شبكة ذي قار
عـاجـل










يتصور البعض عن دون قصد إننا نتهم الفرس بما ليس فيهم وندعي أن لهم حقدا وطمعا في ارض الرافدين الغالية وفي امتنا العربية ويذهب إلى ابعد من ذلك فيعلق دفاعنا عن بلادنا على انه صراع بدافع من توجهنا العروبي القومي الذي نعتز به ولكن بعيدا عن التعصب وبين توجه الفرس الطائفي رغم يقيننا المطلق أنهم أي الفرس يتمسكون بمنهجهم التوسعي صوب امتنا وصولا إلى تحقيق حلمهم في إمبراطورية فارس وبنزعتهم الطائفية كسلاح قوي وفعال لتأجيج الخلافات بين أبناء شعبنا لتسهيل تغلغلهم وتحويله إلى احتلال مبطن يتولد من رحم العدوان الأمريكي البغيض ويحققون من خلاله أهدافهم القديمة بإضعاف العراق وتقسيمه ومن ثم يتجهون إلى العرب جميعا وتحطيم قدراتهم الدفاعية وعرقلة أي جهد وحدوي يعيد لامتنا مكانتها العظيمة التي تساهم بها في بناء الحضارة الإنسانية التي تنطلق من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف , وهذا لا ينفي بأي حال من الأحوال نزعة الأتراك التوسعية وحلمهم في إعادة إمبراطوريتهم العثمانية البائدة والانحدار نحو السهول العربية ومساهمتهم أيضا في نفس السلوك الفارسي ولكن بالاتجاه المعاكس وهذا ما سنعرج إليه لاحقا بإذن الله , ولكي نقف عند حقيقة توجهاتهم لابد لنا من إلقاء نظرة خاطفة على نشوء الفكر ألصفوي في بلاد فارس .


كانت بداية نشوء الدولة الصفوية في بلاد فارس كحركة دينية اثر الاضطراب الذي عم المناطق التي نتعارف على تسميتها اليوم بإيران عقب سقوط الدولة المغولية الأولى , ويدعي الصفويون أنهم ينتسبون إلى الشيخ صفي الدين بن إسحاق المتوفى سنة 1324 ميلادية والذي يرجع نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام إلا أن الدراسات الحديثة أسقطت هذا الادعاء حيث لم ترد أية إشارة في مصادر الآثار المعتمدة تدل على رجوع نسب هذه الأسرة إلى العلويين بشكل صحيح .


نشأت هذه الحركة في بدايتها كطريقة صوفية شأنها شان الطرق الصوفية التي انتشرت في الشرق الإسلامي وفي أذربيجان حيث كان يقيم صفي الدين وقد انتقلت مشيختها إلى علي بن حيدر الذي تعاون مع تيمورلنك خلال غزوه للمنطقة فمنحه وأتباعه منطقة اردبيل وحين انتقلت مشيخة الحركة إلى جنيد الذي سعى إلى تحويلها إلى حركة سياسية ازدادت قوتها بعد أن تصاهر مع أسرة أوزون حسن مؤسس الإمارة التركمانية ألاق قوينلية التي ضمت شمال شرق العراق وأذربيجان بين سنتي ( 1467 – 1508 ) ميلادية فأصبح للحركة الصفوية أبعادا سياسية واضحة تولى حفيده حيدر تنظيم قواتها العسكرية وقد اتخذ لأتباعه لباسا مميزا للرأس عبارة عن قلنسوة حمراء عرف بها أتباعه وصارت تسميتهم بالقزلباش أي ذوي الرؤوس الحمراء واستطاع ابنه حيدر الانقلاب على أخواله واستولى على ملكهم وأنهى دولتهم وأطلق على نفسه لقب الشاه وسط احتفالات كبيرة فحكم بلاد فارس من (1500 – 1524 ) ميلادية .


استخدم الشاه إسماعيل ألصفوي الدين والتصوف وسيلة لفرض هيمنته على إيران بالقوة وانتهج سياسة طائفية مقيتة تستند إلى سب الخلفاء الراشدين الثلاث الأول رضي الله عنهم وسيلة لامتحان الإيرانيين ومن لم يوافق على ذلك منهم فانه يعرض نفسه لعقوبة تصل إلى الإعدام حتى ازداد عدد ضحاياه على العشرات الألوف من الناس وأكد على المبالغة والتطرف في الممارسات الدينية وادخل بينها ما يعذب الأجساد ومنذ ذلك الوقت اتخذ الخلاف بين مدارس الإسلام طابعا مذهبيا بعد أن كان طابعه عقائديا وتلك كانت بداية تمزيق شمل المسلمين وبدأ كل من الصفويين والعثمانيين يدعي أحقيته في تزعم المسلمين ويتستر وراء المذهب لتحقيق أهدافه التوسعية.


كان لابد للعراق أن يكون محط أنظار الصفويين ووسيلتهم لنشر فكرهم الطائفي لوجود العتبات المقدسة فيه والتي تعرف بأهميتها الدينية ودورها التربوي والتثقيفي عند جميع المسلمين غير أن العراق مركزا تجاريا مهما وأرضه زراعية خصبة فضلا عن تدهور الأوضاع السياسية فيه فسيطر إسماعيل ألصفوي عليه بعد أن انهي المقاومة الشعبية بقوة السلاح وحملات القتل والتدمير في عام 1508 ميلادية واتخذه قاعدة انطلاق لمحاولة بسط نفوذه شمالا باتجاه الدولة العثمانية .


لم يكن الخلاف المذهبي سببا للصراع بين الدولتين العثمانية والصفوية كما يشير إلى ذلك اغلب المؤرخين وإنما كان هذا متوافقا مع سياسة كل منهما التوسعية بدلالة تعاون إسماعيل ألصفوي مع الدولة المملوكية في مصر والشام ومماليك جورجيا كما تعاون مع قائد الأسطول البرتغالي في منطقة الخليج العربي البوكرك الذي كتب إلى الملك عمانوئيل الأول لتجهيزه بالمدفعية في حربه ضد الدولة العثمانية , فالمماليك كانوا يعلنون أنهم حماة للحرمين الشريفين كما إن ملك جورجيا كان مسيحيا وكان هدف إسماعيل ألصفوي من سياسة التحالفات هو عزل الدولة العثمانية عن جاراتها وإضعافها ثم الانفراد بها وليس الدفاع عن الدين أو الطائفة .


انهزم الشاه إسماعيل ألصفوي أمام السلطان العثماني سليم في معركة سميت باسم منطقة جالديران التي دارت على أرضها رحاها في 22 آب 1514 ميلادية جرح فيها إسماعيل وانهزم تاركا عاصمته تبريز وذهب ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شخص.


الصراع الفارسي – العثماني لم يحسم في هذه المعركة فقد كان الموقف العسكري كما يشير المؤرخون مائعا راكدا ولم يؤدي إلى انهيار احد الدولتين فكان لابد من نقل الصراع إلى خارج إيران أو الأناضول وان يجد هذا الصراع لنفسه مجالا في المناطق الوقعة بينهما ولم تكن تلك المناطق سوى الأقطار العربية .


تلك نبذة تاريخية استعرضنا فيها بعجالة لنكون فكرة قد يتناساها البعض منا عن نشوء الحركة الصفوية التي اعتمدت على الخديعة الطائفية لنشر أفكارها التي تقوم على خلق صراعات طائفية في المنطقة كاستمرار للمنهج الفارسي منذ ما قبل التاريخ إلى ما بعد فتح بلادهم واعتناقهم الدين الإسلامي حتى وان تحالفت مع غير المسلمين وهو نفس الأسلوب الذي يغذيه الفرس اليوم , فبعد أن نجحوا في عزل سوريا عن توجهاتها القومية لصالح الطائفية , قد نجحوا في استنساخ التجربة الصفوية في لبنان بشخصية حسن نصر الله الذي لازال يلعب دور مهما في شق عصا وحدة القطر وعرقلة نموه الطبيعي , وإثارة الخلافات من خلال مليشيات حزب الله التي ورثت مليشيات منظمة أمل , التي أمنت حدود الدولة الصهيونية المسخ ومنعت تسرب قوات المقاومة العربية إلى العمق الفلسطيني وتنفيذ عملياتها الجهادية المربكة للكيان الصهيوني , ثم دفعوا بقليل الخبرة سياسيا وفقهيا مقتدى الصدر ليستغل دعوة والده محمد صادق الصدر الفقهية الدينية واسمه فيحولوا من أتباعه إلى عصابات استقطبت إليها قطاع الطرق واللصوص والمجرمين لتشيع الفرقة بدعم وتغطية قوات الاحتلال الأمريكية من خلال ممارستها للجريمة المنظمة بين ابناء الشعب العراقي تحت تسمية جيش المهدي رغم إساءتهم البالغة من خلال هذا السلوك إلى الفقه الشيعي كما أساءوا إلى التوجهات الدينية والوطنية العراقية بالتعاون مع مجموعة دكاكين الأحزاب الطائفية الأخرى كمليشيات بدر ذراع مجلس آل الحكيم وتجمع الدعوة إلى الرذيلة والانحطاط غير الإسلامي .


لقد لبست الحركة الصفوية رداءا جديد مع بروز الخميني كمحرك جديد لفكرها واستطاع القفز إلى سلطة الدولة الفارسية بمساعدة ودعم المعسكر الامبريالي وبكل قسوة وخلافا للأعراف الإنسانية استطاع التخلص من القوى الوطنية التقدمية في إيران ومن ثم بدأ بتصدير ريحه الصفراء باتجاه الأمة العربية لاعتقاده أن جماهيرها تعتبر وفق مفاهيمه رخوة يمكن التأثير فيها طائفيا بالمقارنة مع غرب بلاده التي تعتبر ساحة صراع بين الفكر الرأسمالي ومجموعة الأفكار المعادية له .


إن اخطر ما تسعى إليه الحركة الصفوية هو استخدام التطرف الطائفي في ممارسة غير صحيحة للشعائر الدينية لاستقطاب الناس وترسيخ روح الانتقام في داخلهم من ذاتهم أولا فمن يمتلك القدرة على أن يسيل الدماء من جسده بهذه الطريقة بالتأكيد يمتلك قدرة اكبر في تعذيب وقتل غيره وبالتالي زرع روح الانتقام والثأر بين فئات المجتمع .


بعد أن فشل الفكر الفارسي ألصفوي في تحقيق ما يطمح إليه عن طريق القوة بمفردها في احتلال امتنا العربية , فبالإضافة إلى تجنيد خلايا مليشياوية يتم تدريبها واعداها في إيران وزجها في مراكز الثقل البشري العربية وتزويدها بكل ما يخدم نموها كالسلاح ورؤوس الأموال الضخمة ، لجأ إلى استخدام أقذر وأبشع طريقة في القضم والتوسع بتغيير توزيع ديموغرافية خريطة المنطقة عن طريق زج أعداد هائلة من الفرس بين السكان العرب الأصليين وتشجيع المصاهرة معهم لتذويب الهوية العربية بعد أن نجحت هذه الطريقة في اغلب الشريط الغربي للخليج العربي وما حصل في أحداث البحرين الأخيرة خير نموذج للباحث عن الحقيقة وهذا ما يفرض على كل عربي مهما كان موقعه في قطره أن يمارس دوره الوطني والقومي للحد من النفوذ الفارسي ومكافحته لأنه اخطر من أي فيروس عرفته البشرية .

 


Iraq_almutery@yahoo.com

alqadsiten@yahoo.com

 

 





الاحد٢٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة