شبكة ذي قار
عـاجـل










ان حب الوطن والمواطنة والإنتماء, قيما تعلمناها منذ الصغر سواء أكان ذلك في البيت أم المدرسة حيث كنا وعلى مقعد واحد نجلس فيها سواء, كان زميلي كردياً والآخر مسيحياً, فالصف الواحد كان يجمع خليطاً عراقياً. وكل منا يعشق العراق بكل أطيافه وألوانه وطوائفه بعيداً عن أية مسميات, بل حتى الحروف التي يتكون منها العراق ماهي إلا عبارة عن ( ع- عزة و ر- رقي و ا- إباء و ق- قلب نابض ليس للعراقيين فحسب بل ولكل من أحب سماء وتربة وماء العراق ) , وكلنا كان ينشد يوم الخميس في رفعة العلم ذاك النشيد ( وطن مد على الأفق جناح ) ذلكم نحن العراقيين ولاعزاء.


وتمضي الأيام, وقد يصادف المرء في مشوار حياته رجلاً حكيماً فيسمع منه مثل ماسمعته من صديق لي قبل عقدين ونيف من الزمان, حين كان آنذاك أبن الخامسة والتسعين ربيعاً. أذكر أنها الجمعة الأخيرة من رمضان وأذكر أن الحديث دار بيننا عن أرض الطهارة والمقدسات "القدس" الشريف وعن أهلنا الصابرون الطيبون هناك, وعن ...وعن ...ثم وصل بنا الحديث الى الأخلاق, فقال فيها جملة لم أفهم قصده منها وقتذاك من أن ( الأخلاق السائدة هي أخلاق السائدين ) , ومنذ ذلك الحين وصداها يتردد جوف مسمعي.


وبعد عام 2003 وما آل إليه العراق ( الجديد ) من تدهور متسارع نحو المجهول, وما رافق ذلك من أحداث مؤلمة, علمت حينها والقلب يعتصر ماقصده ذلك الرجل الحكيم من عبارته الجميلة فلاتسأل عن أخلاق الناس بل أسأل عن أخلاق السائدين عليهم, وها نحن اليوم قد أصبح حالنا واحداً فبغداد السلام والقدس الشريف على حد سواء. فمن هم السائدون الآن؟.


لم يشهد العراق مثل هذه الفوضى والسخرية, بل ومن قبل حتى مثل هذا الغباء. فهل هي نتائج غير مقصودة بسبب الإحتلال فعلاً كما يدعون ! أم هي أهداف مخطط لها ؟
فالعراق الجديد بات يتصدر قائمة الفساد المالي والإداري في العالم حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية في برلين, التي قالت في تقرير له ( ان الفساد في العراق لا مثيل له في السوء والقبح .....وهو مخيف ومفزع, وأنه أكبر فضيحة فساد شهدها تأريخ البشرية ) . ولا تخفى علينا أنباء السلب والنهب المسعور وأختلاس المال العام التي أزكمت الأنوف برائحتها ؟؟؟؟, فلاعدالة ولا رقابة ولا قانون. فمن هو المسؤول عن هذا الخلق السائد في العراق اليوم؟


لاشك ان المسؤولية القانونية لا تترتب هنا إلا على عاتق سلطة دولة الإحتلال أي ( الولايات المتحدة الأمريكية ) , بإعتبار أن العراق ووفقاً للقانون الدولي العام يعتبر تحت سلطة الإحتلال الأمريكي. وبالتالي فان نص المادة 42 من أتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية تنطبق عليه بالنص ( تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش دولة الإحتلال..... ) , علما أن القواعد القانونية لهذه الأتفاقية تعتبر من القواعد الآمرة في القانون والتي لايجوز مخالفتها حتى ولو بالإتفاق.


وعليه, فإن كل إدعاء بوجود سلطة وطنية شرعية أو برلمان شرعي يتحمل تلك المسؤولية عن مايجري في عراق اليوم هو إدعاء باطل, طالما كان هناك جندياً أمريكياً واحداً على أرض العراق طبقاً لنص المادة المذكورة أعلاه, هذا من ناحية.


من ناحية أخرى, لو تطلعنا الى قرار بريمر في حل الجيش العراقي ( جيش الأمة العربية من محيطها الى خليجه ) الذي تسبب في كل هذه الفوضى, لوجدنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لامناص لها من تحمل تلك المسؤولية القانونية عن مايجري في العراق منذ 2003 وحتى تأريخ هذا اليوم. لأن قراره المشؤوم يخالف وبشكل فاضح نص المادة 54 من إتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12.08.1949 علماً أن قواعد إتفاقيات جنيف الأربعة هي أيضاً قواعد عامة وآمرة للمجتمع الدولي ولاتجوز حتى الإتفاق على مخالفتها, والتي تنص فيه ( يحظر على دولة الإحتلال أن تغير وضع الموظفين أو القضاة في الأراضي المحتلة أو توقع عليهم عقوبات أو تتخذ ضدهم تدابير تعسفية أو تمييزية إذا أمتنعوا عن تأدية وظائفهم بدافع من ضمائرهم.... ) . ولا نريد أن نخرج عن إطار الأخلاق السائدة في العراق الجديد. فإنتهاك الولايات المتحدة الأمريكية للقانون الدولي لايختلف عليه إثنان من أهل القانون منذ قرارها بشن الحرب العدوانية على العراق في آذار 2003 وحتى الآن.


فضلاً عن ذلك, فالسجون والمعتقلات في العراق "كأبو غريب" و "بوكا" و "كروبر" و "فورتسوسا" وما يحصل فيها من إمتهان لكرامة الإنسان بعيدة هي الأخرى عن العهود والمواثيق الدولية. فهذا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي أقره كل المجتمع الدولي عام 1966 من أجل تعزيز مبادئ العدل والحرية والسلام في العالم كما أن قواعده ملزمة وآمرة ولا تجوز مخالفتها أيضاً, وينص بكل صراحة على صون كرامة الإنسان وأن ( لكل فرد الحق في الحرية والأمان ولايجوز توقيفه أو إعتقاله تعسفاً.... ) , وهي كافية جداً لإثبات تلك المسؤولية على عاتق دولة الإحتلال, فقد شاهد الجميع تلك الفضائح المخزية صوراً وفي الأخبار والتي تعكس بلا أدنى شك تلك الأخلاق التي يتحلى بها المحتل, ولكن السؤال الذي يطرحه الجميع, هل يقبل العالم أن يذل شعب بأكمله دون أن يدافع عن كرامته قبل أرضه وعرضه؟ وهل يقبل أي شعب كريم في العالم أن يذل وتمتهن كرامته؟ وأنا أضيف متسائلاً هل يحق لنا أن نتهم ذلك الشعب الذي يأبى إلا أن يحافظ على ماتبقى له من كرامة بالإرهاب إذا مادافع عنها؟


إذا كنا نتطلع الى جواب قانوني لا علاقة له بالدين أو السياسة. فالحقيقة أقول, أن المجتمع الدولي في ميثاق منظمة الأمم المتحدة قد أنصف الأمم والشعوب بل وحتى الأفراد حينما أشار الى هذ المسألة بإعتبارها حقاً طبيعياً لهم بالدفاع عن النفس إذا ما تعرضوا لأي عدوان مسلح ( المادة 51 من ميثاق المنظمة الدولية ) .


فإذا كان المجتمع الدولي ينظر الى الدفاع عن الأرض والمال والشرف والكرامة على إنها حق طبيعي, فلماذا نتهم الشرفاء والمخلصين المرابطين بالجريمة والإرهاب عندما يمارسون حقاً طبيعياً منحه الله لهم قبل المجتمع الدولي.


قد لانتمكن من إصلاح الأخلاق السائدة عن طريق المواعظ والحكم, فالأخلاق تبقى وليدة الظروف الأجتماعية التي تحيط بها فتتأثر بها سلباً وإيجاباً ومالم تتغير تلك الظروف الطارئة فإننا لانأمل أن تتغير تلك الأخلاق كما نحب ونشتهي. فمازالت مخالب الإحتلال وأعوانه تنهش بثروات العراق وخزائنه وموروثه الثقافي والأجتماعي فضلاً عن السياسي بأسم الديمقراطية المستوردة دون أن تعي لحقيقة وتركيبة ذلك النظام الأجتماعي, فكل فرد في العراق ينتمي الى عشيرة لها نخوتها وتأريخها المملوء بمفاخر الرجولة والبطولة, فكيف لها أن تقبل بهذا الإمتهان؟


وباتت مكشوفة كل مخططات العدوان التي رسمها بوش أمريكا ونجاد إيران. فالمؤامرة واضحة للعيان, وهي تدمير العراق شعباً وحضارة وثقافة, لتهيئة المنطقة العربية لعهد أستعماري جديد, هاجسه الوحيد هو السيطرة على منابع النفط, بعد أن بلغ الأنتاج النفطي العالمي ذروته وبات يهدد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى, لذلك أستباحت كل شئ فلم تبق لها لا عهود دولية ولا مواثيق ولا حتى أدنى تقدير لإرادة ذلك المجتمع الذي أقرها من أجل الإنسانية جمعاء, وكل ذلك من أجل مصالحها فقط.


من كل ماتقدم, قد أكون شخصت داءاً دون وصف للدواء, ولكنني عرّفت على الأقل ما هو مصدر هذا الداء وأن كل مايترتب على ذلك من مسؤولية لا أحد يتحملها سوى سلطة الإحتلال, وأنه في المقابل هناك مسؤولية أخرى تقع على عاتق أهل النخوة من أخوتنا المرابطين هناك في التصدي والدفاع عن موروثهم الأخلاقي والأجتماعي من ذلك الداء الذي ليس له دواء إلا المخلصين من أهل النخوة الشرفاء.

 

 





الاحد٢٣ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي خليل أسماعيل الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة