شبكة ذي قار
عـاجـل










أن ما تشهده بعض اقطار الوطن العربي اضافة الى ايران من ثورات وحراك شبابي عارم يشير الى ان رياح التغيير بدأت تنداح علي مستوى المنطقة بشكل عام في ما يشير بجدارة الى أن تنامي مستويات الوعي الذي يتشكل هو الرهان على أنه لا نكوص ولا تراجع عن المطالب الشعبية التي ارتفعت سقوفها حتى بلغت في مدياتها إلي تغيير شكل و جوهر آليات العمليات السياسية التي على أساسها تدار الأقطار العربية وغير العربية في المنطقة ..

وجزء اساسي من ذلك ما تشهده إرتريا من تنامي حالة الغضب الشعبي في مدنها و اريافها اضافة الى مزيد من هجرة الشباب الذي كان بالإمكان أن يسهم في بناء الدولة وتطوير المجتمع.

ان كل هذا الغضب الشعبي المتفجر يشير الى ان عمر القمع وممارسة البطش الأمني من قبل الانظمة قد انتهى نتيجة لفقدانها البوصلة في معالجة الأزمات إلا عبر الحل الأمني و هذا مؤشر علي أنها مرحلة بداية النهاية.

ان هذا الفعل الشعبي العارم يلقي بظلاله على الامن القومي العربي ويعززه في اكثر من منطقة ومنها منطقة القرن الافريقي وخاصة في ظل ما تواجهه إيران من ثورة شعبية هائلة مقرونة بضغوط اقتصادية علاوة علي ما تفرضه عليها الثورات الشعبية في كل من لبنان و العراق و التي تنذر بتلاشي دورها في المنطقة بما فيها البوابة العربية الجنوبية حيث تكتسب منطقة القرن الإفريقي أهمية كبرى من الناحية الجيوسياسية قدراً عالي الأهمية للأمن القومي العربي.فهي تشكل سياج مهم لأمن هذه المنطقة من الوطن العربي ، و بالتالي كل الأحداث والتطورات السياسية في هذه المنطقة ذات الإطلالة الكبيرة علي البحر الأحمر له أثر بالغ علي المستويات الأمنية و السياسية و علي مستوى أهم أدوات الصراع الراهن عليها و التي يشكل الصراع الإقتصادي المحموم بين القوى التي تهيمن علي الاقتصاد العالمي اهم مسارحها.

عليه نجد أن الأنظار تتجه صوب المنطقة إزاء أي تطور سياسي تشهده.و في سياق تعقب هذه التطورات التي لها صلة عملية بالبعد الأمني علي المستوى القومي سيدور حديثنا عن دولة ظلت تشكل عبر تعرضها للإٍستقطبات الحادة خطر على أمننا القومي فتارة نجد الدور الإيراني فيها يتصدر المشهد و تارة تكون دولة الكيان الصهيوني حاضرة فيها بقوة ،إنها دولة إرتيريا التي تسيطر على أطول ساحل في البحر الأحمر.

كثيرة هي المتغيرات و التحولات السياسية التي حدثت في منطقة القرن الإفريقي ، مما أوحى أن ثمة مشهد جديد قيد العرض بدت تتكشف ملامحه منذ صعود الدكتور أبي أحمد إلي كابينة القيادة السياسية في اثيوبيا عقب أحداث دراماتيكية شهدتها اثيوبيا علي المستوى الإجتماعي و السياسي و حراك جماهيري غير مسبوق.و في تماهي انفعالي واضح مع نبض الشارع تسارعت وتيرة الإجراءات المنفعلة في ظل تعقيدات المشهد علي مستوى التحالفات السياسية و القومية و برزت جملة من التحديات امام الدكتور ابي احمد و سارع إلي حل الأزمة الكبيرة بين أثيوبيا و إرتريا بشكل اثار الكثير من التساؤلات و كأنما الأمر كان بإيعاز من أطراف داعمة لتصدره المشهد السياسي في اثيوبيا و دونما حوارات اٍستباقية.و تبدى ذلك في الصمت الإرتري الذي استمر زهاء الأسبوع قبل إعلان صاحب القرار الأوحد في ارتيريا قبوله المبادرة.

و في تقديري أن الإيعاز بقبول المبادرة كان أيضاً حاضراً لدي الطرف الإرتري في إطار مشروع إقليمي اسند إلي الدكتور ابي احمد و وبدى ذلك جلياً في كل العبارات التي رددها الدكتاتور أسياس من قوله أنه فوض أبي أحمد تفويضاً كاملاً في رسالة واضحة على تقبله أن يكون شريك في هذا المشروع مقابل بقاءه في سدة السلطة من خلال إخراجه من العزلة الدولية و فتح قنوات التواصل مع كل عناصر و أدوات المشروع في المنطقة.

و قد تم إخراج سيناريو السلام المزعوم بطريقة تجعل الأمر و كأنما هو انتصار للطرفين و حتى اللحظة تشير المعطيات علي الارض و بوضوح إلي أن الأمر كله تم في إطار المناورة بالتصريحات بين قادة البلدين فأثيوبيا مازالت تحتل الأرض الإرترية و تتمركز فيها قواتها و في امتداد إقليم لديه تحفظات واضحة على كل ما يدور من تدبير و تجهيز للمسرح لمشاهد لا تعدو الا أن تكون غير مقنعة.

في ظل كل هذه الأحداث طرحت جملة من التساؤلات المهمة و منها السؤال المحوري ، هل سيستجيب النظام الإرتري لإستحقاقات السلام عبر سلسلة من الإجراءات التي يبعث بها كرسائل للداخل و للمجتمع الدولي بعد أن شهد النظام عزلة دولية و إقليمية وكذلك لشركائه من صناع هذا السلام المزعوم حتى يجمل صورته علي الأقل ؟.و لكن جل بل كل الأسئلة لم تجد الإجابات المنتظرة و ذهب النظام نحو مزيد من الإمعان في الإجراءات التي تصادر القرار الوطني حتى يستمر بقاؤه في السلطة في ظل انحسار قدرته العسكرية و في ظل ما تعاني منه ( المؤسسة العسكرية ) من إستقطابات في الولاءات على مستوى الجنرالات الذين اصبح الدكتاتور يخطب ودهم كلاً حسب سطوته و قدرته و كذلك ما تشهده إرتريا من تنامي حالة الغضب الشعبي في مدنها و اريافها والهجرات المتتالية لابنائها الى الخارج.

و قد تعزز كل ذلك في ظل جملة من المتغيرات الدولية ذات التاثير المباشر على هذا الجزء من الوطن العربي ، حيث ارتفاع وتيرة المنافسة بين القوة الاقتصادية الكبرى الصين و الولايات المتحدة في القارة الإفريقية لذا فأن الدوائر الغربية أضحت اكثر من أي وقت مضى لا تكترث كثيراً بالقضايا الإنسانية و الحقوقية للإنسان في الدول القمعية، و انصب غالب جهدها في الحد من تمدد الدور الصيني الذي شهد تنامياً في الشراكات الاقتصادية مع الدول الإفريقية. وللاسف فان الصين دولة لا تعير أي اهتمام للحقوق الإنسانية بقدر ما يهمها ماذا تحقق من مكاسب فلديها القدرة علي التعامل مع أكثر الأنظمة فساداً و استبداداً طالما انها تستفيد منهم في إطار تحقيق مصالحها الاقتصادية مما حفز النظام نحو المزيد من الإجراءات التي تمكنه من بسط سطوته عبر اذرعه الأمنية التي تتشكل قياداتها من الدائرة القريبة إلي الرئيس اسياس.

كما ان النظام قد وظف الوضع في اليمن و تشكل التحالف العربي ليكون واحداً من المكاسب التي وظفها علي نحو يحقق مصالحه فكانت متغير مهم في المنطقة بالنسبة له.

و لعل بعض المتغيرات التي راهن عليها النظام هي الأخرى تغيرت بطريقة دراماتيكية و برزت جملة من المعطيات الجديدة و المفاجئة له علي خارطة المنطقة و بطبيعة الحال المعطى الأول و الأهم هو الموقف الجديد في أثيوبيا حيث برز إلي السطح خلاف بين حليفي الأمس أبي أحمد من جهة و جوهر محمد من جهة أخرى و الأخير كان له الدور الأكبر في تثوير الشارع الذي جاء الدكتور ابي أحمد محمولاً على مطالبه مما يعني أن جوهر محمد يمتلك القدرة علي تثوير الشارع الأثيوبي مرة أخرى على الدكتور أبي أحمد.و قد حدث هذا بالفعل مما دفع ابي أحمد إلي ممارسة البطش الأمني ضد انصار محمد جوهر.و لعل قوة و مركز الرجل وسط أنصاره تجلت في دفع سلطات الإقليم على إصدار بيان اعتذار على خلفية محاولة اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية حيث سارع حاكم اقليم الأرومو ( شيملس أبديسا ) إلى إصداره باسم الحكومة الحالية

وقد أقدم ابي أحمد علي كل ذلك و لم يمضى علي منحه جائز نوبل للسلام أكثر من شهر ( مما يعزز الشكك في معايرها ).

وبطبيعة الحال فان المستفيد الأول من هذا التدافع السياسي بين الطرفين هم خصوم النظام الإرتري التقراي الذين اخرجهم صعود أبي أحمد من دائرة التأثير علي مجريات الأحداث في اثيوبيا بعد أن كان لهم الدور الأهم على خلفية قيادتهم إسقاط نظام منقستو وبسط الحكم علي اساس لا مركزي في عموم إثيوبيا ، كما ان طبيعة العلاقة بين الجبهة الشعبية لتحرير تجراي و نظام البطش في اسمرا معلومة للجميع حيث التربص و الترصد هو الذي يحكم العلاقة بينهما.

ولقد اثرت الثورة الشعبية في السودان على كل ذلك فشكل انتصارها متغيراً أخر مهم.فكان تشكيل حكومة وطنية انتقالية من أولى مهامها إنجاز السلام العادل و مخاطبة جذور الأزمة السودانية ، يعني سقوط رهان أسمر على تعكير صفو الاستقرار في السودان وابتزازه بالعامل الأمني.و رغم المحاولات الدرامية في إيصال رسائل من النظام الإرتري في لمسات إخراج استقبال الشيخ سليمان علي بيتاي على نحو يوصل رسالة إلى الخرطوم إنها حاضرة في المشهد إلا أن الاستقبال الذي حظى به رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير و العدالة السيد / الأمين داؤود و الذي يمثل الشرق عبر منبر جوبا للسلام تحت مظلة الجبهة الثورية قد جعل من التكهن في أن يلعب سليمان علي بيتاي دوراً في الشرق لصالح النظام الإرتري أمر غير دقيق، كما أنه من المهم الإشارة إلي أن النظام الإرتري عبر اختياره الشيخ سليمان علي بيتاي عوضاً عن جبهة الشرق ربما يحدث بعض الهواجس بين حلفاء الأمس للنظام الإرتري من جهة و مجموعة موسى محمد أحمد و أمنة ضرار و مبروك مبارك من جهة أخرى حيث رعت إرتريا اتفاقية ( سلام اسمرا ) و التي لم تتنصل منها حكومة السودان الجديدة كاتفاقية ملزمة بالتعامل معها و لكن ليس بذات الرموز السابقة الذي كانوا شركاء لنظام الإنقاذ و لكن بوجوه جديدة من ذات مؤسسة جبهة الشرق و التي ربما يتم إضافتها إلى منبر جوبا من أجل ضبط الاتفاق الأساس في اسمرا و الذي لم يطبق حرفياً في ظل استمراء رموز الاتفاق لحياة الدعة و الرفاهية التي تمتعوا بها من خلال شراكتهم مع الإنقاذ.

اما علي المستوى الإقليمي فقد راهن النظام علي دور له عبر المشاركة في التحالف العربي في اليمن و لو بشكل غير مباشر، و لكنه ظل يعتمد علي المزايا التي تمثلها الموانئ الإرترية ولعب علي وترها ، و لكن فيما يبدو أن الحلفاء يفضلون ميناء عدن الذي يشكل اهمية كبرى علي المستوى الأمني و الاقتصادي.

و في ظل ما تواجهه إيران من ضغوط الثورة الشعبية فيها وضغوط اقتصادية كبيرة علاوة علي ما تفرضه عليها الثورات الشعبية في كل من لبنان و العراق اضافة إلي اثر الإتفاق بين الحكومة الشرعية في اليمن و المجلس الإنتقالي الجنوبي فان كل ذلك يشير الى تلاشي دورها وانحسار تهديدها للامن القومي العربي في المنطقة.

كل هذه الأسباب و المتغيرات المتناقضة التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية و التي تشهدها الآن، جعلت النظام الإرتري يعود إلي ذات منهجية المنطق الأمني في تصفية كل من يشك في ولاءه، و الي مزيد من تشديد القبضة الأمنية.و عاد إلي ذات اساليبه القديمة البائسة في إطلاق الشائعات كمقدمة لإجراءات تعسفية قادمة فنجد بعض البيانات المكذوبة عن محاولات اغتيال الرئيس تصدر من النظام كمقدمة لإلصاقها بمن يراد له / لهم أن يختفي أو يختفوا من المشهد و كذلك الإعلان عن محاولات اغتيال بعض الجنرالات ربما لتصفيتهم أو تصفية خصومهم بعد نسب المحاولة إليها عبر تقارير استخباراتية كاذبة ..

وفي المرحلة المقبلة سيعمد النظام إلي مزيد من الإجراءات التعسفية ضد كل مناوئ له في الداخل و بصورة همجية تؤكد فقدانه القدرة على التحكم والتوجه السليم في معالجة الأزمات إلا عبر الحل الأمني و هذا مؤشر علي أنها مرحلة بداية السقوط.لذا فان المطلوب من القوى السياسية التحرك علي كافة المستويات الرسمية و الشعبية و علي مستوى التواجد في المنصات الإعلامية لممارسة المزيد من الضغط حتى يسقط هذا النظام مغشياً عليه ..

في تصوري أن رياح التغيير المتمثلة بالثورات الشعبية في العراق و لبنان و قبلهم في السودان و الجزائر بدأت تهب على وطننا العربي والتي كانت محفزة للشعوب الإيرانية لتنتفض هي الاخرى ضد نظام ولاية الفقيه ومشروعه التوسعي الاستعماري في المنطقة.وان هذه المتغيرات ستفضي الى تعزيز الامن القومي العربي عبر إضعاف العناصر التي تهدده.

و لعل من بواعث الأمل أنه سيكون لهذه الثورات العربية دور كبير في تشكيل الدولة الوطنية المدنية الخارجة من دائرة تأثير المدلولات الطائفية و الجهوية لتحلق بابناء الامة العربية إلى أفاق أرحب وصولاً إلي تشكيل رؤية قومية موحدة علي اساس إستحضار المصلحة الجمعية التي بدأت تتشكل بوعي و تستوى علي نار هادئة لتتجاوز هذه الثورات المحددات الطائفية و الجهوية فأن الفكاك من هذه القيود هو الذي يمكن الرهان عليه للخروج إلى رحاب الوحدة القومية في حدها الأدنى.





الاحد ٢٦ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة