شبكة ذي قار
عـاجـل










لعل أشهر ما إشتهر به جيمس فريزر (1854 ـ 1941) هو كتابه  المعنون:"الغصن الذهبي... دراسة في السحر والدين"، الكتاب الذي ظل لفترة طويلة موضع جدل طويل، تضاربت حوله الآراء ما بين معجبين به، يجدون في طياته الكثير من حكايات الملاحم الانسانية والأساطير التي تركها الاقدمون تروي قصصاً وعبرا لمن يقرأها، وما بين مستخفين به وبجهده واستنتاجاته، بوصف كتاباته أنها مجرد "هراء علمي"، إنطلاقا من نظرتهم اليه، والى أصحاب المدرسة التطورية التي إعتمدت إعتماداً كبيراً على التاريخ الظني أو التاريخ التخميني  Conjectural Historyالذي كان الباحث بمقتضاه يتصور وجود أحداث لم يقم عليها الدليل على حدوثها بالفعل في الماضي وذلك حتى تظهر نظريته في صورة منطقية محكمة. ونظراً للنقص الشديد في المعلومات الاثنوجرافية المؤكدة عن ماضي بعض الثقافات يجري الالتجاء لوسيلة اخرى تعتمد على ما يسمى بـ "الرواسب الثقافية" او مايسمى "التاريخ الظني"  كمصادر يمكن الاستعانة بها عند البعض.


عمل فريزر بطريقة منهجية على ربط الآراء أو"النظريات" العديدة التي صاغها عن الدين والسحر والفولكلور والطوطم والتابو وأرواح الموتى وما إليها ليتصور منها إجابات كان يطمح في الوصول اليها. وقد أثر كتابه "الغصن الذهبي" تأثيرا كبيرا في الأنثروبولوجيا البريطانية حتى مطلع  وأواسط القرن الماضي.


ما يهمنا من ذلك الكتاب، في عصر الربيع العربي الذي يتواصل الآن مع خريفه، ما يتعلق بالاساطير التي سجلها هذا الكتاب حول "نظام الملك"او "الحكم"والتنظيمات الإجتماعية في المجتمعات البدائية، وكيف تقرر تلك المجتمعات طريقة منح الحكم او عزله عن الأفراد.لعل نظام أو سلطة"المَلِك"قد انتقلت بصيغة ومن مصدر بدأبـ"المقدّس" أو "المؤَلّه" الى "الملك" الحاكم على الأرض، بوصفه كائناً متميزاً، ورد بصيغة إله تارة أو نصف إله تارة أخرى عند البدايات التي أشارت اليها أساطير الخلق والتكوين، أو من سلالة بشريةبـ "نصف تأليه"أو هو من"أبناء الآلهة" نفسها،قد يكون وصل الى الحكم بصورة بشرية.


كثيرون بعدهم وجدوا الصيغة للحكم التي تُلائم تطور عصرهم وزمانهم عندما يكتسبون الحكم بعناية أو توصية إلهية، وهم يستمدون في أغلب الأحوال شرعيتهم من خلالها، مباشرة أو بالتفويض أو بمباركة الهيئات الدينية وكهان المعبد أوالمؤسسة الدينية التي تجتهد لإختلاق صيغة الحكم واللقب للحاكم الذي يحكم به مواطنيه ، فتارة هم"خلفاء"، و"حكام" و "ملوك" من نسل نبيل، وهم أيضا"سلاطين" موَّرّثون، وهم مُبايًعون وأُمراء للمؤمنين أو المسلمين. حتى الإنقلابيين لهم نصيبهم من التفسير فهم قد حفظتهم وإختارتهم الاقدار والعناية الإلهية لحكم شعوبهم، وسيمنحهم الكرسي المحمي بالدبابة والعسس ودعاء الامة شرعية البقاء حتى تقرر القوة الأكبر منهم نزع السلطة عنه.


يبدأ الكتاب بمعالجة أسطورة قديمة مؤداها: (ان كاهن الإلهه ديانا في نيمي ـ وهو في الوقت ذاته "ملك الغابة" التي تسكنها الآلهة ـ  لا يصل الى مكانته السامية إلا إذا تمكن من قتل الكاهن، الملك السابق له، الذي يحتل المكانة بالفعل، واستولى منه عنوة على السلطة بنوعيها: سلطة الملك وسلطة الكهنوت... وإنه قبل أن يفعل ذلك لا بد من أن يقطع غُصناً معيناً من شجرة معينة بالذات،[يعتقد الكاتب انه الغصن الذهبي الذي ورد ذكره في شعر قرجيل]. فاذا ما تم له النصر على خصمه، كان عليه أن يعمل ما استطاع للمحافظة على حياته ومنصبه، وأن يدافع عنهما طيلة الوقت، فهو يُدرك تماماً أنه كما قتل سَلَفه فسوف يُقتل بيد خَلَفَه؛ فهذا مصير كل ملك كاهن وقدره).


 ان الشخص الاسطوري في اسطورة "ديانا وفيربيوس"، التي كان مسرحها مدينة أريكيا La Riccia الواقعة عند سفح جبل البا، يدعى "فيربيوس"،وكانت تمثله في الأزمنة التاريخية سلسلة من الكهنة الذين كانوا يعرفون بإسم "ملوك الغابة"، اما "ديانا" فهي "ربة الغابة". قدر اؤلئك الكهنة أو ملوك الغابة أنهم يهلكون دائماً بسيوف خُلفائهم، كما كانت حياتهم ترتبط، بشكل ما، بشجرة معينة بالذات داخل الغيضة المقدسة؛ على إعتبار: أنه ما دامت الشجرة سليمة، فقد سلمت حياتهم أيضا من الأذى.تلك كانت شريعة الهيكل المقدس، (... ألا يصل شخص الى منصب الكهنوت إلا اذا قتل الكاهن السابق، فاذا تم له ذلك إحتفظ لنفسه بذلك المنصب حتى يموت بيد شخص آخر، يكون أشد بأساً وأكثر دهاءاً. كان المنصب الذي يتولاه، والذي يتعرض من أجله لكل تلك المخاطر يحمل صفة " الملك". ولكن من المؤكد انه لم يكن هناك من بين أصحاب الرؤوس المتّوجَة، من كان يغزو نومه المضطرب، مثل تلك الأحلام المزعجة التي كانت تهاجم ذلك الملك الكاهن. لقد كان يتعين عليه، على مر السنين وتعاقب الفصول وإختلاف الأجواء، أن يقوم بنفسه بتلك الحراسة الفردية. وحين كان يتمكن من الإغفاء لبعض لحظات خاطفة سريعة؛ فإنما كان ذلك على حساب تعريض حياته للخطر).


من هذه البداية البسيطة تتبع فريزر الأسطورة في أشكالها وصورها المختلفة في كثير من شعوب الارض، سواء في العصور الغابرة أو في الازمان الحديثة، حيث توجد مشكلة الحكم وطريقته، توجد الأسطورة ؛ بل والنظام ذاته يكاد أن يتكرر بصيغة أو أخرى. كان بعض الانثروبولوجيين الغربيين يظنون ان الظاهرة مرتبطة بالمجتمعات التي وصفت من قبلهم بـ "الهمجية" أو " المتخلفة" أو "البربرية" او " البدائية" لدى عدد من القبائل الإفريقية والمجتمعات المنغلقة، وعبر البعض عنها متسائلاً: إن كان هذا النظام قد إندثر الآن تماماً أو كاد، مثل جيمس فريزر، رغم أن بعض هذه القبائل لا تزال تقوم بتمثيل الأسطورة، حين تتقدم السن برؤسائها، ويُطلب اليهم إعتزال مناصبهم، وتركها لزعماء آخرين من الأجيال التالية.
لقد شدت تلك الاسطورة انتباه فريزر اليها، فاهتم منذ البداية بالبحث عن إجابة لسؤالين هامين في نظره؛ الأول هو: لماذا كان يتعين على كاهن ديانا في نيمي أن يقتل سلفه الذي سوف يحل محله؟. والثاني: لماذا يتحتم عليه قبل أن يفعل ذلك أن يقطع ذلك الغصن الذي أشرنا اليه، والذي اتخذه فريزر عنواناً لذلك الكتاب؟ . وفي محاولته الإجابة على هذين السؤالين كتب فريزر كتابه الضخم بأجزائه الاثني عشر باحثا في سر الاساطير والدين والسحر.


رغم ان مسار فريزر في محاولته  لتحقيق هدفه كان طويلاً ومتعباً،للوصول الى تفسير تلك القاعدة الغريبة في الحكم،والتي كانت تنظم، مثل عملية تنظيم منصب الكهنوت الخاص بالإله ديانا في أريكيا. بحث فريزر طال لأكثر من ثلاثين سنة، وحصيلته مؤلف تضخم الى إثني عشر مجلداً لإيجاد الحل الجائز لتلك المشكلة،أو إيجاد حتى حل مقبول وعقلاني لهذه المسألة؛ فرغم إيجازه، لكنه قدم الكثير من الشواهد والأمثلة الصارخة لأنماط الحكم التي تعاقبت بمأساوية ودموية، وتكررت لدى الكثير من الشعوب والبلدان. وقد يعتقد البعض بمثل مايرده فريزر هنا، ان الحالة قدتظهر في احدى المراحل البربرية للتطور الاجتماعي، لكن فريزر يُشير الى أنها استمرت حتى في عصر الإمبراطوريات، ومنها الرومانية، ويبدو ان جيمس فريزر كان يقصد بإحدى إشاراته الى كلوديوس الاول. والواقع كما ترده الوقائع التاريخية: إن إثنين من أباطرة الرومان، كانا يحملان اسم كلوديوس، ومنهما كلوديوس الاول، الذي حكم ما بين (41 ـ 54)م.، وهو أخو الإمبراطور تيبريوس Tiberius ، كان في شبابه ماجناً ومهرجاً الى حد كبير، لكنه لم يلبث ان تحّول الى طاغية بعد ان تولى الحكم بعد الإمبراطور كاليجولا المشهور بنزواته وقسوته، وقد قتل زوجته الثالثة ميسالينا Messalina لخيانتها وعلاقاتها الفاضحة، وتزوج بعدها من أجربينا Agrippina الصغرى التي تآمرت عليه بعد أن أعلن إن ابنها سوف يتولى العرش بعده، ثم ندم على ذلك، واراد الرجوع  عن قراره. وقد تولى ذلك الإبن العرش، وعُرف بإسم نيرون المشهور، نيرون الطاغية، حارق روما.


 وما نعرضه هنا باختصارعن حالات أخرى ظهرت في عهود متأخرة نسبياً كأمثلة مختصرة، ومنها:
هناك نمط من الحكم الملكي محدد بفترة زمنية مرسومة النظام كان سائداً في مملكة الخزر القوية التي قامت في جنوب روسيا في القرون الوسطى، حيث كان الملوك يتعرضون للموت، إما عند نهاية فترة زمنية محددة، وإما حين تنزل بالبلاد إحدى الكوارث العامة كالجدب أو القحط أو الهزيمة في الحرب؛ مما كان يُعتبر علامة على إضمحلال قواهم الطبيعية وتدهورها. وبالتالي لا بد من قتلهم أو موتهم.


يقول فريزر حول مثل هذا المثال: (لقد سبق لي أن جمعت في مكان آخر[يقصد ما ورد كتابه الآخر "مقتل ملوك الخزر" ] القرائن والشواهد الخاصة بنظام قتل ملوك الخزر، وهي مستمدة في عمومها من كتابات الرحالة العرب القدامى).ويقول: (... كذلك تزودنا إفريقية بكثير من الأمثلة الجديدة عن نظام مماثل لقتل الملوك. وربما كان أبرز هذه الأمثلة العادة التي كانت مُتّبَعة في الماضي عند "البونيورو"Bunyoro، والتي تقوم على إختيار "ملك زائف" كل عام من عشيرة معينة بالذات، ويفترضون أنه يتقمص شخصية الملك الراحل، ويُباح له بذلك الإتصال جنسياً بأرامله في المعبد الذي دُفن فيه الملك، ثم يقتلونه بعد أن يحكمهم لمدة أسبوع ).


 ومن الامثلة المشابهة لنظام الملوك الكهنة السائد في أريكيا أيضاً وجود نظام للكهنة والملوك الأفارقة يعتمد طريقة إرسال هؤلاء الملوك الى حتوفهم في نهاية فترات زمنية مُعّينة، تتراوح بين عامين وسبعة أعوام، كانوا يتعرضون خلالها لكثير من الهجمات، إلى أن يتمكن أحد الرجال الأشداء من قتلهم، وتولي منصب الكهنوت أو الملك بعدهم.يرى فريزر ان تلك الحالة الإفريقية تشبه شبهاً قوياً عند بعض عادات البابليين القدماء في "عيد السكايا" Sacaea؛ فقد كان البابليون يختارون لذلك العيد ملكاُ زائفاً يضعون عليه ملابس الملك الحقيقي ويُبيحون له الإستمتاع بمحضياته وجواريه، وتولي مقاليد الحكم فيهم لخمسة أيام، بعدها يجردونه من ملابسه، ويُنزلون به أشد أنواع العذاب حتى يلقى حتفه. وحسب فريزر أيضاً: لقد تم العثور على بعض النقوش الآشورية التي تلقي المزيد على مثل هذا المعبد وتلك الطقوس؛ والتي يبدو انها تعزز ما يفسره البعض : في حتفال السنة الجديدة عند القدماء، وهو أصل عيد البوريم Purim عند اليهود.


بعد عرض الكثير من الامثلة وغيرها من العادات المماثلة لدى قبائل وشعوب لم يعد من الميسور أن تعتبر تلك الاساطير أو تلك الأحداث قاعدة للخلافة للحاكم، أو تولي منصب الكهنوت الخاصة بالإلهه ديانا، أومسرحها مُنحصراً في أريكيا كحالة استثنائية، فهي أمثال، تُشكل بلا ريب ظاهرة، أو نظام شائع الى حد كبير، في ازمنة وأمكنة متعددة في العالم. وإن كانت معظم الحالات والامثلة المشابهة تأتي من أفريقيا أو بلدان وصفت بالتخلف. لكن الانقلابات في الانظمة الشمولية التي شهدها القرن العشرين فيها من الأمثلة الكثيرة على عنف التداول على السلطة ضمن الحزب الواحد والعائلة الحاكمة الواحدة والبلد والعشيرة والواحدة.


يسجل فريزر زعمه المماثل، مُسجلا بعض الوقائع والحقائق التي تدل على أن إيطاليا قد تعرضت لبعض التأثيرات الوافدة من إفريقيا، أو إن بعض الجماعات الافريقية، تكون قدإستوطنت في جنوب أوربا في زمن مبكر، فالعلاقة بين القارتين في عصور ما قبل التاريخ غامضة. وهو يطلب المزيد من البحث والتحري في مثل هذه الظواهر.


ان النقطة الرئيسية التي تسترعي الانتباه لدى فريزر وغيره، هو التوقف عند لقب السلطة المسمى "الملك"، ولماذا كان يسمى "ملك الغابة"؟ ولماذا كانت وظيفته توصف بأنها "ملكية" أو انه "الملك"؟ . وقد كان مثل هذا الامر في إيطاليا وفي بلاد الاغريق، حيث أخذ الكهنة في روما وغيرها في مدن لاتيوم القاباً، من مثل "ملك القرابين" أو " ملك الشعائر المقدسة"، كما كانت زوجاتهم تحمل لقب " ملكة الشعائر المقدسة" أيضاً. حتى في أثينا الجمهورية، كان الحاكم الثاني، الذي يُختار سنوياً للدولة يلقب بـ "الملك". وتدعى زوجته بـ "الملكة"؛ رغم أن واجباتها، يُفتَرض ان تكون دينية خالصة. كذلك كان لكثير من الديموقراطيات الإغريقية الأخرى ملوك إسميون، لهم وظائف دينية تدور حول الموقد العمومي للدولة، كما كان لبعض الدول الإغريقية عدد من الملوك الإسميين الذين يتولون السلطة معاً في وقت واحد. وفي روما كانت التقاليد تقضي بتعيين "ملك القرابين والأضاحي" حتى بعد إلغاء النظام الملكي لكي يقدم القرابين التي كان يقوم الملوك بتقديمها في الماضي.


وقد شهد انهيار سلطة الخلفاء العباسيين والأمويين عدم تحكمهم من السيطرة على أطراف دولة الخلافة الاسلامية، التي تعطيهم وحدهم لقب "أمير المؤمنين" وتتم لهم بالبيعة العلنية. فقد ظهر ولاة و" أشباه ملوك" يتسمَّون تارة " ولاة" أو حتى " سلاطين" كما هو الحال في العهود البويهية والسلجوقية، حيث يحكم السلاطين وابنائهم تحت ظل وجود رمزي " للخليفة" لا يحكم ولا يقرر بأي شئ.


وهكذا فان الجمع بين الوظائف الكهنوتية والسلطة الملكية كان أمراً مألوفاً في كثير من المناطق، فلقد كانت آسيا الصغرى مثلا مركزا لعدد كبير من العواصم الدينية الكبرى التي سكنها آلاف من العبيد المقدسين ويحكمها رؤساء دينيون كانوا يجمعون بين السلطتين الزمنية والروحية مثل بابوات روما في العصور الوسطى.


واذا كانت كل الأنظمة الملكية العربية المعاصرة، قد طرحت مشروعية إمتلاكها الملك أو العرش، اما بالانتساب لملوكها الى العرش او النسب الهاشمي أو العلوي، ومنها أُسّر تلقبت بمشروعية دينيةمثل "خادم الحرمين الشريفين" او "حامي القدس" او ورثة"سدنة الكعبة الشريفة" أو "إمارة المؤمنين"؛فإنها، في كل الأحوال، لا تبتعد عن فكرة إغتصاب سلطة تحت عنوان مُعّين، مثلها مثل الأقوام التي نعتها الانثروبولوجيون الغربيون في المجتمعات" الهمجية" و"البربرية" و"البدائية" السابقة التي تمكنت من إقناع أتباعها بوجود فكرة "الإله الإنسان" وصورت عوالمها بعالم مقدس، بملئ الفراغ الروحي.


 لقد كان الملك في المجتمعات المبكرة يقوم بدور الساحر والكاهن والحاكم  معاً،  فأصبح الملك والحاكم العربي ورئيس الجمهورية صورة مستنسخة عن عالم متخلف بالاختلاء بالسلطة وتربيبها، فهو يقوم بدور "المعجزة" او "ملك الملوك" أو "عميد الرؤساء" أو "الزعيم الأوحد" أو " الزعيم الخالد" أو " الزعيم العبقري" او " القائد الفذ" ... الخ.  ويبدو ان الحاكم العربي عندما تخونه الإمكانيات للتوافق مع أحد الألقاب، سيجد في بطانته من وعاظ السلاطين والأتباع من يحاول أن يُبرّز براعته الكامنة والمزعومة والمُنتظرة، بإتجاه فّض، يدعم تسلط الخرافة القديم والمتخلف على العقل البشري متجاوزاً كل عصور التردي التي عاشتها الأزمان والبلدان.


 وفي الوقت الذي اكتشفت فيه الشعوب العربية خُرافة وجود كائنات بشرية حاكمة، خارقة للعادة في التسيير الأمثل  للموارد والامكانيات لإقناع شعوبها بأهلية الحكم وتأكيد حضور حالتها فانها  لم تلج بعد   باب التحضر والمعاصرة، بانتزاع نفسها من تلك الخرافة البائسة الموشومة في عقل الحاكم العربي، ومن محيطه الانتهازي المستغل للسلطة والحكم وامتيازاتها. والغريب ان كل حاكم عربي بات يخشى مصيره، لكنه يظل متشبثاً بما تقول له عرافاته وقارئات فناجينه وخطوط كفه في مجلسه وندوات إذاعته، وهناك من يتنبأ له بالفوز والنصر الدائم على خصومه، وانه بحق وريث الإلهام والسلطة والعناية الإلهية حتى لحظة وفاته سرسريا على كرسي السلطة وسريرها النقّال.


 ان جلّ حُكّامنا مصابون بهذا المرض الوبيل؛ لذا فهم معذورون سايكولوجياً، إذا ما سمعناهم يَهْذُون دون وعي، حتى لحظة السقوط الاخيرةبذلك الهذيان والخطاب المخزي بعد شبه إستفاقة عن غيبوبة عقود الحكم، فهم يثرثرون تحت وقع صوت التظاهرات:باأهم لازالوا يمتلكون القوى الإعجازية أو الخارقة للطبيعة للشروع بالاصلاح فوراً لتصحيح الخراب المنفلت من كل صوب.


 لقد إنتهت الاناشيد الصادحة ببطولاتهم وسط المباخر في القصور، وحانت لحظة الحقيقة من حولهم وما عليهم الا مشاهدة الواقع، تماماً كما تكلمت عنها الاساطير، عن ذلك الخلف الذي سيقتل السلف، إن لم ينزاح طواعية ومن دون شروط، عليه أن يُسّلم الغصن الذهبي من دون قتال ومناورة حول مصير القصر الملكي او الجمهوري او الأميري أو السلطاني.


 للأسف لازال في الوطن العربي، حكام من طراز الدالاي لاما، الذي يظن انه الرجل الوحيد الذي ينتحل دور الإله الذي سيحكم بعد ثلاثين إله  سبقوه وإختصت التبت بحكمهم، وهو الإله البشري الذي تنتظره الهمالايا والتبت، سيعود بالوهم، حتى ولو ظل مُتسكعاً في مقاهي المنافى وأروقة الامم المتحدة وصالات الفنادق من فئة خمسة نجوم، أي إله هذا، يفتش عن جائزة نوبل للسلام، كي يلمع صورته في أرذل العمر، يدفعها حتى لو كلّفَ نصف ميزانية شعبه الجائع وكرامة الصين، ثمنا لشراء تلك الجائزة.


 لقد غاب عن الدالاي لاما وأمثاله من حكامنا المخلوعين والمنتظر خلعهم، ان الصين تحولت من الشيوعية الى دولة رأسمالية وصناعية عظمى، ولم تعد تحتاج إلى إله مريض يمشي على الأرض على عكازة أمريكية، وقد حكمت الدولة الصينية عقول ودماء جديدة وتُسير دفة إقتصادها الروبوتات والأتمتة المعلوماتية المُبدعة.


الربيع العربي مر بصيفهالساخن جدا، ورغم أنه لم يحسم كل اجنداته التي تنتظرها شعوبنا، لأن البعض لازال يحلم ببقاء الوظائف المقدسة والتكليف له بالشرعية الدستورية التي نصبته يوما زوراً بنسبة 99% من الاصوات، وهناك من ينتظر سرقة ربيع الثورات، كل هؤلاء عليهم أن يقرأوا "الغصن الذهبي" ومصير الألقاب الملكية الغابرة؟،  وأين هو"ملك الغابة" في نيمي؟  وأين هو"الملك المختص بتقديم القرابين" في روما الى؟ وأين هو" القاضي" الذي سمى نفسه "ملكاً" في أثينا؟.


 إنتهت العصور البربرية والهمجية والمتخلفة، وحلت انظمة ديمقراطية، منها ما سارت على سكة حقوق الانسان وكرامته، ومنها تبربرت وارتدت خلف الصندوق مرة أخرى الى جاهلية القمع والتوريث والتزوير، منها جمهورية تملّكَت، وصارت جملوكية، ورثت لبلدانها أكثر من نيرون، ينتظر حرق بغداد ودمشق وصنعاء والقاهرة وطرابلس والرباط وعمّان وغيرها.


 لا يوجد حاكم عربي لديه معجزة تؤهله إستحقاق الحكم؛ فلا هو صاحب معجزة بإسقاط المطر المائي ولا النفطي ولا الحامضي، ولا هو ملك الأرض الخصبة وأرض السواد، هم جميعاً ملوك النار والهشيم من بعدهم حريق دائم. لقد كانت ديانا إلهه للخصوبة، ومثلها عشتار، اما زوجات الآلهة الملكية العربية والجمهورية المعاصرة فقد كن محضيات وصلن العروش من دون تيجان، وورثن أبنائهن عروشا جمهورية وملكية من سيقان وتوريث المبغى السياسي، لم يكن يوماً أمهات طاهرات، بطُهر الأرض التي يحاولن سلبها بما عليها من رقيق الارض ومواطنيها من الشعوب المبتلاة.


إن غداً لناظره قريب

 

 





السبت٠٣ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة