر العراق في مجال التنمية، وبدأت الخطة الاستراتيجية في عام 1975م بهدف ضمان تطوير القاعدة الصناعية على أسس منهجية وطنية وبما يقلل من اعتماد التنمية الاقتصادية على عائدات النفط في تنمية البلاد.

واستهدفت الخطة الاستراتيجية، تحويل الاقتصاد العراقي الريعي إلى اقتصاد إنتاجي، أي جعل الاقتصاد العراقي أكثر ديناميكية وأكثر إنتاجية وتنويع الموارد دون الاعتماد على عائدات النفط بطريقة مباشرة. كما تم استثمار حصة كبيرة من رأس المال الوطني في التنمية الزراعية، التي أصبحت قادرة على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ومشاريع الري واسعة النطاق. وقد تبنى العراق أيضاً استراتيجية للتعاون الاقتصادي لمساعدة العديد من دول عدم الانحياز وحركات التحرر في بلدان العالم ثالث، من خلال الاستثمار المشترك في مشاريع التنمية الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. وتتسم السياسة العراقية في التعاون والاستثمار الاقتصادي مع البلدان النامية في إفريقيا وآسيا، تطبيقاً والتزاماً بقرارات وسياسات ومبادئ حركة عدم  الانحياز، التي يمكن تلخيصها وفق الآتي: إنهاء وتصفية مختلف أشكال الهيمنة الرأسمالية الأجنبية على المواد الخام، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة وطبقاً  للحقوق السيادية للدول على الثروات الوطنية؛ تعزيز التضامن والتعاون المشترك بين دول حركة عدم الانحياز والعمل نحو إتاحة المزيد من التنسيق فيما بينهم، في ضوء تطور العلاقات بين المنظمات العلمية والثقافية، لتعزيز التضامن بين دول عدم الانحياز بهدف تنمية وتطور الصناعة والزراعة.

 

https://drive.google.com/file/d/1bOUBKb3S76ZWPFxrxYs33_8kGCRBGhjS/view?usp=sharing

 






الاحد ٢٨ ذو الحجــة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شبكة ذي قار نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة